وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قصيدة حب فارسية: “لك أسجد، والكعبة بابها مقفول”.

من خلال موسيقاه، يحافظ دريوش إقبالي على تراث الشعر الفارسي ويعرض تأثيره الدائم على الثقافة المعاصرة.

قصيدة حب فارسية
الصورة: لقطة من مقطع فيديو داريوش إقبالي (المصدر: يوتيوب)

الأستاذ الدكتور علي أصغر سيد غراب

“أحبك وسأبقى مخلصاً لك”، هذا ما تردده الأغاني الرومانسية المشهورة عادةً. وكثير من أغاني البوب الإنجليزية تفتقر إلى أي بعد شاعري، مع وجود استثناءات بالطبع، مثل أغاني بوب ديلان.

الموسيقى الشعبية الفارسية

لكننا نرى في الموسيقى الشعبية الفارسية تقليداً مختلفاً كلياً. إذ يستمد المغنّون كلماتهم في العادة من الشعر الفارسي الكلاسيكي، كقصائد حافظ الشيرازي وجلال الدين الرومي وغيرهما. بل وأحياناً ما يغنّون القصائد نفسها، وأحياناً ما يستلهمون من السمات والاستعارات الكلاسيكية كلمات جديدة. والأغنية المشهورة لداريوش إقبالي المذكورة في هذا المقال مثال على ذلك.

وُلد إقبالي عام 1951، وحظي بشهرة واسعة قبل الثورة الإسلامية عام 1979، إلا أنه اكتسب شهرة أكبر بعد فراره إلى الولايات المتحدة. ما زال إقبالي يقيم حفلاته في أرجاء العالم وهو ابن الثالثة والسبعين ربيعاً، ويردد أغانيه الأجيال الأصغر سناً. ولعل أحد أسباب شهرته الرسائل السياسية المتضمنة في أغنياته قبل الثورة وبعدها.

الشعر الفارسي الكلاسيكي

يستلهم إقبالي في أغانيه الرومانسية معاني من الشعر الفارسي الكلاسيكي. ورغم أنها قصائد دينية، فإنها تحمل رسائل مغايرة. ففي الشعر الكلاسيكي، تُنتقد التعاليم الإسلامية الأقدس من أجل تقديم نهج جديد للإيمان. وما تزال هذه السمات شائعة بين الشعوب المتحدثة بالفارسية حتى يومنا هذا.

ومع أن الأغنية الرومانسية التالية حديثة، فإنها تحمل تقريباً جميع الأنماط المستمدة من الشعر الديني الكلاسيكي. فتأتي كلماتها في سياق ديني هو الحج إلى مكة، ويُشبّه المحبوبة بالكعبة؛ قبلة المسلمين كافةً في أرجاء المعمورة.

تربط كلمات الأغنية جلّ عناصر هذا الحج بالمحبوبة وعلاقتها بحبيبها. وتشبّه رحلة الحج المحفوفة بالمخاطر بتقلبات العاشق النفسية التي يكابدها ليكسب قلب محبوبته. وتساوي الكلمات بين إخلاص الحاج لزيارة بيت الله الحرام ورغبة العاشق في رؤية حبيبته.

كلمات الأغنية

نسمع في أغنية إقبالي، والتي نجد هنا امرأة تغنيها، الكلمات التالية:

لك أسجد، والكعبة بابها مقفول،
وطُفت طوفاً، فحاجتي للحج تزول،
وأينما ولّيت وجهي، فلا ركوع لي مقبول.
أطير حراً معك بالأغلال،
والجرح منك يقطّع الأوصال.
عن الذنوب أتوب علّك تصفحي،
وبصوتك العذب صرت الرحل والترحال.
لا ذنب لي إن كنت منك مكابداً،
فالإثم ألا أنال منك وصال.

تبدأ القصيدة في مطلعها باستبدال الحبيبة بالكعبة. ولأنه ما من طريق إلى الكعبة، فإن المحب على استعداد للسجود لمحبوبته بعشق فياض وإخلاص متفان. وقد أثبت ولاءه لحبيبته بأن جعلها مركز اهتمامه، إذ يطوّف بها كما يطوّف الحاج بالكعبة. وهذا الحب الخالص للمحبوبة يحل محل حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.

التباين

يكمن التباين في القصيدة في استبدال محبة إنسان فان بمحبة الله. بل ويصب الشاعر تركيزه في البيت الثالث على محبوبته بدلاً الصلوات الخمس، مسلماّ نفسه تسليماً لمحبوبته راضياً بكل ابتلاء.

تُعدّ الطبيعة المازوخية لهذا الحب، والتي تظهر في البيتين الأخيرين، سمة مركزية في شعر الحب الفارسي الكلاسيكي. ففي هذا التقليد الشعري، عادةً ما تكون المحبوبة غير مكترثة، بل متغطرسة وعنيدة تسعى في تعذيب المحب. وما ينفك العاشق يعاني ويلات القسوة والإهانة من المحبوبة ما دام مستيقظاً، حتى إذا غفلت عيناه جاءته في حلمه تعذبه عذاباً يسلبه النوم. لكن العاشق يبقى مخلصاً وفياً رغم مكابدته وخوفه حتى إنه يمجّد ذاك العذاب.

تكشف أغنية داريوش رسوخ سمات شعر الحب الكلاسيكي في الثقافة الفارسية المعاصرة. وتوضح التمازج بين الدين والحب ضمن سياق غير ديني.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في Beyond Sharia Website الأصل على موقع  في 14 فبراير 2024