وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن: تبايناتٌ عديدة

أقرت القوى المحلية والأطراف الدولية بشرعية مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، رغم التخوّف من تباين الرؤى بين القوى السياسية المنضمّة إليه.

رئيس المجلس الرئاسي اليمني الجديد، أثناء حضوره لليوم الأخير من المؤتمر الذي استضافه مجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية الرياض حول النزاع الدائر في اليمن
صورة تم التقاطها يوم 7 إبريل 2022 لرشاد العليمي، رئيس المجلس الرئاسي اليمني الجديد، أثناء حضوره لليوم الأخير من المؤتمر الذي استضافه مجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية الرياض حول النزاع الدائر في اليمن. المصدر: Fayez Nureldine / AFP.

أبوبكر باذيب

المقدمة

منذ سقوط العاصمة صنعاء بيد جماعة الحوثي في سبتمبر 2014، يعيش اليمن حالةً من التخبط السياسي. وبطبيعة الحال، فقد أدت هذه الحالة إلى تقلّب وجوه الحكم في هذه الدولة المنكوبة مع تباين الولاءات الخارجية والأيديولوجيات الدينية. وكان تنازل الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي في أبريل 2022 عن السلطة الى مجلس القيادة الرئاسي، المشهد الأكثر تحولاً في مسار الحكومة الشرعية اليمنية.

مراقبو الشأن اليمني وصفوا تنازل هادي عن السلطة بأنه “إعلانٌ دستوري” تجاوز نصوص الدستور اليمني الضابط لانتقال السلطة. ومع ذلك، فإن ضرورات المرحلة فرضت أمراً واقعاً على القوى المحلية والأطراف الدولية المؤثرة دفعتهم لقبول شرعية المجلس الرئاسي ودعمه والتعامل معه. وجاء هذا القبول رغم التخوّف من أن عدد أعضاء المجلس الكبير سيفضي إلى تباين الرؤى بين القوى السياسية المنضمّة إليه.

الشارع اليمني استقبل تشكيل المجلس الجديد بتفاؤلٍ حذر. ويأمل اليمنيون بأن تشهد المرحلة الجديدة حراكاً سياسياً يسهم في تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية في اليمن بعد سنوات الحرب الطويلة. ومع ذلك، فإن التغيير الشامل في شكل ووجوه قادة اليمن قد لا يقود بالضرورة إلى تغيير واقع الحال الصعب الذي يعيشه هذا البلد.

الرئيس الثالث

أعاد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اسم وزير الداخلية الأسبق رشاد محمد العليمي إلى الواجهة، بعد سنوات من العمل في الظل كمستشاراً سياسياً للرئيس السابق عبدربه منصور هادي.

وبات العليمي الرئيس الثالث لليمن منذ توحيده في العام 1990، عقب رئاسة علي عبدالله صالح التي استمرت 21 عاما، وحقبة هادي التي استمرت 10 أعوام.

وخلال سنوات طويلة، تمكن العليمي من تبديل أدواره بين الشخصية المدنية والأكاديمية ورجل الأمن والمخابرات. كما كان له حضورٌ حزبي بارز في حقبة الرئيس صالح، سيّما وأنه كان أحد القيادات العليا لحزب المؤتمر الشعبي العام.

وينتمي العليمي إلى محافظة تعز اليمنية، المحافظة الأكبر تعداداً للسكان والأقل نسبة في الأمية بين محافظات اليمن. ويحظى الرئيس الجديد بعلاقاتٍ جيدة ومتوازنة مع كافة المكونات السياسية، ما وفر له قاعدةً مقبولة لعقد تفاهمات ومقاربات بين القوى السياسية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي له علاقاتٌ متقدمة ومتميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والمجتمع الدولي. وإبان توليه لوزارة الداخلية اليمنية بين عامي 2001 و2009، فقد كان للعليمي علاقات وطيدة ومتشابكة مع الجهات الأمنية في واشنطن.

