يوسف شرقاوي
تصف الحكومة الأردنية التعديلات الدستورية الجديدة بأنها “خارطة طريق” للمرحلة السياسية الجديدة التي ستشهدها المملكة الأردنية، مرحلة تكون قواعد اللعبة فيها مختلفة عن السابق، عنوانها حكومات مشكلة بناءً على أغلبية حزبية في البرلمان.
استمرّت المناقشات النيابية نحو ستين ساعة على مدى تسع جلسات خلال أسبوع، أقرّ خلالها مجلس النوّاب الأردني ثلاثين تعديلاً جديداً على الدستور أرسلتها الحكومة، بناءً على مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. صوّت لصالح هذه التعديلات الدستورية 104 نواب ورفضها 8 نواب، من أصل 112 نائباً حضروا جلسة التصويت، لكنّ تعديلاً آخر ينص على أن يصير الملك رئيساً لمجلس الأمن والسياسة الخارجية تم رفضه بالأغلبية.
الخلفيّة
شكّل الملك الأردني قبل شهور “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية”، يرأسها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، وتعرضت هذه اللجنة لانتقادات واسعة، لأسباب كثيرة. منها أنّ رئيسها هو أول رئيس وزراء أسقطه الشارع في موجة الربيع العربي، أو لأعضائها الذين كان عددهم اثنين وتسعين قبل استقالة اثنين منهم، وصولاً إلى المغزى من هذه اللجنة، ومفاده تقديم مقترحات جديدة لقانونَي الأحزاب والانتخابات. ذلك ما يمهّد لتحقيق أمنية الملك الأردني عبد الله في تشكيل حكومة برلمانية، فيما قال الرفاعي عن هذا الأمر إنه لن يتحقق قبل عقد من الزمن.
تقدمت اللجنة بتعديلات تمس اثنين وعشرين مادة من الدستور، إثر ذلك، “في وقت أكّدت فيه جميع الأطراف ذات النفوذ عدم تدخّلها في عملها، سواءً عبر الملك الذي هو مرجعيّتها، أو حتى عبر دائرة المخابرات التي تعهّد رئيسها، اللواء أحمد حسني حاتوقاي، في لقاء علني مع رؤساء تحرير صحف محلّية ومواقع إعلامية، بـ«حماية مُخرجات اللجنة الملكية، وتهيئة الأجواء المناسِبة والأرضية الصلبة للتدرّج في تطبيقها».
أفضى مشروع تعديل الدستور هذا ضمن منظومة التحديث السياسي إلى إنشاء مجلس للأمن القومي والسياسة الخارجية، بدلاً من مجلس للأمن الوطني، يخضع لرقابة البرلمان ودون أن يترأسه الملك، على أن يجتمع عند الضرورة بدعوة من الملك بحضوره أو حضور من يفوضه. ويضم المجلس في عضويته: رئيس الوزراء، وزير الدفاع، وزير الخارجية، وزير الداخلية، قائد الجيش، مدير المخابرات، مدير الأمن العام، وعضوين اثنين يعينهما الملك. ولكن من أبرز التعديلات المُقرة، “منح الملك صلاحيات منفردة بالتعيين والإقالة لمناصب دينية وأمنية، كمفتي المملكة وقاضي القضاة ورئيس المجلس القضائي الشرعي ومدير الأمن العام، ووزير البلاط الملكي ورئيس الديوان الملكي، إضافة إلى مستشاري الملك، دون تنسيب من مجلس الوزراء”.
ليست المرة الأولى
ليس هذا التعديل الأول على دستور المملكة الأردنية الهاشمية، بل هو الرابع خلال عشر سنوات. كان من أبرزها تعديلات عام ٢٠١١ إبان الربيع العربي، وتعديلات عام ٢٠١٦ التي منحت الملك صلاحيات منفردة لتعيين بعض المناصب. إذ يوفر الدستور سلطات كبيرة للملك ومنها تعيين رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الأعيان في مجلس الأمة، والقضاة، فضلاً عن إصدار القوانين والمصادقة عليها. ومن صلاحيات الملك عقد جلسات مجلس الأمة وتعليقها وحل المجلس، فضلاً عن الأمر بإجراء الانتخابات العامة وتأجيلها. ويوجه الملك الأوامر للقوات المسلحة، ويعلن الحروب، ويبرم اتفاقيات السلام. وتنص المادة 30 من الدستور على أن “الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية”.
ورأت بعض الأوساط القانونية والسياسية والمعارضة أنه من شأن هذه التعديلات أن تمنح الملك اختصاصات جديدة، “اعتبرتها الحكومة الأردنية واللجنة القانونية النيابية، اختصاصات أصيلة، للنأي بها عن أي تجاذبات سياسية وحزبية مستقبلاً، مع إنجاز مشروعي قانون جديدين للأحزاب والانتخاب مرتقبين خلال الأسابيع المقبلة”.
