وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خطة الإصلاح القضائي تضع النظام السياسي الإسرائيلي على المحك

بات النظام السياسي الإسرائيلي على أعتاب تحوّل تاريخي بسبب خطة الإصلاح القضائي التي طرحتها حكومة نتنياهو.

النظام السياسي الإسرائيلي
صورة تم التقاطها يوم 5 يناير 2023 لمتظاهرين إسرائيليين يمثلون التيار اليساري وهم يحتجون أمام المحكمة العليا في القدس ضد آرييه درعي، زعيم حزب شاس المتطرّف والحليف الطويل الأمد لبنيامين نتنياهو. المصدر: Menahem KAHANA / AFP.

نينو أورتو

بات النظام السياسي الإسرائيلي على أعتاب تحوّل تاريخي بسبب خطة الإصلاح القضائي التي طرحتها حكومة نتنياهو. ويظهر هذا التحرّك بشكلٍ جلي مع وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي تلك التغييرات القضائية على رأس أولويات حكومته بعد اتهامه بالفساد.

وفي 4 يناير 2022، أعلن وزير العدل الجديد ياريف ليفين عن إصلاحات قضائية واسعة أثارت الجدل. ويشمل هذا الإصلاح المقترح تغيير المنهجية التي عملت بموجبها الحكومة الإسرائيلية منذ تأسيس إسرائيل.

في المقابل، رفضت محكمة العدل العليا الإسرائيلية الاقتراح فور النظر فيه. كما دعت المجتمع الإسرائيلي إلى تجنب مثل هذه الإصلاحات التي من شأنها زعزعة الطابع الديمقراطي الناظم للعلاقات بين المؤسسات. وتلبيةً لهذه الدعوة، عملت المعارضة الإسرائيلية وقطاعات واسعة من المجتمع على حشد الرأي العام ضد هذه الإصلاحات.

وتعتبر محكمة العدل العليا الإسرائيلية أحد أبرز الفاعلين في ديمقراطية إسرائيل. وكان لها دورٌ رئيسي في الحفاظ على التوازن السياسي بين المؤسسات. وتعمل المحكمة تحديداً على النظر في جميع الاستئنافات المقدمة ضد سلطات الدولة والهيئات العامة الأخرى. كما أنها الجهة المنوطة بالفصل في دستورية القوانين التي تصدر عن الحكومة.

ويسعى ائتلاف نتنياهو من خلال خطواته الأخيرة إلى زيادة سلطة الحكومة وصلاحياتها على حساب القضاء الإسرائيلي. وفي هذا السياق، وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية بيني غانتس تلك الإصلاحات المزعومة بأنها “انقلاب سياسي“. ويسعى الاقتراح المقدم إلى الحدّ من قدرة محكمة العدل العليا على مراجعة التشريعات. كما يتيح الاقتراح للحكومة الحصول على صلاحيات التفويض القضائي.

وبموجب بند التجاوز الذي تستند إليه في خطتها الإصلاحية، ستتمكّن الحكومة الإسرائيلية من تمرير التشريعات التي أبطلتها المحكمة العليا في السابق. وعلى هذا الأساس، ستتمكن الحكومة من تمرير التشريعات بموافقة أغلبية بسيطة من أعضاء الكنيست، أي 61 عضواً من أصل 120 عضواً. في المقابل، لن تتمكن المحكمة العليا من رفض القوانين المقترحة من الحكومة إلا إذا وافق أعضاؤها بالإجماع على نقض مشاريع القوانين.

ومن بين الرافضين لبند التجاوز مجموعة من القضاة السابقين. وانتقد هؤلاء المقترح واعتبروه “اعتداءً يمينياً على سلطة التشريع من شأنه أن يدمّر القيم الأساسية للبلاد”.

وفي تعليق على الأحداث الجارية، رأت سوزي نافوت، أستاذة القانون الدستوري ونائب رئيس الأبحاث في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أنّ المشكلة الأساسية الحاحصلة بعد الانتخابات الأخيرة تكمن في أنّ “أي أغلبية في الكنيست يمكنها سنّ أو تعديل أو إلغاء أي قانون أساس ضمن إجراءات تشريعية عادية”. وبحسب نافوت، فإن هذا يعني أنّ “السياسيين في إسرائيل فقط دون غيرها يمكنهم تغيير القواعد الدستورية وطبيعة إسرائيل السياسية وقتما يشاؤون”.

