“لغرض تحقيق رؤيتك فانك بحاجة الى اصدقاء وقنوات اتصال أكثر مما تحتاج الى خطط،” هذا ما كتبه الناشط المصري والرائد في مجال التكنولوجيا، وائل غنيم، في كتابه الثورة 2.0.
برز اسم غنيم كأحد مدراء صفحة “كلنا خالد سعيد،” على الفيسبوك، التي لعبت دوراً أساسياً في إطلاق شرارة الاحتجاجات التي أدت إلى ثورة 25 يناير 2011. أدى ذلك إلى تنحي الرئيس حسني مبارك بعد 18 يوماً من الاحتجاجات.
فقد تعرض خالد سعيد، البالغ من العمر 28 ربيعاً، إلى التعذيب حتى الموت في أحد السجون. أنشأت الصفحة تضامناً معه ومعارضةً لوحشية الشرطة.
ومع بداية الاحتجاجات، اعتقل غنيم لمدة 11 يوماً. وبعد إطلاق سراحه، ظهر على شاشة التلفزيون وخاطب الحشود المحتجة في ميدان التحرير، وسرعان ما أصبح رمزاً للثورة.
يمتلك غنيم، المولود في القاهرة عام 1980، خلفيةً في علوم الحاسوب وماجستير في التسويق والتمويل من الجامعة الأمريكية في القاهرة. بعد تخرجه في عام 2004، أسس أولاً بوابة معلومات مباشر (Mubasher) المتخصصة في مجال أسواق المال، وانضم في وقتٍ لاحق لشركة جوجل الشرق الأوسط كمديرٍ للتسويق. وهو يعيش حالياً في الولايات المتحدة مع زوجته وأولاده.
انخرط في عالم السياسة عبر صفحة السياسي الليبرالي محمد البرادعي على موقع فيبسوك. فقد وصف البرادعي، غنيم في سيرة ذاتية مختصرة لمجلة التايم ضمن قائمة أكثر مائة شخص تأثيراً في العالم لعام 2011، باعتباره تجسيداً لـ”الشباب الذين يشكلون غالبية المجتمع المصري.”
تجاوز غنيم كونه رمزاً للثورة المصرية، بل بات رمزاً لما يُسمى “ثورة الانترنت،” أو “ثورة مواقع التواصل الاجتماعي،” في إشارةٍ للاستخدام واسع النطاق لموقعي فيبسوك وتويتر لحشد الاحتجاجات طوال فترة الربيع العربي.
تناول غنيم الثورة بقوة من منظور الانترنت، مؤمناً بقدرته على حشد الجماهير لتحدي النظام. وفي مقابلةٍ له بعد فترةٍ وجيزة من الثورة، قال: “ثورتنا مثل ويكيبيديا، يساهم الجميع في كتابة محتواها، [ولكن]، أنت لا تعرف أسماء الأشخاص المساهمين في كتابة هذا المحتوى. هذا بالضبط ما حصل في [مصر]. ساهم الجميع بقطعٍ صغيرة، أجزاء وقطع. وضعنا معاً الصورة الكاملة للثورة.”
ولكن، أياً كان الدور الكبير الذي لعبه بعد وخلال الاحتجاجات التي استمرت 18 يوماً، إلا أنه لم يتمكن من الحفاظ على تأثيره هذا.
“انتهى دوره بعد الثورة،” هذا ما قاله لنا الصحفي المصري أدهم يوسف. وأضاف، “كحال الكثيرين، من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، لعب دوراً غاية في الأهمية في خلق الوعي وتعبئة الناس ضد وحشية الشرطة، إلا أنه بعد ذلك اختفى من العملية السياسية.”
وقال يوسف أنه بعد الإطاحة بمبارك، لم يلعب غنيم ونشطاء آخرون، مثل إسراء عبد الفتاح، وأحمد ماهر، وجيجي إبراهيم، دوراً في صناعة القرار على المستوى السياسي، ليتراجع تأثيرهم على الجمهور.
