يُنظر إلى الانتخابات الرئاسية التركية على أنها مواجهة بين الرئيس أردوغان والعديد من مرشحي المعارضة المنقسمين فيما بينهم.
خالد محمود
تستعد تركيا لانتخاباتٍ رئاسية فاصلة يجري التحضير لها على ما تعيشه البلاد من أزماتٍ داخلية وتطورات إقليمية. ويبدو أن المشهد سيكون ما بين الرئيس رجب طيّب إردوغان ومرشحين لمعارضةٍ منقسمة على نفسها.
وفي الوقت الذي يمتلك فيه إردوغان كلّ أدوات الفوز ويطمح لتجديد إمبراطوريته الإقليمية والداخلية، فإنّ مرشحي المعارضة يفتقدون إلى الكاريزما الكفيلة بحشد الشعب التركي.
الدعاية الانتخابية
مع سعيه للفوز بولاية رئاسية جديدة، يواجه إردوغان ثلاثة مرشحين فقط اعتمدت اللجنة الانتخابية ترشيحهم.
ويواجه إردوغان كلاً من كمال كيليتشدار أوغلو، مرشح “تحالف الأمة”، وسنان أوغان، مرشح تحالف “أتا”. كما تتضمن قائمة المرشحين محرّم إينجة، الذي حصل على 114 ألف توقيع من الناخبين الأتراك لتأمين ترشيحه.
وفي حال لم يحسم المقترعون الأتراك نتائج الانتخابات من الجولة الأولى، ستجري الجولة الثانية في 28 مايو 2023.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أمل 51.8 بالمئة من الناخبين في فوز زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو بالرئاسة. في المقابل، يؤيّد 42.6 بالمئة من الناخبين إردوغان.
الرئيس التركي اختار مدينة غازي عينتاب لإطلاق حملته الرسمية التي يعتقد مراقبون أنها تنطوي على مخاطر كبيرة. ولم يكن اختيار المدينة القريبة اعتباطياً، سيّما وأن هذه المدينة تتواجد في الجنوب التركي الذي دمره زلزال السادس من فبراير 2023.
ولأنّه يدرك تأثير السياسة الإقليمية الخارجية على الوضع الداخلي، نشط إردوغان عبر إستراتيجية براغماتية تخلّى بموجبها عن الكثير من ثوابته المعلنة. وبدأ الرئيس التركي بتصفير المشكلات التقليدية له مع مصر والإمارات وإسرائيل والسعودية. كما طرح رؤيةً جديدةً لمستقبل العلاقات مع سوريا والعراق، دون أن ينسى ليبيا والصومال.
نصيحة موسى
تبدي وسائل الإعلام العربية اهتماماً ملحوظاً بما ستفضي إليه نتائج الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة. في المقابل، تتجاهل الأنظمة العربية المعارضة التركية خشية التورط وتبعات الإدانة.
ينصح عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية ووزير الخارجية المصري السابق، وسائل الإعلام العربية بمتابعة الانتخابات الرئاسية المرتقبة في تركيا. ومع ذلك، أراد موسى تأجيل الحديث عنها إلى ما بعد الإعلان عن نتائجها.
موسى قال لفنك إن “كلّ دول منطقة الشرق الأوسط ذات النفوذ والأدوار تعيد صياغة سياستها”، لافتا إلى أن “هناك تحديات وتأثيرات دولية بموجب قيام دول عظمى بإعادة صياغة سياستها في المنطقة”.
أخطبوط السياسة الخارجية التي اعتمدها إردوغان على مدى سنوات حكمه الماضية، بدأ يتآكل لصالح سياسة جديدة تتسم بالواقعية. وتجري المحاولة حالياً للإيحاء للناخب التركي أنّ إردوغان محبوبٌ إقليميا، ما قد يسهل مهمته في الفوز بولاية رئاسية جديدة.
وبشكل تقليدي، تتحدد ملامح السياسة الخارجية التركية في تسخير المصادر الخارجية للتنمية، والدخول في تحالفات وصداقات، والحفاظ على مكانة تركيا وتعزيزها في العالم الحديث.
من وجهة نظر الخبير الإستراتيجي المصري اللواء محمد عبد الواحد، فإنّ إردوغان يتمتع بمرونة عالية استطاع بموجبها استغلال الموقف، واحتواء مشاكله الخارجية منذ أقل من عام. وقال عبد الواحد لفنك: “الآن لدى إردوغان صفر مشاكل. لقد نجح في تحويل دفة العلاقات الخارجية”.
