أحمد عابدين
“فيجو، أوكا، فيفتي، شاكوش، حاحا، حمو بيكا” أسماء لمعت في مجال الفن والموسيقى المصرية رغم غرابتها، إلا أنها لا تقل غرابة عن الأغاني التي اشتهرت من خلالها أو ما بات يُطلق عليه “المهرجانات”، والتي أضحت لون موسيقي جديد ذاع صيته وحقق شهرة وأرباح خيالية رغم الضعف الفني الشديد بمقاييس الفن الكلاسيكي.
لطالما اشتهرت مصر منذ منتصف القرن الماضي بقوتها الناعمة من الفن: الموسيقى والسينما والإذاعة ثم التلفزيون والدراما، مما جعل للهجة العامية المصرية انتشار لا يُضاهيها لهجة عربية أخرى، وعلى الرغم من التنوع الشديد في لهجات الدول والشعوب في الشرق الأوسط وشمال افريقيا إلا أن اللهجة المصرية كانت بمثابة جسر تلاقي للجميع في المحيط العربي من شواطئ المحيط الأطلسي غرباً وحتى مياه الخليج العربي شرقاً.
لقد كان أسماء مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد فوزي ومحمد عبد الوهاب، أسماءً تعبر عن نجوم عابرة للحدود والقارات، إلا أن الخفوت التي صاحب القوة السياسية المصرية منذ منتصف السبعينات صاحبه خفوت أيضاً في القوة الناعمة والتي كانت مدعومة بشكل أساسي من الدولة المصرية والتي ضعفت قوتها بشكل أكبر منذ منتصف التسعينات، قبل ثورة الانترنت التي جعلت للفن الشعبي قوة وانتشار بالغ المدى أعتمد عليه الفن الجديد في عودة اللهجة المصرية إلى أطراف الوطن العربية من أزقة المغرب إلى فنادق دبي الفاخرة.
فيجو، مخترع المهرجانات كما يُطلق عليه الأوساط الشعبية، وأول من بدأ هذا المشوار في مصر، قال في حديث لنا “لقد جاءت الفكرة بشكل عفوي تماماً، وذلك عام 2004 انطلاقاً من منطقة سبيكو بمدينة السلام شمال شرقي القاهرة، حيث كنت أعمل دي جيه مان في الأفراح والقاعات، وكنت أقوم بتقطيع أغاني المطربين المشاهير ثم أدمجها وأعيد توزيعها بنمط غربي (ديب هاوس) حتى فكرت في تغييرها إلى نمط شرقي وعمل اغنية خاصة بأحد أفراح أصدقائي على خلفية موسيقية مكررة، ومن هنا بدأ المشوار.
ويُضيف أحمد فريد الشهير بفيجو، صاحب التسعة وعشرين عام، والحاصل على بكالوريوس سياحة وفنادق، بأنه كان يُطلق على ما يصنعه اسم “مزيكا الكهربا أو الالكتروشعبي، ولكن طغى اسم “المهرجان على هذا اللون نتيجة الزحام الموجود في المقاطع. وقد انتشر هذا اللون في البداية عن طريق الهواتف وكان الشباب يرسلونها لبعضهم عن طريق البلوتوث. كنا نمشي في الشوارع نسمع أغانينا دون أن يعرفنا أحد، بينما كانت البداية الحقيقية للشهرة في نهاية عام 2011 وبداية 2012.
“شبح أسد وسط الغابة ودبح قدامه ناس ياما، صوته اتنبح، أبلسة لكن بيبيعوا سبح” بهذه الكلمات شبه المبهمة يبدأ أحدث مهرجانات فيجو وسادات، والذي حقق 11 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب.
