وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حرب اليمن: هجمات الحوثيين وتصعيد الإمارات

حرب اليمن
مركبات ومقاتلين من دورية لواء العمالقة دربتها الإمارات عند مفرق حارب بمديرية بيحان بمحافظة شبوة اليمنية ، 19 يناير 2022. صالح العبيدي / وكالة الصحافة الفرنسية

مات ناشد

اتخذت الحرب في اليمن منعطفًا خطيرًا بعد إعلان الجماعة الشيعية المسلحة المعروفة باسم الحوثيين أو أنصار الله يوم 17 يناير مسؤوليتها عن الضربات التي أدّت إلى مقتل ثلاثة أفراد وتدمير خزانات وقود في أبو ظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة ومركزها التجاري. وانتقم التحالف الذي تقوده السعودية على الفور بشن غارات جوية على مواقع الحوثيين شمال اليمن أدت إلى مقتل العشرات من المدنيين.

وتأتي أحداث العنف الأخيرة بعد سلسلة من الخسائر التي تكبدها الحوثيون؛ فقد نجحت القوات، المدعومة من الإمارات وبمساعدة غطاء جوي سعودي، في وقف تمدد الجماعة المتمردة في محافظة شبوة الغنية بالنفط، وقوضت تفوقهم في مدينة مأرب الصحراوية ذات الأهمية الاستراتيجية. وقد رفض الحوثيون في أثناء القتال دعوة الأمم المتحدة لإطلاق سراح سفينة إماراتية وطاقمها المكون من 11 فردًا كانوا قد احتجزوا بسبب نقل إمدادات عسكرية وطبية، بحسب ما أفادت الأنباء.

كانت تلك أسباب الهجوم الأخير للحوثيين، والذي يُعدّ تحذيرًا للإمارات، فإما أن تكفّ هجماتها عبر وكلائها، وإما أن تتحمل هجمات أخرى بالطائرات المُسيرة. لكن أبو ظبي قد توطد شراكتها مع الرياض لمواجهة حليف إيران في اليمن، لا سيما وأنه يهدد أمنهما الإقليمي والاقتصادي تهديدًا مباشرًا.

وقال أحمد ناجي، الخبير في الشأن اليمني والباحث بمؤسسة كارنيغي، لفنك أن الإمارات بحاجة ماسة إلى توحيد أهدافها العسكرية والدبلوماسية مع السعودية من أجل مواجهة الحوثيين. ويرى ناجي أن أحد السيناريوهات المطروحة هو أن تعمل السعودية على تمويل الجماعات التي دأبت الإمارات على دعمها ونجحت في تكبيد الحوثيين خسائر فادحة في الأسابيع الماضية حتى لا تكون الإمارات هدفًا للحوثيين.

وتابع قائلًا: “حتى لو دعمت السعودية هذه الجماعات، ستبقى موالية للإمارات في المقام الأول لأنها هي التي أسست تلك الجماعات ورعتها، ويمكن للإمارات استعادة سيطرتها مجددًا بسهولة”.

وربما تحاول الإمارات الحصول على ضمانات من إيران، نظرًا لأنها الداعم الرئيسي للحوثيين وقد زودتهم بالأسلحة المتطورة والمعلومات الاستخبارات العسكرية منذ عام 2015. ورغم الخلاف التقليدي بين طهران وأبو ظبي، فقد تقاربت العلاقات بين الدولتين في السنوات الأخيرة،. ففي الشهر الماضي زار كبير مستشاري الأمن القومي الإماراتي نظيره الإيراني لمناقشة التعاون في عدة ملفات تنوعت ما بين الاقتصاد والرعاية الصحية وغيرها.

لكن ما يزال النفوذ الإيراني على الحوثيين محل خلاف؛ إذ يرى بعض المحللين أن الحوثيين يتصرفون بمعزل عن غايات الإيرانيين، بينما يعتقد آخرون مثل ناجي أن الإيرانيين يتخذون القرارات بناءً على مدى تبعية الحوثيين لهم.

وفي الحالتين، سوف تسعى الإمارات إلى تعزيز دفاعاتها الجوية حتى تحافظ على صورتها في العالم العربي باعتبارها واحة للإستقرار بحسب رأي عبد الغني الإرياني الباحث بمركز صنعاء في بيروت. ومن دون هذه السمعة سيتضرر القطاعين المالي والسياحي المربحين، ولن تبقى الإمارات مركزًا للتجارة في المنطقة. ويعتقد الإرياني أن إبقاء الإمارات على صورتها باعتبارها دولة قوية وشريكًا عسكريًا مهمًا أمر لا يقل أهمية في نظرها.

