وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تحديات التنقل في بغداد ما بعد الحرب

المناطق الحضرية في بغداد شهدت تغييرات كبيرة و تحديات تنقل بسبب غزو العراق عام 2003.

تكدس المركبات في زحام مروري ببغداد.
تكدس المركبات في زحام مروري ببغداد.

دينا عبد الرزاق

شهدت المناطق الحضرية في بغداد تغييرات كبيرة بسبب غزو العراق عام 2003. وفي إطار ملف فنك الخاص بالشؤون الحضرية والعمرانية، يستعرض هذا المقال المشهد العراقي فيما بعد الحرب، والتأثيرات التي طرأت على حركة المرور بالمدن وتداعياتها على التركيب الاجتماعي وجودة الحياة.

ملخص

تعاني بغداد من زحام مروري شبه متواصل نتيجة النمو السكاني المتسارع. ففي الوقت الذي شهد فيه المواطنون العراقيون تحسناً على مستوى المعيشة، لا سيما في بغداد وغيرها من المدن الكبيرة، تسببت الزيادة الكبيرة في أعداد السيارات الخاصة في تكدس كثير من المركبات في الشوارع.

نتيجة لذلك عجزت البنية التحتية في بغداد عن مواكبة تلك الزيادة، إذ واجهت السلطات تحديات عدة على صعيد مدّ الطرق وصيانتها طوال ثلاثة عقود.

وتفاقمت تلك المشكلة بزيادة عدد السيارات التي أصبحت تتكدس في صفوف طويلة على طرق من المفترض أنها سريعة، وهو ما يؤدي إلى إهدار الوقت والموارد وتعطيل شبكات النقل والإمداد. ويؤثر ذلك الوضع على جودة حياة المواطنين، ويمثل تهديداً لسكان المدينة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والجسدي. ويسعى هذا المقال إلى الوقوف على جذور مشكلة الازدحام المروري في بغداد، وطرح بعض الحلول التي يمكنها التخفيف من حدة الأزمة.

مقدمة

يعد التكدس المروري من أكبر المشكلات التي تهدد سلامة مستخدمي الطرق على الصعيد الاقتصادي والبيئي والصحي، إذ يتسبب في إهدار الوقت والموارد مثل الوقود فضلاً عن زيادة الانبعاثات الكربونية. وينشأ التكدس المروري حين تعجز شبكة الطرق عن استيعاب الكثافة المرورية الطبيعية، وتضطر المركبات إلى التخفيف من سرعتها أو تتوقف انتظاراً لانسياب الحركة المرورية .

وتعد بغداد هي ثاني أكبر مدن غرب آسيا وفقاً لعدد السكان بعد طهران، ويبلغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة تقريباً. يسكن في بغداد نحو 16.8% من إجمالي سكان العراق، وتبلغ الكثافة السكانية بها أكثر من 85 ألف نسمة لكل كيلومتر مربع. وتمتد شبكة الطرق والنقل بالعراق في اتجاه طولي بالتوازي مع نهري دجلة والفرات،

وهو ما أدى إلى تركز التجمعات البشرية تاريخياً بالقرب من مسار هذه الطرق. وتعاني المناطق الأخرى في العراق من نقص مراكز النقل، ولذلك استوعبت تلك المسارات التاريخية عدداً كبيراً من المركبات وأصبحت تمثل عبئاً على شبكة الطرق السريعة في البلاد.

رغم أن حركة المرور على الطرق السريعة وفي الشوارع تصل إلى أقصاها في ساعات الذروة، تعيش بغداد حالة متواصلة من التكدس المروري في معظم فترات اليوم. إذ تعاني التقاطعات والطرق الرئيسية في بغداد من كثافة حركة المرور خلال ساعات العمل الاعتيادية والإجازات والمناسبات الخاصة. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها: النمو السكاني المتسارع، والهجرة الداخلية، وسوء إدارة الدولة لشبكة الطرق التي تتفاقم مشكلاتها نتيجة غياب اللوائح والقوانين وعدم توفير الحكومة لوسائل النقل الجماعية على نحو كافي.

وهكذا، يظل التكدس المروري المتواصل مشكلة مزمنة، ولا يجد سكان بغداد مهرباً منها في ظل عدم تطوير البنية التحتية على مدار العقود الثلاثة الماضية، وذلك رغم كثرة الحلول المقترحة.

الأسباب المحتملة للاختناق المروري

تأثرت حركة المرور في العاصمة بالزيادة الكبيرة في عدد المركبات بعد عام 2003.. إذ ارتفع عدد السيارات الخاصة المسجلة في محافظة بغداد من مليون سيارة في عام 2001 إلى 2.7 مليون عام 2021، وهو ما يمثل زيادة كبيرة بواقع ثلاثة أضعاف.

