تتعافى صناعة السياحة في مصر ببطء ولكن بثبات بعد سنواتٍ من الاضطرابات الاجتماعية والعديد من الهجمات الإرهابية الكبرى. ويُمثل السياح، الذين كانوا يعتبرون يوماً ما مصدراً رئيسياً للعملة الأجنبية، عنصراً هاماً لانتعاش اقتصاد البلاد. ولكن، وعلى الرغم من العديد من النكسات، إلا أن الدلائل تبعث على الأمل.
ففي النصف الأول من عام 2018، زار حوالي 5 ملايين سائح مصر، محققين عائداتٍ سياحية بقيمة 4,8 مليار دولار، بزيادة بنسبة 77% مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2017. وفي عام 2010، أي قبل ثورة 2011، بلغ العدد الإجمالي للسياح 14,7 مليون سائح. وبحلول نهاية عام 2018، تأمل مصر أن تحقق عائداتٍ سياحية بقيمة 9 مليارات دولار، مقارنةً بـ7,7 مليار دولار في عام 2017.
تعرضت صناعة السياحة لانتكاساتٍ عدة مرات، إذ حصلت الضربة الأولى بسبب الاضطرابات الاجتماعية التي اشتعلت بعد الثورة مباشرةً. وفي عام 2012، ارتفعت الأرقام مرةً أخرى، إلا أن الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في صيف عام 2013 والاحتجاجات العنيفة في الأشهر التي تلت ذلك أبعدت السياح عن البلاد.
جاءت أقسى ضربة بعد أن أسقط مسلحون من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” الذين ينشطون في شبه جزيرة سيناء، طائرةً تقل أكثر من 200 سائح روسي في أكتوبر 2015. وقبل شهرٍ من ذلك، قام الجيش المصري بقتل مجموعةٍ من السياح المكسيكيين ومرشديهم بالخطأ، عندما ظنوا أن حافلتهم تعود لأحد الجماعات الإرهابية الفارة. وبعد إسقاط الطائرة، علقت روسيا رحلاتها إلى مصر، مطالبةً البلاد بتحسين الأمن في مطاراتها.
ومنذ ذلك الحين اتخذت مصر تدابير واسعة للالتزام بالمطالب الروسية. وعليه، تمت إعادة رحلات الطيران من موسكو إلى القاهرة في أبريل 2018، إلا أن الرحلات الأكثر أهمية إلى المنتجعات السياحية على البحر الأحمر مثل الغردقة وشرم الشيخ لا تزال معلقة.
كما التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتصف أكتوبر لمناقشة هذه المسألة. وقال بوتين بعد الاجتماع إن مصر فعلت “كل ما هو ضروري لتعزيز الأمن في مجال الطيران” وأن روسيا “ستحاول استئناف الرحلات الجوية غير المنتظمة (شارتر) إلى هذه الوجهات في أقرب وقتٍ ممكن.” ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى اتفاقٍ محدد حول موعد استئناف هذه الرحلات الجوية.
وإلى جانب الأمن، حاولت مصر عدة طرقٍ أخرى لتعزيز السياحة. فقد استثمرت وزارة السياحة في حملاتٍ كبيرة لتشجيع السياحة، ووافق البرلمان على قانونٍ جديد يفرض غراماتٍ على البائعين الذين يضايقون السياح. تشتهر مصر بتواجد الباعة العدوانيين في مواقع مثل الأهرام والمعابد التي تؤثر على تجربة السياح الأجانب. كما قامت وزارة الآثار بتشجيع أعمال الحفريات المتواصلة التي تمكنها من الإعلان عن اكتشافاتٍ أثرية جديدة. وكما كتبنا في فَنَك في السابق، نجحت الوزارة في تعظيم تسليط وسائل الإعلام على هذه الاكتشافات.
