منذ زمن طويل وشبه جزيرة سيناء معروفة بأنها طريقاً للتهريب بكل أشكاله ويغيب عنها القانون وسيطرة الدولة بشكل أو بأخر ومن زمن إلى اخر، وزاد ذلك الغياب للقانون والسيطرة الحكومية بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979م التي فرضت صيغة محددة للتواجد العسكري والأمني المصري فيها، ما أدى إلى تمكين جماعات من المتطرفين من حرية النشاط والحركة.
ساعدت عدة عوامل على تعزيز وجود الجماعات المتطرفة في سيناء منها كبر مساحة سيناء حيث تعادل أكبر من ضعفي مساحة فلسطين المحتلة وتبلغ مساحتها تقريباً 60.500كم مربع، وندرة عدد سكانها الذين بلغ عددهم عام 2013م في محافظتي شمال وجنوب سيناء حوالي 600.000 نسمة، موزعون في صورة بدوية في طول وعرض شبة الجزيرة، وتضاريسها التي تستطيع أن تخفي المسلحين وتجعلهم بعيدين عن أعين الأمن المصري بسبب وجود الجبال والوديان السحيقة والمغارات والكثبان الرملية الشاسعة، وتلعب جغرافيا وموقع سيناء دوراً حيوياً حيث تربط مصر بقطاع غزة وإسرائيل والمملكة الأردنية والعربية السعودية فهي منطقة حيوية لعدد من الدول المجاورة.
إلى جانب سوء الأوضاع الإقتصادية والمعيشية المتدهورة لسكان سيناء بسبب غياب تنمية حقيقية للمنطقة جعلها منطقة معدمة وفقيرة وجاذبة للتطرف والتشدد الديني. وفي سيناء تلعب الخريطة الإجتماعية والتركيبة القبلية التي تحكم سكانها دوراً مهماً في تواجد المتطرفين حيث يصعب على أجهزة الأمن إختراق السكان نتيجة العادات والتقاليد السائدة والقائمة على حماية ونصرة إبن القبيلة وتجريم الوشاية به. كل تلك العوامل شكلت مجتمعة تربة خصبة لتجنيد السكان المحليين في الجماعات المتطرفة.
جاءت ثورة 25 يناير 2011م وما صاحبها من إنهيار لقوات الشرطة وأجهزة الأمن المصرية خصوصاً جهاز مباحث أمن الدولة (المتخصص في حفظ الأمن الداخلي)، لتزعزع الإستقرار في مصر بشكل عام، وكان نصيب سيناء الأكبر من هذا الفراغ الأمني حيث استغلت العناصر المتطرفة فيها هذه الفرصة لزيادة نشاطاتها وتقوية إمكانياتها. كان من نتائج الثورة المصرية أن أطلقت العناصر المتطرفة عشرات وربما وصل العدد إلى مئات الهجمات على مواقع عسكرية وتجارية في شبه الجزيرة.
وأسهمت تداعيات ثورة 17 فبراير 2011م في ليبيا ايضاً إلى زيادة النشاط المسلح للجماعات المتطرفة في سيناء حيث وقعت الكثير من مخازن الأسلحة التي كان يقتنيها نظام العقيد القذافي في أيدي جماعات ترتبط بالجماعات المسلحة في سيناء، حيث تم تهريب كميات كبيرة ومتنوعة من هذه الأسلحة إلى سيناء وقطاع غزة وذلك عبر الطرق الصحراوية والطرق الموازية للبحر المتوسط من الحدود المصرية الليبية، كميات من الأسلحة خُزِنَتْ وإستقرت في سيناء وكميات أخرى منها تم تهريبها إلى قطاع غزة عبر شبكة الأنفاق المعقدة في رفح بين مصر وقطاع غزة.
الجيش المصري ومنذ رحيل مبارك عن الحكم بسط نفوذه على سيناء، ولكن محاولاته لم تحقق الهدف المرجو ففي فترة حكم المجلس العسكري لمصر (الذي حكم مصر بعد الرئيس مبارك) شن الجيش المصري في حزيران يونيو 2011م عملية عسكرية عرفت بإسم عملة النسرالتي هدفت لتعزيز وجود الدولة وأجهزتها السيادية، ولكنها لم تحقق الأهدف الأساسي وهو فرض السيطرة الأمنية للحكومة المصرية على شبه الجزيرة. لقد إستمرت الهجمات المسلحة ضد قوات الجيش والشرطة المصرية من فترة إلى أخرى.
جاءت عملية إختطاف ضباط وجنود مصريين في سيناء على أيدي جماعات متطرفة زمن حكم الرئيس محمد مرسي، لتدفع الجيش والشرطة في أيار مايو 2013م للبدء بحملة عسكرية جديدة عرفت باسم عملية سيناء والتي هي مستمرة منذ ذلك التاريخ حتى الأن. والمتتبع لسير العمليات المسلحة في سيناء يرى بأن موجات العنف والعمليات هذه ضد الجيش والشرطة زادت بشكل كبير من حيث عددها ونوعيتها بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في تموز يوليو 2013م.
أجيال المجموعات المتطرفة
تقسم الجماعات المتطرفة في مصر إلى ثلاثة أجيال؛ الجيل الأول ويتشكل من الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد والذي برز في أوائل السبعينيات من القرن العشرين وكان أهم أعماله إغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981م.