وليست هذه الزيادة الضخمة في عدد السيارات شيئاً سلبياً بالضرورة، فهي إحدى الظواهر التي تدل على النمو السكاني وتحسن مستويات المعيشة. لكن عملية مدّ الطرق وصيانتها عجزت عن مواكبة تلك الزيادة، وهو ما زاد من الأعباء التي تتحملها البنية التحتية التي لم تُصمم لاستيعاب هذه الكثافة المرورية المرتفعة.

على الجانب الآخر، تعد وسائل المواصلات العامة في العراق محدودة للغاية حتى أصبحت السيارات الخاصة أكثر وسائل المواصلات انتشاراً وأماناً، لا سيما للنساء. لذلك، فإن الانتقال بين المناطق المختلفة داخل العاصمة قد يستغرق ساعات. وزد على ذلك أن نقص ساحات الانتظار يجبر قائدي المركبات على الاصطفاف بمركباتهم على جانبي الطريق، وهو ما يزيد من بطء الحركة ويتسبب في حدوث اختناقات مرورية.

وتمثل نقاط التفتيش المتمركزة لتأمين مداخل ومخارج الطرق الرئيسية أحد أسباب الاختناقات المرورية أيضاً، كما تُغلق الطرق الرئيسية والفرعية لاعتبارات أمنية أحياناً، أو نتيجة لإساءة استغلال السلطة في بعض الحالات.

يضاف إلى ما سبق ذكره من أسباب أن قوانين المرور لا تُطبَّق، وهو ما يشجع المواطنين على عدم الالتزام بقواعد المرور ويزيد المخاطر المحتملة على السلامة العامة في الطرق. إذ عادة ما تتجاهل السلطات تحصيل غرامات مخالفات مثل قطع الإشارة الحمراء أو القيادة في غير الحارة المخصصة أو إعاقة حركة المرور أو يغض المسؤولون الطرف عنها مقابل رشوة.

وقد توقفت إشارات المرور في بغداد عن العمل بعد عام 2003 نتيجة الأزمات والحروب التي شهدها العراق. وظلت إشارات المرور معطلة في مناطق كثيرة من المدينة لفترة طويلة. وزد على ذلك أن إشارات المرور صارت عرضة للسرقة ليعاد استخدامها في أغراض أخرى.

تداعيات الاختناق المروري

تسعى الحكومات على مستوى العالم جاهدة لإيجاد حلول لأزمة الزحام المروري والحد من آثارها على الصحة والاقتصاد والبيئة.

ويأتي على رأس هذه التحديات تأثير الاختناق المروري على البيئة. إذ يؤدي التكدس المروري لفترات طويلة فضلاً عن عدد السيارات الكبير إلى زيادة الانبعاثات الكربونية زيادة كبيرة، كما تزيد متطلبات صيانة السيارات وإصلاحها، وهو ما ينتج عنه مخلفات ضارة قلما تعالج على نحو آمن وسليم.

كما أن كثافة حركة المرور تؤدي إلى زيادة معدل استهلاك الطرق وتآكل الأسفلت وزيادة انبعاثاته، خاصة في ظل مناخ بغداد الحار والمشمس. وتبقى هذه الانبعاثات عالقة في الهواء لتكوّن غباراً يتسبب في أضرار صحية بالغة.

وتحتوي عوادم السيارات أيضاً على غبار بأنواع مختلفة وكثيرة وملوثات تؤدي للإصابة بالسرطان على الأرجح، وفقاً لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة. وقد تؤدي تلك العوادم إلى الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، بخلاف الضغط العصبي والإجهاد الناتج عن الضوضاء التي يسببها الزحام المروري وما يصاحب ذلك من زيادة مخاطر الإصابة بأمراض مثل السكري وزيادة معدلات الإصابة بنوبات الغضب.

أما التداعيات الاقتصادية فهي أبرز الآثار التي يأتي ذكرها عند الحديث عن أزمة المرور. إذ تزداد تكاليف تشغيل السيارات مع زيادة التكدس المروري، ويُضطر قائدو المركبات إلى تحمل تكاليف أعلى مقابل الوقود والصيانة والإصلاح. كما يمكن أن تتسبب التداعيات الصحية والبيئية لمشكلة المرور في زيادة الأعباء على منظومة الرعاية الصحية التي يجب عليها التوسع حتى تستوعب احتياجات السكان المتزايدة.

حلول لمواجهة أزمة المرور

إن الإنسان هو أساس المجتمعات والحضارة، وعلى جميع الدول أن تسعى لضمان حقوق مواطنيها في الصحة والتعليم والحياة الكريمة. ويمكن لمواجهة أزمة المرور في بغداد أن تسهم بصورة ملموسة في تحقيق هذه الأهداف.

