منذ انتفاضات الربيع العربي في فبراير 2011، أصبح تعريف العلاقة بين الدين والدولة محور الصراع للتحول السياسي في مصر. ويعتبر الدين جزءاً لا يتجزأ من المنهاج التعليمي والبث الإذاعي في مصر؛ إذ أن معظم المساجد في البلاد مملوكة للدولة وتديرها وزارة الشؤون الدينية، كما وتصدر مؤسسةٌ تعرف باسم دار الافتاء الفتاوى للجهات الفاعلة الرسمية عند الطلب.
ولكن ربما العنصر الجوهري، وبالتأكيد الأرفع مستوىً، في مجمع الدين والدولة هو جامعة الأزهر. فقد تأسس الأزهر عام 970 ميلادي، في العاصمة القاهرة من قِبل الأسرة الفاطمية، وبالتحديد من قِبل الطائفة الإسماعيلية الشيعية. وتعتبر الجامعة المرتبطة بالجامع الأزهر، أقدم الجامعات في مصر التي تمنح درجاتٍ علمية وتشتهر بكونها المؤسسة التعليمية الأكثر اعتباراً للإسلام السني. وبالإضافة إلى التعليم العالي، يُشرف الأزهر على شبكةٍ من المدارس الوطنية التي تضم ما يقرب من مليوني طالب. وفي عام 1961، تمت إضافة مجموعة من المواضيع العلمانية للمنهاج الديني السابق.
وحتى بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد مرسي في يوليو 2013 من قبل القائد العسكري عبد الفتاح السيسي، الذي يعتبر حاكماً علمانياً إلا أنه ملتزم دينياً، لم يجادل أحدٌ في مصر فصل الدين عن الدولة. وبدلاً من ذلك، تدور النزاعات حول الشروط والسبل التي ستتفاعل بها.
وفي ظل فترة حكم الإخوان المسلمين قصيرة الأجل، بدى أن هناك إجماعاً حول ضرورة أن يصبح الأزهر أكثر استقلالية، ولكن هل لا زال هذا قائماً في ظل حكم السيسي؟
يرى مراقبو السياسة المصرية العلاقة بين السيسي والأزهر من خلال عدسة التآخي. ويرجع ذلك إلى 3 تموز 2013، عندما عطل السيسي الدستور، وألقي القبض على الرئيس مرسي وقادة الإخوان المسلمين، ونصب عدلي منصور، كبير قضاة المحكمة الدستورية العليا، رئيساً مؤقتاً للبلاد، حيث دعم الإمام الأكبر شيخ الأزهر، أحمد الطيب، أفعال السيسي.
وإظهاراً لولاءهم، انضم الطيب وبابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تواضروس الثاني، وزعيم المعارضة محمد البرادعي، إلى السيسي أثناء خطابه المتلفز الذي بث على مستوى البلاد، والذي أعلن فيه إجراء تغييراتٍ في الحكومة. أرسل هذا رسالةً قوية لكل من تسوّل له نفسه معارضة القرار العسكري، ذلك أن الزعماء الدينيين الرئيسيين في البلاد وشخصيات المعارضة الرئيسية يدعمون جميعهم هذه الخطوة.
وبعد ذلك، ترشح السيسي للرئاسة، ليحصل على 93% من الأصوات بالرغم من مقاطعة شريحة كبيرة من المصريين، حيث أدى اليمين رئيساً لمصر في 8 يونيو 2014. وبعد ثلاث سنواتٍ تقريباً، وخلال احتفالٍ بعيد الشرطة في 25 يناير 2017، وبشكلٍ غير متوقع، انتقد السيسي الطيب، أحد المؤيديين الرئيسيين للانقلاب، علناً بقوله “تعبتني يا فضيلة الإمام،” وفقاً لصحيفة الوطن. وعلى الرغم من أن التصريحات اعتبرت مزاحاً، إلا أنها أشارت إلى التوترات الكامنة في العلاقة بين الأزهر والرئاسة المصرية.
