وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أرامكو: الذراع السعودية التي حصدت أرباح النفط

أرامكو
زوار قسم معرض أرامكو بمنتدى مسك العالمي للابتكار والتكنولوجيا المنعقد بالعاصمة السعودية الرياض. فايز نورالدين / وكالة الصحافة الفرنسية

علي نور الدين

أعلنت شركة أرامكو السعوديّة عن تمكّنها من تحقيق أرباح بلغت قيمتها 87.91 مليار دولار أميركي، في النصف الأوّل من العام 2022، مقارنةً ب47.17 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وبذلك، تكون شركة النفط والغاز السعوديّة العملاقة، قد تمكنت من زيادة أرباحها بنسبة 86.35% بين الفترتين، فيما أشارت الشركة أن الأرباح التي تمكنت من تحقيقها هذا العام تعبّر عن مستويات قياسيّة لم تشهدها الشركة منذ إدراج أسهمها في البورصة.

ولفهم ضخامة حجم الأرباح الذي تم تحقيقه في النصف الأوّل من 2022، تكفي معرفة أنّه يوازي نحو 175 مليار دولار إذا ما تم احتسابه كمعدّل سنوي، أي ما تقارب نسبته ال21% من إجمالي الناتج المحلّي السعودي بأسره. كما تجدر الإشارة إلى أنّ قيمة الأرباح التي تمكنت أرامكو من تحقيقها خلال النصف الأوّل من 2022، تساوي وحدها 51% من إيرادات الميزانيّة العامّة للمملكة العربيّة السعوديّة، ما يشير بوضوحٍ إلى أهميّة هذه الأرباح بالنسبة لاقتصاد المملكة.

فشركة أرامكو تمثّل شركة النفط الوطنيّة في السعوديّة، حيث تمتلك الدولة 98.18% من أسهم الشركة، فيما يتم تداول سائر الأسهم بين المستثمرين في البورصة، وهو ما يعني أن النتائج الماليّة الأخيرة ستؤثّر بشكل كبير على الميزانيّة العامّة للدولة.

أهميّة ماليّة واستراتيجيّة لأرامكو

من الواضح أن نتائج أرامكو هذه السنة قد عكست إرتفاعًا كبيرًا في أسعار النفط والغاز العالميّة، بعد أن ارتفع سعر برميل النفط (سلّة أوبيك) من 41.47$ للبرميل في بداية 2020، إلى 69.89$ للبرميل في بداية العام 2021، وصولًا إلى 105.43$ للبرميل في بداية السنة الحاليّة.

وبذلك، مثّلت أرامكو، بوصفها شركة النفط والغاز الوطنيّة الخاصّة بالمملكة العربيّة السعوديّة، الذراع التي تمكنت من خلالها المملكة من حصد ثمار ارتفاعات أسعار النفط والغاز، وزيادة عوائد المملكة من بيع هذه المواد. كما تجدر الإشارة إلى أن زيادة أرباح أرامكو لم تتصل فقط بزيادة أسعار النفط والغاز المباعين في الأسواق العالميّة، بل اتصلت أيضًا بزيادة هوامش ربح عمليّات تكرير هذه المواد، وزيادة الكميّات المباعة في الأسواق العالميّة.

وهكذا، استفادت المملكة من حقيقة تنوّع أنشطة أرامكو، ما بين عمليّات الاستكشاف والتنقيب، وصولًا إلى أنشطة استثمار آبار وحقول النفط والغاز وتطويرها، ومن ثم أعمال التكرير والتسويق والبيع. ومع تنوّع الأنشطة، تتنوّع مصادر الرّبح، وتزداد هوامشه.

إلا أنّ أهميّة أرامكو بالنسبة للمملكة العربيّة السّعوديّة لم تنبع فقط من عوائدها الماليّة، التي تعاظمت بعد ارتفاع أسعار النفط والغاز العالميّة. بل يمكن القول أن المملكة العربيّة السعوديّة تمكنت من فرض شروطها في أسواق النفط والغاز، وتحديد معدلات الإنتاج مع شركائها في مجموعة أوبيك، بحسب مصالح المملكة، وذلك بفضل القدرة الإنتاجيّة الكبيرة التي تملكها شركة أرامكو وقدرتها على التأثير في الأسواق العالميّة. فالمملكة العربيّة السعوديّة تمثّل وحدها 41% من الإنتاج النفطي لمجموعة أوبيك، وهو ما يعطيها سطوة كبيرة داخل مجموعة أوبيك، وقدرة استثنائيّة على التأثير في قرارات المجموعة.