لكن مصلحة العرب مع من؟ يجيب عبد الواحد قائلاً: “إردوغان احتوى الدول التي لديه مشاكل معها وربطها بمصالح اقتصادية طويلة الأمد. كما أنه بحزبه الإسلامي أفضل من كيليتشدار أوغلو الذي ينتمي إلى التيار الأتاتوركي البعيد عن العالم الإسلامي”.
وأضاف: “يمتلك إردوغان ما يصفه بقوى ومقومات الدولة الشاملة، بما في ذلك الأمن والمخابرات والاعلام والمال السياسي. وهو يستطيع حسم نتائج الانتخابات، بالنظر إلى قدرته على استقطاب المعارضة، وهي عبارة عن أحزاب كارتونية ضعيفة، وجزءٌ منها مخترق أمنيا”.
وتابع عبد الواحد: “جهاز الأمن التركي اخترق صفوف المعارضة غير الجاهزة للمنافسة. ويعلم إردوغان أنّ هناك خلافاتٍ شديدة وسط التحالف المعارض. وقد يكون هناك شكلٌ توافقي بين هذه الأحزاب، لكن ذلك لا يمنع الخلافات داخل مجموعة الست التي اتحدت وتبدو قوية. وتكمن مشكلة المعارضة في أنها لن تستطيع البقاء في حالة التوافق طويلا”.
ومع أنّ المعارضة راهنت على المشكلات الاقتصادية الحادة وملف اللاجئين السوريين في تركيا، يرى عبد الواحد أن الانتخابات شكلية ومحسومة. وفي هذا الصدد، يقول عبد الواحد: “المعارضة التركية ضعيفة ومنقسمة على نفسها ولم تُجِد توظيف الأوراق التي لديها”.
وفي مقابل اندفاع إردوغان الواضح لإعادة تطبيع العلاقات مع مصر، تبدي هذه الأخيرة ترددا علنيا حيال هذا التوجّه. وتفضل القاهرة أن تبني مواقفها على أساس “خطواتٍ عملية” تعتقد أنه يتعين على إردوغان القيام بها لإتمام الصلح.
وقبل عشرة أعوام، قطعت أنقرة علاقاتها بالقاهرة عقب الإطاحة بحليفها الرئيس المصري السابق محمد مرسي. وسبق لإردوغان إعلان مناصرته لجماعة الإخوان المسلمين. ورفع الرئيس التركي شعار الجماعة ورفض الاعتراف بشرعية ما حدث في مصر وبتولي السيسي للسلطة. كما أنه وصف السيسي يوما بأنه “طاغية”. إلا أن الوضع شهد انفراجة أخيرة، مع توجه إردوغان نحو تغيير سياسته المتعلقة بمصر. وأوفدت تركيا مؤخراً وزير خارجيتها لمصر. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يصل فيها وزير الخارجية التركي في زيارةٍ رسمية إلى القاهرة منذ تولي عبد الفتاح السيسي سدّة الرئاسة.
في المقابل، ثمة تباطؤ مصري متعمّد حيال أنقرة، فالمشاورات الخجولة التي بدأت أولا بين رئيسي جهاز مخابرات البلدين. وأعقب تلك المشاورات سلسلة اجتماعات بين مسؤولين بارزين في وزارتي الخارجية التركية والمصرية عام 2021. وللأمانة، فإن تلك التحركات لم تؤت ثمارها كما يجب بالنسبة للطرف التركي.
هذا الأمر كان واضحاً عقب محادثات وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو. وقال شكري: “تباحثنا في العمل على عودة العلاقات، في استعادة السفراء. وسوف نأتي إليها في التوقيت الملائم وفقا لما يأتي به من نتائج إيجابية”.
تحالف المعارضة
هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها إردوغان تحالفاً يضم 6 أحزاب معارضة، بينها حزبان كبيران. بيد أن حزب العدالة والتنمية أظهر تدريجيًا، ومنذ توليه للسلطة، نزعةً استبدادية. وأدت تلك النزعة إلى تعديلاتٍ جوهرية في الدستور، ابتداءً بتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، ومروراً بتفعيل حكم الرجل الواحد، وانتهاءً بتطهير أصوات المجتمع المدني الناقدة والسياسيين المعارضين.
يدرك إردوغان أنه أهدر العديد من الفرص بتركيزه على المظهر دون الجوهر، ورفع الشعارات الشعبوية بدلا من السياسات المدروسة جيدًا.
وبحسب محللين، ثمة انقسام حول الذي يمكن أن يفعله محرِّم إنجه، مرشح حزب الشعب السابق في انتخابات عام 2018. وفيما يعتقد البعض أنه سيلعب دور المفسِد، ما سيقود إلى جولة انتخابية ثانية، يرى آخرون أن ترشحه لن يؤدي إلا إلى الإضرار بتحالف المعارضة.
