ربما يكون التنظيم المتطرف، تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” قد مُني بالهزيمة عموماً، وذلك بعد خسارته معظم أراضيه في العراق وسوريا خلال هجوم عام 2018 الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن خسارة زعيمه أبو بكر البغدادي في عمليةٍ عسكريةٍ أمريكية في أكتوبر 2019، ومع ذلك، لا يزال المجتمع الدولي يرفض معالجة قضية الأشخاص الذين خلفهم التنظيم؛ حوالي 3000 امرأة و7000 طفل من دولٍ أخرى غير العراق وسوريا محتجزون في معسكر الهول في شمال شرق سوريا، وذلك بحسب الأكراد المسؤولين عن حماية المخيم ومنظمة هيومن رايتس ووتش.
ظهر تنظيم داعش في عام 2014، ليحرز تقدماً سريعاً في جميع أنحاء العراق وسوريا فضلاً عن تأسيس ما يسمى بـ”الخلافة.”كما بات التنظيم معروفاً بعمليات الاختطاف وقطع رؤوس الجنود والمدنيين المحليين والأجانب، بما في ذلك الصحفيين والعاملين في المنظمات غير الحكومية، إلى جانب الهجمات الإرهابية. جند داعش أتباعه وجنوده من البلدان العربية غالباً ولكن أيضاً من خارج العالم العربي. كما يُقدر أن نحو 41000 شخصاً من أجزاء أخرى من العالم تركوا منازلهم للانضمام إلى التنظيم – ثلثهم تقريباً من أوروبا، بما في ذلك القوقاز، إذ اصطحب بعضهم أطفالهم بينما أنجب آخرون أطفالاً هناك.
كما انتقلت أكثر من 550 امرأة من الغرب إلى سوريا والعراق للانضمام إلى داعش؛ رقمٌ لا مثيل له من قبل لأي جماعة جهادية أخرى. ووفقاً لبحث نشرته الجمعية الدولية لعلم الإجرام في عام 2018، “سافرت العديد من النساء إما مع أسرهن لدعم أزواجهن الجهاديين الذين قرروا الانضمام إلى داعش كمقاتلين أجانب، أو كزوجاتٍ جدد مع أزواج تعرفوا عليهم عبر الإنترنت، وذلك لتجنب السفر لوحدهن والوصول إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة داعش دون زواج. بينما سافرت أخريات مع أقاربهن، أو مع مجموعة من الصديقات، سواء برفقة أطفالهن أو وحدهن… في معظم الحالات، كانوا من نسل مهاجرين مسلمين، ولكن كان هناك أيضاً عدد كبير من معتنقي الإسلام.”
مع مرور الوقت، أنجبت العديد من هؤلاء النساء أطفالاً، ولدوا في العراق أو سوريا ولكن بوضعٍ قانوني غير واضح، وهم الآن محتجزون في الغالب في المخيمات، في انتظار ما سيحدث معهم. فقد اعادت روسيا والمملكة العربية السعودية والمغرب بعض مواطنيها، بينما أعادت الولايات المتحدة ثماني نساء وأطفال، بينما ليس لدى المملكة المتحدة أي خطة لإعادة أي شخصٍ، من مقاتلين أو عائلاتهم، في حين اعادت فرنسا بعض الأيتام. ويبدو أن تونس تماطل في مساعدة مواطنيها العالقين، على الرغم من أن تونس تدعي أنها تولي “أهمية خاصة” لقضايا الأطفال المحتجزين كجزء من “إيمانها الراسخ بحقوق الإنسان،” إلا أنها ساعدت حتى الآن في إعادة ثلاثة فقط من هؤلاء الأطفال إلى وطنهم من ليبيا.
كما أعلنت هولندا، في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، عن رغبتها في محاكمة مقاتلي داعش، حيث صرّح وزير الخارجية ستيف بلوك، “بالنظر إلى التأثير العالمي الذي أحدثته داعش والعدد الكبير من البلدان المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر، ليس لدينا خيار آخر سوى معالجة هذه القضية معاً. تريد هولندا العمل مع العراق ودول أخرى على الخطوات التي يمكن اتخاذها على المستوى الوطني والإقليمي والدولي… وبمجرد توفر الأدلة التي نحتاجها، سيكون الوقت قد حان للخطوات التالية: الإدعاء والمحاكمة. لا يمكن أن تكون هناك عدالة ما لم يُقدم هؤلاء الأفراد إلى المحاكمة. وكحال أمل كلوني، التي تشارك عن كثب في هذه المبادرة، نريد أن نرى المذنبين بارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية في قفص الاتهام. لكن في الوقت الحالي، تم إغلاق الطريق المؤدي إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، لأن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعرقل هذا الخيار، كما أن العراق وسوريا ليسا طرفين في المحكمة الجنائية الدولية.”
يتم اعتقال حوالي 20 ألف مقاتل من داعش في العراق، منهم حوالي 1000 من 50 دولة مختلفة. فقد انتقدت جماعات حقوق الإنسان المحاكم العراقية لقيامها بإصدار عقوبات بالإعدام – وهي العقوبة التي تُفرض عادة على من تثبت إدانتهم بالانضمام إلى داعش – بناءً على الاعترافات بدلاً من الأدلة المادية، وهي ممارسة مقلقة في بلد تُستخدم فيه القوة بشكل متكرر أثناء التحقيقات. وفي العراق أيضاً، يُعامل الأطفال المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية كمجرمين، إذ غالباً ما يعذّبهم ضباط الأمن لانتزاع اعترافاتٍ منهم، بغض النظر عن تورطهم الفعلي، وتحاكمهم المحاكم ويُحكم عليهم بالسجن كإرهابيين.
