وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الرئيس اليمني هادي، من زعيمٍ متردد إلى زعيمٍ عنيد

الرئيس اليمني هادي
عبد ربه منصور هادي. Photo Hasan Jamali

خرج اليمنيون في 21 فبراير 2012 إلى صناديق الاقتراع. كان المشهد يفوق الواقع؛ إذ كان الناس يتفاخرون بعرض إبهامهم الملطخ بالحبر بعد الانتخاب، سعداء لتصويتهم. لم تكن السعادة التي تعتريهم بسبب تصويتهم لمرشحهم المفضل، بل سعداء بالتصويت فحسب، إذ لم يكن هناك سوى مرشحٌ واحد: عبد ربه منصور هادي.

وعند سؤالهم عمّا يعرفونه عنه، كانت الإجابة عادةً: لا شيء. ومع ذلك، كانوا يؤمنون أنه بعد 33 عاماً من حكم علي عبد الله صالح، والتي بلغت ذروتها في أعقاب عمليات القمع العنيفة للمتظاهريين السلميين في عام 2011، فإن أي شيء أو أي أحد سيكون أفضل منه. لذلك، لجأوا لانتخاب هادي، نائب صالح منذ أمدٍ طويل وزميله في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم.

فلم يكن الأمر مهماً إلى هذا الحد، فلو أن اليمنيين لم يصوتوا على الإطلاق في ذلك اليوم، لكان سيتم تنصيب هادي رئيساً على جميع الأحوال، إذ كانت تلك صفقة انتقال السُلطة في البلاد بوساطة مجلس التعاون الخليجي. وبالفعل، امتنع بعض اليمنيين عن التصويت، إذ كانت تساورهم شكوكٌ حول قدرة هادي على حكم بلدهم الجامح لسببٍ واحدٍ فقط: لم يكن لديه شارب. فالنبسة لهم، كان هذا دلالةً على الضعف ونقص الرجولة. بينما قال آخرون، إن لم يُخفق هذا الرجل، فعلى الأقل أنا لم أدعمه بفعالية.

لم يُخفق هادي. ففي اجتماعٍ عام 2013 مع الرئيس أوباما، لخص هادي التحديات التي تواجه اليمن بدقة، إلا أنه لم يبرز كقائدٍ قوي ومُلهم لمواجهتها. وبعد مرور عام، لم يتم حل ولو واحدة من هذه القضايا، وفشل الحوار الوطني الذي كان جزءاً من صفقة انتقال السُلطة، وازداد الوضع المتأزم بالفعل سوءاَ، ودفع البلاد إلى حربٍ مستعرة.

ومن الصعب الجزم ما إذا كان هذا لأنه وصل إلى سدة الحكم وأمامه مهمة مستحيلة للشروع بالعمل، أم لأنه كان يفتقر إلى المهارات اللازمة للتعامل مع خبث واضطرابات القرارات الدولية والاقليمية والوطنية المتعلقة بالسياسات اليمينة. ربما بعضٌ من هذا وذاك. وحتى اليوم، وبعد أكثر من أربع سنواتٍ في السُلطة، لا يزال الرجل ودوافعة يشكلان لغزاً.

ولد هادي عام 1945 في محافظة أبين جنوب اليمن، وتم تدريبه كجندي في اليمن والمملكة المتحدة ومصر وروسيا. وفي عام 1986، وفي أعقاب الصراع الداخلي على السُلطة داخل جمهورية جنوب اليمن الاشتراكية، فر إلى شمال اليمن، مما جعل منه خائناً في أعين العديد من الجنوبيين. وبعد الحرب الأهلية عام 1994 بين الشمال والجنوب داخل حدود جمهورية اليمن الموحدة- حيث كان يقاتل إلى جانب الشماليين- عيّن نائباً لرئيس اليمن، وتوارى بصمتٍ لما يقرب من عشرين عاماً في عباءة علي عبد الله صالح.

بل إن القليل يُذكر عن حياته الخاصة، وهو أمرٌ طبيعيٌ إلى حدٍ ما في المنطقة، حيث الخصوصية مُقدسة ويتم احترامها حتى بالنسبة للملوك والرؤساء. ومع ذلك، فهو متزوج ولديه أطفال، بالرغم من أن أماكن تواجدهم غير معروفة.

