حسين الزعبي
ثلاثة سيناريوهات كارثية لم يعد يستبعد المتابعون للشأن العراقي حدوثها في بلد يبدو أنه في طور مخاض جديد، لا سيما بعد الوقائع الجديدة التي بدأت ملامحها بالتشكل منذ أن قلب الناخب العراقي الطاولة على القوى السياسية ذات الاجنحة المسلحة والتي لا تخفي الولاء لإيران، بل تجاهر به حتى باتت تسمى القوى الولائية، ومنها تحالف الفتح الواجهة السياسية لميليشيات عصائب أهل الحق وفيلق بدر وكتائب حزب الله العراقي وحركة النجبا، بالإضافة إلى حزب الدعوة الذي خاض الانتخابات بقائمة “دولة القانون” وكان الأوفر حظا من بين الخاسرين لجهة عدد المقاعد التي حصل عليها.
ملامح الواقع الجديد أخذت تتضح أكثر فأكثر مع التحالفات التي بدأت بالتشكل بعد إقرار نتائج الانتخابات، إذ ذهب مقتدى الصدر، متزعم الكتلة الصدرية الشيعية، للتحالف مع “تقدم” و”عزم” اللذين يشكلان التحالف الأكبر بين الكتل السنية، وانضم إليهما الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني. وقد تأكد هذا التحالف خلال انتخاب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي متزعم حزب تقدم بدعم من التيار الصدري رغم رفض “الشيعة الخاسرين” له. كما تأكد هذا التحالف بتأكيد مقتدى الصدر بأنه ماض في تشكيل حكومة أغلبية سياسية يطلق عليها “حكومة أغلبية وطنية”، الأمر الذي اعتبره “الخاسرون الشيعة” – الذين انضووا ضمن تجمع “الإطار التنسيقي” بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي – شقا لـ “البيت الشيعي” وذهب بعضهم لوصف ما حدث بـ “الانقلاب السني”.
ما قبل السيناريوهات السوداء
لم تكن تعتقد القوى السياسية الخاسرة، لا سيما المسلحة منها، أن الناخب العراقي قادر على معاقبتها رغم سلاحها، معاقبتها على 18 عاما من الحكم أعادت خلالها العراق عشرات السنين إلى الوراء، فهي كانت تحكم بقوة السلاح المؤدلج دينيا والعابر في ولاءاته للحدود، لكن الناخب استطاع قلب الطاولة وهذا ما لم يعتد عليه “السلاح”، فكانت البداية بالتشكيك بنزاهة الانتخابات وهذا ما لم تستطع القوى الخاسرة إثباته، فكان رد الفعل الأولي تصريحات لقادتهم بأن نتائج الانتخابات بهذا الشكل “تهدد السلم الأهلي”، ومن ثم أتبعها فعل ميداني تمثل بإغلاق مداخل المنطقة الخضراء التي تضم مقرات حكومية وسفارات، وعندما لم تأت أوكلها، تعرض رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي المقرب من التيار الصدري، لمحاولة اغتيال بطائرات مسيرة، ووجهت أصابع الاتهام حينها للفصائل “الخاسرة” على اعتبار أنها سبق ونفذت عرضا عسكريا للطائرات المسيرة وهي من تمتلك القدرة على مثل هذا النوع من العمليات فضلا عن مطالبتها بعزله بتهمة تواطؤه مع الرئيس الأمريكي لقتل قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
لم تكن المحاولة الحدث الأكبر رغم أهميته عراقيا، لكن استهداف الكاظمي كان يعني بشكل أو بآخر إمكانية استهداف مقتدى الصدر نفسه، الأمر الذي دفع “الفاعل” الإيراني للتدخل بشكل عاجل.. تقول في هذا السياق رويترز: “استنادا إلى مسؤولين في الميليشيات وسياسيين عراقيين ودبلوماسيين غربيين، فإن قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، هرع إلى بغداد بعد ذلك الهجوم، لإبلاغ رسالة إلى الميليشيات الموالية لإيران “اقبلوا بنتائج الانتخابات”.
تضيف رويترز: “خلال اجتماع مقتضب في مكتب أحد السياسيين المخضرمين المدعومين من إيران، وبخ قاآني زعيمين لجماعات تدعمها إيران، واتهمهما بأنهما تعاملا بشكل سيء مع تداعيات الانتخابات، وذلك بحسب ما أورده أحد مسؤولي الميليشيات المطلعين بشكل مباشر على اللقاء، بالإضافة لسياسيين اثنين مرتبطين بالفصائل تم اطلاعهما على الاجتماع. وبحسب هؤلاء، فإن قاآني، الذي كان يرافقه وفد صغير، طلب من قادة الميليشيات السيطرة على مؤيديهم والمتشددين.
ونقل التقرير عن مسؤول إحدى الميليشيات أن “الإيرانيين كانوا غاضبين“، مضيفا أن مسؤولا إيرانيا سأل: “هل تريدون حرباً أهلية شيعية؟”، وبحسب مصادر الوكالة، فإن قاآني أبلغ الجماعات التي التقى بها، بضرورة وقف تأجيج الاضطرابات في العراق.
