وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحرب الأهلية الجزائرية (1991-2002)

الجزائر ، 12 يناير 1992. دبابات الجيش الشعبي في شوارع الجزائر بعد يوم واحد من إعلان انتهاء الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في 26 ديسمبر 1991.

سرعان ما أعقب الانقلاب ردة فعل عنيفة. وما بدأ كهجمات غير منتظمة على الجيش والشرطة تحوّل إلى صراع مسلح تقوده مجموعات إسلامية متنوعة ظهرت بغتة في معظم أنحاء البلاد. تشكلت نواة هذه المجموعات المسلحة من الجزائريين الذين حاربوا في أفغانستان ضد القوات السوفييتية. وانضم إليهم أعضاء متطرفين سابقين في حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وسرعان ما تبين عدم قدرة الجيش أو المجموعات الإسلامية المسلحة على تحقيق الانتصار. وسرعان ما تحولت دورة القمع والهجمات إلى عنف شامل استهدف المدنيين بشكل أساسي. وكان ظهور الجماعة الإسلامية المسلحة علامة على ذلك. وقام مقاتلو الجماعة الإسلامية المسلحة، أو الذين استأجرتهم للقيام بعمليات القتل، بالهجوم على عشرات الصحفيين والفنانين والمفكرين الذين اعتبروهم “أعداء الإسلام”.
بهدف إعادة السيطرة على حرب العصابات، شكّل قادة حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، في العالم السفلي والمنفيون، الجيش الإسلامي للإنقاذ كجناح عسكري لهم.

في منتصف التسعينيات، تمكنت مجموعات إسلامية تابعة للجيش الإسلامي للإنقاذ والجماعة الإسلامية المسلحة من إعادة السيطرة على أجزاء من المناطق الجبلية في الشمال. وفي النهاية، طردهم الجيش الذي تم تعزيزه بعتاد من فرنسا ودول أخرى. وأشارت التقارير إلى أن أجهزة الاستخبارات تمكنت من اختراق هذه المجموعات المسلحة. ونجحت المؤسسة العسكرية في التوصل إلى اتفاق مع الجيش الإسلامي للإنقاذ عام 1997. نصت الهدنة على وقف إطلاق النار مقابل إعادة تأهيل المقاتلين الإسلاميين الذين قاموا في بعض الأحيان بالمساعدة على قمع أعدائهم في الجماعة الإسلامية المسلحة.

في البداية، أدى هذا الوضع إلى فترة من العنف الشديد. تعرضت قرى بأكملها إلى مجازر من قبل عناصر مسلحة، كان الهدف منها معاقبة الجماعات والمجموعات غير الموالية، وفق الجماعة الإسلامية المسلحة. أشار بعض المراقبين إلى دور الجيش، الذي اتُّهم بالفشل في مواجهة المجرمين أو حتى بالتورط في جرائم حرب بهدف الحط من قدر الإسلاميين. والأمر المؤكد هو أنه تم “خصخصة” الحرب جزئياً من خلال إنشاء ميليشيات موالية للحكومة في جميع أنحاء البلاد. تم تسليح هذه الميليشيات من قبل الجيش، وكان ينتظر منها تأدية دور المساعد. عملياً، غالباً ما كانت الميليشيات تمثل مصالح الزعماء المحليين، وكانت على الأقل مسؤولة عن بعض الأعمال الوحشية. كما شارك في أعمال العنف المستمرة مجرمون سعوا إلى حماية مصالحهم من الحكومة. وبدأت هدنة عام 1997 والعتاد الأفضل للجيش واختيار العصابات السابقة بتحقيق نتائج إيجابية لصلح قادة الدولة.