وقال الإرياني لموقع فنك عبر البريد الإلكتروني: “إذا تراجعت الإمارات بسبب هجوم محدود، ستبدو ضعيفة وهشة، وهو ما لا تستطيع تحمله. لذلك ستختار التصعيد العسكري من خلال غارات جوية على الأرجح، أملًا في وساطة دولية لخفض التصعيد”.

وبحسب التعليق الذي أدلى به آدم بارون المحلل السياسي المتخصص في الشأن اليمني لموقع فنك عقب هجوم الحوثيين، يصعب أن تؤدي الهجمات التي تعرضت لها الإمارات إلى أي شيء سوى التصعيد. وقد بدأت أبو ظبي بالفعل موجة من الضربات الجوية على عدة مواقع للحوثيين في صنعاء، علمًا بأن التصعيد في هذا الصراع يتزامن عادة مع زيادة تدهور الوضع الإنساني.

وغنى عن الذكر أن سجل التحالف الذي تقوده السعودية يشهد على قصف عشوائي متكرر للأهداف المدنية مثل المستشفيات والأسواق المزدحمة، بل وحفلات الزفاف. وخلال السنوات الست الماضية تحمّل آلاف المدنيين معاناة لا توصف، وما زال التحالف يحاصر ميناء الحديدة مما يعرض ملايين المدنيين لخطر المجاعة على مدار سنوات. وفي فبراير 2021، أنهى الرئيس الأمريكي جو بايدن دعم بلاده للحملة الجوية الطائشة التي يشنها التحالف استجابة للضغط الشعبي، لكن هذه الخطوة لم تساهم في تحسين الوضع الإنساني. فحسب منظمات الإغاثة زادت الخسائر المدنية في الربع الأخير من عام 2021 بنسبة 60% عما كانت عليه قبل ثلاثة أشهر.

ويرى أحمد ناجي أن الوضع سيزداد سوءًا إذا أقنعت الإمارات واشنطن بإعادة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية. وكان الرئيس بايدن قد رفع حركة الحوثيين من قائمة الإرهاب بعدما تولى إدارة البيت الأبيض خلفًا لترامب. ولن يؤدي هذا التصنيف إلى جلوس الحوثيين على طاولة المفاوضات فهم يعتبرون الولايات المتحدة عدوًا، لكن مثل هذه الخطوة ستُعد مساعدة للإمارات وانتصارًا رمزيًا في ظل استمرار معاناة المدنيين تحت حكم الحوثيين.

وقال إن مثل هذه الخطوة سوف “تؤثر على الحوثيين لأنها ستقلل من عدد منظمات الإغاثة العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وستصعب عملية تحويل الأموال”.

ومن أجل تخفيف معاناة المدنيين، يجب على التحالف التحلى بضبط النفس، وعلى الحوثيين أن يظهروا استعدادًا للتفاوض وليس استغلال مبادرات السلام لتحقيق أهدافهم على الأرض. وهو ما قامت به الجماعة المتمردة بعد اتفاقية ستوكهولم في ديسمبر 2018 التي شهدت إبرام المبعوث الخاص للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، اتفاقًا بين التحالف الذي تقوده السعودية والحوثيين لمنع وقوع كارثة إنسانية. ووافقت حينها قوات التحالف على إيقاف هجومها على ميناء الحديدة على أمل في بناء الثقة قبل المفاوضات المحتملة، لكن الحوثيين اعتبروا الاتفاق نصرًا لهم ونشروا قواتهم لشن هجمات على جبهات جديدة.

وفي مارس 2021، دعت السعودية إلى مبادرة سلام جديدة ترفع بموجبها الحصار جزئيًا عن ميناء الحديدة، ويتقاسم الطرفان عائدات التجارة النفطية، وتشرف الأمم المتحدة على وقف لإطلاق النار وبدء المفاوضات، لكن الحوثيين رفضوا المبادرة مرة أخرى.

وبحسب أحمد ناجي، فإن “الحوثيين يفضلون المسار العسكري على المسار السياسي ويرون جنوح السعوديين للمسار السياسي دليلًا على الهزيمة”.