وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الكويت: هل الرقابة على الكتب معركةٌ خاسرة؟

“أنا أبيعها في صندوق سيارتي، مثل المهربين،” هذا ما قالته الكاتبة الكويتية نجود الياقوت عن نسخ آخر كتبها الذي حمل عنوان Motorbikes and Camels. يتناول الكتاب، الذي نُشر في سبتمبر 2018، مواضيع حساسة مثل المثلية الجنسية والجنس قبل الزواج واحتساء الكحول. فقد باتت هذه الأمور مألوفةً في الكويت، إلا أنه لا تتم مناقشتها، ناهيك عن الكتابة عنها.

كتاب نجود غير محظور، إلا أنه ببساطة غير متوفر، على الأقل على أرفف المكتبات. فالمؤلفة لم تحاول حتى الحصول على ترخيص، وهو شرطٌ مسبق للتسويق لأي كتابٍ علناً، إذ قالت “أعلم تماماً أن الصفحات الأولى لوحدها ستضعني على القائمة السوداء.” لذا تقوم اليوم ببيعه من صندوق سيارتها، “أشعر وكأني تاجرة مخدرات في بعض الأحيان.”

على مدى السنوات الخمس الماضية، منعت وزارة الإعلام الكويتية أكثر من 4300 كتاب. وعلى الرغم من أن الرقابة معروفة لدى عامة الناس، إلا أن المعايير بقيت غامضة. استمر الوضع كذلك إلى أن طلب خالد الشطي، عضو مجلس الأمة، من الوزارة تزويده بالمعلومات. وبعد الاطلاع على الوثائق المرجعية، وجد أن الرقابة قد طبقت بشكلٍ تعسفي وعلى نحوٍ خاطىء في كثيرٍ من الأحيان.

فالتطرق إلى الجنس وبعض الديانات والسياسية أمرٌ غير مسموحٍ به: هذا واضح، بينما ما يقع ضمن هذه الفئات ما هو غير واضح. تضم القائمة الروايات التي تحتوي على شخصياتٍ تؤمن بالسحر (مثل هاري بوتر)، وكذلك هو حال الكتب التي تضم كلماتٍ مثل “ملائكة،” و”آدام،” “وحواء،” و”الشيطان.” وعلاوةً على ذلك، تُدرج قصة حورية البحر (The Little Mermaid) لديزني على القائمة لأن الحورية ترتدي ملابس البحر (البكيني)، الأمر الذي يعكس لربما طابع الخضوع للرقابة أكثر من حورية البحر.

تم اختيار هذه القضية من قِبل وسائل الإعلام الدولية، حيث يمكن لليبراليين الكويتيين التعبير عن غضبهم بحرية. كما تسببت بعاصفةٍ على تويتر: تم نشر مئات الصور لأشخاصٍ عرضوا كتباً محظورة توجد على أرفف مكاتبهم في منازلهم، وصورٌ لكتبٍ لفت بالسلاسل ومقتطفات من بعض وثائق الوزارة. فقد وصفت الكاتبة ليلى العمار الرقابة بأنها دليلٌ على “الخوف والجهل” ووصفت أفعال الوزارة “بالفاشية الفكرية.” جرت مظاهرات محدودة أمام مبنى مجلس الأمة.

داخل المبنى، يمكن للمتظاهرين الاعتماد على دعم أعضاء البرلمان (الليبراليين) مثل أحمد الفضل، الذي عبر عن رأيه في قناة اليوتيوب التابعة لمجلس الأمة وعلى تويتر: “ما هذه الطريقة العبثية لانتهاك الدستور، الذي يضمن احترام الأديان؟”

ولكن حتى أولئك الذين يدعمون الرقابة يمكنهم طرح سؤالٍ على أنفسهم: هل الرقابة فعّالة حقاً في الكويت في عام 2018؟ توحي حقيقة مقدرة الكاتبة نجود الياقوت على بيع كتبها من سيارتها عكس ذلك. وأيضاً، ما هو غير متوفرٍ في المكتبات يمكن طلبه من موقع أمازون، إذ أن نجود أدخلت كتبها بهذه الطريقة إلى البلاد- فقد قامت بطباعتها في الولايات المتحدة. ولا يبدو أن الجمارك متحمسة لمصادرة الكتب، وحتى إن كانت كذلك، يمكن تحميل نظام أمازون كيندل من الإنترنت.

في الحقيقة، قد تعود الرقابة بالمنفعة على الكتب المحظورة. وكما تقول نجود، “شجعني بعض الأصدقاء أن أتأكد من إدراج كتابي على القائمة، لأن المبيعات سترتفع كثيراً.” فقد أشارت إلى أن الناس يحبون الكتب المحظورة، ويستفيد الكتاب من الأمر في بعض الأحيان. إلا أنها اختارت ألا تسلك هذا الطريق، فالبنسبة لها شعرت أن الأمر لن يتمحور بعد الآن حول الكتاب، بل حول الجانب المحرّم منه.

تجدر الإشارة إلى أنه ليس الرقيب فحسب من يبحث عن مواد لمنعها، إذ أن هناك قدرٌ لا بأس به من الرقابة الذاتية السائدة، كما أن بعض المدارس- ذات التوجهات الدينية- ترسل العناوين للرقيب، وتطلب حظرها في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، لم يكتسب هذا الكثير من الزخم بخاصة في ظل تحدي المدارس الأكثر ليبرالية للطلب.

بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من القائمة العشوائية نوعاً ما للكتب المحظورة، والتي يعتبرها البعص قائمةً سخيفة، لن يكون هناك حرقٌ للكتب أو حتى محاكمة أي شخصٍ لقراءة قصة حورية البحر لأطفاله. ومن غير المحتمل أيضاً أن يتم إلقاء القبض على أولئك الأشخاص الذين يحملون نسخة من رواية هاري بوتر في حقائبهم في المطار. فغالباً ما يكون القصد من القوانين في الكويت هو استرضاء الشريحة الإسلامية من المجتمع، التي تشعر بالتقصير تجاه ما يدعم أجنداتها المحافظة.

ومع ذلك، يبقى مبدأ قيام الحكومة بتقرير ما يمكن للمواطنين قراءته أو لا راسخاً. وتعدّ هذه شوكة في حلق المثقفين والليبراليين، لا سيما أن الكويت كانت ملاذاً إقليمياً، حيث كان يتم الترحيب بالكتّاب والفنانيين المنفيين وتحقيقهم للنجاح. ولا تزال البلاد تستضيف معرض الكتاب السنوي، وهو ثالث أكبر معرض في العالم العربي بعد بيروت والقاهرة.

ويبقى أن نرى كم شخصيةً كرتونية “عارية” ستظهر في أكشاك العرض في معرض الكتاب، المقرر عقده في نوفمبر القادم. وبشكلٍ عام، سنرى إلى أي مدى ستصل الكويت برقابتها، ومدى قوة تأثير الدوائر الدينية على الحياة الثقافية للبلاد. نجود الياقوت متفائلة بأن الأمور ستتغير قريباً للأفضل، وبحسب قولها “لقد حان الوقت. لا ينبغي فرض رقابةٍ على أي شيء بعد الآن، ولكن إذا ما أرادوا فرض رقابة على أي شيء، فليفرضوها على الكتيبات الإرهابية التي يؤلفها بعض رجال الدين المجانين.”