وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

استقرار الأردن الهش قد يتهاوى بسبب تعثر الاقتصاد وانتقال عدوى الاضطربات الإقليمية

Jordan- Jerusalem
امرأة أردنية أمام السفارة الأمريكية في عمان في 15 ديسمبر 2017 خلال مظاهرةٍ ضد قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. Photo AFP

في خضم الاضطرابات التي تجتاح أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط، يُفضل قادة الأردن تصوير بلادهم كمنارةٍ للهدوء والاستقرار، إذ يصف الملك عبد الله الثاني في موقعه على الانترنت الأردن بـ”البيت الهادىء في حيٍ مضطرب.”

يمكن القول أن هذا صحيحٌ إلى حدٍ ما، وبخاصة عند مقارنته بالعراق وسوريا، فالأردن يحتل مرتبةً متوسطة في التصنيف العالمي للسلام والاستقرار. ففي مؤشر الدول الهشة لعام 2017، الصادر عن مؤسسة صندوق السلام الأمريكية للبحوث، حصل الأردن على 78,7 نقطة من أصل 100، مما يضعه على مستوى “التحذير العالي” وما بين دولتي كولومبيا والهند. كما جاء في المرتبة 95 على مؤشر السلام العالمي للاقتصاد والسلام، ليحتل المركز السابع في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، لا يزال الوضع السياسي للمملكة في يناير 2018 هشاً. وعلى وجه الخصوص، يمكن أن تتفجر الأوضاع بسبب الاستياء من الوضع الاقتصادي والعلاقات مع إسرائيل، فقد اندلعت بالفعل احتجاجاتٌ واسعة النطاق بسبب إرتفاع الأسعار وارتفاع معدلات البطالة والفقر، فضلاً عن صفقة الغاز الطبيعي التي أبرمت عام 2016 مع إسرائيل.

ففي العام الماضي، عادت، مرةً أخرى، علاقة المملكة مع إسرائيل إلى قائمة القضايا المثيرة للخلاف بعد أن أطلق موظفٌ بالسفارة الإسرائيلية النار على مواطنين أردنيين- مراهقٌ أردني فلسطيني وطبيب مسيحي بارز- مما تسبب بمقتلهما وذلك على ما يبدو بسبب خلافٍ حول تركيب الأثاث. إدعى الإسرائيليون أن الصبي هاجم موظف السفارة الذي أطلق النار دفاعاً عن النفس، فأصاب الطبيب عن طريق الخطأ. وعليه، اعترض المسؤولون الأردنيون على ذلك، وطالبوا بضرورة محاسبة مطلق النار.

وبدلاً من ذلك، سُمح لموظف السفارة بمغادرة البلاد، إلى جانب موظفي السفارة الآخرين، مما أشعل غضباً جماهرياً. ومع ذلك، تم التوصل إلى اتفاقٍ في يناير 2018، حيث اعتذرت إسرائيل بموجبه، ووافقت على تعويض أسر الضحيتين، لتستأنف بدورها السفارة الإسرائيلية، التي أغلقت منذ وقوع الحادث، أنشطتها.

جاءت الأزمة الدبلوماسية هذه في الوقت الذي اندلعت فيه الاحتجاجات اعتراضاً على قيام إسرائيل بتركيب أجهزةٍ لكشف المعادن على بوابات المسجد الأقصى في القدس، الذي يعتبر الأردن وصياً عليه.

وكما هو الحال في الدول العربية الأخرى، اندلعت أيضاً احتجاجاتٌ في الأردن في ديسمبر 2017، في أعقاب قرار الولايات المتحدة الإعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. بيد أن الأردن سيتأثر على وجه الخصوص بنتيجة قرار فلسطين، فغالبية سكان الأردن من أصلٍ فلسطيني، إذ حاول بعض المتشددين في إسرائيل الدفع بتسليم المراكز السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية إلى الأردن بدلاً من حل الدولتين.

وعلى ما يبدو، كانت هذه وجهة نظرٍ مشتركة مع البعض، على الأقل، في الولايات المتحدة، الوسيط الظاهري لعمليه السلام الفلسطينية الاسرائيلية. ففي كتاب النار والغضب، الذي يروي تفاصيل الأيام الأولى لإدارة ترمب، والذي صدر في يناير 2018، يروي الكاتب عن مستشار ترمب السابق، ستيف بانون، موضحاً رؤيته عن القضية الفلسطينية بقوله “دع الأردن يأخذ الضفة الغربية، ودع مصر تأخذ غزة. دعهم يتعاملوا مع الأمر. أو يغرقوا وهم يحاولون.”

ومن شأن هذا الحل فصل الفلسطينيين تماماً عن القدس، وهو الأمر الذي ترفضه القيادة الفلسطينية بشكلٍ قاطع. فضلاً عن كونه لا يحظى بشعبية بين الأردنيين ممن ليس لهم أصولٌ فلسطينية، الذين يرون في إدماج السكان الفلسطينيين من الضفة الغربية إضعافاً أكبر لنفوذهم في السياسة الوطنية.

