كانت هذه القمة من المنظور الإسرائيلي فرصة لبناء علاقات تناهض النفوذ الإيراني في المنطقة في ضوء الاتفاق النووي الجديد الذي تدعمه الولايات المتحدة.
جاستن صالحاني
التقى ممثلو أربع دول من جامعة الدول العربية بوزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لبحث القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي والعلاقات مع إيران، بالإضافة إلى طرح قضايا الفلسطينيين نيابةً عنهم، وذلك وفقًا للبيانات الصادرة عن القمة. وبينما تشدقت تلك الدول بالقضية الفلسطينية، لم يُدع إلى القمة أي ممثل يعبّر عن صوت الفلسطينيين.
يأتي انعقاد هذه القمة بعد نحو عامين من اتفاقيات إبراهام التي شهدت إبرام اتفاقيات سلام بين إسرائيل وأربع دول عربية. وأرسلت البحرين والمغرب والإمارات ممثلين عنها، وكذلك فعلت مصر، أولى الدول التي وقّعت على معاهدة سلام مع إسرائيل في 1979، بينما لم يرسل الأردن الذي يجمعه علاقات رسمية بإسرائيل أي ممثل عنها.
دعت الدول العربية التي حضرت القمة إلى حلّ “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وقد لاقت هذه الدعوة ترحيبًا من بلينكن الذي كرر ذكر الفلسطينيين علانية في تصريحاته مع نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي. وليس هناك ما هو أكثر دلالة من اختلال توازن القوى بين إسرائيل وفلسطين أكثر من غياب أي فلسطيني عن القمة ليعبر عن صوت أمته. وما كان من وزارة الخارجية الفلسطينية إلا أن وصفت القمة بأنها “هجوم قاس ضد الشعب الفلسطيني”. وترى منظمة العفو الدولية أن القضية الإسرائيلية الفلسطينية ليست نزاعًا عادلًا بأي شكل، بل هي احتلال ونظام فصل عنصري من دولة إسرائيل.
ولا يظهر من تصريحات الدبلوماسيين العرب اهتمام أو تطرق لأي من المحن التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، مثل التعديل العنصري الأخير لقانون الزواج. إذ يمنع القانون بعد تعديله المواطنين الإسرائيليين من منح الجنسية أو الإقامة لأزواجهم الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة. ورغم جهود بلينكن الرامية إلى طرح القضايا الفلسطينية وحثه على اتخاذ خطوات من أجل حل الدولتين، ما يزال الفلسطينيون يشعرون بأنهم قضية هامشية في نظر إدارة بايدن. ومن ناحية أخرى، ربما يكون المشاركون في القمة قد غفلوا عن عدم اكتراث بينيت بتقديم أي مساعدة لدفع عملية السلام.
كانت هذه القمة من المنظور الإسرائيلي فرصة لبناء علاقات تناهض النفوذ الإيراني في المنطقة في ضوء الاتفاق النووي الجديد الذي تدعمه الولايات المتحدة. ويهدف الاتفاق الجديد إلى وقف البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات على إيران مع احتمال تراجع الولايات المتحدة عن تصنيف فيلق الحرس الثوري الإسلامي منظمةً إرهابيةً.
وقال يائير لابيد وزير الخارجية الإسرائيلي في تصريحاته: “بهذه القمة نصنع التاريخ معًا ونبني نظامًا إقليميًا جديدًا عماده التقدم والتكنولوجيا والتسامح الديني والأمن والتعاون الاستخباراتي. ومن خلال النظام والقدرات المشتركة بيننا، نكون قوة ترهب أعداءنا المشتركين وتردعهم، وفي مقدمتهم إيران وأتباعها”.
ومن المنتظر أن يزداد التعاون الأمني الإقليمي بين هذه الدول، إذ تدرس إسرائيل إمكانية إرسال ضابط عسكري إلى البحرين للانضمام إلى فرقة إقليمية لمكافحة القرصنة. كما أفادت صحيفة نيويورك تايمز أن هذه الدول تعد خطة لتشكيل نظام اتصالات إقليمي لتحذير الدول الشريكة من الطائرات المسيرة التي تستعملها إيران أو وكلاؤها.