بل ألقي القبض على ماهر في احتجاجات عام 2013، ويقضي حالياً حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات. “حظوا باهتمامٍ دولي كبير، من برنامج جون ستيورات إلى ظهورهم على أغلفة مجلة التايم، إلا أنهم لم يؤثروا بصورة مباشرة على وعي الشعب داخل مصر كما كان الحال من قبل.”
وبعد سقوط مبارك، اتضح أن الأصدقاء وقنوات الاتصال لم تكن كافيةً لإحداث تغييرٍ سياسي. برزت الحاجة إلى خطة، ولم يكن هذا موجوداً.
كان أحد أوجه القصور الرئيسية في الثورة المصرية فشلها في توفير بديل. فبعد سنواتٍ من الاستقطاب والاضطرابات الاجتماعية، عادت مصر مرةً أخر ليرأسها زعيمٌ عسكري، الرئيس عبد الفتاح السيسي، فضلاً عن تسليط الضوء بشكلٍ متزايد على الحقوق المدنية وحقوق الإنسان، كما أن التقدم الديمقراطي بالكاد يُذكر، هذا إن وجد.
وفي السنوات التالية، تحدث غنيم في مناسباتٍ محدودة، على سبيل المثال في يناير 2016 ضد اختطاف وقتل الطالب الايطالي جوليو ريجيني، والتي ربطها بقوات الأمن. ومع ذلك، لم يصل تأثيره حتى لما حققه من خلال صفحة خالد سعيد.
حتى أن غنيم نفسه يُقرّ بأوجه القصور للثورة التي كانت يوماً ما واعدةً. فقد صرح غنيم على منصة Parlio التي أسسها “قلت ذات مرة، إذا ما أردت تحرير مجتمعٍ ما، كل ما تحتاج إليه هو الانترنت. لقد كنت مخطئاً. ذكرت هذا في عام 2011، عندما ساعدت صفحة أنشأتها على موقع فيسبوك دون ذكرٍ لأي أسماء في إشعال شرارة الثورة في مصر.”
وأضاف “كشف الربيع العربي عن الإمكانيات الهائلة لوسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه أيضاً عرّى أكبر عيوبها. الأداة ذاتها التي وحدتنا لإسقاط الطغاة، في نهاية المطاف فرقتنا.”
انتقل غنيم تدريجياً من النشاط السياسي إلى تنظيم المشروعات الاجتماعية. فقد ألف كتاباً عن الثورة المصرية- الثورة 2.0- وبالأموال التي اكتسبها أنشأ أكاديمية التحرير، وهي بوابة تعليمية غير ربحية عبر الانترنت للشباب المصري. وفي عام 2014، عاود الانضمام إلى شركة جوجل، ليغادرها مجدداً في نفس العام لإنشاء منصة Parlio.
Parlio، مجتمعٌ على شبكة الانترنت، يهدف إلى تمكين الناس لتبادل الأفكار والتواصل مع المثقفين العالميين، بما في ذلك نعوم تشومسكي، وتوماس فريدمان، ورضا أصلان.
يمكن للمرء أن يجادل بأن غنيم ممثلٌ لسلطة الشعب والإنترنت كأداة للتعبئة، ولكن أيضاً مثالاً يحتذى به لعدم قدرة الثوار تعزيز نجاحاتهم والمشاركة في العملية السياسية.
ومن ناحيةٍ أخرى، تبيّن منصة Parlio وأكاديمية التحرير أن غنيم لا يقبل، بصورةٍ عمياء، افتراض أنه بالرغم من مكانة الانترنت الكبيرة في إشعال الاحتجاجات، إلا أن الأمر يتطلب المزيد من الجهد لإحداث تغييرٍ سياسي حقيقي. كما يواصل بحثه في السُبل التي يمكن للانترنت من خلالها تسهيل الخطة التي افتقرت لها مصر بعد الثورة.