كما سيكون الأردن من أكثر الدول تضرراً إذا ما واصلت الولايات المتحدة تهديداتها هذا الشهر بخفض مساهمتها السنوية البالغة 65 مليون دولار للأونروا، وهي وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين في كلٍ من الضفة الغربية وغزة والخارج. فمن جهته، يستضيف الأردن مليوني لاجىء مسجل، الذي يعدّ أكبر رقمٍ للاجئين من أي بلدٍ آخر (بالرغم من أن معظمهم من المواطنين الأردنيين)، والذين تقدم لهم الأونروا خدماتٍ تعليمية وصحية.

فالدولة الأردنية، التي تعاني أصلاً من الدين العام والعجز المالي، ليست في وضعٍ يُمكنّها من تعويض هذا النقص، ومن المؤكد أن عواقب خفض المعونات هذه ستنعكس على شكل احتجاجاتٍ واضطراباتٍ واسعة النطاق.

فالاقتصاد يُشكل مصدر قلقٍ كبيرٍ بالفعل لدى الأردنيين. فقد أظهر استطلاعٌ للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية في أبريل 2017 أن نصف المشاركين يعتقدون أن الأردن يسير في الاتجاه الخاطىء. وكانت المخاوف الاقتصادية من أهم المخاوف التي ذكرها الاستطلاع، إلى جانب إرتفاع الأسعار والبطالة باعتبارها أكبر المشاكل التي تواجه البلاد. وقال نحو 57% من المستطلعين إن الوضع الاقتصادي لأسرهم تدهور في الأشهر الـ12 الماضية. فقد خرج مئات الأردنيين إلى الشوارع العام الماضي وطالبوا الحكومة بالتخلى عن قرارها بفرض ضرائب جديدة على الوقود والإنترنت واستخدام الهاتف المحمول وغيرها من السلع.

ومن الممكن أن تغذي مواصلة سياسة التقشف هذه المشكلة القائمة بالفعل بتجنيد الجماعات المتطرفة للأردنيين. فقد كان الأردن من بين أهم قواعد التجنيد للمقاتلين الأجانب في تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا.

ووفقاً لمعهد الاقتصاد والسلام، فإن الاستياء من الاقتصاد والحكومة من بين العوامل المؤدية إلى هذا التجنيد، الذي أشار إليه تقرير مؤشر الإرهاب العالمي: “بالنسبة لأولئك [الأردنيين] الذين ينضمون إلى الصراع في سوريا والعراق، تشتمل العوامل المحفزة البطالة، وعدم الرضا عن الحكومة، وعدم المساواة، والقرب من سوريا والمنظمات الإرهابية المتاخمة، والولاء للمسلمين السنة، والسياسة الطائفية. وتعني سيولة الحركة النسبية عبر الحدود أن الأردن يعاني اليوم من عواقب عودة المقاتلين المتطرفين إلى ديارهم.”

Source: World Bank Data, IMF, UNDP, the Jordanian Times. @Fanack

فقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مسؤوليته عن الهجوم الذي وقع في مدينة الكرك الأردنية في ديسمبر 2016، عندما تحصن مسلحون داخل قلعةٍ صليبية تاريخية وقتلوا عشرة أشخاص، من بينهم سائحة كندية، في اشتباكٍ مسلحٍ لاحق مع قوات الأمن.

Jordan- Demonstration in Jordan
قوات من الشرطة الاردنية يقومون بالحراسة أثناء تلويح متظاهرين بعلمي فلسطين والإخوان المسلمين خلال مظاهرةٍ ضد قرار الرئيس الامريكي الإعتراف بالقدس عاصمةً لاسرائيل، 29 ديسمبر 2017 في العاصمة الاردنية عمّان. Photo AFP

وإلى جانب الاقتصاد المعيب وعدوى الإضطرابات الإقليمية، تعثرت أيضاً الإصلاحات السياسية المحلية في البلاد. فقد استبدل الملك عبد الله الثاني رئيس الوزراء بشكلٍ متكرر، فضلاً عن وعوده بالإصلاحات السياسية، إلا أن التغيير كان معدوماً تقريباً، ويرجع ذلك جزئياً إلى الخوف من أن يؤدي التحول الديمقراطي إلى تمكين الأردنيين من أصلٍ فلسطيني على حساب الآخرين. وبالرغم من ذلك، شهدت البلاد بعض التحرر السياسي: فقد تم حظر الأحزاب السياسية حتى عام 1990، ولكن منذ عام 2016، كان هناك 50 حزباً. ومع ذلك، تم رسم خطوط واضحة لحدود الدوائر الانتخابية لتمكين المناطق الريفية والقبلية في البلاد، التي تدعم تقليدياً النظام الملكي، على حساب مجموعاتٍ أخرى، بما في ذلك الفلسطينيين.

وبالتالي، وبينما لا يزال الأردن واحة هدوءٍ نسبي في المنطقة، إلا أن استقراره الهش معرضٌ للانهيار بفعل عدة عوامل، بما في ذلك تصعيد الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية أو ركودها، واستمرار تعثر الإصلاحات السياسية الحقيقية.