بعد الهجوم المميت الذي وقع في 25 نوفمبر 2017 على مسجد الروضة في منطقة سيناء المصرية والذي أودى بحياة أكثر من 300 شخص، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه سيقضي على الإرهاب في شبه جزيرة سيناء خلال ثلاثة أشهر. وعليه، عُهد لمحمد فريد حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، ووزارة الداخلية القيام بعمليةٍ عسكرية شاملة ضد الإرهاب، وتم اختيار اسم العملية “العملية الشاملة – سيناء 2018،” والتي تم إطلاقها في 8 فبراير 2018، لتمثل أكبر عمليةٍ عسكرية تقوم بها القوات المصرية للقضاء على الإرهاب في سيناء خلال السبع سنوات الماضية.
وأكد حجازي أن العملية لا تستهدف شمال سيناء فقط، والتي تشتمل على الحدود مع قطاع غزة، ولكن أيضاً المنطقة المحيطة بقناة السويس والحدود الشرقية مع إسرائيل وخليج العقبة.
ويشارك في العملية العسكرية اكثر من 100 ألف عسكري من القوات البرية والجوية والبحرية، بالإضافة الى اكثر من 125 من كافة أنواع الطائرات المقاتلة والمراقبة والقاذفات والطائرات المروحية. كما تؤمن قوات وعناصر حرس الحدود بالدوريات والكمائن لمنع المتسللين والتكفيريين من أن يتجاوزوا الحدود المصرية.
ومما لا شك فيه بأن العملية العسكرية الحالية ضد الإرهاب في سيناء لم يسبق لها مثيل. ففي إطار الخطة الامنية للعملية العسكرية أعلن الجيش المصري العمل على 4 أهداف، ألا وهي: إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية، وضمان تطهير المناطق من البؤر الإرهابية، وتحصين المجتمع المصري في سيناء من الفكر والتطرف الإرهابي، اضافة الى مواجهة الجرائم الأخرى التي تنامت في ظل ضعف الاستقرار الامني.
وعلى الرغم من طلب السيسي لرئيس الأركان المصرية ولوزير الداخلية، انهاء العملية العسكرية وتحقيق أهدافها خلال ثلاثة شهور، الا ان حجازي طلب من السيسي مؤخراً عدم وضع سقف زمني لتحقيق الأهداف، وان العمل مستمر حتى تحقيق الامن والأمان في سيناء وضمان عدم تسلل الإرهابيين وعدم تهريب الأسلحة مرة أخرى. وعلى صعيدٍ آخر، هناك دعم رسمي وشعبي من جميع الاطياف لإنهاء ظاهرة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، ومن جانبه، نشر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على صفحات التواصل الاجتماعي منشوراً قال فيه “أتابع بفخر بطولات أبنائي من القوات المسلحة والشرطة لتطهير أرض مصر الغالية من العناصر الإرهابية أعداء الحياة.”
وبالرغم من أن أحدث بيانٍ للجيش زعم مقتل أكثر من 121 إرهابي في العملية، إلا أنه لا يبدو من السهل القضاء على الإرهاب في سيناء. فقد ازدادت حالة الغياب الامني بعد الثورة المصرية في يناير لعام 2011. وبعد سقوط النظام القذافي في أغسطس 2011، سقطت مخازن الاسلحة في أيدي الثوار، مما أدى إلى توفير كميات منوعة لا حصر لها من الأسلحة المتطورة مختلفة الأشكال والأنواع، والتي تم تهريبها إلى سيناء عبر الطرق الصحراوية. وعليه تكونت العناصر المتشددة التي قامت بتلك العمليات بنسبة كبيرة من متطرفي البدو المحليين، بالإضافة الى حضور عدد كبير من المتطرفين من الدول العربية والاجنبية. وبعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في عام 2013، تكثفت الهجمات الإرهابية ضد الجيش المصري والشرطة والمدنيين.
ويرى العديد من الخبراء والمحللين السياسيين بأن العمليات العسكرية الامنية في كل من العراق وسوريا أدت الى انحسار مناطق التمركز التي كان يسيطر عليها الارهابيون السلفيون في السنوات الاخيرة، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” وغيرها من الجماعات الإرهابية. فقد أثار هذا المخاوف من أن اعداداً كبيرة من هؤلاء الارهابيين قد اتجهوا الى سيناء. واشارت احدى الدراسات التي نشرتها “مجموعة سوفان” البحثية بأن ما بين 27 الفاً الى 31 الفاً من المقاتلين الاجانب من أكثر من 86 بلداً قد سافروا الى الجهاد في العراق وسوريا. وتقدر الدراسة بأن أعداداً كبيرة منهم ممن تبقى على قيد الحياة بعد محاربتهم في العراق وسوريا، قد هاجروا الى دولة اخرى، وتتجه الانظار نحو سيناء وليبيا في وجهتم، بسبب سهولة الحركة وعدم الاستقرار الامني هناك.