وبينما حاولت الولايات المتحدة منذ بداية السّنة الضغط باتجاه زيادة معدلات إنتاج النفط، لمحاولة ضبط أسعار النفط العالميّة، استمرّت قيادة المملكة العربيّة السعوديّة بالتمنّع عن الاستجابة لهذه الطلبات، مكتفيةً بزيادات خجولة في إنتاج شركة أرامكو.

وفي النتيجة، تمكنت المملكة العربيّة السعوديّة وروسيا، شريكتها في أوبيك+، من تثبيت تفاهمهما على الحد من زيادات معدلات الإنتاج، وقيادة سائر الدول المنتجة للنفط بهذا الإتجاه. ولهذا السبب، استمرّت أسعار النفط العالميّة بالارتفاع، نتيجة ارتفاع معدلات الطلب العالمي على النفط بعد انحسار آثار تفشي وباء كورونا، في مقابل محدوديّة العرض نتيجة عدم زيادة الإنتاج، وهو ما انعكس بدوره في زيادة عوائد أرامكو من بيع النفط.

وهكذا، لعبت قدرة شركة أرامكو الإنتاجيّة دورًا كبيرة في إعطاء المملكة العربيّة السعوديّة القوّة التفاوضيّة اللازمة في أسواق النفط، للوصول إلى هذه النتيجة. مع الإشارة إلى أنّ امتلاك السعوديّة احتياطات كبيرة من النفط في حقولها لم يكن ليكفي وحده للحصول على هذه القوّة التفاوضيّة، لو لم تملك شركة أرامكو القدرة الإنتاجيّة اللازمة لاستثمار هذه الحقول بالشكل الأمثل.

وهذه القدرة الإنتاجيّة تنبع من الاستثمارات الاستراتيجيّة التي تقوم بها شركات النفط في العادة، والتي تتركّز على تطوير معدات الاستخراج وزيادة طاقتها القصوى، والتوسّع الدائم في البحث عن احتياطات جديدة، بالإضافة إلى الدخول في شراكات جديدة لتسويق النفط المباع في الأسواق بكفاءة عاليّة.

حكاية أرامكو: من التأسيس إلى التأميم

وفي الوقت الراهن، بات وجود شركات نفط وطنيّة، كشركة أرامكو، مسألة مألوفة في الغالبيّة الساحقة من الدول المنتجة للنفط، خصوصًا بعد أن تبيّن لهذه الدول أهميّة امتلاكها لشركات وطنيّة، تضمن سيطرتها على مواردها النفطيّة.

لكن الحال كان معاكسّا بشكل تام في النصف الأوّل من القرن الماضي، حيث كانت معظم الدول المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتمد على شركات أجنبيّة للقيام بأنشطة التنقيب والاستثمار والاستخراج في قطاع النفط والغاز. وفي تلك الفترة، كانت هذه العمليّات تتم وفق ما كان يُعرف بعقود الإمتياز، التي تمنح الشركات الأجنبيّة حق التنقيب عن النفط ومن ثم استخراجه، مقابل نسبة محدودة من الأرباح التي تحصل عليها الدولة المضيفة.

في تلك الفترة بالتحديد، لم تمتلك المملكة العربيّة السعوديّة شركة نفط وطنيّة خاصّة بها. بل وقّعت المملكة عام 1933 اتفاقيّة امتياز مع شركة “ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)” الأميركيّة، ما منح الشركة حق التنقيب عن النفط والغاز ومن ثم استخراجه في حال العثور عليه. ولغرض القيام بهذه الاستثمارات في المملكة العربيّة السعوديّة، أسست الشركة الأميركيّة شركة محليّة تابعة لها في المملكة العربيّة السعوديّة، بإسم “كاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل كومباني (كاسوك)”.

وهكذا، بدأت “كاسوك” بحفر آبار استكشافيّة عدّة منذ العام 1933، دون أن تتمكن من العثور على كميّات تجاريّة مربحة من النفط. وفي العام 1938، تمكّنت الشركة من تحقيق أوّل إنجاز فعلي لها، مع عثورها على كميّات تجاريّة في “بئر الدمام رقم 7″، وهو ما حوّلها إلى شركة مربحة ومنتجة.