مجلس التناقضات

ضم مجلس القيادة الرئاسي سبعة نواب للرئيس. وينتمي هؤلاء إلى خلفياتٍ وتوجهات سياسية مختلفة ومتباينة. ولعبت معظم هذه الشخصيات دوراً مؤثراً في سنوات الحرب. ويتمتع هؤلاء بحضورٍ نافذ على مساحات جغرافية متفاوتة من اليمن. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن تلك المناطق باتت تحظى بإداراتٍ سياسية وسياداتٍ منفصلة بحكم ما تمتلكه تلك الشخصيات المؤثرة على الأرض من قوة عسكرية وأمنية. وعلى هذا الأساس، بات اليمن مكوناً من مناطق منفصلة لا يربط بينها سوى قوامٍ ظاهري لشكل الدولة والشرعية اليمنية.

الباحث السياسي اليمني فارس البيل يرى أن تشكيل المجلس يهدف لتجاوز حالة الشلل السياسي المسيطرة على المشهد اليمني، وبما يحقّق الحد الأدنى من متطلبات واحتياجات اليمنيين.

ويضيف البيل لفنك: “تشكيل المجلس كان لحلّ مشكلة قوام وكيان الحكومة الشرعية اليمنية المتشظية في الأساس. وسعت الأطراف المحلية والإقليمية إلى جمع القوى المختلفة والمتنافرة وتحميلها مسؤولية إعادة ترتيب بيت الشرعية لمواجهة الحوثيين واستعادة الدولة. بيد أن تشكيل المجلس جاء بصورةٍ عملية دون عقد اجتماعاتٍ يتم فيها تحديد الرؤى والمهام التي يتوجب على المجلس إنجازها في المرحلة المقبلة”.

وتجلّى غياب الرؤية في تشكيل المجلس دون وجود لائحة ناظمة لصلاحيات ونفوذ ومهام كلّ عضو فيه. كما أنّ عدد الأعضاء الكبير جاء بهدف جمع القوى السياسية تحت منظومة عمل موحدة دون التفكير فيما يترتب على هذا العدد من إشكاليات على مستوى اتخاذ القرار.

وعلى هذا الأساس، ظهرت إشكالاتٌ جديدة في المشهد السياسي اليمني الجديد، سيّما وأن عملية اتخاذ القرار باتت تتطلب توافقات ومقاربات سياسية تنطوي كلّها تحت مظلة الشرعية. وأضفى هذا التطور تعقيداً جديداً في كيفية التعامل مع الملفات والأزمات الحقيقة المتصلة بمسارات الحرب والتسوية السياسية مع الحوثيين.

ويرى البيل أن مجلس القيادة غير قادر على تلبية تطلعات اليمنيين لأن القوى السياسية المشاركة فيه قائمة على أساس تحقيق مصالحها الخاصة وتغليبها على المصالح الوطنية الجامعة.

ويقول البيل في هذا السياق: “تسعى القوى السياسية اليمنية بصفةٍ عامة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في وقت قصير، على اعتبار أن الصفقات السياسية قد لا تتكرر في ظروفٍ أو تحالفات أخرى. وبطبيعة الحال، فإنّ طبيعة التفكير هذه انعكست على أداء مجلس القيادة الرئاسي”.

ويضيف: “تجاوز الأجندات الشخصية والتخلص من حالة التكتيكات الذاتية إلى رؤية أشمل تعلي مصلحة اليمن هو السبيل ليتجاوز مجلس القيادة اليمني التباينات الحاصلة بين أعضائه. وما لم يحصل ذلك، فإن كل هذه الإشكاليات والأزمات الداخلية سترافق المجلس خلال عمله خلال الفترة القادمة وستكبّل كل جهوده الرامية للتوافق حول أي سعي للحوار أو للتسوية مع الحوثيين”.

وجوه الشرعية

يعد سلطان بن علي العرادة، محافظ محافظة مأرب، أكثر الوجوه التي تحظى بتوافق كبير من القوى السياسية والقيادات العسكرية المناهضة للحوثيين.

ويدير العرادة، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس المجلس، المحافظة الأهم من حيث الموقع الجغرافي والثروة النفطية والغازية شمال اليمن. وتعد محافظة مأرب أبرز معاقل الحكومة الشرعية في المناطق الشمالية. وكبدت هذه المحافظة جماعة الحوثي خسائر كبير في معارك طويلة. كما عاشت المحافظة سنوات طويلة على هامش التنمية إبان حكم الرئيس صالح.

