أثار فيلم وثائقي بثه التلفزيون الوطني المملوك للدولة (ENTV) عن الحرب الأهلية الوحشية التي نهشت الجزائر، غضباً جماهرياً ونقاشاً حاداً في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في البلاد.
عرض الفيلم صوراً لجثث محترقة ومشوهة بشكلٍ مروع، وجثث أطفالٍ وضحايا لأكثر الأعمال وحشيةً في الحرب في المستشفيات، قبل أن ينتقل إلى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وهي مبادرة رئاسية طرحت لتسوية النزاع وأيدها استفتاء عام 2005.
ينتهي الفيلم، الذي بث في 29 سبتمبر 2017، في الذكرى الـ12 للاستفتاء، بلقطاتٍ متناغمة لأسرٍ تنعم بتناول الطعام في الحدائق العامة، ولخط الترام الجديد، مما يدل على ما يبدو على إنجازات الحكومة في تحقيق السلام والازدهار للبلاد منذ نهاية الصراع.
قوبل قرار القناة ببث الفيلم بإدانة واسعة من قِبل أحزاب المعارضة الجزائرية ووسائل الإعلام. فقد وصفها سفيان جيلالي، رئيس الحزب المعارض ،جيل جديد، بمحاولة “تخويف الشعب وضمان الاستقرار. من خلال هذه الصور، تبعث السلطة [وهو مصطلح يستخدم بشكلٍ متكرر في الجزائر للإشارة إلى النظام أو الطبقة الحاكمة] برسالةٍ واضحة للشعب الجزائري أن بإمكانهم الاختيار ما بين النظام الحالي أو العودة إلى الإرهاب المُطلق.”
وقال ناصر حمادوش، رئيس الحركة الإسلامية- حركة مجتمع السلم، إن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يستغل “مأساةً وطنية لتقديم نفسه كمنقذٍ للبلاد،” ويطلب من الشعب “التخلي عن حقوقه من أجل استقرار الجزائر.”
إلا أن رئيس الوزراء، أحمد أويحي، الحليف المقرب للرئيس والمرشح الأقوى لخلافته، رحب بالفيلم الوثائقي مدعياً تكريمه لضحايا الحرب.
وفي افتتاحيتها بعد يومين من عرض الفيلم، وصفت الوطن، وهي واحدة من الصحف البارزة الناطقة باللغة الفرنسية في البلاد، الفيلم بـ”المروع والصادم الذي يتعذر تبريره.” وأضافت الصحيفة أنّ “التقرير” كان “دعاية تخدم رجلاً واحداً… بوتفليقة.”
فقد لعب بوتفليقة دوراً حاسماً في حملة المصالحة الوطنية، التي بدأها بعد توليه منصبه في عام 1999، والتي مهدت الطريق أمام الاستقرار السياسي بعد قرابة العقد من الحرب الأهلية من خلال العفو عن أعضاء الجماعات الإرهابية الذين لم يشاركوا في المجازر. ومع ذلك، لا يزال الميثاق مثيراً للجدل ذلك أنه فشل في معالجة فظائع الحرب الموثقة والتي تورط بها الجيش.
فالحرب لم يسبق لها مثيل من حيث الخسائر في صفوف المدنيين. فقد قتل أكثر من 150 ألف شخص في الصراع بين عدة جماعات اسلامية متطرفة والدولة. وبعد انتصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ في عام 1991 في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، تدخل الجيش، وشن انقلاباً عسكرياً وحظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
وبعد فترةٍ وجيزة، بدأ الجناح المتطرف للجبهة الإسلامية للإنقاذ، الجيش الإسلامي للإنقاذ، حرب عصاباتٍ ضد الدولة في حين بدأت وحدة الاستخبارات العسكرية، المعروفة باسم دائرة الاستعلام والأمن، بقيادة رئيسها محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق، باستراتيجيةٍ مشبوهة، إلى حدٍ كبير، لمكافحة التمرد. فقد تسللت دائرة الاستعلام والأمن إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل الجماعة الإسلامية المسلحة، على نطاقٍ واسع، وشاركت بشكلٍ مباشر في عمليات القتل الجماعي للمدنيين في محاولةٍ لتشويه سمعة الإسلاميين والسيطرة على الصراع. ومع ذلك، “تمكن النظام من تحويل الصدمة الوطنية إلى أداةٍ لتعزيز شرعيته وتشديد سيطرته على الخطابات العامة. ومنذ ذلك الحين، قدمت النخبة الحاكمة نفسها كمنقذٍ للبلاد من قبضة الإسلاميين والبديل الوحيد للفوضى وإراقة الدماء في التسعينيات،” وفقاً لما ذكره الموقع الإخباري المصري، مدى مصر.
وفي الوقت نفسه، يُلام الميثاق بكونه صمم للسماح لعملاء الدولة الذين تسللوا إلى تلك الجماعات بالعودة إلى الحياة المدنية دون ملاحقتهم على جرائمهم. وبالتالي، تعارض وتنتقد الصفقة منظمات غير حكومية تمثل أسر المفقودين أثناء الحرب مثل التنسيقية الوطنية لعائلات المفقودين في الجزائر ومقرها باريس، وفرعها في الجزائر- جمعية إنقاذ المختفين، فضلاً عن جمعية جزائرنا وعدة منظمات أخرى تُعنى بحقوق الإنسان مثل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان. فالبنسبة لشريفة خضر، إحدى عضوات جمعية جزائرنا، فإن الميثاق “يحمي في المقام الأول المعتدين ويُهمل الضحايا بشكلٍ كامل.”
وفي كل عام، وبمناسبة الذكرى السنوية للاستفتاء، تدعو التنسيقية الوطنية لعائلات المفقودين في الجزائر وجمعية إنقاذ المختفين لمظاهراتٍ واعتصاماتٍ في العاصمة الجزائر. وعلى الرغم من صغر هذه المبادرات نسبياً، وتفرقتها على أيدي القوى الأمنية بالقوة، لا تزال أسر آلاف المدنيين الذين اختفوا خلال الحرب تنتقد الميثاق بشدة.
ففي 30 سبتمبر 2017، تمت تفرقة احتجاجٍ صغير، بشكلٍ متوقع، من قِبل الشرطة. وبالمثل، تمت تفرقة احتجاج آخر ضد التلفزيون الوطني الجزائري أمام سلطة ضبط السمعي البصري المملوكة للدولة في 7 أكتوبر 2017 من قِبل قوات الأمن وضباط الشرطة الذين يرتدون الزي المدني. ومع ذلك، وبالرغم من تعمّد السلطات بشكلٍ منهجي تخريب احتجاجاتهم وغيرها من المناسبات العامة، مثل المؤتمرات، إلا أنها تمتنع عن إغلاق أو تفتيش المكاتب التابعة لهذه المنظمات غير الحكومية.
فعلى الرغم من انتهاء الحرب الأهلية رسمياً، إلا أن إرثها وتأثيرها لا يزالان موضوع جدالٍ عام متواصل وعاطفي للغاية. وعلى الرغم من أن حوادث مثل فضيحة التلفزيون الجزائري الأخيرة لا تزال تُثير الجدل، تواصل الحكومة تسليط الضوء على انجازاتها في تسوية الصراع. ففي سبتمبر 2017، أكد رئيس الوزراء أويحي أن حكومته ملتزمة بحملة المصالحة الوطنية وجددت الدعوة للإرهابيين “بالعودة إلى ديارهم” في محاولةٍ لاستعادة السيطرة على الخطاب العام الذي يناقض بشكلٍ متزايد الرواية الحكومية عن الحرب.