الجزائر حرب أهلية ضحايا عنف ارهاب
ارقام تظهر اعداد ضحايا الحرب الأهلية في الجزائر مابين الأعوام 1991-2005

تزامنت التطورات في ساحة المعارك مع خطوات اتخذها الجيش لكسر الجمود السياسي واستعادة بعض الشرعية التي فقدها على الصعيدين المحلي والدولي، وذلك بعد إلغاء الانتخابات. في البداية، باءت هذه الجهود بفشل ذريع. وفي كانون الثاني/يناير عام 1992، بدا تعيين زعيم حزب جبهة التحرير الوطني المنفي محمد بوضياف كرئيس للمجلس الأعلى للدولة خطوة محكمة، غير أن بوضياف اغتيل على يد حارسه الشخصي في 29 حزيران/يونيو عام 1992. وساد الاعتقاد بأن سبب قتل بوضياف هو رغبته في القضاء على الفساد. ولم تتمكن المحاولات الأخرى الهادفة إلى إعطاء طابع مدني للحكم العسكري من تحقيق أي نتائج. وحاول قادة الدولة المتعاقبون إما متابعة إعادة هيكلة الاقتصاد أو إعادة اعتماد هذه التدابير، لكن كلا المقاربتين لم تمنحهما المصداقية لدى الشعب.

أدت الحرب المستمرة والركود السياسي إلى انقلاب جهاز قيادة حزب جبهة التحرير الوطني ضد الجيش. عام 1995، وقّع حزب جبهة التحرير الوطني اتفاقية روما مع زعماء حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في المنفى وحزب جبهة القوى الاشتراكية العلماني الذي يهيمن عليه البربر. وبموجب هذه الاتفاقية، سعت هذه “الجبهات” الثلاث إلى الحصول على دعم محلي ودولي لإنهاء الحرب الأهلية والعودة إلى الديمقراطية. كما أرغم هذا الجيش على اعتماد مبادرة سياسية. عام 1996، فاز في الانتخابات الرئاسية الجنرال ليامين زروال، الذي أنشأ أيضاً حزباً سياسياً كبديل عن حزب جبهة التحرير الوطني غير الموثوق به. ومن شأن “حزب التجمع الوطني الديمقراطي” هذا أن يكون أداة لاستعادة شرعية نظام سياسي موصوم.

عام 1997، تم انتخب الشعب الجزائري برلماناً جديداً. ومع أن هذه الانتخابات اعتبرت كجهود لطمس فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1991، إلا أن عدداً كبيراً من الأحزاب المعارضة قررت المشاركة فيها. ولم يكن فوز حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي تم تشكيله حديثاً مفاجئاً. وكان الجديد في الأمر تشكيل هذا الحزب لحكومة ائتلافية ضمت علمانيين ومتعصبين لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب حركة مجتمع السلم الإسلامي اللذين طالما عارضا حزب جبهة التحرير الوطني.

civil war UN office in Algiers bombed, 2007
مكتب الأمم المتحدة في مدينة الجزائر عام 2007

في أواخر الألفية الثانية، انتهت الحرب الأهلية. سيطر الجيش، على الرغم من استمرار الهجمات على المواكب العسكرية ومؤسسات الدولة في الأعوام اللاحقة. عام 2007، تم تفجير مكتب الأمم المتحدة في الجزائر. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت بعض الجماعات الإسلامية أنها جزء من تنظيم القاعدة وهدفت إلى ضم مقاتلين من جميع أنحاء شمال إفريقيا. واستمرت الهجمات على قوات الأمن في جميع أنحاء البلاد.

ومع ذلك، بدا أن تأسيس تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يمثل إضعافاً للحركة الإسلامية المسلحة عوضاً عن القوة. اشتهر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامية من مجموعات في الشمال بخطف السياح وغيرها من الأعمال الإجرامية في الصحراء الجزائرية والدول المجاورة. جرى معظم هذه الأعمال ضمن أو خارج الحدود الجنوبية للجزائر التي طالما كانت مأوى للمهرّبين نظراُ إلى صعوبة سيطرة السلطات على التحركات عبر الحدود. ويبقى السؤال حول ماهية المشروع السياسي الواضح وراء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

في الواقع، تشكل عمليات خطف الأجانب والتورط في تجارة المخدرات من أميركا اللاتينية عبر غرب إفريقيا إلى أوروبا (بالإضافة إلى الهجرة غير الشرعية) مصادر عائدات تجتذب كل من يسيطر على بجزء من الأراضي. بالإضافة إلى ذلك، عام 2012 أظهر الوضع في دولة مالي المجاورة نمطاً آخر من نقاط الاختلاف والتشابه بين المشاريع الإسلامية والمشاريع السياسية الأخرى (في هذه الحالة، حركة استقلال الطوارق).