فقد تعرضت البنية التحتية السعودية والإماراتية خلال الأشهر الأخيرة لهجوم شنهُ الحوثيون في اليمن بدعم من إيران. ووفقا لما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن الإمارات والبحرين قد استغلتا القمة لتوريط الولايات المتحدة في مضاعفة تدخلها وتأدية دور الشرطيّ في المنطقة كما اعتادت.
ورغم ذلك، فإنّ الإمارات والبحرين غير مهتمتين بالإنضمام إلى الحملة الإسرائيلية ضد طهران، بحسب ما ذكرت تايمز أوف إسرائيل على لسان دبلوماسي عربي شارك في القمة. فالإمارات تبني علاقات تجارية مربحة مع إسرائيل مع احتفاظها في الوقت نفسه بعلاقات مماثلة مع إيران.
وكل هذه التطورات تُفضي إلى الإفصاح عن النية الأكبر وراء هذه القمة العربية، ألا وهي الرغبة في ترسيخ سلطة المستبدين المناهضين للّيبرالية.
والمغرب هي أكثر الدول ديمقراطية من بين الدول الأربع التي زارت إسرائيل، فقد احتلت المرتبة 95 في مؤشر الديمقراطية لعام 2021. بينما حلّت مصر في المرتبة 132، والإمارات في المرتبة 134، وحلّت البحرين في مؤخرة الترتيب العالمي في المرتبة 144. فكيف يكون لادعاءات هذه الدول بالدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم أي مصداقية وهي لا تترك مساحة لشعوبها للتعبير عن آرائها.
وبعد القمة مباشرة، أعلنت إسرائيل تأييدها لخطة المغرب في الصحراء الغربية وفقًا لرويترز. وذلك رغم المعارضة الشديدة من جماعات الاستقلال الصحراوية. وبالنظر إلى أن الدول المشاركة في القمة تعمل دومًا على قمع حركات تقرير المصير والحركات الديمقراطية وتوطيد أركان الاستبداد، فإن مثل هذه التحركات والخطط تتوافق تمامًا ورؤيتهم.
وكانت الإمارات قد وضعت ضمن شروطها للتطبيع مع إسرائيل تعليق الاحتلال خطط ضم الضفة الغربية. لكن المسؤولين الفلسطينيين تشككوا في نيات الإماراتيين منذ البداية، علماً بأن الإمارات لم تتطرق كثيرًا للقضية الفلسطينية أو لعملية السلام منذ ذلك الحين.
وقد دعمت الإمارات ومصر التدابير الاستبدادية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد مثل تعليق البرلمان ثمّ حلّه لاحقًا. وتكرر الدعم مرة أخرى مع عبد الفتاح البرهان الذي قمع الاحتجاجات وسقط بسببه آلاف الجرحى، وما لا يقل عن 90 قتيلًا. واستقبلت الإمارات الرئيس السوري بشار الأسد في مارس 2022، وقد كان يعاني العزلة السياسية بعد الفظائع التي ارتكبها بحق الشعب السوري منذ 11 عامًا. وكما يبدو جليًا، فإن الإمارات لا تكترث لمسألة جرائم الحرب، سواء ارتكبها الأسد أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ رفضت أبو ظبي رفضًا قاطعًا إدانة غزو روسيا أوكرانيا.
في سائر بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تُروّج القوى الإقليمية وإسرائيل والولايات المتحدة للتطبيع مع إسرائيل باعتباره تقدمًا في تحقيق عملية السلام. لكن الحقيقة هي أن التطبيع يضر كل المناضلين في المنطقة في سبيل التحرر من الاستبداد. مرت عقود ودعم الدول العربية للقضية الفلسطينية على حاله قول بلا فعل، وذلك لأن التعويل على أنظمة استبدادية بحسب تصنيف مؤشر الديمقراطية لن يأتي بأي خير لشعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولن يضر توطيد العلاقات بين هذه الأنظمة الاستبدادية والمناهضة للديمقراطية أحدًا أكثر من الفلسطينيين.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.