ويعد اللواء فرج سالمين البحسني الوجه الثاني ضمن قوام مجلس القيادة الرئاسي. وعمل البحسني لسنوات كمحافظ حضرموت، وهي المحافظة الأكبر من حيث المساحة الجغرافية. كما أن هذه المحافظة مقصد احتواء الرؤساء اليمنيين لها، كونها المحافظة التي تدر النصيب الأكبر من ميزانية الدولة لتمركز حقول النفط الأكثر إنتاجية فيها.

والبحسني من منتسبي السلك العسكري منذ أكثر من أربعة عقود. وشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الثانية، التي أدارت معارك طويلة مع تنظيم القاعدة الذي سيطرة على محافظة حضرموت في أبريل 2014. وتمكن البحسني من تحرير المحافظة في أبريل 2015 عقب تشكيل قوات عسكرية أطلق عليها “النخبة الحضرمية” بدعم من دولة الإمارات.

رجل الجنوب اليمني

يعد عيدروس قاسم الزبيدي من نواب رئيس مجلس القيادة الرئاسي. كما أنه رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المنتمي لمحافظة الضالع جنوبي اليمن. ويعد الزبيدي الوجه الأكثر حضورا في صراع البحث عن تقرير مصير وانفصال جنوب اليمن عن الدولة الموحدة.

ويجد الشارع في المحافظات الجنوبية لليمن مشروع الانفصال عن الدولة الواحدة هدفاً يسعى له، خصوصا بعد معاناة أبناء المحافظات الجنوبية من الإقصاء السياسي والاستحواذ على ثرواته منذ قيام الوحدة اليمنية في مايو 1990.

وشغل الزبيدي منصب محافظ عدن. وبرز اسمه خلال اجتياح جماعة الحوثي لعدن ولعددٍ من المحافظات الجنوبية في صيف 2015. وساهم وعمل ضمن فصائل المقاومة الجنوبية التي أجبرت عناصر الحوثيين من الانسحاب من عدن.

وجوهٌ أخرى

يأتي عبدالله العليمي باوزير أصغر وجوه مجلس القيادة سناً. وينحدر باوزير من مدينة بيحان بمحافظة شبوة جنوبي اليمن. وهو يمثل حزب الإصلاح ذي المرجعية الإسلامية في المجلس. وسبق له إدارة مكتب رئاسة الجمهورية خلال السنوات الاخيرة لفترة رئاسة عبدربه منصور هادي السابق.

واكتسب باوزير الكثير من مِراس السياسة في فترةٍ غاية في الصعوبة والتعقيد. وتمكن بحسب المراقبين خلال فترة إدارته لمكتب الرئيس السابق من تحقيق توازنات سياسية وعلاقات محلية وداخلية وايضا إقليمية. وبفضل هذه التوازنات، فرض باوزير حضوره بطريقة جعلت تجاوزه أمراً صعباً، سيما وأنه بات يمثل ثقل مناطقي وجغرافي وأيضا سياسي وحزبي.

المجلس الرئاسي يضم أيضاً طارق محمد عبد الله صالح نجل شقيق الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح. وكان صالح مرافقاً شخصياً لعمه ومقرباً منه قبيل اغتيال جماعة الحوثي للرئيس اليمني الأسبق.

وإبان حكم عمه، شغل طارق صالح قيادة الحرس الخاص واللواء الثالث حرس جمهوري حتى إقالته في أبريل 2012 بموجب قرارات إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية.

ويؤخذ على طارق صالح تحالفه الوثيق مع جماعة الحوثي الذي استمر بين عامي 2015 و2017 عقب بدء عمليات التحالف العربي لاعادة الشرعية في اليمن. وسرعان ما انفض عقد هذا التحالف عقب مقتل الرئيس الأسبق، وفرار ابن أخيه وتشكيله قوات المقاومة الوطنية بدعم الإمارات التي تمركزت في الساحل الغربي لليمن.

وضم المجلس أيضا البرلماني والوزير السابق عثمان حسين مجلي، الذي ينحدر من محافظة صعدة شمالي اليمن، مسقط رأس جماعة الحوثي. ويعرف عن مجلي مواقف المناهضة ضد الحوثيين منذ تمردهم على الدولة في العام 2004.

