كما هو الحال في العديد من الدول، يتم التمييز ضد المرأة في لبنان، إذ ييُسر ذلك وجود 15 قانوناً طائفي للأحوال الشخصية خاص بكل طائفة دينية. يحدد أحد هذه القوانين حضانة الأطفال في حالة الطلاق ويمنع الأمهات من تربية أطفالهن.
فقد أدت الوفاة المفاجئة للناشطة في مجال حقوق المرأة نادين جوني في 6 أكتوبر 2019 بينما كانت في طريقها للاحتجاج على الزيادات الضريبية وسط أزمة مالية متصاعدة، مرةً أخرى، في تسليط الضوء على مسألة حقوق الأمهات.
كانت جوني، البالغة من العمر 29 عاماً، جزءاً من الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة عند الطائفة الشيعية، بعد أن عانت من زوجٍ يُسيء معاملتها والذي منعها من رؤية ابنها كرم بعد طلاقها. عملت مع أبعاد، وهي منظمة للمساواة بين الجنسين، وكانت منسقة وعضو مجموعة الضغط للحملات المكثفة التي تديرها المنظمة التي تدافع عن حقوق النساء والفتيات القاصرات. كما كانت أيضاً مهندسة العديد من الحملات الافتراضية والمظاهرات في الشوارع ضد اغتصاب الفتيات القاصرات (“مين الفلتان”) وزواج الأطفال (“ليس قبل 18 عاماً“). أسست منظمة حماية المرأة اللبنانية من أجل مساعدة النساء والأمهات في بلدها.
في عام 2015، ذكر تقريرٌ لمنظمة حقوق الإنسان الدولية هيومن رايتس ووتش، أطلق عليه اسم “لا حماية ولا مساواة،” جميع أشكال التمييز التي تواجه المرأة في لبنان، بما في ذلك الأمهات. إذ ذكر التقرير على سبيل المثال، “تصطدم النساء المنتميات إلى مختلف الطوائف بعقبات قانونية وغير قانونية لدى مبادرتها على إنهاء زيجات تعيسة أو مسيئة، كما تواجه قيوداً على حقوقهن المالية، فضلاً عن هاجس فقدان أطفالهن في حال تزوجن مجدداً أو انقضت ما يعرف بفترة حضانة الأم (التي يحدّدها عمر الطفل). كما تم حرمان السيدات على نحو ممنهج من النفقة الكافية أثناء الزواج أو بعده ـ حيث يجوز للمحاكم الطائفية على خلاف ما تقتضيه العدالة رفض الحكم بها أو تخفيضها أو من حجبها عنها بسبب “نشوزها” -أي مغادرة منزل الزوجية ورفض مساكنة زوجها- أو إذا طلبت التفريق. كما يواجه الأطفال انتهاكات لحقوقهم، ومن أهمها الحق في إيلاء الاعتبار الأول لمصالحهم الفضلى في جميع القرارات القضائية المتعلقة بمصيرهم، بما فيها الأحكام الخاصة بتحديد من سيرعاهم.”
وفيما يتعلق بالحضانة، تؤكد القوانين الدينية الشيعية والسُنية والدرزية بشكلٍ عام أنه في حال حدوث طلاق، ينبغي أن يحدد عمر الطفل، وليس مصلحته الفضلى، مع من يقيم. كما يمكن للقضاة السُنة، على أساس فردي، النظر في مصلحة الطفل الفضلى في تحديد الحضانة، وكذلك القضاة المسيحيين.
وفي جميع القوانين الطائفية، باستثناء قانون الأحوال الشخصية للطائفة الأرمنية الأرثوذكسية، يُمنح حق الحضانة أثناء الزواج وبعد الطلاق للأب المعترف به بصفته الوصي الأخلاقي والمالي القطعي لأبنائه. وفي قضية الحضانة الشيعية، يمكن للأمهات إبقاء بناتهن لديهن حتى يبلغن السابعة من العمر وحتى يبلغ الذكور عامين، وبعد ذلك يجب أن تربيهم عائلة الأب.
فقد كانت جوني متزوجة من شيعي وفصلت عن ابنها بعد طلاقها المؤلم، على الرغم من أن زوجها السابق كان يعتدي عليها ويمارس العنف في المنزل. وبالعودة إلى عام 2013، أجرت صحيفة ديلي ستار مقابلةً مع جوني خلال اعتصام في العاصمة بيروت أمام المجلس الشيعي الأعلى للمطالبة بمراجعة قوانين الحضانة لتكون أكثر عدلاً للمرأة. وذكر المقال إنه لم يُسمح لها سوى برؤية ابنها لمدة 24 ساعة كل عشرة أيام.
من جهتها، قالت زينة إبراهيم، صديقة جوني والتي عملت أيضاً مع منظمة حماية المرأة اللبنانية، لنا في فَنَك بأنها انضمت إلى المنظمة بعد أن أدركت أن زوجها السابق كان يمكن أن يأخذ طفلها إذا أراد ذلك، مما أزعجها.
إذ قالت: “لم يكن لديه مشكلة بمنحي حضانة ابني، إلا أن الأمور لا تسير على هذا النحو دوماً بالنسبة للنساء.” وأضافت “قابلت نادين وانضممت لمنظمة حماية المرأة اللبنانية لجعل هذه القضية معروفة بشكلٍ أفضل في لبنان. مع منظمة حماية المرأة اللبنانية، نجمع الأمهات اللاتي يعانين من هذا النوع من القانون ونطالب بسن قانون جديد. نريد أن ترفع المحاكم الدينية سن الحضانة للأم من سنتين إلى سبع سنوات للأولاد ومن سبع إلى تسع سنوات للفتيات، ومن ثم المشاركة في الحضانة إلى سن البلوغ. وجدنا فتوى [رأي قانوني غير ملزم يعتمد على الشريعة الإسلامية] تقول ذلك، وهناك الكثير من رجال الدين الذين يدعموننا. كنا نشطين بشكلٍ خاص تجاه المجلس الشيعي، الذي أخبرنا أعضائه في البداية أن الأمر مستحيل، ثم بدأنا في إجراء بعض التغييرات الصغيرة. ولكن هذا لا يكفي.”
من بين التغييرات التي أدخلت تدوين قانون الأحوال الشخصية للأقباط في عام 2012، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية للإنجيليين والأرثوذكس وتنفيذ القانون 422 المتعلق بحماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرض للخطر (2002).
لكن وفقاً لتقرير هيومن رايتس ووتش، فإن الطريقة الوحيدة للتصدي بفعالية للتمييز ضد الأمهات هي وجود قانون مدني بشأن الأحوال الشخصية، وهو ما يبدو مستحيلاً في ظل مناخ الانقسام الطائفي الحالي.
وقال التقرير، “ومن الحلول المطروحة، إقرار قانون مدني يضمن المساواة في الحقوق لجميع اللبنانيين أياً كان جنسهم أو ديانتهم. وقد انصبت الجهود الحالية على جعله اختيارياً، بمعنى آخر أن يقوم بموازاة القوانين الطائفية… وتجدر الإشارة إلى أنّ إقرار قانون مدني بموازاة قوانين الأحوال الشخصية الطائفية لن يكون كافياً للقضاء على أشكال التمييز في الأحوال الشخصية الناشىء عن قوانين الأحوال الشخصية القائمة. ويقتضي أن يقترن العمل في سبيل تبني قانون مدني اختياري بإقرار إصلاحات جوهرية على القوانين الطائفية القائمة كما يتعين على مؤسسات الدولة أن تمارس الرقابة على المحاكم والقوانين الطائفية.”
وبحسب ما قالته إبراهيم لنا في فَنَك، فإنها تعتقد أن إبرام عقد زواجٍ قانوني يتضمن شروطاً واتفاقاتٍ قبل أي حفل زفاف قد يساعد أيضاً، إلا أن المجتمع اللبناني لربما لن يتقبله بسهولة.