ويبدو من غير المحتمل أن هادي كان في عام 2012 يمتلك في الحقيقة طموح مغادرة ظل صالح. بل يبدو في حقيقة الأمر أن مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة جرته عنوة من هناك، لعدم وجود مرشحٍ أفضل آنذاك. ويبدو أيضاً أن الرئيس المخلوع صالح كان سعيداً إلى حدٍ ما بهذا الحل، إذ يعلم تماماً أن لا خوف من هادي، الذي، لكونه جنوبي، يفتقر إلى الدعم القبلي، الذي كان ولا يزال يتمتع به صالح.

وبالفعل، منذ تولي هادي الرئاسة، ساءت الأمور. فعلى الرغم من بعض التعديلات في قيادة القوات المسلحة، إلا أنه لم يتمكن من التخلص من بقايا عشيرة صالح. وبدلاً من ذلك، شرع في تعيين أفراد عائلته وأصدقائه في مناصب استراتيجية. شكك هذا اليمنيين بمصداقيته ومهارته القيادية. ومع ذلك، آثروا منحه فرصة، لعدم وجود بدائل أفضل.

إلا أنّ المتمردين الحوثيين الزيديين (الشيعة) في شمال اليمن لم يفعلوا ذلك. فمع غضبهم لتهميش دورهم في الحوار الوطني وملاحظتهم ضعف هادي، قاموا بدعمٍ من صالح وما تبقى من قواته الموالية من السيطرة على العاصمة صنعاء ووزاراتها. أجبروا هادي على الخروج من دار الرئاسة، ليستقيل أخيراً (ليعيد تنصيب نفسه في وقتٍ لاحق)، وفر طالباً اللجوء والدعم في المملكة العربية السعودية.

بالنسبة للعديدين، لم يعد هادي مجرد خيبة أملٍ فحسب، بل بات جباناً أيضاً. وبخاصة أنه ارتمى في أحضان السعودية- جارة اليمن التي لطالما عانت من علاقاتٍ صعبة من التبعية التي تربطها بها وليس الصداقة- مما جعلهم يشتعلون غضباً. وبعد أن بدأ السعوديون تدخلهم العسكري في مارس 2015 لهزيمة الحوثيين وإعادة حكومة هادي إلى السُلطة، تحوّل من جبان إلى ما هو أسوء من ذلك، فقد بات في خانة العدو.

ولا يبدو أن هذا يُزعج الدبلوماسيين والأطراف الأخرى التي كانت تناقش اتفاقيات السلام الواحدة تلو الأخرى. فحتى الآن، لطالما أدرجت عودة هادي إلى اليمن وإلى السُلطة في المقترحات لإيجاد حلٍ للحرب المستمرة منذ مارس 2015. فهم لا يستطيعون أو لا يريدون التخلص منه. ويمكن لأي أحدٍ تخمين السبب؛ فهم إما يشعرون ببعض الواجب- على مضض- للتمسك بالرجل الذي جلبوه للسُلطة. ففي نهاية المطاف، يستوجب قرارٌ صادرٌ عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عودة حكومته إلى صنعاء. أو ربما يعتقدون حقاً أنه الرجل المناسب في المكان المناسب لإعادة الاستقرار إلى اليمن.

فهادي نفسه يبدو أنه قد تغير من زعيمٍ متردد إلى شخصٍ أكثر عناداً. ففي نهاية أكتوبر 2016، اقترحت الأمم المتحدة، أخيراً، خطةً تُنحي من خلالها هادي بشكلٍ جوهري، تاركةً له دوراً رمزياً فحسب. وبعد أيام فقط، رفض هادي الخطة ذلك أنها مواتيةٌ إلى حدٍ كبير لصالح المتمردين الحوثيين.

لمَ لا يتنازل؟ لمَ لا يتنحى ويمنح السلام فرصة؟ ما سبب هذا التشبث بسُلطة لم يسبق أن امتلكها قط في المقام الأول؟ ربما لا تكمن أكبر مشاكل هادي بمنح الحوثيين مناصب في الحكومة، كما تقترح الخطة الأخيرة. ربما المشكلة الأكبر هي الشعور أنّ مثل هذه الخطة ستعني خسارته أمام رئيسه السابق وحليف الحوثيين؛ علي عبد الله صالح.

وخلافاً لهادي، يكتسب صالح شعبيةً يوماً بعد يوم، وقد تنتهي الانتخابات، التي تعد في نهاية المطاف جزءاً من الخطة، بفوز صالح أو ابنه. وهذا لا يعني فقط العودة إلى الظل مجدداً بالنسبة لهادي، بل يعني أيضاً الرحيل، إن لم يكن المنفى.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles