وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قطر، واجهة تواصل طالبان مع المجتمع الدولي

قطر واجهة تواصل طالبان
(من اليسار إلى اليمين) رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في أفغانستان عبد الله عبد الله، ومبعوث قطر لمكافحة الإرهاب مطلق القحطاني، وقائد فريق طالبان المفاوض الملا عبد الغني برادر خلال محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان في العاصمة القطرية الدوحة في 18 يوليو 2021. KARIM JAAFAR / AFP

مات ناشد

في عام 2013، افتتحت حركة طالبان مكتباً سياسياً لها في العاصمة القطرية الدوحة بمباركةٍ أميركية، حيث أصبح المكتب العنوان الدائم لمسؤولي طالبان أثناء مشاركتهم في محادثات سلامٍ مع المسؤولين الدوليين. آنذاك، ظهر ممثل طالبان محمد نعيم على قناة الجزيرة القطرية ليعلن أن حركة التمرد الإسلامي تريد الحفاظ على “علاقات جيدة مع جميع دول العالم.”

وأضاف “لكن الإمارة الإسلامية (لطالبان) ترى في استقلال الأمة عن الاحتلال الحالي واجباً وطنياً ودينياً.”

وبالانتقال سريعاً إلى الوقت الراهن، سيطرت طالبان اليوم على أفغانستان بعد الإطاحة بالحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في وقتٍ سابق من هذا الشهر(أغسطس 2021)، حيث دخلت حركة طالبان إلى العاصمة كابول في 15 أغسطس2021بعد استخدام الإكراه للظفر بعددٍ من عمليات الاستسلام التي تم التفاوض عليها ضد القوات الحكومية، الذين لم يحصل العديد منهم على رواتبهم منذ ستة إلى تسعة أشهر. ومع ذلك، شكل الهجوم العسكري الخاطف لطالبان صدمةً في العالم بأسره بعد انسحاب إدارة بايدن من أفغانستان في مايو 2021.

من جهته، دافع بايدن عن نفسه ضد الانتقادات بالقول بأنه تم تنفيذ الانسحاب بشكل سيء، إذ تجسدت الفوضى بأبشع صورها بعد انتشار مقطع فيديو لطائرة أمريكية تقلع وسط أعدادً مهولة من المدنيين الأفغان الذين كانوا يتوسلون للخروج من البلاد، حيث توفي بعض الشبان جراء التشبث بالطائرة أثناء إقلاعها.

ومع ذلك، ما زال بايدن يلقي باللوم في سقوط كابول على انهيار الجيش الأفغاني، كما ألقى باللوم على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب لإبرامه صفقةً مع طالبان ألزمت الولايات المتحدة بالانسحاب بحلول الأول من مايو. تم إبرام الصفقة المذكورة في الدوحة من قبل المبعوث الأمريكي زلماي خليل زاد ونائب زعيم طالبان الملا عبد الغني برادر في 29 فبراير 2020.

لم يكن لدى الولايات المتحدة سوى شرطٌ رئيسي واحد للسلام: لم تكن تريد لطالبان أن تؤوي جماعات إرهابية مثل القاعدة أو داعش التي تهدد حياة الغرب ومصالحه. وعلى الرغم من التقدم الكبير المحرز، جرت محادثات السلام على خلفية تصاعد عنف طالبان، حيث بدا آنذاك أن الحركة سعت إلى تعزيز نفوذها في المفاوضات من خلال تحقيق مكاسب في ساحة المعركة. وفي سياق استقراء أحداث الماضي، أدركت طالبان أن بإمكانها الإطاحة بالحكومة الأفغانية بسبب الرغبة الأمريكية المستميتة لطي صفحة أطول حروبها.

أعاقت حسابات طالبان جهود قطر لتيسير التوصل إلى صفقةٍ حقيقية لتقاسم السلطة مع المسؤولين الأفغان من الحكومة التي أزيحت من السلطة اليوم، وبعد أشهر من المحادثات الفاشلة، اقترحت قطر أخيراً في يونيو لعب دور الوسيط الرسمي بين الطرفين المتحاربين، بيد أن قطر فشلت في إقناع طالبان بوقف سيطرتها العسكرية على كابول.

واليوم، يبدو أن قطر قد حصرت نفسها، إذ صرح وزير خارجية الإمارة محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي لعب دور الوسيط بين الحكومة الأفغانية المخلوعة وطالبان، بأن الدوحة لن تعترف بأي حكومة أفغانية تم تنصيبها بالقوة.

وفي هذا الصدد، قال شخص مطلع على المحادثات الجارية لصحيفة فاينانشيال تايمز إن الوسطاء القطريين ما زالوا يحاولون جلب صناع القرار إلى طاولة المفاوضات.

وقال المصدر “المشكلة مع طالبان هي أنك تتحدث معهم ونصف المجموعة توافق على شيء والنصف الآخر يرفضه.” وتابع، “في الوقت الحالي، اللاعبون الجالسون على الطاولة في [الدوحة] رائعون، لكن من الواضح أنهم لا يحصلون على قرارات نهائية من كلا الجانبين.”

تتوافق جهود قطر مع هدفها الجيوسياسي الأكبر المتمثل في أن تصبح الوسيط الرئيسي للصراعات والخلافات السياسية في العالم العربي وخارجه. ومع ذلك، يجادل النقاد بأن دور الدوحة في أفغانستان لم يسفر سوى عن إضفاء الشرعية على طالبان، بينما يضيف آخرون أنه من الواضح أن قطر كانت تستثمر في محاولة إقناع الجماعة المتطرفة بتخفيف نهجها في الحكم وتبني من يشغل وجهة نظرها العالمية ذات التوجه الإسلامي.

فعلى سبيل المثال، في أكتوبر 2020، رتبت قطر لقاء وفدٍ من طالبان مع الشيخ الشهير يوسف القرضاوي، الذي يقدم برنامجاً دينياً على قناة الجزيرة العربية. تم تكليف القرضاوي بتشجيع طالبان على إعادة تصور الدور الذي يمكن أن يلعبه الإسلام في هيكل حكمهم، حيث خاطرت هذه الخطوة بالإضرار بسمعة قطر التي صاغتها بحرص، ومع ذلك يعتقد المحللون أن مقاربتها قد آتت أكلها في النهاية.

“نصبت قطر نفسها على أنها الوسيط الأول مع طالبان،” على حد تعبير سينزيا بيانكو، زميلة أبحاث الخليج في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “كان رهاناً محفوفاً بالمخاطر، لا سيما بأخذ جوانب القرار مع الجمهور الأوسع بعين الاعتبار، لكنها آتت أكلها.”

وأضافت: “الآن، باتت قطر في وضعٍ جيد لتصبح نقطة التواصل الأولى للاعبين الإقليميين والدوليين الذين يرغبون في استكشاف إمكانية التعامل مع طالبان… دون أن يضعوا أنفسهم موضع شبهات.”

قطر واجهة تواصل طالبان
نساء أفغانيات داخل مجمع للمنازل بالقرب من وسط العاصمة القطرية الدوحة، حيث بدأ اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً من أفغانستان في الاستقرار (21 أغسطس 2021). KARIM JAAFAR / AFP

ومنذ الانسحاب الأمريكي، التقى قائد عسكري أمريكي مع طالبان في الدوحة لمناقشة إجلاء آلاف الأشخاص الذين يحاولون الخروج من أفغانستان، حيث مدت قطر يد العون لتلك الجهود بالموافقة على إعادة توطين آلاف الأفغان مؤقتاً إلى أن يتم نقلهم إلى دولة دائمة جديدة.

ومع ذلك، يتمثل الاختبار الحقيقي لقطر بإقناع طالبان بالتخلي عن أقسى سياساتها لإرضاء المانحين الغربيين. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف الاقتصاد القانوني في أفغانستان يعتمد على المساعدات الخارجية، حيث يعيش 90% من السكان على دولارين في اليوم. وفي حال لم تعترف دول مثل الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بطالبان، فيمكنها قطع المساعدات التي تمس الحاجة إليها إلى أجلٍ غير مسمى.

كما قد يتعرض بعض القادة لضغوطٍ من قبل خصومهم المحليين الذين يواصلون فرض عقوبات شديدة على الحركة، ولكن وعلى الرغم من وحشية طالبان، فإن العقوبات سيكون لها وقعٌ جماعي على السكان الذين عانوا بالفعل من عقدين من الحرب والاحتلال الغربي. كما لن تكون الاستثناءات الإنسانية كافية ذلك أن تجاوز الثغرات القانونية يمتص الكثير من طاقة مجموعات الإغاثة. وعلاوةً على ذلك، سيحجم المستوردون عن القيام بأعمال تجارية في أفغانستان بسبب خطر انتهاك العقوبات عن طريق الخطأ.

بيد أنه يمكن تجنب الكارثة إذا أقنعت قطر المجتمع الدولي وطالبان بالتعاون من أجل الأفغان – وهو سيناريو يتطلب من طالبان إظهار تغييراتٍ ملموسة في طريقة حكمها.

وحتى الآن، أظهرت طالبان سلاسةً في علاقاتها العامة، إلا أن التقارير الواردة من أفغانستان تشير إلى أن الحركة ما تزال متمسكة بأيديولوجية عنيفة ومتطرفة. فقد قتل مقاتلو طالبان مؤخراً تسعة أشخاص من الأقلية الشيعية في البلاد، ويطوفون البلاد لتعقب الأشخاص المطلوبين – وخاصة النساء البارزات – الذين عملوا كموظفين حكوميين ومترجمين وصحفيين. قد يكون إقناع الحركة بتغيير أساليبها أمراً غير مجدٍ، ومع ذلك يبدو أن الدوحة على قدر هذا التحدي.