فرّق تَسُد، هذا الشعار التاريخي، المنسوب إلى فيليب الثاني المقدوني (382-336 قبل الميلاد)، لربما يكون الشغل الشاغل لبنيامين نتنياهو. ففي الثاني من نوفمبر 2018، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي منتدى كرايوفا، الذي جمع تحت سقفٍ واحد رؤساء حكوماتٍ من صربيا ورومانيا وبلغاريا واليونان. وعلى الرغم من أن نتنياهو يُدين الاتحاد الأوروبي، بشكلٍ منتظم، بسبب نفاقه وعدائه بحسب قوله، إلا أنه يسعى جاهداً لكسب حلفاء جدد في أوروبا الشرقية.
ووفقاً لنتنياهو، فإن الاتحاد الأوروبي عدواني لانتقاده الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومستوطناته في الضفة الغربية، وكلاهما غير قانوني بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، لا يقف الاتحاد الأوربي وقفة الرجل الواحد فيما يخص هذه القضية. فعلى سبيل المثال، تدعم دولٌ مثل هنغاريا إسرائيل. أما رومانيا، التي سئمت من انتقادات الاتحاد الأوروبي للضغوطات التي تفرضها على القضاة، تفكر في نقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس – كما فعل الرئيسان دونالد ترمب (الولايات المتحدة) ويائير بولسونارو (البرازيل) أو سيفعلان قريباً. يُعارض الاتحاد الأوروبي بشدة هذه الاتجاهات – خاصة عندما تحدث داخل صفوفه. ومن ناحيةٍ أخرى، فإن نتنياهو سعيدٌ جداً بصب الزيت على النار: فمن خلال سعيه إلى إنشاء تحالفاتٍ مع بلدان أوروبا الشرقية هذه، يهدف إلى تقسيم الاتحاد الأوروبي. فهو يعرف جيداً أن الاتحاد الأوروبي المنقسم لن يكون منتقداً فعالاً لسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.
بيد أن الاتحاد الأوروبي ليس ساذجاً، وبالطبع، يدرك تماماً اللعبة التي يلعبها نتنياهو. لنتأمل هذه التغريدة من قبل وفد الاتحاد الأوروبي إلى إسرائيل: “يتمتع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بعلاقاتٍ قوية ذات منفعة متبادلة. الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول لإسرائيل وحليف سياسي قوي، ملتزمٌ تماماً بأمنه ورفاهه. الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه كيانٌ واحد، ويتم اعتماد قرارات السياسة الخارجية بالإجماع.”
هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها اسرائيل التأثير على سياسات الإتحاد الأوروبي. ففي السنوات الأخيرة، زار مسؤولون حكوميون إسرائيليون، وأعضاء في جماعاتٍ تعمل لصالح الحكومة، البلدان الأوروبية لإقناع البرلمانيين بأن تمويل السلطة الفلسطينية يعني دعم الإرهابيين، أو للضغط عليهم لتبني تعريفاً لمعاداة السامية والذي يتضمن انتقاد السياسة الإسرائيلية أو دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي أس).
وبتعزيز العلاقات مع أوروبا الشرقية، يُصّعد نتنياهو من لعبته لتقسيم الاتحاد الأوروبي. ولكن وفقاً للنقاد، يقوم نتنياهو بمناوراته بتبييض معاداة السامية المنتشرة في هنغاريا التي يقودها رئيس الوزراء فيكتور أوربان. ومن أجل الحفاظ على علاقات جيدة مع بولندا، يبدو أن نتنياهو مستعد لقبول نوع معين من مراجعة تشريعٍ يتعلق بالمحرقة.
إن رسالة نتنياهو إلى هنغاريا وغيرها من بلدان أوروبا الشرقية التي اعتنقت القومية المتطرفة في السنوات الأخيرة صاخبة وواضحة. ففي يوليو 2018، وبحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، طلب نتنياهو من نظرائه مساعدته في مواجهة مؤسسات الاتحاد الأوروبي: “أقترح أن تقوم بنقل رسالة إلى نظرائك في أوروبا. لا تقوض البلد الوحيد في المنطقة الذي يعتني بمصالح أوروبا. توقف عن مهاجمة إسرائيل. تقوّض أوروبا أمنها عندما تقوض إسرائيل، بسبب محاولةٍ جنونية لفرض شروطٍ سياسية.”
جوهر الخلاف هو أن الصين أو الهند لا تطلبان مصلحةً سياسية مقابل بعض الصفقات التجارية، كما أن الولايات المتحدة مؤيدة لإسرائيل. وبالتالي، يترك هذا الاتحاد الأوروبي باعتباره القوة العالمية الوحيدة المنتقدة لسياسات إسرائيل. تحب أوروبا أيضاً التجارة مع إسرائيل، إلا أنها تطلب شيئاً في المقابل. وعلى المسرح العالمي، إسرائيل غير معتادة على هذا النوع من السلوك.
ومن ناحيةٍ أخرى، تُشبه هنغاريا، على الرغم من كونها دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، إسرائيل من عدة جوانب. فكلا البلدين يقودهما قوميون يُقيدون حركة المنظمات غير الحكومية، ومن بين أمورٍ أخرى، يُلقون باللوم على المستثمر الأمريكي- الهنغاري اليهودي، المحب للخير، جورج سوروس، فيما يتعلق بجميع مشاكلهم. بينما تشترك إسرائيل مع دولٍ أخرى، مثل بولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا والنمسا، بالكراهية تجاه المهاجرين – لا سيما المسلمين. كما ترتبط إسرائيل بعلاقاتٍ جيدة مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى: رومانيا وبلغاريا وليتوانيا وقبرص واليونان وكرواتيا.
هل السياسة الإسرائيلية تجاه الاتحاد الأوروبي ناجحة؟ على المستوى التكتيكي، يمكن للمرء أن يجادل بأنها كذلك. ووفقاً لمارتن كونيتشي، مدير المنظمة غير الحكومية، مشروع الشرق الأوسط الأوروبي، فإن العلاقات الإسرائيلية مع أوروبا الشرقية تمنع في الواقع انتقاداتٍ أوسع نطاقاً من قِبل الإتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال، تم حظر تصريحٍ إنتقادي للاتحاد الأوروبي يتعلق بنقل الولايات المتحدة الأمريكية لسفارتها إلى القدس لأن بلغاريا ورومانيا وجمهورية التشيك والنمسا عارضت ذلك. وتخطط معظم هذه الدول لنقل سفاراتها إلى المدينة المقسمة.
ويقول منتقدون آخرون إن إسرائيل تبتعد عن قيم الديمقراطية الليبرالية. وكما قال نمرود غورين، مدير مركز الفكر الإسرائيلي ميتفيم، في مقال صحيفة هآرتس المذكور أعلاه: “يُصنف مؤشر الديمقراطية في مجلة الإيكونوميست جميع هذه البلدان في مرتبةٍ أقل من إسرائيل. لا ينبغي أن يكون هؤلاء حلفاء إسرائيل في قارةٍ تفخر بالمُثل الديمقراطية وحقوق الإنسان. إن ألمانيا وبريطانيا وفرنسا أكثر أهمية بكثير لضمان أمن إسرائيل وتحقيق مصالحها الوطنية.”
في غضون ذلك، لا زال الاتحاد الأوروبي يعارض الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان لفظياً فحسب. فقد أثار الإتحاد الأوروبي غضب إسرائيل بشدة بفرض سياسة وضع مُلصقاتٍ مميزة على منتجات المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة. وفي مايو 2018، قال وزير الطاقة يوفال شتاينتس (من حزب الليكود) إن بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يذهب إلى “ألف وألف جحيم” بعد أن طلب إجراء تحقيق يتعلق باعتداء الشرطة الإسرائيلية على متظاهرين فلسطينيين. ومن الإنصاف القول أن العلاقة متأرجحة. وحتى مع ذلك، بلغت قيمة التجارة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي 36,2 مليار يورو في عام 2017 – وهو مبلغٌ لا يرغب أي من الطرفين في تعريضه للخطر.
وبحسب الدبلوماسي الإيطالي إيمانويل جوفريه، سفير الإتحاد الأوروبي لدى إسرائيل، فإن إسرائيل والاتحاد الأوروبي “اتفقوا على ألا يتفقوا” حول بعض القضايا، وكما يقول “لكن لا يزال بإمكانهم التعاون من أجل مصلحة الجميع. أنا متأكد من أننا سنجد المزيد من الطرق للقيام بذلك في المستقبل.”