وجاء اختيار مجلي ضمن أعضاء المجلس الرئاسي من منطق خلق توازن لحضور أحد أبناء محافظة صعدة اليمنية. كما أن عضويته جاءت من باب رفد المجلس بأحد أبناء المحافظات الشمالية لتساوي عدد الأعضاء بين المحافظات الشمالية والجنوبية.

الحضور السلفي

يعتبر عبدالرحمن أبو زرعة المحرمي ذي المرجعية السلفية والمولود في مدينة يافع الشهيرة بمحافظة لحج جنوبي اليمن، مفاجأة أعضاء المجلس الرئاسي اليمني. ومن المعروف عن المحرمي سعيه الدائم لأن يبقى بعيداً عن الأضواء. وعلى هذا النحو، يعتبر المحرمي من الوجوه البعيدة عن الصفوف الأولى للعمل السياسي والحضور الإعلامي في اليمن.

بيد أن حضور المحرمي العسكري اللافت في قيادته للعمليات العسكرية في محافظة الحديدة، وقيادته ألوية العمالقة التي تقع ضمن القوات المشتركة للتحالف العربي، كان محل اهتمام ومتابعة المراقبين. ولهذا السبب، فقد سعت القوى المؤثرة في المشهد اليمني لفرض تواجده ضمن أعضاء المجلس، سيما وأنّ مواجهاته مع العناصر المسلحة لجماعة الحوثي في مناطق مختلفة كانت عنيفة وقوية. وكانت دائما ما تشهد تفوقه وتقدمه وتحقيقه للانتصارات.

تجاوز الأزمات

ترى الباحثة المختصة في الشؤون اليمنية فينا علي خان أن المجلس “أضعف من أن يكون طرفاً نظيراً للحوثيين”، سيّما وأنه منقسمٌ على نفسه منذ البداية. وبحسب علي خان، فإنّ المجلس “لا يحكم ككيان واحد، ويفتقر إلى إستراتيجية واضحة للوصول إلى محادثات سلام”.

وتضيف علي خان: “ترغب القوى الغربية التي قد تكون قادرة على التأثير على الحكومة خلال المفاوضات بوجود مجلس قيادة رئاسي موحد لكنها تفتقر إلى سياسة واضحة حيال ما ينبغي فعله لتوحيد أعضائه”.

بدوره، يرى السفير اليمني مصطفى نعمان أن مجلس القيادة “أعجز وأضعف من تشكيل كتلة سياسية موحدة بهدف مشترك يمكنه من التحدث بصوت واحد، لأن أعضاءه يحملون مشاريع مختلفة حد التناقض”. ويضيف نعمان: “رغم محاولات رئيس المجلس المناورة بين الخلافات، إلا أنها باءت بالفشل بسبب تركيبة المجلس، ولأن شخصيته غير الحاسمة لم تمكنه من إعلان رؤية واضحة ومقنعة تجاه أزمات البلاد وفشل في إقناع الناس بقدراته”.

كلّ تلك المعطيات تقدّم دلالات لمشهد قاتم وأفق مجهول يتراجع فيه نفوذ الدولة وحضورها العسكري والأمني وتأثيرها الاقتصادي والتنموي. وإلى جانب ذلك، فإن رؤى تيارات الحوثيين تتفاوت حول قبول المجلس كطرف شرعي ومفاوض ونظير للتسوية الدائمة.

وبحسب ما ذكرته مصادر لفنك، فقد أبلغت جماعة الحوثي الأطراف الدولية والإقليمية رفضها الاستجابة لدعوات المجلس القيادي للحوار ورفضهم التعامل معه. وبطبيعة الحال، فإن هذا الرفض زاد من أزمة المجلس الرئاسي على المستوى السياسي، وهذا ما فسر كتمويه من قبل الجماعة في قبول المبادرات والمقاربات السياسية والاستفادة من الهدنة الوهمية الراهنة والاستعداد لجولات قادمة للمواجهات.

user placeholder
written by
Kawthar Metwalli
المزيد Kawthar Metwalli articles