يشعر أحمد عادل بالإيجابية حيال الانتعاش السياحي، إذ قال المدير التنفيذي لشركة سيتيكو ترافيل، وهي شركة سياحية صغيرة تقع بالقرب من ميدان التحرير في القاهرة، إن الجولات إلى الأقصر وأسوان، وكلاهما على نهر النيل، محجوزة بالكامل تقريباً. وقال لفَنَك: “في السنوات الأخيرة، كان معظم السياح المحليين يقومون برحلاتٍ في نهر النيل، والآن هناك المزيد من الأجانب.” كما أشار إلى أن شركات الرحلات السياحية والجولات السياحية توقفت عن البيع إلى السوق المحلية، مما وفر مساحاتٍ لرحلات الزوار الأجانب.
بدأ الموسم في وقتٍ مبكر من هذا العام، حيث قام زوجان من البرتغال بحجز رحلة نيلية في أغسطس، مضيفًا أن “الحكومة تعمل على البنية التحتية في جميع أنحاء شرم الشيخ والغردقة ومرسى مطروح، مما يجعل الوصول إليها أكثر سهولة للسياح.”
كما بدأ يظهر ساحل البحر المتوسط في مصر اعتباره مقصداً سياحياً يجذب عدداً متزايداً من الأجانب إلى جانب المصريين، إذ قال عادل: “معظمهم عربٌ من الخليج.”
يأتي معظم عملاء عادل من العالم العربي، وبصورة رئيسية السعوديين والكويتيين والعراقيين واليمنيين. وتحظى شرم الشيخ بشعبية بين الأوكرانيين الذين تفوقوا على الروس منذ حظر الطيران. بالإضافة إلى ذلك، لدى عادل “مجموعة منتظمة من السياح الأوروبيين” كل أسبوع.
ومع ذلك، أقر بأن الأعمال التجارية ليست بأفضل أحوالها كما كانت قبل عام 2011، “سيستغرق الأمر بضع سنواتٍ أخرى للوصول إلى هذا المستوى مرة أخرى، ولكن على الأقل هذا العام أفضل بكثير من الأعوام الماضية.”
لم تكن وزارة السياحة متاحة للتعليق حول توقعات بأن تتعافى صناعة السياحة إلى مستويات ما قبل عام 2011.
وعلى أي حال، قد يكون من الصعب التنبؤ بذلك، حيث واجه الانتعاش عدة انتكاسات في الأشهر الأخيرة. ففي أغسطس، توفي زوجان بريطانيان أثناء إجازتهما في الغردقة، حيث قالت السلطات في بادىء الأمر أن التحقيقات الأولية أظهرت أن الزوجين توفيا لأسباب طبيعية، ولكن ظهر فيما بعد أنه كان هناك مستوى مرتفع من البكتيريا في الفندق الأمر الذي يمكن أن يسبب “صدمة سامة.” وبينما يبدو أن الخطأ يقع في المقام الأول على عاتق سلسلة الفنادق الدولية، ستينبيرجر، إلا أن هذا النوع من التغطية السلبية يدمر صورة صناعة السياحة في البلاد ككل.
وفي أكتوبر الماضي، تصدرت قصة الجثة التي أعيدت إلى وطنها لرجلٍ بريطاني توفي – لأسباب طبيعية – أثناء العطلة في مصر دون قلبه وكليتيه، عناوين الصحف. ومن الجدير بالذكر أن الاتجار غير المشروع بالأعضاء يزدهر في مصر، ويشتبه في أن طبيباً محلياً قد أزال الأعضاء أثناء إجراء فحص ما بعد الوفاة. استنكرت مصر عملية سرقة الأعضاء التي حصلت.
وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن يشهد القطاع السياحي دفعةً كبيرة بعد أن يتم الإنتهاء من أعمال بناء المتحف الجديد بجوار الأهرامات في الجيزة. ومن المقرر أن يستضيف المتحف المصري الكبير 100 ألف قطعة أثرية معروضة حالياً أو مخزنة في المتحف المصري في وسط القاهرة. ومن المفترض أن يتم الافتتاح الجزئي للمتحف في الربع الأول من عام 2019، ولكن تم تعديل هذا التاريخ عدة مرات منذ بداية المشروع في عام 2008.
إذا ما أرادت صناعة السياحة في مصر العودة إلى مستويات ما قبل عام 2011 مرةً أخرى، فمن الأهمية عدم وقوع أي هجماتٍ إرهابية جديدة واستئناف الرحلات الجوية الروسية إلى منتجعات البحر الأحمر.