نجود الياقوت
ما الذي يجعل الناس يشعرون بالخوف والإرتباك للغاية من مجتمع الميم ” LGBTQ +”؟ سردية. هذا هو الأمر خصوصًا عندما تتلاشى السردية، فإن أذهاننا، إذا كانت نبيلة بما فيه الكفاية، سوف تسرع فورًا لملء الفراغ بسردية أخرى تخدم العالم بشكل أفضل، عالم فيه التغير المناخي، والإبادة الجماعية، والتمييز، والأحكام المسبقة، والقومية، وإساءة معاملة الأقليات، والارتياب من المهاجرين، وعدم المساواة بين الجنسين، والحرب، والاتجار بالبشر هم التهديدات الحقيقية وليس الميول الجنسية. بدلًا من ذلك، تمتلئ عقول الناس بروايات ما هو مفترض أن يكون عندما يتعلق الأمر بالحب والانجذاب للآخر، والتي تتأثر بالتقاليد، والخوف من المجتمع، وأنظمة المعتقدات الجماعية، وتفسيرات الكتب المقدسة.
تروي أحدث سردية عن الميل الجنسي حكاية عن الأجندات: لماذا توجد شخصية مثلي الجنس في كل كارتون؟ لماذا توجد شخصية مثلي الجنس في كل فيلم اليوم؟ لماذا يعلّمون الأطفال عن المثليين في المدرسة؟ أو، يحب العقل التشبث بنظريات المؤامرة والخوف. لكن، وبغض النظر عن الاستنتاجات المحملة بالارتياب، فإن ظهور شخصيات مجتمع الميم ليس لأن المخرج أو المعلم يريد أن يجعل طفلك مثليًا. لا يمكنك أن تجعل شخصًا ما مثليًا (حتى الاضطرار إلى قول هذا يعد أمرًا محرجًا وبلا فائدة). كثير من المثليين، حتى، يتمنون لو لم يكونوا مثليين بسبب كل التنمر الذي يتعرضون له. إذن، ما هو سبب انتشار شخصيات مجتمع الميم في التلفزيون، السينما، الأدب، المقالات، الكتب، الرسوم المتحركة، والمجلات مؤخرًا؟ مما يدلّ على تطور ذهنيّ عند الفنانين ،وأن سردية جديدة تتغلغل في المجموعة: سردية تتحدث عن احتضان التنوع والتقدم بثقة دون مقاومة. تُذكّر هذه السردية الجديدة الناس أن كونك مثليًّا أمر طبيعي مثل كونك “مغايرًا جنسيًا”.
ثانيًا: إنَّ وجود شخصيّات مجتمع الميم يعني أننا نمثل الواقع. قوس قزح هو واقعنا. انظر حولك. أنت يا من من تقرأ هذا المقال بالتأكيد تعرف شخصًا مثليًا، أو أنك مثلي الجنس. هل أنت جزء من أجندة؟ وإذا كنت كذلك، فتحية لك لكونك جزءًا من أجندة لتعليم الناس القبول، لتعليم الناس أن الحب غير مشروط.
لفترة طويلة، تعرّض مجتمع المثليين للنبذ والشعور بأنهم قذرون، غير مرحب بهم في المجتمع، ويستحقون العقاب. فيُنتقد أسلوب حياة المثليين بأنّه مغرق في الملذات. هل يحتاج المرء حقًا إلى توضيح بأن الانغماس في الملذات والانحلال الجنسي لا علاقة لهما بالميل الجنسي للشخص؟ فالانحلال الجنسي يتعلق بميول الشخص ويمكن حتى أن يعود إلى خصائص بيولوجية. تصورُ العديد من برامج الواقع والأفلام المغايرين جنسيًا على أنهم منغمسون في الملذات ومنحلون جنسيًا. هل هذا يعني أننا يجب أن نحظر الأزواج المغايرين جنسيًا؟ قد يبدو هذا متطرفًا، ولكن هكذا يُعامل مجتمع الميم بالضبط: بطريقة متطرفة وغير منطقية. لن تظهر غرابة تفكيرنا إلا إذا كان العالم مختلفًا. نعم، إذا كان العالم مختلفًا، وولد شخص مغاير جنسيًا ، ستكون فيه المثلية الجنسية أمرًا طبيعيًّا، عندها فقط سيفهم [العالم] الآثار المترتبة على التمييز على أساس الميول الجنسية، وعندها فقط سيفهمون [العالم] عدم منطقية فرض مجموعة من القواعد على الأشخاص بناءً على ميولهم الجنسية.