كيليتشدار أوغلو البالغ من العمر 74 عاماً يمتلك خبرة وظيفية كبيرة ويقدم نفسه على أنه “قوة هادئة”. ومع ذلك، ويُنظر إليه على أنّه أقل قدرة على حشد الجماهير.
يخاطب كيليتشدار أوغلو الأتراك عبر منصات التواصل الاجتماعي من مطبخه ذي الإضاءة الضعيفة. واعتاد مرشح الحزب الجمهوري الحالي رفع شعار “مرحبًا أنا كمال، أنا آت”. ومع ذلك، يرى خبراء أنه لا يتمتع بشخصية قوية.
ويتمثل التحدي الرئيسي لكيليتشدار أوغلو في استقطاب الناخبين المناهضين لإردوغان، الذين يشكلون الأغلبية، شريطة استمرار تحالف من المعارضة.
إردوغان يعرف أنّ المعارضة التركية آخذةٌ في التفكّك. وللإسهام في تحفيز هذا التفكّك، فقد عزف الرئيس التركي وفريق حملته الانتخابية على وتر استهداف القوى الخارجية لتركيا. وفي هذا الصدد، يرى بهاديرهان دينتشاسلان، وهو سياسيٌّ وصحفيٌّ تركي، أنّ فريق الحملة الانتخابية يعمل على تسويق هذه الفكرة “لإقناع أنصار حزب العدالة والتنمية بالتصويت لصالحه”. وبحسب دينتشاسلان، فإن هذا النوع من السرديات تم توظيفه لاستهداف الجماهير غير المتعلمة والفقيرة.
تتصور المعارضة أنّ ضمان إجراء جولة ثانية في الانتخابات وعدم وصول أيّ من المرشحين إلى عتبة 50%+1 في الجولة الأولى سيمنحها فرصة أكبر في الجولة الثانية.
ومن بين السيناريوهات المتوقعة لنتائج الانتخابات فوز المعارضة شريطة تبني مسار مختلف للسياسة الخارجية. ويرى بعض المراقبين أنّ المجتمع الدولي لا يتجه نحو الإطاحة بإردوغان، أو أنه بدرجةٍ أقل ليس مستعداً للتعامل مع وضعٍ سياسي جديد في تركيا.
وفي حال فوز إردوغان، يعتقد اللواء سمير فرج، وهو أحد المقربين من الرئيس المصري السيسي، أنه سيكون أول سياسي يحكم تركيا لربع قرن من الزمن، ما يعطيه الفرصة للانفراد بالسلطة تماما. أما في حال فوز زعيم المعارضة، فإنّه من الصعب التكهن بمستقبل نظام الحكم في تركيا خلال السنوات الخمس القادمة.
وعلى المعارضة أن تتجاوز مع ناخبيها عقبةً نفسية مهمة، وهي ترويج التحالف الحاكم، بأنه لن يترك الحكم حتى لو خسر الانتخابات.
تحوّلات
زلزال 2023 الذي ضرب تركيا مرتين في فبراير الماضي، وأسفر عن مقتل حوالي خمسين ألف شخص، ستعيد عواقبُه تشكيل المشهد السياسي التركي إلى الأبد بعد الانتخابات.
ويواجه حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة إردوغان وحليفه حزب الحركة القومية انتقاداتٍ شديدة من الجمهور والمعارضة بسبب بطء الاستجابة للزلازل وعدم الاستعداد للكوارث.
وتتهم منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة التركية بتعزيز سلطاتها الرقابية واستهداف المنتقدين والمعارضين المتصورين بإجراءات جنائية زائفة وأحكام بالسجن قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وجهّزت حكومة إردوغان نفسها بوسائل بعيدة المدى لفرض رقابة على وسائل التواصل الاجتماعي وتجريم المحتوى الذي تعتبره “معلومات مضللة”.
وبعد عشرين عامًا في السلطة، لا تزال لدى إردوغان رغبة جامحة للاستمرار على عرش البلاد، معتمدا على وعوده السخية لإعادة الإعمار السريعة.
مع ذلك، سيكون تصويت الشباب أحد العناصر المهمة في هذه الانتخابات. وتجدر الإشارة إلى أن 70 بالمئة من الناخبين سيكونون دون سن 34 عامًا. وسيقوم ستة ملايين شاب تركي بالتصويت للمرة الأولى في حياتهم.
وخلاصة القول تكمن في أنّ الدور الإقليمي التقليدي الذي مارسته تركيا منذ استلام حزب العدالة والتنمية زمام السلطة، يشهد منعطفات جذرية وحادة في آن واحد. وكلّ ذلك بغية تهيئة المجال لاستمرار إردوغان في الحكم.