كما أنّ فكرة تشكيل “مجلس أمن وطني” ليست بالجديدة، كما يجيء في مقالة نشرتها جريدة الأخبار: “إذ لطالما كانت هناك مساعٍ لتشكيله بعد احتلال العراق، علماً أن فكرته تتمحور حول إنشاء هيئة تُشابه نظيرتها الأميركية، تَجمع الأطراف الحسّاسة والتنفيذية في الدولة، للتصرّف في الأوقات الحرِجة، ولتقوم مقام المرجعية الاستشارية والتقييمية لإدارة الدولة”.
دولة الملك
مقترحات الحكومة بتشكيل مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية برئاسة الملك، إضافة إلى إعطاء الملك الأردني «من دون تنسيب من مجلس الوزراء» صلاحيات بتعيين قاضي القضاة، ورئيس المجلس القضائي الشرعي، والمفتي العام، ورئيس الديوان الملكي، ومستشاري الملك، يعني أنّ الدولة ستكون دولة الملك بالكامل، “دون رقابة الشعب الذي هو مصدر السلطات، وفق الدستور”. فيما اعتبر رئيس اللجنة القانونية النيابية، المحامي عبد المنعم العودات، أن التعديلات المُشار إليها بالقول «تأتي لإبعاد المؤسّسات الدينية والعسكرية عن التجاذبات السياسية أو الحزبية»، على أنها تخوّفات الذين “يمكن تسميتهم بـ«الدولة العميقة» في الأردن، من انفتاح ديمقراطي حقيقي (سواءً أكان سلبياً أم إيجابياً)”.
بدأ الجدل في البداية حول اسم المجلس، “وطني” أو “قومي” لتوضيح مساحة عمله. تم الاتفاق على تسميته بعد ذلك بالوطني، “أي يهتمّ بالشأن الداخلي، والسياسة الخارجية التي يديرها عبد الله بشكل تامّ، على أن يضمّ رئيس الوزراء، ووزيرَي الداخلية والخارجية، وقائد الجيش، ومدير المخابرات، وعضويَن آخرين يُعيّنهما الملك أيضاً. وبالطبع، كان اقتراح الحكومة تولّي الملك لرئاسة المجلس”.
قال وزير الإعلام الأردني الأسبق محمد المومني إن هذا المجلس “من شأنه أن يرفع عن كاهل الحكومات الحزبية القادمة جملة القرارات غير الشعبية، لكن تلك القرارات ضرورية للأمن القومي الأردني والسياسة الخارجية، وهنا تكمن أهمية هذا المجلس. وإنّ المجلس يشكّل ضمانة حقيقية للمضي قدماً في مرحلة الحكومات الحزبية، ويؤسس لكثير من التفاهمات والتنسيق الذي تحتاجه الحكومات البرلمانية المنبثقة عن الأغلبية الحزبية”. فيما على الطرف الآخر، رأى المحلل السياسي منذر الحوارات أن “التعديلات الدستورية جاءت للحد من صلاحيات السلطة التنفيذية القادمة، وتقييد لولايتها العامة، خاصة عند الحديث عن تأسيس مجلس للأمن القومي يعنى بالسياسة الخارجية والأمن وملفات داخلية”. وأنّ “التخويف من الأحزاب السياسية الصاعدة من التدخل في هياكل البنية الأمنية والمؤسساتية، وأن تصبغها بالصبغة الحزبية وتدخلها بالعمل السياسي، هو كلام يتنافى مع الديمقراطية وحرية الاختيار”.
الرفض
رفض البرلمان الأردني بالأغلبية رئاسة ملك البلاد لمجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية.
و”عارض مجلس النواب تعديل المادة الثالثة من مشروع التعديلات الدستورية المادة 32 من الدستور. وأيد مجلس النواب الأردني قرار اللجنة القانونية بعدم الموافقة على المادة الثالثة من التعديلات الدستورية التي تنص على أن الملك هو رئيس مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية”.
جاء الرفض “بواقع 113 صوتاً رافضاً من أصل 130، لاعتبارات تتعلق بإخضاع مجلس الأمن الوطني، للرقابة من السلطة التشريعية، وهو ما اُعتبر: إخلالاً بمبدأ السلطة والمسؤولية في النظام الملكي وصلاحيات الملك الدستورية، الذي يرأس السلطة التنفيذية ويتولاها من خلال وزرائه”.
ارتباك
بالتزامن مع هذا الجدل، خرج الملك عبد الله ليغمز من قناة معارضيه في «الدولة العميقة»، والذين وصفهم بـ «أطراف تريد لمسيرة الإصلاح أن تفشل». كما يجيء في مقالة نشرتها جريدة الأخبار، وذُكِر أيضاً “أن خطابه بدا مربكاً، بالنظر إلى أن الحكومة هي حكومته، واللجنة الملكية هي لجنته أيضاً…
ما يمكن تأكيده أن عبد الله حصد ما يريده من خلال اللجنة الملَكية، لكن ذلك لم يخلُ من تأثيرات سلبية على صورته التي اهتزّت قبل عام بعد «حادثة الفتنة»، عدا «تسريبات باندورا» التي سحبت حتماً من رصيده الشعبي، في وقت يمرّ فيه الأردن بظروف اقتصادية سيّئة وأزمة مياه وهوية، وأيضاً أزمة حُكم يسعى عبد الله لحلّها، قبل إرساء الملَكية الخامسة وتتويج ابنه رسمياً”.