من جانبه، أكدّ يانيف روزناي، المدير المشارك لمركز روبنشتاين للتحديات الدستورية في جامعة رايخمان، أن بند التجاوز “يتيح للحكومة فعل ما تشاء”.

وقال روزناي: “إذا سيطرت السلطة التنفيذية على القضاء وخضعت السلطة القضائية للموازين السياسية، فسيكون النظام القضائي عارياً بلا أي حماية. وإن مُرر بند التجاوز، فسوف تسعى الحكومات المقبلة كلها إلى الاستعانة بمستشارين قانونيين من أنصارها. وعلى الأرجح، سيعمل أولئك المسؤولون على محو الضوابط والتوازنات الخاصة بدستورية القوانين المقترحة”.

ورغم احتجاج رئيسة المحكمة العليا والنائب العام علناً ضد خطة الإصلاح القضائي، تبقى آليات المعارضة التشريعية محدودة.

وفي مقالة كتبتها بعنوان “هل تتحول إسرائيل إلى دولة استبدادية شرق أوسطية في عهد نتنياهو؟”، قال أستاذ التاريخ خوان كول إن النتيجة الواقعية المنتظرة من القانون المقترح هي الحيلولة دون إشراف جميع الفاعلين المحايدين في السلك القضائي على عملية مراجعة القوانين المقترحة من جهة الحكومة. وبذلك، تتحول إسرائيل إلى نسخة من الدول الاستبدادية في المنطقة.

بلد منقسم

كانت تلك الإصلاحات محور الحملة الانتخابية الأخيرة لنتنياهو الذي حشد الملايين من أصوات الإسرائيليين لدعمه في إجراء هذا التغيير. وأكد رئيس الوزراء أكثر من مرة على أنّ رغبته في إجراء إصلاح شامل للنظام القضائي لها صدىً قوياً ودعماً شعبياً كبيراً. وبحسب نتنياهو، فإنّ المعارضة توافق أيضاً على ضرورة اتخاذ إجراءات جديدة في سبيل إصلاح النظام القضائي إصلاحاً جوهرياً.

ويصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي على عدم تقويض إصلاحات النظام القضائي للديمقراطية. ومع ذلك، ترى قطاعاتٌ مختلفة من الشعب أنّ تلك الإصلاحات تمثل تهديداً وجودياً لأنها قد تتسبّب في تغيير الطبيعة الديمقراطية لإسرائيل.

وعلى هذا الأساس، أدت الأزمة السياسية في إسرائيل إلى انقسام في البلاد. ولا تبدو في الأفق بوادر أي حل سلمي لهذه الأزمة.

ويرى كثيرٌ من الناخبين الإسرائيليين المدفوعين بخطابات خطابات نتنياهو الاستفزازية أن المحكمة العليا تقوم بعملها بناءً على انحيازها السياسي لا القانوني. ويرغب كثيرٌ من أتباع اليمين المتشدد في تغيير هيكل المحكمة العليا لإحداث نوع من التوازن بين المسؤولين المنتخبين والمعيّنين.

وعلى الجانب الآخر، يرى التيار الليبرالي أنّ هذه الاجراءات تدفع البلاد نحو الاستبداد، وأنها ستحول دون حماية الأقليات. كما يرون أنّ سلطة المحكمة العليا وفصل السلطات هما السبيلين الوحيدين للحافظ على الديمقراطية.

قضية درعي

أصبح أرييه درعي، زعيم حزب شاس ووزير الداخلية السابق، محور الخلاف بين المحكمة العليا والحكومة.

فبعدما قضت محكمة العدل العليا بعدم أهلية درعي لشغل منصب الوزير بسبب ارتكابه مخالفات ضريبية، أقال نتنياهو شريكه في الائتلاف الحكومي.

وأتى قرار المحكمة على خلفية تعهّد درعي بالانسحاب نهائياً من الحياة السياسية مقابل التساهل في قضية مخالفاته الضريبية. ومع ذلك، يصرّ درعي على أنه لم يقطع على نفسه تلك التعهدات. وتجدر الإشارة إلى أن درعي تولى في السابق وزارتي الداخلية والاقتصاد ووزارة تطوير النقب والجليل.

ويحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي الحفاظ على شريكه، ويخطط لإعادته إلى الحكومة. ففي أحد الاجتماعات، وصف نتنياهو قرار المحكمة بأنه “ظلمٌ ينتهك مبدأ الديمقراطية”.

