وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحرب الدولية على داعش، شرارة البدء ونظرة الخبراء

جنود عراقيون في عملية ضد مقاتلي الدولة الإسلامية قرب من جرف الصخر جنوب بغداد, 25 تشرين الأول/أكتوبر 2014 / Photo Anadolu Agency
جنود عراقيون في عملية ضد مقاتلي الدولة الإسلامية قرب من جرف الصخر جنوب بغداد, 25 تشرين الأول/أكتوبر 2014 / Photo Anadolu Agency

برز على مدى العامين الأخيرين “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” كما كان يُطلق على نفسه حتى 29 يونيو 2014، أو ما بات يُعرف اليوم بتنظيم “داعش”، كأقوى فصيل على الأرض بين المجموعات التي تقاتل نظام بشار الأسد في سورية. ومن خلال استقطابها لعشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب والعرب والمحليين وتمتعها بقدر عالٍ من التمويل (الذي لا تزال مصادره مثار بحث وجدل) تمكنت “داعش” من اجتياح مساحات واسعة من سورية والعراق في زمن يعتبر قياسياً، وسط ذهول انتاب العالم من هذه التطورات.

كان توسع “داعش” نجمياً، فقد زحفت على حساب قوات النظامين السوري والعراقي، بل وعلى حساب فصائل سورية معارضة إلى جانب المناطق الكردية ذات الحكم شبه الذاتي.

وفي منتصف العام الجاري وبالتحديد في يونيو 2014، غيّر “تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام” اسمه إلى “الدولة الإسلامية” ليعكس طموحاته، وغدا بادياً للعيان أن توسع التنظيم في جميع هذه الاتجاهات، كان مسألة وقت لا أكثر. أثار هذا النمو المتسارع لنفوذ “داعش” توجس العديد من الحكومات الغربية والإقليمية، وذلك مع الفظائع التي كان التنظيم يرتكبها ويبثها في تسجيلات مصورة عبر شبكة الإنترنت، إلى جانب التهديدات العلنية التي كان يطلقها في تلك التسجيلات ضد العديد من الحكومات الغربية والعربية والقوى المحلية.

في العراق، اعترفت القوات الحكومية العراقية بعجزها عن وقف زحف التنظيم، وطلبت الحكومة العراقية من الولايات المتحدة التدخل للمساعدة في تقويض داعش.

استجابت الحكومة الأمريكية للطلب العراقي، وشرعت مقاتلاتها في شهر آب/أغسطس الماضي بشنِّ غارات على مواقع متفرقة لداعش في العراق في إطار دعمها للقوات العراقية والعشائرالسُنية والمقاتلين الأكراد وآلاف اليزيديين الذين حوصروا من قِبل جهاديّ التنظيم في جبل سنجار. وصرحت القيادة الأمريكية الوسطى في حينه أنه “وبطلب من حكومة العراق، هاجمت قوات الجيش الأمريكي إرهابيي الدولة الإسلامية قرب حديثة في محافظة الأنبار دعما للقوات الأمنية العراقية والعشائر السُنية التي تقوم بحماية سد حديثة”.

عدا عن تلك الهجمات المحدودة والمتفرقة، بقيت ردات الفعل الغربية والإقليمية على “داعش” محدودة إلى أن حدث أمر في التاسع عشر من شهر آب الماضي أخذ الأمور إلى سوية أخرى، ففي ذلك التاريخ بثت “داعش” شريطاً مصوراً يظهر قيام التنظيم بقطع رأس “جيمس فولي” وهو صحفي أمريكي كان قد اختفى في سورية قبل نحو عام من ذلك. شكل إعدام “فولي” السبب المباشر لتفكير الولايات المتحدة جدياً بتوسيع التدخل ضد “داعش”، وذلك في ظل ضغوط متزايدة تلقتها الإدارة الأمريكية من الرأي العام الأمريكي للقيام بشيء حيال إعدام داعش للصحفي “فولي” وتهديدها بإعدام صحفي أميركي آخر أعدمه التنظيم لاحقاً.

الهجوم الذي تقوده الولايات المتحدة

وبالفعل، جاء القرار الأميركي عشية الذكرى الثالثة عشر لهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، إذ أعلن الرئيس باراك أوباما في خطاب له عزم الولايات المتحدة شن حرب جوية على داعش “أينما كانت”. وقال أوباما: “هدفنا واضح، سنضعف تنظيم “داعش” وندمره في نهاية المطاف من خلال إستراتيجية شاملة ومتواصلة لمكافحة الإرهاب”. وتابع: “لن أتردد في التحرك ضد داعش في سوريا كما في العراق”، كاشفاً أن القوات الأميركية ستوسع الغارات التي كانت الولايات المتحدة تشنها في العراق منذ شهر ضد المتطرفين هناك. وأعلن أيضا إرسال 475 مستشارا عسكرياً إضافياً من أجل مساعدة القوات العراقية، دون أن تكون لهؤلاء مهام قتالية.

وفي خطوطها العريضة اقتضت الخطة الأمريكية تنفيذ هجمات جوية على أهداف لداعش وتدريب “قوى المعارضة السورية المعتدلة” لتقوم بمهمة قتال “داعش” على الأرض في سوريا في وقت لاحق. ولما كانت داعش تطرق أبواب المدن الكردية في شمال سوريا والعراق، تضمنت الخطة أيضاً دعم المقاتلين الأكراد في وجه التنظيم، إلى جانب دعم القوات العراقية الرسمية. وقد أشار أوباما في خطابه: “في سوريا نقدم مساعدات عسكرية إلى المعارضة السورية. وقد دعوت الكونغرس الليلة إلى إعطائي سلطات إضافية ومصادر من أجل تدريب وتسليح أولئك المقاتلين. ففي محاربة داعش… يجب أن نقوي المعارضة لمجابهة المتطرفين مثل داعش مع الاستمرار بالحلول الدبلوماسية الضرورية من أجل حل الأزمة السورية”.

في الوقت نفسه، رفضت الولايات المتحدة وحلفاؤها التنسيق مع النظام السوري في شن تلك الهجمات، رغم محاولات الأخير الحثيثة للانخراط في العملية. “في محاربة داعش، لا يمكننا الاعتماد على نظام الأسد الذي يرهب شعبه، فذلك النظام لن يستعيد الشرعية التي فقدها”، هذا ما كان أوباما قد صرح به خلال خطابه.

عبر النظام السوري عن امتعاضه من العملية، وكان إلى جانبه في ذلك كل من إيران وروسيا. لكن ردة فعل هؤلاء لم تتجاوز عدد من التصريحات حول انتهاك السيادة السورية وضرورة التنسيق مع النظام في سورية.

وكما جرت العادة في هذا النوع من الحروب، بدأت الولايات المتحدة على الفور بتشكيل تحالف يضم عدداً من حلفائها الإقليميين والدوليين من أجل تنفيذ تلك الهجمات. ولدى الإعلان عنه كان التحالف يضم كلا من الأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين كمشاركين فعليين في الهجمات الجوية. والتحق بالتحالف لاحقاً عدد من الدول الأوربية والإقليمية منها ما اقتصرت مشاركته على تقديم الدعم الإنساني للمتضررين أو تأمين الذخائر والدعم اللوجستي أو إرسال مدربين ومستشارين أو التضييق على مناصري “داعش” في أراضيها. ومن تلك الدول – التي أصبح عددها اليوم أكثر من 60 دولة – بريطانيا وأستراليا وفرنسا وهولندا وألمانيا وكندا وتركيا وقطر وغيرها.

بدأت غارات التحالف بضرب مواقع “داعش” في سورية والعراق معاً مطلع الأسبوع الأخير من شهر أيلول الماضي- وبالتحديد في 23 أيلول/سبتمبر، وإلى الآن قام التحالف بتنفيذ نحو 300 ضربة جوية وصاروخية شملت العديد من مقرات “داعش” إلى جانب معسكرات تدريب ومخازن أسلحة وذخائر وعربات قتالية تابعة لها في سوريا والعراق، وذلك حسب مسؤولين عسكريين أمريكيين. لكن تنوعاً كبيراً في الآراء حول جدوى هذه الضربات وما قد تفضي إليه بدأ يطفو على السطح مؤخراً. فبين مؤيد ومعارض، ومرحب ومستنكر، وواثق ومشكك، تبدو الأمور بعيدة كل البعد عن الإجماع حول الحملة على “داعش”.

تباين الآراء

ينظر عدد من المحللين ـ الغربيين منهم على وجه التحديد ـ بعين الأهمية إلى هذه الحملة خاصة أنها المرة الأولى التي تشارك فيها قوى عربية “سُنية” في ضرب تنظيم “سُني” متطرف. وبهذا، لا يمكن النظر إلى أنها حرب غربية ضد المسلمين. ويشيد أصحاب هذا الرأي أيضاً بالأثر المعنوي الذي سوف تحمله هذه الضربات للمقاتلين الأكراد والجيش العراقي وفصائل المعارضة السورية المنخرطة في مقارعة “داعش” على الأرض حالياً.

لكن هناك من يرى الأمور من منظور مختلف، ففي مقال في صحيفة الشرق يرى الإعلامي والكاتب السياسي فيصل القاسم أن “نظرة سريعة إلى التحالف الدولي الذي يستهدف “داعش” في سوريا تؤكد ببساطة أنه يصب في مصلحة النظام السوري وحلفائه تحديداً. فقد نزلت ضربات التحالف الدولي على مواقع تنظيم الدولة في سوريا برداً وسلاماً على نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين وحزب الله وروسيا… ولا شك أن الروس والإيرانيين سعداء وهم يرون الطائرات الأمريكية والعربية تدك مواقع داعش”.

وفي ذات الحين يتسائل وزير الإعلام الأردني الأسبق صالح القلاب: “ما معنى أن تستمر الغارات الجوية لهذا التجمع العالمي.. كل هذه الفترة التي تعد كافية لإصابة هذا التنظيم على الأقل بالشلل والانكماش والتراجع، خلافا لما يحصل الآن، حيث واصلت قوات داعش تقدمها في مناطق كثيرة وكادت تستولي على مطار بغداد وأصبحت تطوق العاصمة العراقية التي يقول البعض إن سقوطها أصبح متوقعا وفي أي لحظة.”

أما المحلل السياسي عثمان ميرغني فيعتقد أن “الحملة على داعش أصبحت مصدر سخرية في وسائل الإعلام الأميركية لضآلة نتائجها وقلة فاعليتها في وقف تقدم مقاتلي التنظيم. أسلحة باهظة الثمن تستخدم، وطلعات جوية مكلفة تنفذ، وصواريخ متطورة موجهة بالليزر تطلق من دون نجاح يوقف زحف مقاتلي هذا التنظيم على الأرض واستيلائه على نقاط جديدة”.

وتذكر بعض مراكز الأبحاث أن تكلفة الحرب على “داعش” قد تتجاوز العشر مليارات دولار. كما ألمح عدد من المسؤولين العسكريين الغربيين إلى أنّ هذه الحرب قد تمتد إلى 30 عاماً، وهذا ما كان قاله وزير الدفاع الأميركي الأسبق ليون بانيتا.

وثمة أيضاً من يرى أن هذه الحرب ـ في أحسن أحوالها ـ ربما تحد من توسع “داعش” الجغرافي، لكنها أبعد ما تكون عن اجتثاث “داعش” عن بكرة أبيها من المنطقة. ويجمع الكثير من الخبراء العرب والغربيين على أن الاكتفاء بالضربات الجوية فقط لا يمكن أن يكون مجدياً، ذلك أن “داعش” ليست جيشاً نظامياً يعتمد على الدبابات أو غيرها من الآليات العسكرية الثقيلة لتحقيق الإنجازات العسكرية، وأنه قبل بدء ضربات التحالف كان أصلا قد أخلى مواقعه في الرقة السورية وأماكن أخرى إلى مواقع تحت الأرض

في حين يرى محللون عسكريون أن إستراتيجية “داعش” تقوم على خوض حرب دفاعية كالتي خاضتها حماس وحزب الله في مواجهة سلاح الجو الإسرائيلي، وهي إستراتيجية سمحت ـ كما تبين ـ بإطالة أمد الحرب إلى ما لا نهاية دون أن يتمكن أي من الطرفين من إعلان نصر أو هزيمة مطلقة.

ويضيف باحثون في شؤون الجماعات الإسلامية أن الضربات على “داعش” زادت من حجم التعاطف معها في أماكن عدة، فهي سمحت لداعش بالادعاء أنها تخوض حرباً ضد “الكفار”، وزاد في حجتها وقوع عدد من المدنيين في غارات التحالف في مناطق سورية وعراقية. وأكثر من ذلك، يضيف آخرون، فإن هذه الحملة من المحتمل جداً أن تفتح الباب أمام أعمال انتقامية ضد الدول المنخرطة في التحالف فتزيد من وتيرة النشاطات الإرهابية المرتكبة في المنطقة والعالم.

ويرى مراقبون أن عدد الهجمات التي يشنها التحالف حالياً على “داعش” محدودة، فهي في بعض الأحيان لا تتجاوز الثلاث ضربات في اليوم، وهو عدد فائق الضآلة إذا ما قيس بحروب مماثلة كالحرب على القاعدة في أفغانستان، بالرغم من أنّ التحالف كان قد كثّف غاراته منتصف تشرين الأول/أكتوبر ضد الجهاديين الذين وصلوا إلى مدينة عين العرب- كوباني الكردية السورية. ويرجع بعض الباحثين هذا الأمر إلى افتقار قوات التحالف إلى المعلومات الاستخباراتية اللازمة في هذه المعركة، بينما يرى البعض الآخر في ذلك تراخي وعدم جدية في التعاطي مع خطر المحدق الذي يشكله هذا التنظيم.