هذا النمط من الكلمات الذي لا يختلف كثيراً عن الموسيقى في خلفيته كان محل انتقاد الكثيرين، فيقول الموسيقار حلمي بكر إن المسئولية على الجمهور في انتشار هذه النوعية من الأغاني التي وصفها بـ “الهابطة” قائلاً “هذه لا يمكن أن تسمى أغاني «شعبية»، لأنها لا تمت بأي صلة للمطربين الشعبيين الذين يملكون أصواتاً قوية مثل عبدالمطلب أو محمد رشدي أو أحمد عدوية وغيرهم من نجوم الأغنية الشعبية، فهي مجرد مجموعة من الألفاظ والكلمات البذيئة يقدمها مجموعة من البلطجية الذين ليس لهم أي علاقة بالغناء”
وقد شاركه الرأي الموسيقار محمد سلطان، رئيس جمعية المؤلفين والملحنين، أنها ليس لها أي علاقة بالغناء، كما أنها تؤثر بشكل سلبي على الذوق العام لما فيها من كلمات غريبة مبتذلة وليست لها أي علاقة بالشعر أو الغناء، وإنما هي مجرد لحن واحد ويقدِّمها أناس ليس لديهم أي علاقة بالفن، مطالبين بمقاطعة جماهيرية لهذه المهرجانات.
كما تدخلت نقابة المهن الموسيقية ونقيبها، المغني هاني شاكر، وقاما بمنع مشاركة مغنيي المهرجانات في الحفلات، بعد الانتشار الضخم لمهرجان “بنت الجيران” لمغني المهرجانات حسن شاكوش، وهو المهرجان الذي حقق رقم خيالي من المشاهدات على موقع يوتيوب بلغ 470 مليون مشاهدة، وقد أثار قرار المنع سخط الكثيرين داخل وخارج مصر، مما دفع النقابة للتراجع عن قرارها وانشاء شعبة “الأداء الشعبي”
أما الموسيقار هاني شنودة فكان له رأي مخالف تماما حيث يقول “ليس لدينا نوت موسيقية مؤدبة وأخرى قليلة الأدب، وهؤلاء الشباب أحرار فيما يقدمونه من موسيقى ورقص، وليس من مهام أحد منع الناس من سماع أي شيء، وكل شخص حُر فيما يسمع”.
كذلك ذهب الناقد الفني المصري طارق الشناوي الذي قال بأن نقابة الموسيقيين المصريين تهدر طاقتها في محاولات المنع، وعليها أن تخلق مناخا للغناء ولا تصادره.” مُضيفاً ” في الماضي ظهر المطرب الشعبي أحمد عدوية وتعرض لموجة هجوم شرسة، وقتها لم يسكت عدوية، وواصل الغناء وانتصر على خصومه، فالفن لا يُمنع لكن يحاربه فن بديل، ولا أبالغ إذا قلت إن نجاح أغاني المهرجانات وانحياز الشارع لها، قد يدفع هاني شاكر لتقديم هذا اللون، وربما لن يحقق نفس نجاح حسن شاكوش وحمو بيكا”.
يقول فيجو “زمان كنت اجيب أي حد يغني معايا كنا بنعمل أي شغل وكان بينجح عشان لون جديد والناس نفسها تسمع، حاليا بنحاول نعمل موسيقى وفن، وفيه كتير بيهاجموا المهرجانات ومحدش عاوز يعترف بيها عشان غطت على ألوان كتير من الموسيقى ومش عاوزين يعترفوا اننا امر واقع، رغم ان انا ادفع اشتراك سنوي لنقابة المهن الموسيقية وادفع رسوم قبل الحفلات، وأتمنى أن تُنشئ النقابة شعبة خاصة بنا تتولى أمورنا.“
لقد شارك فيجو بحفلات في دول كثيرة في العالم مثل فرنسا وانجلترا وغيرها وحسب قوله فإن المهرجانات غيرت حياة الكثيرين. فمدينة السلام التي خرجت منها هذه الموسيقى كانت معروفة بأنها بلد المخدرات، “نحن حولناها لبلد الفن، كنا -وحتى الآن -نقوم بتشغيل بعض شباب المنطقة معنا في الحفلات والأفراح بدلاً من المخدرات التي كنا سبب توقف الكثيرين جدا عن ترويجها.“