أمّا باقي أعضاء الائتلاف، فقدّموا دعماً غير مشروطاً إلى زعيم حزب شاس. كما تعهدوا بمعارضة الحُكم، في خطوة لم تؤدّ إلا إلى تعميق حالة الانقسام في البلاد.

رهان نتنياهو على الإصلاحات

ترتبط حملة نتنياهو على المحكمة العليا ارتباطاً وثيقاً بالمحاكمة الجارية في حقه. وكانت هذه المحاكمة قد بدأت عام 2016 بتهمة تلقّي نتنياهو هدايا من رجال الأعمال أثناء توليه لرئاسة الحكومة. ووجّهت المحكمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي البالغ من العمر 73 عاماً تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في عدة قضايا. وتُعرف هذه القضايا بالقضايا رقم 1000 و1270 و2000 و3000 و4000.

وجرت العادة في كثيرٍ من الدول على أن يقدّم القادة السياسيون استقالتهم من مناصبهم إذا وُجهت لهم اتهامات مماثلة أثناء أدائهم لواجبهم. أما في إسرائيل، فيبدو أن رئيس الوزراء سيبقى في منصبه حتى يُدان بإحدى التهم.

وينكر نتنياهو دوماً ارتكاب أي مخالفات أو جرائم. كما أكد علناً أنه لن يستغل منصبه للتدخل في تلك القضايا. ومع ذلك، يشير المحللين إلى أن حلفاءه قد يُقدمون على اقتراح قانون من أجل تحصين رئيس الوزراء.

علاوة على ذلك، فإن “القانون الفرنسي” المقترح، والذي سُمي بهذا الاسم نسبةً إلى حصانة الرئيس الفرنسي من المحاكمة، قد يسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بتأجيل المحاكمة حتى نهاية ولايته.

وفي أكتوبر 2022، صرّح إيتمار بن غفير، الشريك اليميني المتطرف في ائتلاف الحكومة، أنه سيطالب بتشريعٍ جديد يسمح بإلغاء محاكمة نتنياهو.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد تعهّد شركاء نتنياهو السياسيين بإبطال تهم الاحتيال وخيانة الأمانة من قانون العقوبات. وبحسب بعض المشرعين، فإن هذه التهمة “تم تعريفها بطريقة محيّرة، ما أفسح المجال أمام المحكمة للتأويل عند إصدار حكماً بالإدانة”.

قلق الحلفاء الدوليين

وصل صدى الصراع المحتدم في إسرائيل إلى واشنطن وغيرها من الحلفاء. ففي أسابيع معدودة، ذهب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، وأنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إلى القدس للتعبير عن مخاوف واشنطن.

وتتابع إدارة بايدن بقلق حالة الاستقطاب الراهنة داخل المجتمع الإسرائيلي. كما أن الإدارة الأمريكية تشعر بالقلق حيال المماطلة في المفاوضات مع الفلسطينيين، والتصعيد الذي تشهده الساحة السياسية الإسرائيلية.

وأصدر معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب تقريراً في 86 صفحة، جاء فيه أن خطط الإصلاحات القضائية قد تقوض الديمقراطية وتضع إسرائيل في خلاف مع الولايات المتحدة. وقد يؤدي ذلك إلى تهديد خطير للعلاقات الاستراتيجية بين الطرفين.

وجاء في التقرير أن الحكومة الإسرائيلية المتشددة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو “قد أصبحت في نظر الشعب حكومةً تحركها أجندة يمينية واضحة. وينظر الناس لذلك كتهديد للقيم إسرائيل الأساسية. وبحسب هؤلاء، فإن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية”.

ويُرجع التقرير حالة الاستقطاب الشديد التي تشهدها البلاد إلى “الاضطرابات السياسية المستمرة منذ أربعة أعوام، فضلاً عن التحريض وميل كل طرف إلى نزع الشرعية عن الطرف الآخر”.

ويحذّر التقرير من احتمالية انزلاق إسرائيل إلى عنف داخلي. وفي هذا السياق، يقول التقرير: “كلّ التطورات تهدّد قدرة إسرائيل فيما يخص الحفاظ على أسس الديمقراطية والتوازن بين الدولة والدين وحماية الأقليات”.

ورغم تطرّق نتنياهو لإمكانية مناقشة القانون ومعالجة بنوده المثيرة للجدل، إلا أن الحكومة لن تتراجع على الأرجح عن المضي قدماً بخطة إصلاح النظام القضائي في البلاد.