ومع ذلك ، من الضروري الأخذ بعين الاعتبار التاريخ السياسي الذي شكل الوضع الحالي لسيناء. فقد حددت اتفاقية كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية التي أبرمت عام 1978 عدد القوات العسكرية المصرية في سيناء وتقسمها الى ثلاث مناطق طولية، حيث لا يسمح بوجود عسكري في المنطقة المصنفة (ج)، والتي تعتبر شريط حدودي يمتد من 20 – 40 كيلومتراً على طول الحدود المصرية الإسرائيلية، وتضم مدن طابا وشرم الشيخ لغاية مدينة رفح الفلسطينية المتاخمة للحدود المصرية. وفي المنطقة المصنفة (ب) لا يتجاوز عدد القوات العسكرية المصرية 4000 مقاتل بأسلحة خفيفة، اما في المنطقة المصنفة (أ) المتاخمة للبحر الأحمر ولمدن السويس والاسماعلية، فيسمح بعدد لا يتجاوز 22000 عسكري.
وهنا يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن ضمان الامن في شبه جزيرة سيناء التي تبلغ مساحتها أكثر من 60 ألف كيلومتر مربع، أي بما يتجاوز مساحة إسرائيل ثلاث مرات، بهذه الاعداد العسكرية المتواضعة؟ وتشير التقديرات إلى أن الجماعات الإرهابية في سيناء تمتلك أسلحةً أكثير بكثير من الجيش المصري. ومما لا شك فيه ان هناك اتفاق مبطن، لم يخرج للعلن، بين القيادة المصرية والإسرائيلية لتجاوز هذا الامر مؤقتاً، كي تتمكن القوات العسكرية المصرية من خوض المعارك مع الإرهابيين والتكفيريين، خاصة في مناطق تمركزهم تلك المتاخمة للحدود الإسرائيلية المصرية.
عواقب العملية العسكرية على جيران مصر
تأثر سكان قطاع غزة بشكلٍ غير مباشر بالعمليات العسكرية الجارية. ففي الماضي، كان يُفتح معبر رفح الحدودي بين الحين والآخر، ولكن في الأشهر الأخيرة، تم إغلاق معبر رفح بشكلٍ دائمٍ تقريباً بسبب الأوضاع في سيناء. فعلى سبيل المثال، عندما توفي المدافع البارز عن حقوق الإنسان، بسام الأقرع، بشكلٍ مفاجىء في غزة في فبراير 2018 بينما كانت أسرته في مصر، لم تتمكن زوجته من العودة إلى القطاع لوداع زوجها للمرة الأخيرة قبل أن يوارى الثرى. وتوضح هذه الحالة الإنسانية الواقع المرير الذي يعانيه الغزيون، الذين لا يستطيعون السفر للدراسة، أو الحصول على علاجٍ طبي أو حتى زيارة أقاربهم.
الأمن والتطور الاقتصادي ضروريان
توجد في سيناء العديد من الموارد الطبيعية، لا سيما الموارد المعدنية والمنتجات البترولية، التي يمكنها تحسين حياة سكانها إذا ما تم استغلالها بشكلٍ صحيح. ومع ذلك، تم تهميش المنطقة سياسياً لعقودٍ من الزمن وحرمانها من التنمية الاقتصادية. وعلاوة على ذلك، يتم إلقاء اللوم على سكان البدو، الذين يتجاوز عددهم أكثر من 380 ألف نسمة، ومعاقبتهم بشكلٍ روتيني على كل هجوم إرهابي. حتى أن وزير الداخلية المصري السابق حبيب العادلي اتهمهم بالخيانة، إذ خلق هذا أرضاً خصبة للتعصب والتطرف.
إن التنمية الإقتصادية من جهة، وقمع تهريب الأسلحة وتسلل الإرهابيين من جهةٍ أخرى، أمران غاية في الأهمية إذا ما أردت مصر أن يُكتب للعملية العسكرية الجارية النجاح.