وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ليبيا: أكثر انقساماً من أي وقتٍ مضى

Libya even more devided Libya Dawn fighter
مقاتل من فجر ليبيا يطلق النار من رشاش في مدينة ككلة التي تبعد 150 كلم جنوب طرابلس في المواجهات التي اندلعت بين فجر ليبياوالمليشيات المحلية, ليبيا, 21 أكتوبر 2014. Photo Xinhua / eyevine

في يوليو 2015، لا تزال ليبيا أكثر انقساماً من أي وقتٍ مضى، فقد دخل الانقسام بين حكومتي طرابلس وطبرق، على أرض الواقع، سنته الثانية. ولا يزال الجمود سيد الموقف في المدينة الليبية الثانية، بنغازي، حيث يحاول اللواء خليفة حفتر، القائد العام الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي في الجيش الليبي وقائد عملية “معركة الكرامة،” إقصاء المليشيات الإسلامية منذ أواخر عام 2014.

كما حاول حفتر أيضاً اختراق حصون طرابلس في أبريل الماضي عندما شجع المسلحين المتعاطفين مع قضيته مهاجمة قوات “فجر ليبيا”, إلا أنه فشل في ذلك أيضاً. وعلى صعيدٍ آخر، فقد حاول أيضاً في وقتٍ لاحق استعادة السيطرة على الطريق الساحلي الاستراتيجي بين طرابلس وليبيا، إلا أنّ هجومه تعرض للصد، مما أسفر عن مقتل العشرات.

ومما يزيد الإنقسام سوءاً قيام رئيس وزراء طبرق، عبدالله الثني، بتأسيس شركة نفط جديدة لمنافسة الشركة التي يقع مقرّها الرئيسي في طرابلس؛ حيث تمتلك شركة الثني حساباً بنكياً في أحد مصارف دبي (لطالما كانت الإمارات العربية المتحدة داعماً رئيسياً لحكومة طبرق ومعركة الكرامة).

في واقع الأمر، وبينما تُسيطر طبرق على موانىء النفط الرئيسية في ليبيا (راس لانوف والسدرة)، يُباع النفط من قِبل الشركة الوطنية للنفط ومقرها طرابلس ويتم إيداع التحويلات المالية في البنك المركزي الذي يقع أيضاً في طرابلس. وعلى الرغم من إعادة توزيع الأموال بين طرابلس وطبرق، إلا أنه لا مفر من بعض الضغوطات السياسية التي ترافق ذلك، وتلك هي الحقيقة التي دفعت الثني إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة الجرئية.

وكان الثني قد نجى من محاولة اغتيال في مايو المنصرم، والتي يُقال أنها مدبرة من قِبل رجال ينتمون لمعركة الكرامة، كما وقف في وجه مجلس النواب الذي رفض قبول إقالة وزير الداخلية في حكومته عمر السنكي التي كان قد طالب بها في فبراير 2015. وقد عكست هذه الأحداث الصعوبات الداخلية للحكومة المعترف بها دولياً.

كما اضطر حفتر، قائد جيش حكومته، إلى التعامل مع مجموعة من الانتكاسات في معسكره، وبالكاد تجنب خطة للتمرد عليه عندما قام بإعفاء أحد ضباطه، فرج البرعصي من منصبه. البرعصي، الذي كان يقود هجوم الجيش الليبي على درنة، تحالف مع قبيلته ذات النفوذ وهدد حفتر. وبعد ذلك تم إصدار عفو عن البرعصي وإعادته إلى منصبه.

من جهة أخرى، فإن الأوضاع في طرابلس أهدأ قليلاً. فبعد أن بدأت بعض القوات في مصراته الإنسحاب من طرابلس في محاولة لإستعادة مدنهم، قرر صلاح بادي، وهو قيادي إسلامي متطرف، البقاء مع المليشيا التابعة له وأعلن عن تشكيل جيش جديد “جبهة الصمود” بهدف الدفاع عن الثورة، على الرغم من أنها في الواقع مجرد وسيلة لتخويف أولئك في كل من طرابلس ومصراته المستعدون للتوصل إلى حلٍ مع حكومة طبرق كجزء من الحوار الوطني برعاية الأمم المتحدة.

الحوار الوطني

لذلك، وفي حين لا يزال السلام بعيد المنال، لا تزال النقاشات السياسية قائمة على قدمٍ وساق. فقد وصف الحوار الوطني الذي عُقد في المغرب برئاسة مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون باعتباره “فرصة ليبيا الأخيرة.” حيث تم الجمع بين ممثلين عن حكومتي طبرق وطرابلس في مدينة الصخيرات الواقعة على ساحل الأطلسي، وستعقد جولة سادسة من الاجتماعات في يونيو. تم عقد بعض الاجتماعات في ألمانيا، في حين عقدت محادثات أخرى مدعومة من قِبل الأمم المتحدة في الجزائر (والتي تضمنت مشاركة أحزاب سياسية في ليبيا)، وفي تونس (والتي اشتملت على ممثلين من مختلف البلديات والقيادات النسائية في ليبيا).

وتعرض مختلف الأنصار لضغوطاتٍ للتوصل إلى اتفاق، ولكن يخشى العديد من المحللين من أنها لن تطبق على أرض الواقع، وفي حال تم ذلك، ستكون المهمة صعبة للغاية (بالرغم من بعض التقدم الذي تم إحرازه مؤخراً): تمت مقاطعة اتفاق الصخيرات، الذي تم توقيعه في يوليو، من جانب الأطراف الرئيسية في طرابلس ومصراته (فجر ليبيا والمؤتمر الوطني العام، المؤتمر الوطني العام، برلمان طرابلس، الذي يُدير الحكومة).