ففي العامين الماضيين، دعا الرئيس المصري الأزهر مراراً إلى إصلاح خطابه الديني، سيما الفتاوى التي يصدرها، ليتكيف الدين مع احتياجات العصر الحديث. وكان السيسي قد أعرب في وقتٍ سابق عن قلقه من أن بعض الأفكار الدينية أصبحت “مصدراً للقلق والخوف والقتل والتدمير للدنيا كلها،” على حد قوله. وحث رجال الدين المصريين على التصدي لخطاب المتطرفين الدينيين بشكلٍ عام ولتنظيم الدولة الإسلامية على وجه الخصوص، التي نفذت عدة تفجيرات وهجمات إرهابية في البلاد.
وقد قاوم الأزهر حتى الآن نداءات السيسي. وبدايةً، تم تجاهل التوترات ولم يتوقع المشككون أي مواجهةٍ في نهاية المطاف بين السيسي والطيب. كان هذا حتى يناير 2017، عندما أبدى السيسي ملاحظته أمام العامة عن الطيب، مما يُشير إلى أن صبر السيسي تجاه الأزهر بدأ ينفذ.
وعلى الرغم من أن الأزهر يعتبر على نطاقٍ واسع مؤسسة عقلانية ومعتدلة، إلا أنه يبدو في السنوات الأخيرة أن بعض المتشددين تمكنوا من الارتقاء في رتبهم، والظفر بمناصب تمكنهم من عرقلة الإصلاحات، وخاصة تلك التي تهدف إلى استهداف نصوص تبلغ من القِدم قروناً والتي غالباً ما يستخدمها المتطرفون. وقال وزير الثقافة حلمي النمنم في أغسطس 2016 “لم يتم فعل شيء منذ أن دعا الرئيس إلى تجديد الخطاب الديني.”
وقد قامت لجنة من خبراء التعليم، أنشئت في عام 2015 بناءً على طلب السيسي، بمراجعة وتحديث المناهج التعليمية للأزهر للتخلص من المحتوى الذي يُعتبر محرضاً على العنف. وعلاوة على ذلك، وبعد التفجيرات الانتحارية التي قامت بها داعش في الكنائس المسيحية القبطية في ديسمبر 2016 وأبريل 2017، قال السيسي إنه سيتم تشكيل لجنة لمعالجة المشاكل.
وفي مايو 2017، استبدل الطيب رئيس جامعة الأزهر، أحمد حسني طه، بعد أن وصف المفكر الإصلاحي إسلام البحيري بـ”المرتد” لمهاجمته بعض من العلماء مؤسسي الشريعة الإسلامية. وقد أجبر حسني طه في وقتٍ لاحق على الاعتذار عن هذا التصريح الذي أدلى به خلال مقابلةٍ تلفزيونية.
ومع ذلك، لا يزال الأزهر، حتى الآن، متمسكاً بموقفه، أولاً بمقاومته محاولات وزارة الأوقاف توحيد محتوى خطبة الجمعة في جميع أنحاء البلاد. وفي فبراير 2017، رفض أيضاً تأييد دعوة السيسي تعديل إجراءات الطلاق وحظر الطلاق “الشفوي،” معللاً أن هذه الممارسة تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وقال ناثان براون، وهو باحث غير مقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، لصحيفة مدى مصر الإلكترونية المستقلة، أن هناك صراعاً سياسياً بين الحكومة والزعماء الدينيين. وقال أن الحكومة عوّقت بسبب تغيير في القانون عام 2012 الذي يسمح للأزهر، بدلاً من الحكومة، بتعيين قادته في محاولةٍ لكسر الرابط المزعوم بين الأزهر والإخوان المسلمين. وقال براون “أن التغيير الذي تم في هيكل القيادة في الازهر… كان يهدف إلى الحفاظ على استقلالية الأزهر عن جماعة الاخوان المسلمين، إلا أنه فعّال بغض النظر من هو الرئيس.”
كما أن الجهود التي يبذلها النائب المصري محمد أبو حامد، الذي دعا أيضاً إلى إصلاح تعاليم الأزهر، قد تغير أيضاً قواعد اللعبة. ويقوم أبو حامد بإعداد تعديلات على قانون عام 2012، التي من شأنها إعادة الأزهر مرةً أخرى تحت سيطرة الدولة ومنح الرئيس سلطة تعيين شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء.