في خضم الحماس الثوري الذي يجتاح العالم العربي، لم يتصدر الأردن عناوين الأخبار إلى حدٍ كبير، على الرغم من أن البلاد تمر بأطول إضرابٍ للقطاع العام في تاريخها الحديث، مما أدى إلى تعطيل الدراسة لأكثر من مليون ونصف طالب.
ففي 8 سبتمبر 2019، أضرب معظم المعلمين البالغ عددهم 87 ألف معلم في قطاع التعليم الحكومي، حيث تركزت مطالبهم حول انخفاض رواتبهم، إذ يكسب المعلمون في المتوسط 630 دولاراً شهرياً، وهو أعلى بقليل من خط الفقر الذي وضعته الحكومة في عام 2010 والمحدد بـ515 دولار لأسرة مكونة من خمسة أفراد.
فقد أعلنت نقابة المعلمين الأردنيين عن الإضراب بعد أن استخدمت السلطات الغاز المسيل للدموع لتفريق الآلاف من المعلمين الذين تجمعوا بالقرب من مقر الحكومة في 5 سبتمبر للاحتجاج على ظروف عملهم.
وبعد شهر، أي في 6 أكتوبر، توصلت الحكومة في نهاية المطاف إلى إتفاقٍ مع النقابة لإنهاء الإضراب. في السابق، كانت السلطات قد اتخذت خطوات قانونية ضد النقابة ذلك إن الأخيرة رفضت أول مقترحٍ لرفع رواتب المعلمين، الذي وصفته بـ”فتات الخبز.” ومع ذلك، كانت الحكومة تخشى من أن التوترات الاجتماعية المتزايدة ستعمق الأزمة السياسية.
لطالما كان ينظر إلى المملكة باعتبارها واحة استقرارٍ نسبي في منطقة مضطربة، بيد أنها شهدت تغيير سبع حكوماتٍ في السنوات الخمس الماضية. فعلى سبيل المثال، في الشهر الجاي فحسب، أي في 7 نوفمبر، أدى 11 وزيراً جديداً اليمين الدستورية، وهو التعديل الوزاري الرابع منذ عامين. تهدف هذه التغييرات إلى مواجهة الإحباط المتزايد من ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص فرص العمل.
ووفقاً للمسؤولين، أمر الملك عبد الله الثاني الحكومة بالتوصل إلى اتفاقٍ فيما اعتبر بمثابة اختبارٍ لجهود رئيس الوزراء عمر الرزاز لتنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي، التي تهدف إلى تقليص الدين العام للبلاد البالغ 40 مليار دولار.
وفي أعقاب الإتفاق، دعا ناصر النواصرة، نائب نقيب المعلمين، أعضاء النقابة البالغ عددهم 100 ألف معلم إلى استئناف التدريس في حوالي 4000 مدرسة حكومية تأثرت بالإضراب.
وبحسب صحيفة جوردان تايمز، تلقت نقابة المعلمين الأردنيين رسالة من الحكومة في 5 أكتوبر، الذي يُصادف اليوم العالمي للمعلمين. بالإضافة إلى الإشادة بعمل المعلمين، حيث أعرب رئيس الوزراء عن “أسف الحكومة لأي حدث انتقص من كرامة المعلمين، وتلتزم باستكمال التحقيق والأخذ بنتائجه وننتظر نتائج تقرير التحقق من المركز الوطني لحقوق الإنسان لاتخاذ الإجراءات المناسبة،” في إشارة إلى استخدام العنف خلال الاحتجاج في 5 سبتمبر.
من جهتها، تنفي مديرية الأمن العام مزاعم العنف، رغم أنها أكدت احتجاز 50 معلماً خلال المظاهرة.
ينبع تأخر الحكومة في التوصل إلى اتفاقٍ مع النقابة من قلقها بشأن سلسلة من ردود الفعل التي قد تمتد إلى موظفي القطاع العام الآخرين والتي من شأنها أن تعوق تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
يقترح الإتفاق مع نقابة المعلمين الأردنيين، الذي أسماه النواصرة بـ”الإتفاق التاريخي،” رفع الأجور بنسبة 35-75% بحسب رتبة المعلم. وعليه، احتفل عشرات النشطاء من نقابة المعلمين الأردنيين بفوزهم أمام مقرهم في العاصمة عمّان.
على الرغم من حل الإضراب، إلا أنه كشف عن غضبٍ ضارب الجذور داخل المجتمع الأردني يتجاوز قطاع التعليم، إذ أنه حتى في المناطق الريفية بالمملكة أو المدن الأصغر، حيث يدعم السكان الملكية بشكلٍ تقليدي، احتج الناس على فشل الحكومات المتعاقبة في الوفاء بوعود النمو الاقتصادي وتحسين ظروف المعيشة. فقد ردد الإضراب مطالب مظاهرات 2018 واسعة النطاق ضد تدابير التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي والضرائب المرتفعة والفساد المستشري.
ووفقاً لقناة الجزيرة، ينظر الاقتصاديون والخبراء إلى الإضراب باعتباره دلالة على خيبة الأمل من عدم المساواة في القطاع العام المتضخم الناتج عن رغبة الحكومات المتعاقبة في تهدئة مخاوف السكان وضمان الاستقرار من خلال التعيينات الوظيفية الحكومية. وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن الرواتب والمعاشات التقاعدية تستنزف اليوم جزءاً كبيراً من ميزانية البلاد، وبالتالي أصبح الأردن واحداً من أعلى دول العالم من حيث الإنفاق الحكومي مقارنةً باقتصاده.
وعلى الرغم من ارتفاع مستوى التعليم، يتمتع الأردن أيضاً بأحد أعلى معدلات بطالة الشباب في العالم، البالغة حوالي 40%. ووفقاً لوزير الدولة والمتحدث الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات، يعدّ هذا “التحدي الأكبر الذي يواجه الأردن اليوم، وأصبح حجم القضية أكبر.”
على صعيدٍ متصل، يوضح مقال في صحيفة الجارديان أن للأردن أوجه تشابهٍ واختلافاتٍ مع جيرانه من الدول الغنية بالنفط. فمن ناحية، تفتقر البلاد إلى احتياطياتها من النفط وتعتمد بشكل رئيسي على الاستثمارات الدولية، التي انخفضت بشكل كبير في السنوات الماضية بسبب النزاعات في سوريا والعراق وكذلك وصول أكثر من مليون لاجىء إلى الأردن، مما يفرض ضغوطًا إضافية على الموارد والخدمات العامة.
ومن ناحية أخرى، تقبع المملكة رهينة لنفس النوع من العقد الاجتماعي كحال جيرانها المنتجين للنفط. فقد اعتمد الأردن منذ عقود على اتفاق ضمني مع السكان فيما وصف بأنه “صفقة استبدادية.” فأولئك الموجودون في السلطة يوفرون وظائف للسكان مقابل شكاوى أقل حول طرق ممارسة السلطة. ومع ذلك، يشهد هذا العقد الاجتماعي انقساماً في ظل الزيادة السكانية للشباب، مما أدى إلى زيادة في الطلب على الوظائف والخدمات في سياق الأزمة الاقتصادية.
في مقابلة مع صحيفة الجارديان، قال باتريك دارو، أحد كبار المتخصصين في الدول العربية في منظمة العمل الدولية، “القضية اليوم هي قضية إعادة تعريف للعقد الاجتماعي، وإعادة تحديد دور الدولة كضامن للعدالة الاجتماعية.”
كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أنه في أعقاب الاتفاق بين نقابة المعلمين الأردنيين والحكومة، نظم 7000 موظف في الأونروا، وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين، في الأردن إضراباً ليومٍ واحد في 3 نوفمبر للاحتجاج على انخفاض رواتبهم. تم التوصل إلى اتفاق في اليوم التالي بين وكالة الغوث واتحاد العاملين المحليين/ لجان الخدمات والعمال والمعلمين في وكالة الغوث -الأنوروا/الأردن، بما في ذلك أن تعكس الرواتب الزيادات الأخيرة لمعلمي المدارس الحكومية في الأردن. كما يتطلب الاتفاق من وكالة الغوث إجراء مسح فوري لتقييم كيف ستؤثر الزيادة الأخيرة في الأجور في الأردن على رواتب موظفي الأونروا.