وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فتح الاقتصاد الصيني: آثار متفاوتة على الدول العربيّة

بعد إعادة فتح الاقتصاد الصيني، قد تعاني الدول العربيّة المستوردة مصادر الطاقة بسبب الارتفاع المحتمل في أسعار النفط والغاز.

فتح الاقتصاد الصيني
يصل الركاب إلى محطة هانكو للسكك الحديدية في ووهان ، مقاطعة هوبي ، في 20 يناير 2023. بدأت الصين في اتخاذ خطوات لإعادة فتح اقتصادها بعد تنفيذ الرفع التدريجي للقيود المفروضة كجزء من سياسة “صفر COVID”. هيكتور ريتامال / وكالة الصحافة الفرنسية

علي نور الدين

تستعد الدول العربيّة لمرحلة إعادة فتح الاقتصاد الصيني، بعد أن بدأت الصين بإلغاء القيود التي فرضتها كجزء من سياسة “صفر كوفيد” في مطلع عام 2023.

وحتّى اللحظة، يبدو أن آثار هذه التطوّرات ستتفاوت بين الدول العربيّة، حيث ستستفيد الدول المصدّرة مصادر الطاقة، وتلك التي ترتبط باتفاقيّات اقتصاديّة استراتيجيّة مع الصين في مجال النفط والغاز، ومنها بلدان مجلس التعاون الخليجي والعراق وليبيا.

أمّا الدول المستوردة مصادر الطاقة، فقد تعاني من ارتفاع أسعار النفط والغاز، وما سيصحبه من زيادة الطلب الصيني على هذه المواد.

تداعيات سياسة “صفر كوفيد” على الاقتصاد العالمي

طوال العام 2022، تمسّكت الصين بإجراءات صارمة جدًّا لمكافحة تفشّي وباء كورونا، تحت عنوان “سياسة صفر كوفيد”. وكجزء من هذه السياسة، استمرّت الصين بفرض عمليّات إغلاق شاملة في أجزاء واسعة من البلاد، بحسب درجة تفشّي الوباء فيها، كما حافظت على القيود المفروضة على الأنشطة الإنتاجيّة والسياحيّة وتنقلات الأفراد.

وبذلك، خالفت الصين السياسات التي اتبعتها الغالبيّة الساحقة من الدول الأخرى، التي بدأت منذ العام 2021 بتخفيف القيود المفروضة على قطاعاتها الاقتصاديّة بشكل متدرّج.

دفع الاقتصاد الصيني أثمانًا باهظة لسياسة “صفر كوفيد”، إذ تشير دراسات مصرف غولدمان ساكس إلى أنّ المدن التي تأثّرت بعمليّات الإغلاق الشامل خلال العام 2022 تمثّل 35% من الناتج المحلّي الصيني.

وفي النتيجة، تراجع النمو الاقتصادي خلال العام 2022 إلى أدنى مستوياته منذ قرابة نصف قرن، ليسجّل نسبة صفر بالمئة خلال الربع الأخير من العام 2022. أمّا بالنسبة إلى العام 2022 ككل، فاقتصرت نسبة نمو الناتج المحلّي على 3% فقط، متراجعةً بشدّة عن نسبة النمو التي حققتها الصين في العام السابق، والتي تجاوزت ال8.4%.

وبما أن الصين تمثّل ثاني أكبر تكتّل اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة، فقد ساهمت كل هذه التطوّرات بالمزيد من التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي، إلى جانب أسباب أخرى كالحرب الأوكرانيّة وتباطؤ النمو في الولايات المتحدة. وفي النتيجة، اقتصرت نسبة نمو الاقتصاد العالمي على نحو 3.2% خلال العام 2022، بحسب أرقام صندوق النقد الدولي، بتراجع كبير عن نسبة النمو خلال العام السابق، والتي قاربت ال6%.

تفاؤل اقتصادي بمرحلة إعادة فتح الاقتصاد الصيني

اليوم، بدأت الصين بالاستعداد لإعادة فتح اقتصادها من جديد، بعدما دخلت منذ بداية العام 2023 في مرحلة رفع القيود المتدرجة التي فرضتها سياسة “صفر كوفيد”. ومن الواضح أن قرار الصين المستجد اتصل بشكل وثيق بالضغوط القاسية التي تعرّض لها الاقتصاد الصيني العام 2022، نتيجة سياسة “صفر كوفيد”، والتي وصلت إلى مستويات حرجة وغير مسبوقة. كما اتصل هذا القرار بالاحتجاجات العماليّة والشعبيّة الصاخبة، التي نددت باستمرار القيود المشددة على التنقلات والنشاط الإنتاجي في البلاد.

على المستوى الصحّي، صحبت خطوة إعادة فتح الاقتصاد الصيني بعض المخاوف، وخصوصًا لجهة المتحوّرات الجديدة التي يمكن أن تظهر، جرّاء تفشّي الوباء بسرعة من جديد. لكن على المستوى الاقتصادي، عبّر معظم المحللين الاقتصاديّين عن تفاؤلهم بهذه المستجدات، التي ستعزّز برأيهم آفاق نمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2023.

فبحسب وكالة بلومبيرغ، يتوقّع الاقتصاديّون في استطلاعات الرأي أن ترتفع نسبة النمو الاقتصادي في الصين هذه السنة إلى حدود ال5%، بعد إعادة فتح الاقتصاد في البلاد. وبما أنّ الصين تستحوذ على 18.5% من الاقتصاد العالمي، وكونها ساهمت ب30% من نمو الاقتصاد العالمي منذ العام 2013، من المتوقّع أن تضفي كل هذه المستجدات على الحركة التجاريّة الدوليّة زخمًا إيجابيًّا.

أمّا أهم ما يتوقّعه الاقتصاديون اليوم، فهو أنّ حجم الطلب الصيني على المواد الأوليّة ومصادر الطاقة سيرتفع بشكل حاد، بالتوازي مع ارتفاع حجم النشاط الاقتصادي في الصين. ولهذا السبب بالتحديد، شهدت الأسابيع الأولى من هذا العام ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار مصادر الطاقة، نتيجة التفاؤل بإعادة فتح الاقتصاد الصيني.

استفادة الدول العربيّة المصدّرة النفط

كما هو معلوم، تلتزم غالبيّة الدول المصدّرة النفط بسقف محدّد للإنتاج اليومي، وفقًا للتفاهمات التي تجري حاليًّا من خلال تحالف “أوبيك+”، الذي يهيمن اليوم على تجارة النفط العالميّة.

وخلال شهر أكتوبر/تشرين الأوّل 2022، قرّر أعضاء هذا التحالف خفض إنتاج النفط اليومي بمعدّل مليوني برميل يوميًّا، لغاية نهاية العام. أمّا الهدف من هذا القرار، فكان الحؤول دون انخفاض سعر برميل النفط على المدى المتوسّط، هذا ما أثار حفيظة الولايات المتحدة الأميركيّة وسائر الدول الصناعيّة المستوردة النفط.

بحسب رئيس شركة أرامكو أمين الناصر، من المتوقّع أن يؤدّي فتح الاقتصاد الصيني من جديد إلى زيادة الطلب العالمي على النفط، إلى حد استنزاف سقف الإنتاج الذي توافقت عليه دول تحالف “أوبيك+” بشكل كامل. ومع تجاوز طلب حجم العرض المتاح، ستعود أسعار النفط العالميّة إلى تسجيل ارتفاعات سريعة. وعند حصول هذا السيناريو، يشير الناصر إلى أنّ المملكة العربيّة السعوديّة “لن تكون مسؤولة” عن توفير حاجة السوق الإضافيّة من النفط، في إشارة إلى رفض بلاده زيادة إنتاجها النفطي على المدى المتوسّط.

لكل هذه الأسباب، ستكون الدول العربيّة المصدّرة النفط، وفي طليعتها المملكة العربيّة السعوديّة والعراق وليبيا والكويت والبحرين، على موعد مع فوائض ماليّة إضافيّة، في حال أدّت زيادة الطلب الصيني على مصادر الطاقة إلى ارتفاعات جديدة في سعر برميل النفط.

مع الإشارة إلى أنّ هذه الدول تمكنت أساسًا من مضاعفة مردودها من عمليّات بيع النفط، بعدما ارتفع متوسّط سعر البرميل السنوي من 41.96 دولارًا خلال العام 2020، إلى 70.68 دولارًا خلال العام 2021، وصولًا إلى 103.71 دولارًا خلال العام 2022.

وفي جميع الحالات، من الواضح أن الموقف السعودي الرافض زيادة إنتاج النفط، حتّى في حال ارتفع الطلب الصيني، يعكس ترقبًا لحجم العوائد التي يمكن أن تحققها المملكة، بمجرّد ارتفاع سعر برميل النفط.