“يمكنك التعميم والقول إنه في جميع الدول الغربية التي أجريت بحوثاً بها، فإن عامة الناس وكذلك معظم الطبقة السياسية يعارضون بشدة عودة النساء اللائي تزوجن وسافرن إلى العراق أو سوريا مع أزواجهن الذين انضموا إلى داعش أو الذين يعتقدون أنهم انضموا إلى داعش بأنفسهم كأفراد،” بحسب قول بلقيس والي، باحثة أولى في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مختصّة في شؤون العراق، لفَنَك.
وأضافت، “فيما يتعلق بالأطفال، تسعد العديد من الدول عموماً باستعادة الأيتام، ولكن عندما يتعلق الأمر بالأطفال المحتجزين في العراق أو شمال شرق سوريا، فقد رأيت أن العديد من الدول الغربية لا ترغب في إعادتهم إلى ديارهم، لأنهم قلقون من أنه بموجب القانون، قد يُطلب منهم أيضاً إعادة أمهاتهم، وفي هذه الحالات يتركون الأطفال في بعض الأحيان. وفي العراق، حيث حُكم على بعض النساء بالإعدام أو بالسجن المؤبد، كانت الدول أكثر استعداداً لإعادة الأطفال إلى وطنهم.”
هذا هو الحال بالنسبة لفرنسا وبلجيكا، اللتان استقبلتا أطفالاً توفي أباؤهم المتطرفين فحسب، إذ أن معظمهم من الأيتام، لكن بعضهم نقلهم آباؤهم إلى العراق أو سوريا، وقُتلوا هناك بينما ظلت أمهاتهم في أوروبا. كما اتخذت المملكة المتحدة موقفاً أكثر صرامة، فقد قررت الحكومة أنه لن يُسمح لأطفال عناصر داعش البريطانيين العالقين في سوريا بالعودة. وخلص ساجيد جاويد، وزير الداخلية البريطاني السابق، إلى أنه بعد إعادة النظر في الأمر، سيكون من الخطر للغاية إرسال مسؤولين بريطانيين لاسترداد الأطفال من سوريا، على الرغم من أن المخيمات يزورها بانتظام عمال الإغاثة البريطانيون والصحفيون.
مسألة الخطر هي موضوع متكرر في خطابات السياسيين، حيث تظهر مخاوف بشأن إعادة الأفراد الذين قد يؤمنون بالدعاية الإرهابية أو قاتلوا من أجل داعش. “كل ما يمكننا قوله هو أنه في حال لم يُشتبه بقيام أحدهم بارتكاب جريمة، فلا يمكن احتجازه كسجين؛ وإذا كانوا مشتبه بهم، فيجب التحقيق معهم، بحسب قول بلقيس والي، التي أضافت “وعندما يتعلق الأمر بالأطفال الذين لم يرتكبوا أي جريمة، فينبغي منحهم أي فرصة تسنح للعودة إلى ديارهم والعودة إلى الحياة الطبيعية، ويجب ألا يعاقبوا على أي شيء قد فعله آباؤهم.”
وفي الوقت نفسه، تحاول البوسنة إعادة دمج حوالي 30 امرأة و70 طفلاً، على الرغم من أنها تواجه العديد من التحديات أثناء ذلك، مثل كيفية تأكيد هويات الأطفال المولودين في سوريا لمواطنين بوسنيين، وكيفية رعاية معتنقي عقيدة داعش السابقين، وما إذا كان يجب مقاضاة النساء العائدات. أما في ألمانيا، أخبرت محكمة في برلين وزارة الخارجية أنه يجب إعادة ثلاثة أطفال ألمان مع أمهاتم الألمانيات المنتميات إلى داعش من مخيم للاجئين السوريين، مشيرةً إلى التزام الدولة بحماية المواطنين في الخارج.
وفي أستراليا، تتركز المخاوف حول سلامة إرجاع المواطنين أثناء صراعٍ قائم، إذ تدهور الوضع الأمني في شمال شرق سوريا منذ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب انسحاب القوات الأمريكية، مما مهد الطريق لغزو تركي في أكتوبر 2019. كما استفادت بعض الدول الأوروبية من وقفٍ لإطلاق النار استمر خمسة أيام في منتصف أكتوبر لإعادة مواطنيهم، لكن الحكومة الأسترالية حافظت على موقفها من أنها لن تخاطر بحياة مواطنٍ أسترالي واحد لإعادة أي مواطن، وأن عودتهم قد تشكل خطراً على المجتمع.
وعلى صعيدٍ متصل، اقترحت مجموعة مكونة من 36 امرأة وطفل من داعش يعيشون في مخيم الهول رسمياً أنه يمكن وضعهم تحت أوامر تقييدية لمكافحة الإرهاب لدى عودتهم إلى ديارهم. وبالنسبة لأولئك الذين تقطعت بهم السبل في شمال شرق سوريا، أصبح البقاء على قيد الحياة أكثر صعوبةً من ذي قبل، فعلى سبيل المثال، غادرت امرأتان هولنديتان وأطفالهما الثلاثة المخيم ووصلوا إلى السفارة الهولندية في أنقرة في 30 أكتوبر، وطلبوا إعادتهم إلى وطنهم، لكن يبدو أن الحكومة لا ترغب في ذلك.
وفي هذا السياق، أوضحت بلقيس والي “فيما يتعلق بالقانون الدولي، لا يوجد مبدأ قانوني دولي يتطلب من الدولة إعادة مواطنيها.” وأضافت “لكن بموجب القانون الدولي، لا يُسمح للدول بإبعاد مواطنيها في حال عودتهم إلى ديارهم.”