الإرهاب

وحتى الآن، أضعفت حالة الحرب الدائمة والفشل المستمر كل من حكومة طبرق وطرابلس على حد سواء مما خلق فراغاً استغله على أكمل وجه تنظيم الدولة الإسلامية. وعلى الرغم من خسارتهما مدينة درنة في يونيو 2015، وبعد تعاون مختلف المليشيات (الموالية لفجر ليبيا والموالية لمعركة الكرامة) لإخراج تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنّ الأخير كان قادراُ على السيطرة على مدينة سرت الساحلية، مسقط رأس القذافي، وأجزاء من مدينة أجدابيا الغنية بالنفط. وكانت أجدابيا قد تعرضت في يونيو الماضي إلى غارات جوية من قِبل القوات الأمريكية مما خلف العشرات من القتلى.

هذا ويواصل تنظيم الدولة الإسلامية هجماته على فجر ليبيا، مستهدفاً مصراته ومتسبباً في قتل العشرات. كما أعلن أيضاً مسؤوليته عن الهجمات التي طالت كل من سفارات كوريا الجنوبية والمغرب وإسبانيا في طرابلس. ورداً على ذلك، شنت قوات فجر ليبيا غارات جوية على مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية، في حين أعلن المؤتمر الوطني العام إنشاء قوة جديدة تتمثل مهمتها في محاربة تمدد تنظيم الدولة الإسلامية. ولم يتوانى تنظيم الدولة الإسلامية أيضاً في الهجوم على مدينة طبرق، وتنظيم هجمات على منشآت سياسية وعسكرية، فضلاً عن إعدام ثلاثين مسيحياً من أثيوبيا بعد ثلاثة أشهر من عرض التنظيم شريط فيديو يُظهر إعدام 21 قبطياً من أقباط مصر في فبراير 2015.

الاقتصاد

وكحال الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، لا يزال الوضع الاقتصادي يشهد ركوداً، فقد انخفض اقتصاد ليبيا بنسبة 18% عام 2014. وقدرت احتياطات البنك المركزي الليبي بحدود 90 مليار دولار في أبريل 2015، أي أقل بنسبة 25% مما كانت عليه العام الماضي (133 مليار دولار في أغسطس 2014). كما فقد الدينار الليبي 15% من قيمته مقابل الدولار منذ عام 2014. ويدفع القطاع العام 18 مليار دولار كرواتب كل شهر، مقارنةً بـ6،6 مليار دولار عام 2011. وتبيع البلاد 600,000 برميل من النفط يومياً، أي نصف الإنتاج المحقق في عهد القذافي. وبالتالي، تبدو الآفاق المستقبلية قاتمة.

العلاقات الخارجية

تمتلك كلا الحكومتين الليبيتين أجندات سياسية خارجية مختلفة. فقد أكدّ الثني تحالفه مع الإمارات العربية المتحدة بافتتاحه حساب مصرفي في دبي لإدارة أعمال النفط في طبرق.

في حين زار اللواء حفتر الأردن في أبريل الماضي والتقى مع الملك وعدد من المسؤولين، حيث أبدى رغبته في تدريب قواته (وربما الحصول على بعض الأسلحة). كما قصفت قواته الجوية سفينة شحن تركية محملة بالنفط بالقرب من مدينة درنة قبالة السواحل الليبية مما أثار غضب أنقرة.

واعتقلت السلطات في طبرق القنصل العام السوداني لمدة يومين في أبريل، حيث أنّ السودان بشكل عام تعتبر من المقربين لحكومة طرابلس، بالرغم من أن مواقفها بدأت تتغير مؤخراً.

وعلى صعيدٍ آخر، فقد زار رئيس وزراء طرابلس، محمد الغويل، تونس في أبريل الماضي برفقة وفد وزاري واجتمع مع الرئيس الباجي قائد السبسي. وتمتلك تونس قنصليتين: واحدة في طرابلس والأخرى في طبرق، حيث تؤكد هذه الزيارة رغبة تونس في الحفاظ على علاقاتها مع كلا الجانبين. ومع ذلك، أغلقت السفارة في طرابلس في يونيو، بعد أن تم اقتحامها وحجز موظفيها كرهائن من قِبل ميليشيات تابعة لفجر ليبيا.

واعتقلت السلطات التونسية أحد قادة التحالف، نجل وزير العدل في طرابلس، وأدانته بالإرهاب. وبعد ذلك، انتقمت قواته بشن هجمات على دبلوماسيين تونسيين واختطاف المئات من العمال التونسيين في ليبيا، مما دق مسماراً آخر في نعش حكومة طرابلس التي تسعى لاكتساب الاعتراف الدولي.

كما أنّ طرابلس أيضاً في خضم صراعٍ دولي، في ظل الهجرة غير الشرعية. فقد عبر أكثر من 100,000 مهاجر البحر الأبيض المتوسط عام 2015، حيث غادر العديد منهم عبر السواحل الليبية. ففي أبريل، انقلب أحد زوارق المهاجرين التي خرجت من سواحل طرابلس، مما أسفر عن أحد أعنف الحوادث في التاريخ والذي نتج عنه إزهاق 700 روح. وأعقب ذلك، وفي غضون وقتٍ قصير، وفاة 300 مهاجر في عرض البحر، ومنذ ذلك الحين بلغت أعداد الضحايا المئات. وقد أثار هذا الوضع الأليم إصدار الاتحاد الأوربي قراراً للتدخل في ليبيا ضد مهربي البشر.

وأخيراً، تتسارع وتيرةغرق ليبيا في الفوضى، ويبدو الأمل في تعافيها مستقبلاً ضئيلاً للغاية.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles