بعد احتجاجات واسعة النطاق ضد أول رئيس مصري منتخب بحرية، محمد مرسي، في يونيو 2013، عمد ائتلاف بقيادة عسكرية إلى عزله وتنصيب رئيس مؤقت في 3 يوليو 2013. وبعد الإعلان عن عزل الرئيس على شاشة التلفزيون الوطني، أعلن القائد العسكري آنذاك، عبد الفتاح السيسي، عن خارطة طريق ترسم المستقبل السياسي في البلاد بعد مرسي. وكانت الخطوة الثالثة والأخيرة من تلك الخطة، إجراء انتخاباتٍ برلمانية، بدأت المرحلة الأولى منها في 17 أكتوبر 2015.
كان الطريق نحو إجراء انتخاباتٍ برلمانية صعباً، حيث كان من المزمع عقدها في الفترة ما بين 17 مارس و7 مايو، إلا أنه تم تأجيلها بعد صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا في الأسبوع الأول من شهر مارس لعدم دستورية اثنين من قوانين الانتخابات الرئيسية.
عدلت لجنة تشريعية هذين القانونين وفقاً لتوصيات المحكمة الدستورية العليا. تم إعادة رسم حدود الدوائر الانتخابية مع الأخذ بعين الاعتبار السكان في مختلف الدوائر الانتخابية في محافظات البلاد الثلاث عشرة، فضلاً عن السماح للمصريين ممن يحملون جنسيات مزدوجة خوض الانتخابات.
وتوقع الكثير من المحللين أنه، بعد قرار المحكمة الدستورية العليا، سيتم تأجيل الانتخابات حتى عام 2016، إلا أن الرئيس السيسي استعجل التصديق على التغييرات في يوليو. وفي 30 أغسطس، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات، التي تتكون من سبعة قضاة، أن الانتخابات ستجري على مرحلتين، في 17 أكتوبر و22 نوفمبر.
هذا ويضم مجلس النواب 596 مقعداً، حيث يتم انتخاب ما مجموعه 75% من المقاعد من خلال نظام الترشيح الفردي، في حين يخصص 120 مقعداً للقوائم الحزبية، أما الـ28 مقعداً الأخيرة فيتم تعيينهم بشكل مباشر من الرئيس. وفي حال فوز مرشح بأكثر من 50% من الأصوات، يُنتخب للبرلمان، وخلافاً لذلك، يجتمع المرشحين اللذان حصلا على أكبر عدد من الأصوات في جولة إعادة. تم قبول ما مجموعه 5,420 من المرشحين المنفردين، وليس من قوائم الأحزاب، في الانتخابات البرلمانية لعام 2015.
ولم يسمح لأي من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، التي فازت بأغلبية المقاعد عام 2012 في البرلمان، بالترشح في الانتخابات، بسبب حظر الجماعة باعتبارها منظمة إرهابية.
وقبل الانتخابات، أطلقت الحكومة إلى جانب وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، حملات ضخمة لحث الناخبين على التصويت في الانتخابات البرلمانية. كما صرح السيسي مراراً وتكراراً أنه لن يدعم أي قائمة في الانتخابات، إلا أنه دعا جميع الناخبين إلى التوحد في قائمة واحدة، واعداً إياهم بتقديم دعمه الكامل لهم.
إقبال ضعيف جدًا
ومع ذلك، عندما افتتحت مراكز الاقتراع في اليوم الأول، لم يكن هناك تقريباً أي من طوابير الانتظار الطويلة التي شهدتها الانتخابات البرلمانية السابقة في أواخر عام 2011 وأوائل عام 2012. ودفع الإقبال الضعيف السيسي إلى الخروج بخطابٍ متلفز في منتصف اليوم الأول للانتخابات، ليحث الشعب المصري على التصويت.
“أدعو جميع المصريين للنزول إلى لجان الاقتراع، والاحتشاد بقوة مرة أخرى، لتنفيذ استحقاقنا الأخير الذي توافقنا عليه.” “وأضاف “أدعو شباب مصر أن يكون في طليعة يوم الاقتراع، فشبابنا بحماسه وأخلاقه قادر على أن يحسم الأمر لصالح الوطن، أنتظر من شباب مصر أن يكون هو المحرك الأساسي لهذا العرس الديمقراطي.”
تمتاز مصر بمجتمعٍ فتي، حيث أن حوالي 62% من السكان تحت سن الـ30، إلا أن عدداً قليلاً من الشباب لبى دعوة الرئيس بالتصويت. إن عدم اهتمام جيل الشباب والتناقض الكبير لوقوفهم في طوابير لساعاتٍ طويلة للاقتراع في الانتخابات البرلمانية عام 2011 و2012، كانت التحذيرات الأهم لمدى خيبة الأمل التي يعاني منها جيل الشباب الذي كان المحرك الرئيسي لثورة 2011.
“لمَ أصوت؟” تساءل أحمد كمال، الناشط البالغ من العمر عشرين عاماً والذي ينتمي لحزب الدستور السياسي، الذي أعلن في وقتٍ مبكر مقاطعته للانتخابات لكونها غير دستورية، واحتجاجاً على الاعتقالات المستمرة للشباب من الثوار من قِبل النظام. “لن يُسمح لهذا البرلمان بتمثيل الثورة قط، إذ سيتكون من أشخاص يريدهم النظام. فكما أرى أن أياً من مؤيدي الثورة قد ترشح في هذه الانتخابات المضحكة في المقام الأول.”
لم يكن حزب الدستور الحزب الوحيد الذي قاطع الانتخابات، فقد أعلنت أحزاب أخرى، مثل حزب مصر القوية وحزب الوسط، عدم مشاركتها، متفقين على أن الانتخابات تجري في ظل غياب الديمقراطية وبأن البرلمان القادم ستتكون غالبيته من سياسي عهد مبارك.
وأشارت التقارير الأولية بعد اليوم الأول من التصويت أنّ الإقبال ضعيف للغاية، حيث بلغ أكثر من 2% بقليل. كما شن مذيعو البرامج الحوارية المحسبون على السيسي حملات غاضبة في برامجهم، وحثوا الناس على الخروج والتصويت من أجل الرئيس. كما دفع هذا أيضاً الحكومة إلى منح جميع العاملين في القطاع الحكومي يوم إجازة آخر. وتُشير الأرقام التي صرّحت عنها مصادر رسمية في نهاية اليوم الثاني إرتفاع نسبة التصويت إلى حوالي 16%، ولكن سرعان ما أصدرت اللجنة العليا للانتخابات أوامرلجميع وسائل الإعلام بعد التصريح عن أي أرقام، واعدة بالتصريح عن الأرقام الرسمية في مؤتمر صحفي.
وتم تعديل النسبة في وقتٍ لاحق لـ26,6%، إلا أن المراقبون أفادوا عن عدة حوادث تم فيها دفع أموالٍ للناخبين للتصويت لصالح مرشحين معينين، الأمر الذي قد أدى إلى ارتفاع نسبة الناخبين. واستناداً إلى تقارير تلفزيونية ومراكز الاقتراع الخالية، شكك العديد من الناس بدقة هذه الأرقام.
وقد شابت جولة إعادة المرحلة الأولى بالإنتخابات البرلمانية، التي جرت في 27-28 أكتوبر، المزيد من حالات شراء الأصوات، حيث ذكر أن الرشاوى تراوحت ما بين 7 دولارات إلى 87 دولار للصوت الواحد. دفع هذا بشكلٍ أساسي المزيد من الناس إلى المشاركة والتصويت لصالح ناخبيين معينيين. ووفقاً للأرقام الرسمية التي أصدرتها اللجنة العليا للانتخابات، وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات 21%. كما ورد أن عشرين ناخباً فقط ظهروا في مركز اقتراع حي الدقي، الذي فتح أبوابه لمدة 12 ساعة.
ولكن يجادل بعض المعلقين، أن الاقبال المنخفض، قد يكون دلالة على فقدان الرئيس، الذي يحظى بشعبية واسعة، بعضاً من جاذبيته في خضم المشاكل المستمرة في البلاد، بدءاً من ارتفاع الأسعار إلى الفشل الاقتصادي.
ومن المتوقع أن يدعم البرلمان القادم السيسي بقوة، ويصادق تلقائياً على أكثر من 175 قانون مررها الرئيس خلال فترته الرئاسية، قبل انتخاب البرلمان. وشهدت الجولة الأولى فوزاً ساحقاً لقائمة “في حب مصر،” التي تتألف من عدة أحزاب سياسية تدعم النظام. بالإضافة إلى ذلك، فاز حزب النور، وهو حزب سلفي إسلامي أيّد الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين ويدعم النظام الجديد، بشكلٍ غير متوقع بعدد قليل من المقاعد، حيث لم يؤمّن سوى 11 مقعداً في جولة الإعادة، إذ خسر الحزب مقاعد في دوائر انتخابية كان يتمتع فيها سابقاً بقاعدة قوية.
جرت الجولة الثانية من الانتخابات في 22 و23 نوفمبر (حيث جرت انتخابات المصريين في الخارج قبل يوم واحد). شملت هذه المرحلة بقية المحافظات، بما في ذلك القاهرة، التي لم تشارك في المرحلة الأولى.
أعلنت الهيئة العليا للانتخابات إجمالي عدد الناخبين في هذه المرحلة بـ29,83%، وهي نسبة أعلى من العدد الإجمالي للمرحلة الأولى، ولكن القاهرة، التي تعد المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في مصر، حصلت على أدنى نسبة إقبال في البلاد والتي بلغت 19,96%. واكتسحت قائمة “في حب مصر” الانتخابات مرة أخرى، حيث فازت بجميع المقاعد المخصصة للقوائم. كما فاز المذيع التلفزيوني المثير للجدل، توفيق عكاشة، الذي لطالما عارض بشدة ثورة 2011، بالانتخابات في الجولة الأولى، حاصداً أصوات أكثر من أي مرشح آخر.
واستناداً إلى النتائج التي نُشرت، سيهيمن على البرلمان القادم كتلة قوية داعمة للسيسي، مما سيعزز مركزه بشكلٍ أقوى. وكان هناك بالفعل أقاويل بأن أول الأمور التي سيقوم بها البرلمان الجديد تعديل مواد الدستور لزيادة صلاحيات الرئيس. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإقبال المنخفض يُضعف البرلمان بشكلٍ أكبر في وجه الرئيس، الذي تمتع بإقبال ضخم خلال الإنتخابات الرئاسية، والتي فاز فيها بالأغلبية العظمى من الأصوات.