أما الجيل الثاني فهو الذي بدأ نشاطه في عهد الرئيس حسني مبارك وامتدت نشاطاته طوال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين والذي شن عدد من الهجمات والتفجيرات داخل المدن المصرية ومنها العاصمة القاهرة وقام بعمليات إغتيال لشخصيات سياسية مصرية منها رئيس مجلس الشعب المصري رفعت المحجوب في 12 تشرين أول اكتوبر 1990م، أما الجيل الثالث فبدأ نشاطه بتكوين جماعة التوحيد والجهاد المتأثرة بفكر تنظيم القاعدة وأساليبها والتي تأسست في بداية العقد الأول من القرن الحالي، والتي نفذت عدد من الهجمات في سيناء بين الأعوام 2004م – 2006م.
اليوم شبه جزيرة سيناء بها عدد كبير من التنظيمات الإرهابية لا تقل عن 14 تنظيماً منها من إنشق عن جماعة متطرفة موجودة وقائمة ومنها من إندمج مع جماعة متطرفة أخرى وهناك عدد من الجماعات ائتلفت وتوحدت فيما بينها وشكلت تنظيم متطرف جديد.
إن معظم الجماعات والتنظيمات المتطرفة الموجودة اليوم في سيناء تتبنى فكر وأسلوب القاعدة أو داعش بشكل أو بأخر، ومنها على سبيل المثال: أنصار الجهاد، وأنصار بيت المقدس، والسلفية الجهادية، ومجلس شورى المجاهدين، وأكناف بيت المقدس، والدولة الإسلامية في العراق والشام/ولاية سيناء، وأجناد مصر، وجند الإسلام، وأنصار جند الله.
تمتلك الجماعات المتطرفة أسلحة متطورة إلى حدٍ ما؛ منها على سبيل المثال مضادات للطائرات وكذلك تمتلك هذه الجماعات إمكانيات تدريبية وقتالية عالية وقدرة كبيرة على التخفي والهجوم والإقتحام والهروب وقدرات على نقل عملياتها ونشاطاتها المسلحة خارج سيناء إلى بقية المحافظات المصرية وحتى قلب العاصمة القاهرة حيث نجحت في تفجير مبنى مديرية أمن القاهرة (الرمز الأمني الأساسي للدولة المصرية في العاصمة). وكذلك تستخدم هذه الجماعات طرقاً تكنولوجية حديثة في تنفيذ أعمالها ونشاطاتها.
تشن مصر الحرب على المتطرفين
واستطاعت الجماعات المتطرفة كذلك من أن تحرم أجهزة الدولة من عنصر مهم في محاربة الإرهاب وهو عنصر المعلومات والإستخبارات حيث قتلت هذه الجماعات عدد مهم من عملاء أجهزة الأمن المهمين وبهذا تكون رسالتها قد وصلت واضحة لبقية السكان بخطورة التعاون مع أجهزة الأمن.
بلغ مجموع القتلى في سيناء منذ إندلاع الثورة المصرية في كانون أول يناير 2011م حتى نهاية الشهر الأول من العام 2015م على النحو التالي: تقريباً 247 من قوات الجيش والشرطة وغيرها من أجهزة الدولة الأخرى، وحوالي 670 مسلحاً، وأكثر من 70 مدنياً مصرياً وسبعة إسرائيليين وأربعة كوريين جنوبين، هذا علاوة على مئات حالات الإعتقال وهدم عدد كبير من البيوت في عملية خلق المنطقة العازلة بين رفح في الجانب المصري وقطاع غزة.
إن هدوء الأوضاع في سيناء مرتبط بعوامل مصرية داخلية وإقليمية ودولية. فعلى المستوى الداخلي المصري فإن التحدي الإقتصادي وإستمرار سوء الأوضاع الأقتصادية للمصريين سيجعل من سيناء مكان يجذب المتطرفين من جميع المحافظات المصرية إليها. وأن غياب مشاريع تنموية في سيناء نفسها سيجعل من بدو سيناء عناصر مهمة للجماعات المتطرفة وسيشجعهم على التهريب والذي هو مجال عمل الجماعات المتطرفة. كذلك إن الأمن المصري مطالب بتكثيف عمله ونشاطاته وخلق إختراقات حقيقية بين السكان البدو وتجنيد أكبر عدد منهم لصالح الأجهزة الأمنية حيث ستساعد المعلومات الإستخبارية أجهزة الأمن من توجيه ضربات موجعة للجماعات المتطرفة.
أما على المستوى الإقليمي فإن عدم إستقرار الأوضاع في ليبيا وزيادة نفوذ الجماعات الليبية المتطرفة والمرتبطة على الأقل عقائديا بالجماعات المتطرفة في سيناء سيجعل منها أرض خصبة لتسرب وتهريب الأسلحة والمقاتلين إليها، وإن إستمرار الأوضاع المتدهورة أمنياً في قطاع غزة سيجعل سيناء أرض حاضنة لمحاولات تهريب الأسلحة من ليبيا لغزة على أيدي الجماعات المتطرفة والتي تؤكد جهات إستخبارية مصرية إرتباط عدد من هذه الجماعات المتطرفة في سيناء مع جماعات فلسطينية مسلحة في غزة.
أما على المستوى الدولي فإنه من الواضح أن مكافحة الإرهاب في سوريا والعراق ضد داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية يحوز على الإهتمام الدولي خصوصاً من الدول الكبرى، وأن مكافحة الإرهاب في سيناء ليس من أولويات هذه الدول ويتضح هذا حجم الدعم الدولي سواء المالي أو التقني للدولة المصرية لمساعدتها في حربها ضد الجماعات المتطرفة في سيناء.
إن المجتمع الدولي لا يتعاون مع الحكومة المصرية في موضوع محاربة الإرهاب في سيناء في حين أن الجماعات المتطرفة في سيناء تربطها علاقات أقلها يمكن القول بأنها عقائدية ولربما تصل لمرحلة العلاقات العملياتية مع المجموعات المتطرفة حول العالم.