ينبغي أن تكون الأولوية لمدّ الطرق وصيانتها لمواكبة الزيادة في عدد السيارات، ومن الضروري أيضاً إنشاء طريق دائري في بغداد يحيط بالمدينة من جميع جهاتها ويساعد على امتصاص حركة المرور الداخلية ونقلها إلى الحدود الخارجية للمدينة. وسيساعد هذا المشروع على التخفيف من الزحام المروري بالعاصمة.

من ناحية أخرى، فإن إنشاء ساحات انتظار متعددة الطوابق في المناطق المزدحمة سيسهم في الحد من ركن السيارات في الصف الثاني ويقلل إعاقة حركة المرور التي تسببها. كما ينبغي اشتراط إنشاء طوابق لانتظار السيارات في المباني الجديدة متعددة الطوابق لتكون من ضمن مرافقها.

وبالتوازي مع خفض الكثافة المرورية في وسط العاصمة، فإن إنشاء شبكة لقطارات الأنفاق سيؤدي لتقليل عدد السيارات على الطرق بدرجة كبيرة، وهو ما سيساهم في تقليل استهلاك الطاقة والحد من المواد الملوثة للبيئة. كما سيؤدي إنشاء شبكة متنوعة وفعالة من وسائل المواصلات العامة إلى تقليل عدد المركبات الخاصة على نحو يساعد في تسهيل حركة نقل الركاب والبضائع عبر المدينة.

ولتقليل كثافة المناطق السكنية بالقرب من وسط المدينة، لابد من البدء في إنشاء ضواحي سكنية جديدة ومناطق للتجارة والأعمال في الأماكن الجديدة البعيدة عن وسط المدينة. كما سيؤدي نقل مقرات الوزارات أو الهيئات الحكومية، والمحاكم، والإدارات المختلفة بعيداً عن وسط بغداد إلى توزيع حركة المرور وتخفيف الضغط على قلب المدينة المزدحم.

كما يمكن تخصيص مساحات خضراء مفتوحة في المدينة لتكون لها رئة تحافظ على البيئة وتحسن من جودة الهواء.
زد على ذلك أن تقليل عدد نقاط التفتيش ونقلها بعيدا عن التقاطعات والمناطق ذات الكثافة المرورية المرتفعة وإحلال وحدات الشرطة المتنقلة محلها كلما أمكن ذلك، من شأنه أن يساهم في تقليل التكدس المروري الذي تسبب فيه.

وأخيراً، تحتاج طرق بغداد وشوارعها لمنظومة متكاملة من كاميرات المراقبة والإشارات المرورية الضوئية لبناء نظام مروري ذكي عند التقاطعات والطرق المحورية فضلا عن مراقبة حركة المرور وتوزيعها حسب حجمها مع تطبيق لوائح المرور وفرض الغرامات على المخالفين.

خاتمة

يجب على الحكومة العراقية أن تتبنى رؤية شاملة وبعيدة الأمد بخصوص شبكة الطرق في المدينة، لاسيما وأن جميع مشروعات البنية التحتية المرورية بالعراق جرى التخطيط لها خلال ثمانينيات القرن الماضي.

إن مواجهة مشكلات المرور وحلها ليس بالأمر الهين، إذ تعاني معظم دول العالم من المشكلة ذاتها. لكن ثمة قصص نجاح كثيرة يمكن للحكومة العراقية الاستفادة منها. ربما لا تحصل المدينة على نتائج سريعة إنْ أصبحت الأولوية لمسألة إنشاء شبكة مناسبة من وسائل النقل العامة، لكن ذلك يبقى أحد الاستراتيجيات الفعالة للتغلب على المشكلة.

ويمكن أيضا تحسين الطرق وتوسيع شبكتها، والارتقاء بتخطيط المدينة، بالتوازي مع تطبيق قوانين المرور من أجل الحد من الاختناقات المرورية على المدى القصير وتسهيل حركة المرور على المواطنين وإتاحة التنقل بسلاسة ويسر أكبر.

المراجع

Lamia Ahmed Mohsen, 2018. Traffic congestion in Baghdad governorate. Baghdad University.

Laith S. M. Al-Asadi, Alyaa H. Mohsin, Essam H. Elaiwi, Ali A. Abbood, 2022. The need for sustainable local management to solve the reality of increasing traffic congestion in Iraq. Vol. 10, No. 3. ISSN 2303-4521. pp.236-245.

Laith S. M. Al-Asadi, Alyaa H. Mohsin, Essam H. Elaiwi, Ali A. Abbood, 2022. The need for sustainable local management to solve the reality of increasing traffic congestion in Iraq. Vol. 10, No. 3. ISSN 2303-4521. pp.236-245.

Naira Al Nuaimi, 2022. Traffic jams in the capital, Baghdad, its causes, and methods of treatment.

الروابط
UN-Habitat, Iraq Urban Issues. [https://unhabitat.org/iraq-urban-issues].

user placeholder
written by
Kawthar Metwalli
المزيد Kawthar Metwalli articles