وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هوس ب”العين الزرقاء“ وصحوة روحانية معاصرة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

رغم استمرار استعمال تمائم مثل العين الزرقاء أو الماندالا في المنطقة كما كان منذ قرون يجب بقاء الناس يقظين وحذرين.

هوس ب"العين الزرقاء“
شجرة مزينة بتمائم على شكل عين “نزار”، يعتقد أنها تحمي من العين الشريرة، في حديقة جوريم التاريخية الوطنية في منطقة كابادوكيا التاريخية بوسط تركيا. عمر الحاج قدور / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

أطقت فريال، 23 عامًا ، متجرها الالكتروني “فرياكرافتس” على تطبيق إنستغرام قبل جائحة كورونا مباشرةً. فلطالما كانت صناعة المجوهرات والأشغال اليدوية شغفها. وقالت لفنك إن الاهتمام العالمي بالأعمال الفنية الروحانية تزايد مع الأزمة الصّحية التي أحدثت حالة من الخوف والشك جعلت منتجاتها لا تُقدّر بثمن، إذ إنّها تمنح الشعور بالاستقرار والأمن لجمهور عريض من جماهير روحانية العصر الجديد.

تبيع فريال الكريستالات والبخور والسلاسل والحلقان والأساور في متجرها، وتعرض منتجاتها للعملاء في تونس فقط. وقالت إن أشهر منتجاتها هي “العين الزرقاء” أو تميمة “النظر” وهي دائرة باللّون الأزرق تتوسطها حدقة العين ونجدها منتشرة على أبواب البيوت والمحلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وأضافت فريال لفنك: “تؤمن ثقافات المنطقة كافةً بالعين والحسد والنحس، وأنا أجاري التوجهات الروحيّة التي يتجه الناس بها إلى مزيد من الحبّ والاهتمام ومداواة الذات”.

وقالت صاحبة المتجر التونسية إن الطلب الكبير والدائم على منتجاتها كان قبل أن تتحول التمائم إلى موضة. كما أنها تبيع أعشابَا طبيعية كالمرمرية، ومجموعة متنوعة من الكريستالات التي توفّر حماية أكبر.

وتابعت: “بالإضافة إلى حفظ تميمة العين الزرقاء طاقة المرء وأشياءه الثمينة كالسّيارات والملابس الغالية، فإنها جزء مهم من الثقافة التونسية تناقلته الأجيال”.

ولطالما ربطت الثقافات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العين بالقوى الروحانية الحافظة. لكن التميمة أصبحت سلعة تجارية عالمية بفضل موضات الأزياء واقتناء المشاهير لها. ويقول الخبراء إن هذا قد يمثل تهديدًا لأصولها الروحانية والثقافية.

من أين جاءت العين الزرقاء؟

استخدمت صناعة الأزياء صورة العين الزرقاء كثيرًا خلال العقد الماضي، فقد أطلقت جيجي حديد أواخر عام 2017 مجموعة أحذية EyeLove وعليها العين الزرقاء. كما شوهدت هي وكيم كارداشيان ترتديان التميمة في مناسبات عدة.

ويُطلق على التميمة في اللّغة العربية “النظر” لأنّها تبعد عين الحسود، وهي موجودة منذ آلاف السنين. لكن قوتها تسبق شهرتها الحالية.

ويعود أول أشكال العين الزرقاء إلى العصور القديمة في اليونان وروما، حيث ساد الاعتقاد بأن الأثرياء والعظماء والمشهورين يواجهون أكبر المخاطر. وارتبطت عيون الحسّاد بالقدرة على إحداث المرض العقلي والجسدي دون سبب واضح.

وقد ذكرهليودورس الحمصي في أسطورته الإغريقية “الإثيوبية” الموضوع قائلًا : “عندما ينظر أحد إلى ما هو حسن بعين حاسدة، يملأ الجو بمناخ سقيم، وينفث سمه في أقرب شيء إليه كائنًا ما كان”.

وتربطها بعض النظريات بعين الإله المصّري القديم حورس، إله المُلك والسماء. ولون قطعة الخزف في عين حورس فيروزي يرمز إلى قوى الشمس المتجددة. ورغم أصلهما غير المعروف، يجمع بين العين الزرقاء وعين حورس اللّون الأزرق الزاهي، فالأولى لها حدقة زرقاء فاتحة وتحيط بالأخيرة طبقة من اللّون الأزرق الداكن.

ويختلف تفسير هذه الفكرة بحسب الثقافة، وذلك رغم تموضع انتشارها في منطقة البحر المتوسط وغرب آسيا. فوفقًا لدراسة ثقافية أجراها الباحث في دراسات الفلكلور، جون روبرتس، عام 1976، يؤمن بالعين الزرقاء 36% من ثقافات دول البحر المتوسط وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشرق وجنوب شرق آسيا.

وقد حرّم النبي محمد استخدام التعاويذ لأنها من الممارسات الوثنية. فقد ورد في القرآن الكريم في سورة يونس: “وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ” (106).

ورغم ذلك، ما زال كثير من المسلمين يرتدون التميمة كلّ يوم.

وقالت فريال: “يضع الناس هذه العلامة في المحلات والأسواق والبيوت ليذكّروا الآخرين بقول (ما شاء الله) لتجنّب طاقة الحسد السلبية. ولهذا أعتقد أن لها تأثيرًا، وأجرّب ذلك بارتدائها وحملها قبل بيعها للناس”.

الروحانية في أوقات الأزمات

وجد الباحثون أن معدلات البحث عن كلمة “صلاة” وصلت مستويات قياسية في 90 دولة في أثناء جائحة كورونا. كما جاء في دراسة لمركز بيو للأبحاث عام 2020 أن نصف البالغين في الولايات المتحدة قد زاد إيمانهم بعد الجائحة.

