وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أزمة الدولار تدفع بالاقتصاد المصري إلى حافة الإنهيار

أزمة الدولار مصر الإقتصاد
مواطنون ينتظرون لتحويل النقود في مكتب الصرافة في وسط القاهرة في مصر،في العاشر من أغسطس 2016. Photo Ahmed Gomaa Xinhua / eyevine

متجرٌ صغير للإلكترونيات والمصابيح الضوئية أحد نقاط السوق السوداء لصرف الدولار في العاصمة القاهرة. هنا يبلغ سعر الدولار المتداول 12,40 جنيه مصري في هذا اليوم من شهر أغسطس 2016، إذ بلغ سعر الصرف قبل يومٍ واحدٍ فقط 12 جنيه مصري. بينما يبلغ سعر الصرف الرسمي 8,78 جنيه مصري للدولار الأمريكي.

تعمل مصر جاهدةً لتضييق الخناق على السوق السوداء، في محاولةٍ لاحتواء أزمة الدولار التي تعانيها البلاد. فمنذ اندلاع ثورة عام 2011 والاضطربات السياسية اللاحقة، انخفض احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي المصري من 35 مليار دولار إلى 15,5 مليار دولار في أغسطس الجاري.

ففي عام 2013، تعهد الجنرال الذي استولى على كرسي الرئاسة، عبد الفتاح السيسي، بتغيير مسار دوامة التراجع الاقتصادي في أعقاب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، مدعوماً بأكثر من 20 مليار من الودائع النقدية وشحنات النفط من دول الخليج الصديقة؛ المملكة العربية السعودية، والكويت، والإمارات العربية المتحدة.

بموازاة ذلك، بدأت الحكومة المصرية العمل على اتخاذ تدابير لتحسين مستقبلها الاقتصادي بشكلٍ هيكلي.
أحد جوانب خطة إنعاش الاقتصاد هي المشاريع “الضخمة،” مثل مشروع توسعة قناة السويس الذي بلغت تكلفته 6 مليار دولار. أثيرت العديد من الشكوك حول مدى نجاعة هذا الاستثمار الضخم، حيث أظهرت آخر الأرقام الصادرة عن هيئة قناة السويس، والتي تم تحديثها حتى شهر مارس 2016، تراجعاً، على أرض الواقع، في الإيرادات عوضاً عن الزيادة المتوقعة.

كما وضعت خطة لخفض الدعم عن الوقود والكهرباء، التي تحتل جزءاً كبيراً من الموازنة العامة للدولة. وكان المفترض إيقاف الدعم عن الكهرباء بحلول عام 2019، إلا أنه تم تأجيل هذا الجدول الزمني إلى عام 2026، وذلك لتجنب زيادة التكاليف على أصحاب الدخل المحدود.

أما بالنسبة لدعم الوقود، فقد تم أيضاً تأجيل خطة بالحدّ من الدعم بنسبه 30% بحلول عام 2019، الذي تم إلى حدٍ كبير بسبب حقيقة أن أسعار النفط المنخفضة خفضّت إلى حدّ كبير من تكاليف استيراد الوقود وبالتالي فاتورة الدعم.

نقطة محورية أخرى للإصلاحات هي قانون الاستثمار الجديد، الذي تمت الموافقة عليه في عام 2015، والذي يهدف إلى التخفيف من التعقيدات الروتينية المحيطة بالاستثمار في مصر، وذلك على سبيل المثال من خلال إنشاء نظام مركز الخدمات المتكامل. وبالتالي، يذهب المستثمرون إلى مكانٍ واحد للحصول على التراخيص والموافقات للمشاريع، بدلاً من الاضطرار للذهاب إلى هيئات حكومية متعددة.

لكن، كما أشار السفير الهولندي آنذاك جيرار ستيغس في مقابلة له في عام 2015، ” لم يكن التشريع أبداً المشكلة الفعلية. التنفيذ هو المفتاح.”
وفي الآونة الأخيرة، يُشير تعطل مشاريع ضخمة وطموحة تُعنى بالطاقة الشمسية، حيث استثمرت شركات متعددة بكثافة بسبب المشاكل التنظيمية، إلى أن التعقيدات الروتينية لا تزال تُشكل عقبة في طريق ممارسة الأعمال التجارية في مصر.

إجمالاً، لا يزال ينبغي تحقيق تغيّر ما. ففي أغسطس 2016، بلغ عجز الميزانية في مصر 12% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما وصلت نسبة العجز التجاري 7%، ومعدل البطالة الرسمي 13%؛ بل إنّ معدلات البطالة بين الشباب أعلى من ذلك، إذ تصل إلى 34% وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفي تقرير “ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2016” الصادر عن البنك الدولي، احتلت مصر المرتبة الـ131 من أصل 189 بلداً.

بينما صنّف المنتدى الاقتصادي العالمي الاقتصاد المصري في المرتبة 116 من أصل 140 في  تقرير مؤشر التنافسية العالمي لعام 2015/2016، في حين حافظت مصر على المرتبة 70 في عام 2010.
فالوضع المالي المصري تدهور إلى حدٍ كبير في ظل السقوط الحر للقطاع السياحي عام 2016، والذي يعدّ، تاريخياً، مصدراً غاية في الأهمية للنقد الأجنبي. فقد أثار اسقاط طائرة السياح الروس في أكتوبر 2015 من قِبل تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف مما أسفر عن مقتل جميع ركاب الطائرة، العديد من التساؤلات حول الأمن في المطارات المصرية. وفي ضوء ذلك، توقفت في وقتٍ لاحق الرحلات الجوية من كلٍ من روسيا والمملكة المتحدة، على سبيل المثال، إلى الوجهات السياحية في البلاد.

ونتيجة لذلك، انخفضت العائدات السياحية، المتذبذبة بالفعل، إلى حوالي النصف في الأشهر الأولى من عام 2016 مقارنةً بالعام السابق.
بالإضافة إلى ذلك، تبيّن أنّ تدفق الأموال من الخليج باعتباره شريان الحياه، ليس خالداً. فعلى سبيل المثال، تقوم صفقة توريد النفط الجديدة التي أبرمت مع المملكة العربية السعودية على القروض عوضاً عن الدعم المباشر.

من جهة أخرى، تتمثل إحدى النتائج المباشرة لنقص النقد الأجنبي بمعاناة مصر من مشاكل في تسديد المستحقات لشركات النفط الأجنبية. فقد وصل إجمالي الذمم المالية المستحقة ما يصل إلى 3,4 مليار دولار، أي بتحسّن طفيف عن العام الذي سبقه، إلا أنّ الأرقام واصلت ارتفاعها في النصف الأول من عام 2016، بينما وفقاً للخطة، كان ينبغي لمصر تسديد استحقاقاتها بحلول نهاية عام 2016.

وعلاوة على ذلك، قيّدت العديد من الشركات الأجنبية استثماراتها في إنتاج النفط والغاز المحلي، مما خفض انتاج النفط والغاز المحلي، والذي بدوره أضاف المزيد من الضغوطات على مصدرٍ آخر قائم، غاية في الأهمية، للنقد الأجنبي، وبالتالي خلق حلقة مفرغة.

وفي محاولةٍ لاحتواء أزمة الدولار، زادت مصر من صعوبة الوصول إلى العملة الأجنبية داخل البلاد، فلا تحتوي أجهزة الصراف الآلي بعد الآن على الدولار أو اليورو. وبذلك، بالكاد يستطيع المرء تصريف الجنيهات إلى دولارات في محلات الصرافة أيضاً.

كما تواجه الشركات العاملة داخل البلاد صعوباتٍ في الحصول على الدولار لدفع ثمن الواردات. وعمدت العديد من البنوك أيضاً إلى الحدّ من سحوبات بطاقات الائتمان والخصم المصرية من الخارج لاحتواء تدفق الأموال إلى خارج البلاد.

وفي الوقت نفسه، تشبثت مصر بمعدل مُجَمّل مرتفع للجنيه المصري أمام الدولار، مما دفع التجار إلى السوق السوداء.بدأت الدولة في مكافحة السوق السوداء، فقد تمت الموافقة على مشروع قانون لزيادة قيمة الغرامات في يونيو 2016، فضلاً عن إغلاق شركات الصرافة غير الملتزمة بسعر الصرف الرسمي.
ومع ذلك، مع استمرار أزمة الدولار وتواصل ارتفاع سعر الصرف الرسمي، ستواصل السوق السوداء عملها أيضاً.

وقال حسام منير، وهو صحفي محلي يُغطي أخبار الأسواق المالية، لـ Fanack أن الفجوة الكبيرة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء تحجم المستثمرين، وتوقع أن تلجأ الحكومة إلى تخفيض قيمة الجنية بنسبة 20% جديدة. ومع ذلك، لن تسمح الحكومة بتعويم الجنيه، كما يقول منير، إذ أنّ هذا “سيدمر العملة،” ويؤدي إلى تضخم لا يمكن السيطرة عليه.

فعلى صعيدٍ متصل، لوحظ تردد الحكومة في خفض قيمة العملة في مارس 2016، عندما انخفضت قيمة الجنيه بنسبه 13%. وبعد ذلك مباشرةً، شهدت الأسواق ارتفاعاً حاداً في أسعار السلع المستوردة، حتى أنّ بعض المحلات التجارية فرغت مخازنها بالكامل. فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار الحواسيب المحمولة بشكلٍ جنوني في غضون الأشهر الماضية، هذا إن وجدت على الإطلاق.

فقد أخبرنا هشام، الذي يعمل في مجال الترجمة، أن الحاسوب المحمول الذي اشتراه قبل خمسة أشهر بـسعر 7 آلاف جنيه، أصبح ثمنه اليوم 10 آلاف جنيه، حيث لم يكن يوجد في المتجر بأكمله سوى نوع واحد من أجهزة “ديل” للحواسيب المحمولة.

وفي محاولةٍ لمكافحة السوق السوداء، وافقت الحكومة المصرية على اتخاذ إجراءاتٍ أكثر صرامة ضد التجار غير الشرعيين في يونيو 2016، حيث رفعت من عقوبة السجن المحتملة إلى 10 سنوات، كما ستصل الغرامات إلى 5 آلاف جنيه مصري.

فمنذ بداية 2016، أغلقت السلطات، كما يُقال، 48 مكتباً لتصريف العملات الأجنبية ممن لم يلتزموا بسعر الصرف الرسمي. ولإيجاد مخرجٍ من هذه الأزمة، تفاوض مصر في أغسطس 2016 صندوق النقد الدولي منحها قرضاً بقيمة 12 مليار دولار. ووفقاً لمنير، سيرافق القرض شروط معينة، بما في ذلك تقليص الدعم، وفرض ضريبة القيمة المضافة، وخفض قيمة الجنيه.

ومع ذلك، كما يُشير العديد من المحللين، بما فيهم الإيكونوميست، أنّ ضخ أموال جديدة سيعتبر حلاً فحسب إذا ما اقترن بإصلاحاتٍ هيكلية للاقتصاد، والتي تتراوح بين الدعم، والبيروقراطية، والنظام الضريبي، وانخراط الجيش بالاقتصاد.

ويتفق منير مع هذا الحل. فيقول “لن يغير خفض قيمة العملة بنسبة 20% أي شيء بأسعار السوق السوداء ما لم يتم تنفيذ الإصلاحات لتعزيز المؤشرات الاقتصادية مثل العجز التجاري والديون الحكومية.”