لاحقًا، توسّعت أعمال الشركة في جميع أنحاء البلاد، ثم تم تغيير إسمها ليصبح أرامكو (شركة الزيت العربيّة الأميركيّة)، لكنّها ظلّت شركة خاصّة مملوكة من الشركة الأميركيّة، تعمل وفق نظام الامتياز مع المملكة العربيّة السعوديّة. ولم تصبح شركة أرامكو شركة وطنيّة سعوديّة (أي شركة مملوكة من الحكومة السعوديّة نفسها) إلا على مراحل عديدة.

إذ اشترت الحكومة السعوديّة 25% من أسهم هذه الشركة عام 1973، ثم قامت بزايدة حصّتها لتصبح 60% في العام التالي، إلى أن قررت الحكومة السعوديّة تأميم الشركة وامتلاكها بالكامل عام 1980. وعندها، تم تغيير إسم الشركة ليصبح “أرامكو (شركة الزيت العربيّة السعوديّة)”، كما بتنا نعرفه اليوم، لتصبح من ذلك الوقت الشركة البتروليّة الوطنيّة الخاصّة بالمملكة العربيّة السعوديّة.

دور شركات النفط الوطنيّة

لم تكن المملكة العربيّة السعوديّة حالة فريدة من نوعها في ما يخص التوجّه للسيطرة على قطاع النفط والغاز المحلّي، من خلال شركة بترول وطنيّة تملك حقوق التنقيب والاستخراج، وتملك حق الشراكة في هذه العمليّات مع شركات أجنبيّة أخرى.

فإلى جانب أرامكو في المملكة العربيّة السعوديّة، تأسست مؤسسة البترول كويتيّة، وشركة قطر للطاقة، وشركة بترول الإمارات الوطنيّة (إينوك)، وشركة النفط الوطنيّة الفنزويليّة، وشركة إكوينور النرويجيّة (ستات أويل سابقًا). وجميع هذه الشركات، تمثّل شركات نفط وغاز وطنيّة مملوكة من حكومات دولها، لغرض استثمار حقول النفط والغاز داخل هذه الدول، وتمثيل الحكومات في عقد الاتفاقيّات مع الشركات الأجنبيّة.

أمّا أهميّة هذه الشركات الوطنيّة، فينبع أوّلًا من إبقاء سيطرة الحكومات على معدلات إنتاج النفط المحليّة، وحجم الاستثمارات في تطوير حقول النفط والغاز، بدل إعطاء حقوق الاستخراج لشركات أجنبيّة تملك وحدها قدرة السيطرة على الإنتاج. كما تلعب هذه الشركات دورًا في نقل خبرات التنقيب والاستكشاف والاستخراج إلى الدول المنتجة نفسها، بدل اعتماد هذه الدول على الشركات الأجنبيّة لأداء هذه المهام وحدها.

وأخيرًا، تلعب هذه الشركات دورًا كبيرًا في توجيه الاستثمارات بما يفيد الاقتصاد المحلّي، من خلال الاعتماد على الصّناعات واليد العاملة المحليّة بشكل أكبر، بدلًا من إبقاء منظومة الإنتاج بيد شركات أجنبيّة قد تفضّل الاعتماد على مهارات أجنبيّة ومواد مستوردة من الخارج. باختصار، غرض تأسيس شركات النفط الوطنيّة يتمثّل في تمكين الدول من تنفيذ سياساتها البتروليّة، من خلال أدوات استثماريّة قادرة على تطبيق أجنداتها.

عام 2019، طرحت السعوديّة 1.5% من أسهم أرامكو للاكتتاب العام، بما يسمح للأفراد والشركات بتملّك هذه النسبة من أسهم الشركة. إلا أنّ هذه الخطوة، لم تكن حكمًا بهدف التمهيد لتخلي الحكومة السعوديّة عن هيمنتها على الشركة في المستقبل، بل اقتصرت طموحات رؤية 2030 السعوديّة على التخطيط لخصخصة 5% فقط من إجمالي أسهم الشركة.

فكما هو واضح من ميزانيّات النصف الأوّل من العام الحالي، مازالت أرامكو تمثّل نقطة قوّة ماليّة بالنسبة للمملكة السعوديّة، وهو ما سيدفع المملكة باتجاه التمسّك بهيمنتها على نشاط الشركة وعوائدها الماليّة. كما ستتمسّك المملكة حتمًا بملكيّة الشركة، لاهتمامها بالدور الاستراتيجي الذي تلعبه الشركة على مستوى أسواق النفط العالميّة، وبالسطوة السياسيّة التي تمتلكها المملكة بفضل هذا الدور.