كما لاحظ خبراء علم النفس أن الناس يهرعون إلى الصلاة والتأمل الذاتي ودعم رجال الدين والروحانيين خلال الأحداث الصّادمة مثل الجائحة. وبفضل آليات التأقلم هذه، يشعرُ من كان يعاني في أثناء الجائحة بالهدوء في حياته اليومية.

وقال المعالج الروحاني اللبناني حسن بيضون لفنك، وقد غيرنا اسمه للحفاظ على الخصوصية، إنه لاحظ زيادة في عدد العملاء الذين يريدون التعافي بالممارسات المسيحية أو الإسلامية أو الشرقية التقليدية التي تشمل الريكي (العلاج بالطاقة) والعلاج بالكريستال والإبر الصّينية.

ويرى أن أكثر ما يحرك الناس الخوف من المستقبل والشك والحاجة إلى الحماية. وبسبب تدهور الأوضاع في لبنان والنقص الحاد في المستلزمات الطبية، فضلًا عن الأزمة المالية التي قلّصت المتاح من الدولار وخفضت قيمة اللّيرة اللّبنانية، أصبحَ الناس ناقمين واتجهوا إلى الممارسات البديلة بحثًا عن حلول.

وقد لاحظ بيضون اهتمام الناس الكبير بالتعاويذ أو الأشياء التي تتضمن قوى حافظة. فالآياتُ القرآنية والعلامات الفلكية والأدعية الدينية موجودة في التعاويذ الإسلامية. وكثير من المسلمين يعتقدون أن كتابة لفظ الجلالة على الأشياء يعطيها قوة تحفظ من يقرأها أو يلمسها أو ينظر إليها.

وقال بيضون: “تميمة العين الزرقاء هي أشهر التعاويذ وأكثرها زيفًا. ولا تأثير لأي من هذه التعاويذ، فلا تقوم بشيء سوى خداع عقول الناس وأجسادهم بتأثير العلاج الوهمي”.

وأضاف أن هذه التعاويذ يمكن أن تخدع الناس وتؤذيهم عاطفيًا، لا سيما إذا كان مصدرها شخصيّة دينية أو روحانية يثقون بها.

وتابع بيضون: “من السهل على من يقدّم هذه التعاويذ أن يخدع الناس من أجل المال بحكم نفوذه. وعندما يجد الناس وضعهم لا يتحسن، ينقص إيمانهم بالله ويفقدون ثقتهم بالعالم”.

فهو يخدع الناس بإقناعهم أن الجن مسّهم أو أن العين أصابتهم اختبارًا لإيمانهم. وسرعان ما يقتنع الضحايا بهذه الإدعاءات الواهية بدافع الخوف.

وقال: “المشكلةُ في الصّيحات الروحانية غير المنظمة أنّه يمكن للمعالجين أن يخدعوا الناس لأنّهم -بسبب ضعفهم- لا يستطيعون التمييز بين قوى الحياة الطّبيعية وهي الطاقة الطّبيعة التي تتدفق في أجسادهم خلال الريكي على سبيل المثال، ومسّ الجن في كثير من الأحيان”.

وأضاف: “أحاول ببساطة أن أنشر الوعي اللازم وأن أطمئن العملاء أنهم ليسوا ممسوسين من الجن”.

رحلة العودة إلى الأصل

ترى معالجة الريكي اللّبنانية مارلين غريّب أن الإغلاق وقت الجائحة أتاح للناس فرصة مواجهة مشاعر شديدة كانوا يتجاهلونها في زحمة الحياة المتسارعة.

وأضافت غريّب لفنك: “ازداد فضول الناس تجاه التجليات الجسدية المرضية النابعة من جذور روحانية ونفسية، وأرادوا البحث عن أجوبة لتلك الفوضى”.

وشهد كثير من مواقع التنجيم زيادة في عدد الزيارات خلال عام 2021. فوفقًا لوكالة بلومبيرغ، زاد متصفحو موقع ديزد ديجيتال بنسبة 22% بسبب البحث عن الأبراج مقارنةً بالربع السابق.

كما ذكر بلومبيرغ أن سوق الأحجار الكريمة، مثل الجمشت والكوارتز الوردي والتورمالين، تفوقت على سوق الألماس. كما ارتفعت مبيعات كتب التنجيم في أغسطس من هذا العام. وشهد الشهر نفسه زيادة ملحوظة في إصداراتها.

وترى غريّب أن اتجاه الناس إلى ممارسات العصر الجديد الروحانية جاء نتيجة الخوف والرغبة في تحويل تجاربهم السلبية إلى قصص سعيدة. لكن ذلك جعلهم عرضة للحملات التسويقية والموضات العالمية الزائلة.

وأوضحت: “سيتأقلم الناس بطرق عشوائية، ويقتنون العين الزرقاء وأزهار الحياة والماندالا وغيرها من الموضات الشّعبية لأسباب جمالية. لكن تجنّب التقصي وراء وظائف هذه الرموز الممتدة لقرون وتاريخها يهدد أهميتها ويمحو معناها”.

واتفقت غريّب وبيضون على أهمية أن يبحث الناس وراء جميع الممارسات الروحانية لتجنب استغلال المحتالين والمعالجين الجشعين، لا سيما في هذا العصر التكنولوجي الذي تعقدت فيه أساليب التسويق على وسائل التواصل الإجتماعي أكثر من أي وقت مضى.

ورغم استمرار استعمال تمائم كالعين الزرقاء أو الماندالا في المنطقة كما كان منذ قرون، تؤكد غريّب وبيضون على وجوب بقاء الناس يقظين وحذرين.