نجح الإيراني في تهدئة الساحة العراقية ودخل الثنائي الشيعي، التيار الصدري والإطار التنسيقي في جولات من المفاوضات لكنها لم تفض إلى توافق فيما بينهم، بينما كان الخصوم السياسيين من سنة وكرد قد أنجزوا تفاهماتهم فيما بينهم وكذلك بينهم وبين الصدر، وبقيت إيران – التي عادة ما تدخل لصالح تجميع “البيت الشيعي” – ملتزمة الصمت وبدا أنها مشغولة في مفاوضات فيينا. وفي تلك الآونة، بدأت تظهر طروحات مفاداها أن تصفية الميليشيات المسلحة التي تديرها إيران قد تكون جزءاً من المفاوضات الجارية في فيينا المتعلقة بالملف النووي الإيراني. وهذا ربما دفع تلك الفصائل، بحسب خصومها، إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة من التصعيد تمثلت في استهداف مقرات الأحزاب السنية والكردية المتحالفة في بغداد بالقنابل اليدوية وكذلك استهداف منزل النائب عن تحالف “تقدم والعزم” عبد الكريم عبطان في منطقة السيدية جنوب غربي بغداد مع رسالة تهديد بضرورة أن يتخلى عن التحالف مع مقتدى الصدر.
السيناريوهات السوداء
الباحث في الشأن العراقي “مؤيد التميمي” يبدو خلال حديثه مع “فنك” سوداويا في رؤيته لما هو قادم، فهو وإن كان يرى أن المركب العراقي سينجح في تجاوز المنعطف الحالي، بنسبة ضئيلة، إلا أنه لا يستبعد السيناريوهات الأكثر سوءً وهي: “أن يتم اغتيال مقتدى الصدر واتهام السنة بدمه وبالتالي تفجير حرب أهلية وعندها سيصبح سلاح الميليشيات حاجة” وهذه بحسب التميمي ليست مستبعدة كليا. ولكنه يرى أن لدى دعاة استمرار السلاح المنفلت في العراق وسائل أخرى أيضا، كأن يتم استهداف أحد المراقد الشيعية وتحميل تنظيم “الدولة الإسلامية” المسؤولية، وهو جاهز أيضا لتنفيذ مثل هذا الأمر، وبالتالي تحميل السنة وزرها وتكرار سيناريو تفجير مرقد الإمامين في مدينة سامراء في العام 2007 الذي تسبب بحرب طائفية”.
أما السيناريو الثاني بحسب التميمي، فهو تكرار النموذج اليمني بحيث تجتاح الميليشيات المناطق العراقية وتفرض سلطة الأمر الواقع على غرار ما فعلت ميليشيات الحوثي في اليمن”. وهذا السيناريو دعا إليه في تسجيل صوتي مسرب القيادي في ميليشيات “فيلق بدر” جبار معموري، إذ يقول: “الحل الوحيد هي أن يرتدي نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وأكرم الكعبي اللباس العسكري ويؤسسون غرفة عمليات، ويقيمون حكومة طوارئ عاجلة يترأسها المالكي ويعزلون الجنوب (جنوب العراق)، فما حصل (يقصد التحالف السني مع التيار الصدري الشيعي) انقلابٌ سني متمثل بالمشروع التطبيعي (التطبيع مع إسرائيل)، يقوده مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق ومحمد الحلبوسي (رئيس البرلمان العراقي)، وورقة مقتدى مؤقتة”.
معموري يدعو من ذكرهم إلى “قلب الطاولة قبل أن يتسلم الآخرون زمام الأمور الأمنية”.
دعوة معموري سبقتها دعوة مماثلة لصادق الموسوي رجل الأعمال المقرب من الحشد في تغريدة على تويتر قال فيها: “أصوات في الجنوب تدعو لسحب الحشد الشعبي من باقي مناطق العراق واستخدامه كقوة لفصل الجنوب عن باقي العراق للوقوف بوجه الانقلاب الذي حصل في مجلس النواب الذي يشكل خطرا على العراق ولاسيما الجنوب”.
السيناريو الآخر الذي يخشاه التميمي هو أن تعلن الميليشيات المنتشرة في المناطق الشمالية والغربية (ذات أغلبية سنية) من العراق بذريعة مقاتلة تنظيم “الدولة الإسلامية”، أن تعلن انسحابها، وتترك الساحة لمن تبقى من عناصر داعش، أو أن يتم اختلاق فصيل متطرف، داعشي الهوى، لاستنفار الاستقطاب الطائفي وضخ الدم من جديد في عروق المليشيات التي باتت منبوذة شعبيا أكثر من أي وقت مضى.
وفي هذا السياق دعا المرشح الخاسر عن كتلة “حقوق” عباس العرداوي خلال برنامج تلفزيوني إلى انسحاب هذه المليشيات من الرمادي وتركها لداعش” وهنا يعلق “التميمي” بالقول أتمنى أن ينسحبوا من تلك المناطق لأنهم في الحقيقة لا يقاتلون داعش الذي لم يعد له وجود يذكر بل يمارسون الطائفية والبلطجة على الأهالي”.
أما عالية نصيف القيادية في كتلة “دولة القانون” فتذهب إلى خطاب طائفي أكثر مباشرة إذ تقول: “أحمل المسؤولية لشركائنا من المكون السني على مساهمتهم في إحداث شرخ داخل المكون الشيعي (تقصد تحالف السنة مع التيار الصدري الشيعي)، وقد يسبب هذا الشرخ دم، وفي حال حصل دم بين الثنائي الشيعي، فإن النار ستنقلب عليكم”.
تهديد أبو علي العسكري المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقي لم يكن أقل وضوحا مما قالته عالية نصيف إذ غرد قائلا: “تدخل الأحزاب السنية والكردية لصالح جهة معينة (الكتلة الصدرية) من المكون الأكبر (الشيعة)، سيساهم في عدم استقرار البلاد وإن حصلوا على مكاسب يطمعون بها فستكون مؤقتة وستتحول إلى وبال عليهم وسيخسر الجميع..”
المشهد العراقي بحسب “التميمي” يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات، وربما بشكل ساعي، لكنه لا يرى بدا من ثورة شعبية يقودها العراقيون بعيدا عن المسميات الطائفية “تكنس كل القوى السياسية وتبني دولة المواطنة”.