والآن، دعنا نتحدث عن ” T ” في طيف الـ LGBTQ +، أي العابرون جندريًا في طيف مجتمع الميم. في مجتمعنا ، يتعرض العابرون جندريًا، أو العابرون للهوية الجنسية، للسخرية بسبب “تجسيد صفات الجنس الآخر”. جُرم هذا في الكويت مؤخرًا عام 2007 في بند أضيف إلى المادة 198 من قانون العقوبات الكويتي. لا أقصد أن كون الشخص العابر جندريًا مثليًا أم لا ينبغي أن يشكل أي فارق، ولكن هناك اعتقاد خاطئ هنا بأن جميع العابرين جندريًا مثليون. هذا غير صحيح. كون الشخص العابرُ جندريًا قد يكون له علاقة بميله الجنسي وقد لا يكون كذلك. لكن، تبقى هذه النقطة غير ضرورية. على كل حال، السؤال المطروح هو: متى أصبحت الثياب مؤشرًا على الميل الجنسي للمرء في المقام الأول؟ تقدم مجلات الموضة النسائية العالمية بانتظام عارضات الأزياء في أحذية الرجال وثياب ثنائية الجنس. وفي الآونة الأخيرة، أصبح ارتداء الرجال ملابس كالنساء ضمن صيحات الموضة من الأمور البديهيّة.فقد ارتدى هاري ستايلز فستانًا على غلاف مجلة فوغ (إصدار ديسمبر 2020). في حفل توزيع جوائز الأوسكار 2019 ، وقد انعكست السيولة الجنسية على السجادة الحمراء حيث ارتدى بيلي بورتر بذلة سهرة هجينة، تمزج بين السترة والفستان. وقد أوضح سبب قيامه بذلك في مقابلة مع مجلة فوغ: “هدفي هو أن أكون قطعة متحركة من الفن السياسي في كل مرة أظهر فيها لتحدي التوقعات. ما هي الرجولة؟ ماذا يعني ذلك؟ تظهر النساء كل يوم مرتدية السراويل، ولكن في اللحظة التي يرتدي فيها الرجل ثوبًا، يبدأ الشقاق بين الناس”. (ألاير، كريستيان، فوغ، فبراير 2019). تشبه الدشداشة (رداء طويل أبيض تقليدي يرتديه الرجال العرب) الفستان الطويل. وقد يُطلق على ا لإزار الاسكتلندي أيضًا التنورة الاسكتلندية. فأين المشكلة؟
هنا في الكويت، ترتدي النساء سراويل، وبعض النساء يقصرن شعرهن. وقد اعتاد الرجال في شبه الجزيرة العربية استخدام محدد العيون، وهو ما يصوره الفن وتكشفه الصور. هناك حتى رجال محافظون لديهم شعر طويل. هل يُلقى القبض عليهم هنا؟ بالطبع لا. لأن حقيقة الأمر هي أن البند في المادة 198 من قانون العقوبات الكويتي ليس له علاقة بانتحال صفة الجنس الآخر، بل يتعلق أكثر برهاب المثلية الجنسية، ويتعلق أكثر بمخاوف النظام الأبوي،بحيث يجب أن يلتزم الرجال والنساء على حدٍّ سواء بالمفاهيم الأبوية للتنوع الاجتماعي. ففي العام الماضي، تعرضت مها المطيري، وهي امرأة عابرة جندريًا، للتحرش الجنسي من قبل الضباط. أصدرت مها مقطع فيديو قالت فيه إن رجال الشرطة ألقوا بها في سجن للذكور واعتدوا عليها جنسيًا أثناء وجودها في السجن. فجريمتها: انتحال شخصية امرأة على رغم أن مها تعرّف نفسها بأنها امرأة. إن مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية لا تذكر الإنسانية بمخاطر التمييز فقط، بل تذكرنا أيضًا بأخطار النظام القانوني والعقلية المجتمعية التي تدعم التمييز.
اليوم، وفي بعض أنحاء العالم، تتغير السردية لأنّ دعم مجتمع المثليين أصبح رائجًا أو يجلب الأصوات للسياسيين. غير أن هذه ليست بأسبابٍ لدعم مجتمع الميم؛ لكنها على الأقل مؤشر واضح على أن الحكمة الراجحة أصبحت شائعة، وأن أولئك الذين لديهم منصات ومن هم في السلطة يجبرون على التخلص من المصفوفات الأيديولوجية القديمة للحفاظ على شعبيتهم. بالإضافة إلى ذلك، أصبح دعم مجتمع الميم توجهًا رائجًا، فهذه علامة جيدة. هذا يعني أن البشر يعرفون، على مستوى عميق، أن التعصب الأعمى ليس أمرًا محببًا، عفا عليه الزمن، ولم يعد رائجًا.وبمرور الوقت، ستُستبدل النوايا الضحلة للجماهير بقبول حقيقي لجميع أطياف مجتمع الميم دون أي دافع خفي من جانبنا.
وفي الوقت المناسب، سنضيف حرف الـ H للإشارة إلى المغايرين جنسيًا في مجتمع الميم لإظهار أن المغايرة الجنسية مجرد طريقة أخرى للتعبير عن الميل الجنسي وأننا غير منفصلين -وأننا جميعًا ألوان قوس قزح. أخيرًا ، سيترك الناس وراءهم كل هذه الحروف ولن يكون لديهم أي طيف على الإطلاق، لأننا سندرك أن التسميات لا تهم. سيدرك الناس أنّه لم يكن هناك شيء مخيف بشأن الميل الجنسي لأي شخص في المقام الأول. وسيدرك الناس أن كل هذا حدث بسبب سردية ، سردية مثيرة للانقسام، تعلمنا من نكره. سردية تعرض فيها الأشخاص للتكميم والخزي بسبب من يحبونه.
هناك الكثير من القضايا في الكويت التي تستدعي اهتمامنا: الفساد، البيئة، معاملة الوافدين، وتنامي التعصب تجاه أتباع الديانات الأخرى، وحقوق العمالة المنزلية والنساء، وغير ذلك الكثير. حلُ هذه القضايا هو ما يدفع المجتمع إلى الأمام. بدلًا من ذلك ، نتعرض للقصف بفكرة مثيرة للانقسام تلو الأخرى، التي تعمل فقط على خلق المزيد من الصدمات العاطفية والجسدية لجميع المعنيين.
حان الوقت لتغيير السردية -لتغيير أي سردية يُقتل فيها شخص، أو يُلقى من الشرفة، أو يُقبض عليه، أو يُسجن، أو يُسخر منه، أو يُستجوب، أو يُهدد، أو يُعذب، أو يُنتهك، أو يُطرد من منزل الأسرة بسبب من يحبه..
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.