وتجدر الإشارة إلى أنّ أسواق الطاقة العالميّة تملك أساسًا عوامل أخرى تضغط باتجاه زيادة أسعار النفط العالميّة خلال العام 2023، مثل العقوبات الغربيّة المفروضة على روسيا، التي قد تخلق بعض الاختلالات في سلاسل التوريد، وتضخّم الأسعار الذي يطال مختلف السلع الأساسيّة.

قطر والفرص المتاحة

من المرتقب أن تؤدّي إعادة فتح الاقتصاد الصيني إلى فتح آفاق جديدة لدولة قطر، التي تمثّل اليوم أكبر منتج ومصدّر للغاز المُسال في العالم. فقطر تسعى منذ سنوات إلى البحث عن أسواق جديدة لزيادة وتنويع وجهة صادراتها من الغاز المُسال، بعدما استثمرت بشكل كبير في تطوير الحقول المكتشفة ورفع إنتاجيّتها.

في المقابل، تمثّل الصين أكبر مستورد للغاز الطبيعي على مستوى العالم، بينما من المتوقّع أن يتضاعف الطلب الصيني على الغاز المُسال، بمجرّد إعادة فتح الاقتصاد هذه السنة.

ومن الواضح أن قطر التفتت باكرًا إلى حجم الفرص التي سيخلقها فتح الاقتصاد الصيني هذه السنة، ما دفعها خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إلى توقيع اتفاقيّات بهدف توريد أربعة ملايين طن سنويًّا من الغاز المُسال إلى الصين. وبحسب الاتفاقيّة، من المفترض أن يتم توريد كميات الغاز الطبيعي المسال من مشروع توسعة حقل الشمال، على أن يتم تسليم شحنات الغاز في محطات استقبال سينوبك في الصين.

ومن الأكيد أن قطر ستستفيد من ارتفاع الطلب الصيني على الغاز المُسال، الذي سيؤدّي إلى زيادة أسعار الغاز في الأسواق العالميّة. مع العلم أن شحنات الغاز كانت قد شهدت ارتفاعًا في أسعارها، نتيجة الحرب الأوكرانيّة وما نتج عنها من اختلال في عمليات التوريد في أوروبا.

وفي الوقت الراهن، تستفيد قطر من الارتفاع المستجد في الطلب الأوروبي على الغاز المُسال، نتيجة انقطاع إمدادات الغاز الروسيّة باتجاه أوروبا. إلا أن توقيع عقود توريد جديدة مع الصين سيسمح لقطر بتنويع عقودها الطويلة الأجل، لضمان سلاسل توريد مستدامة ومستقرّة على المدى البعيد. كما ستسمح العقود الجديدة مع الصين بتطوير حقول غاز قطريّة إضافيّة، نتيجة ارتفاع الطلب الخارجي على الغاز.

تداعيات على الدول المستوردة مصادر الطاقة

في المقابل، قد تعاني الدول العربيّة المستوردة مصادر الطاقة خلال هذا العام، بسبب الارتفاع المحتمل في أسعار النفط والغاز، بعد إعادة فتح الاقتصاد الصيني.

مع الإشارة إلى أن الكثير من هذه الدول، كحال لبنان وسوريا والسودان وتونس، تعاني أساسًا من تداعيات تضخّم الأسعار الذي تشهده الأسواق العالميّة من بداية العام 2022، وما نتج عنه من زيادة في كلفة الاستيراد.

ولهذه الأسباب، سيؤدّي ارتفاع كلفة استيراد مصادر الطاقة إلى زيادة الطلب على العملة الصعبة، ما سينعكس بدوره على المزيد من الضغط على العملات المحليّة في هذه البلدان.

هكذا ستتنوّع آثار إعادة فتح الاقتصاد الصيني بين الدول العربيّة، وفقًا لعلاقة هذه الدول بأسواق الطاقة. لكن في الوقت نفسه، ستعتمد سرعة تأثّر الدول العربيّة بهذه التطورات على وتيرة تعافي الاقتصاد الصيني، وحجم الارتفاع في إنتاجيّته خلال العام الراهن.

كما ستختلف السيناريوهات بحسب كيفيّة تدرّج السلطات الصينيّة في رفع القيود، التي تم فرضها ضمن سياسة “صفر كوفيد”، وحجم القيود التي ستظل تفرضها السلطات حتّى نهاية عام 2023.

أما المتغيّر الأهم، فهو تطوّرات الوضع الصحّي، الذي من شأنه أن يعيد فرض بعض القيود في حال ظهور طفرات جديدة للوباء، أو في حال تجاوز عدد الإصابات الجديدة قدرة القطاع الصحّي الصيني على استيعاب حالات الاستشفاء.