وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

انتشار السيّارات الكهربائيّة يواجه تحديات في المنطقة العربيّة

تسعى الدول العربية جاهدة للمنافسة على مستوى العالم في سوق السيارات الكهربائية من خلال الاستثمار في الإنتاج المحلي وتعزيز استخدام السيارات الكهربائية. ومع ذلك، لم يشهد هذا القطاع نفس معدل التنمية في العالم العربي كما هو الحال في الدول الغربية.

انتشار السيّارات الكهربائيّة
معرض “Inter Solar Connecting Solar Business” في دبي. كريم صاحب / وكالة الصحافة الفرنسية

علي نور الدين

يسعى العديد من الدول العربيّة إلى مواكبة التوسّع الذي يعيشه قطاع السيّارات الكهربائيّة على مستوى العالم، عبر الاستثمار في هذا المجال محليًّا، ووضع الخطط الكفيلة بتشجيع المواطنين على استهلاك هذه السيّارات.

أمّا الهدف من هذه الخطوات، فلا يقتصر على تقليل انبعاثات الكربون، بل يشمل كذلك المنافسة على أرباح هذا القطاع الآخذ بالنمو، ومحاولة الانتقال إلى الاقتصاد المنتج وخلق الوظائف وتطوير سلاسل الإمداد الصناعيّة. مع الإشارة إلى أنّ أنشطة القطاع لا تقتصر على صناعة هذه السيارات، بل تشمل الأنشطة المكمّلة كالصيانة وصناعة قطع الغيار ومحطات الشحن.

أبرز دول المنطقة العربيّة التي أخذت خطوات باتجاه دعم قطاع السيّارات الكهربائيّة كانت مصر والإمارات العربيّة المتحدة والمملكة العربيّة السعوديّة والمغرب وقطر والكويت وسلطنة عُمان.

لكن حتّى اللحظة، يبدو أن هناك العديد من العوائق التي تحول دون توسّع مواطني هذه الدول في استخدام السيّارات الكهربائيّة، كما ثمّة تحديات كبيرة تبطئ من نمو صناعة هذه السيّارات في هذه الدول. ولهذا السبب، لم يشهد القطاع في المنطقة العربيّة نسب النمو عينها التي حققتها في الدول الغربيّة.

ثورة صناعيّة عالميّة في قطاع السيّارات الكهربائيّة

لا يوجد أي مبالغة في القول إنّ العالم شهد خلال الأعوام الماضية ثورة صناعيّة لافتة في قطاع السيّارات الكهربائيّة، وهذا ما تجلّى من خلال تقدّم تقنيّات تخزين واستهلاك الطاقة، وارتفاع حجم الاستثمارات في القطاع، بالإضافة إلى تزايد مبيعات هذا النوع من السيّارات بشكل سريع للغاية.

أرقام “بلومبيرغ” مثلًا، تشير إلى أنّ حجم المبيعات في هذا القطاع على المستوى العالمي بلغ حدود ال388 مليار دولار أميركي عام 2022، أي بزيادة كبيرة نسبتها 53% قياسًا بالعام السابق. وبعد هذه الزيادة العام الماضي، تخطّى حجم مبيعات السيّارات الكهربائيّة الإجمالي حدود الترليون دولار أميركي، خلال السنوات ال10 الأخيرة.

ما تعنيه هذه الأرقام ببساطة، هو أن شركات السيّارات التي لم تضع خططًا لتصنيع السيّارات الكهربائيّة، خسرت فرصة للمنافسة على حصّة من حجم المبيعات الضخم هذا. وهذا تحديدًا ما دفع الدول الصناعيّة إلى الالتفات لأهميّة دعم هذا النوع من الصناعات. مع الإشارة إلى أنّ حجم مبيعات السيّارات الكهربائيّة شكّل نحو 10% من إجمالي مبيعات السيّارات في العالم خلال العام 2022، مقارنة ب5% فقط خلال العام 2021، ما يشير إلى ارتفاع نسبة السيّارات الكهربائيّة مقارنة بالسيّارات التقليديّة.

ولعلّ تطوّر تقنيّات تخزين واستعمال الطاقة في السيّارات الكهربائيّة هو ما سهّل خلال الأعوام الماضية الزيادة السريعة في مبيعات هذه السيّارات، بالرغم من تداعيات أزمة وباء كورونا والتباطؤ الاقتصادي خلال السنوات الماضية.

فآخر الاختراعات في هذا المجال، هو التمكُّن من تطوير معايير السلامة في بطاريّات الليثيوم، بما يسمح بتحمّلها درجات حرارة تتجاوز ال140 درجة فهرنهايت (أي 60 درجة سلسيوس)، الأمر الذي يجنّب هذه البطاريّات خطر الاحتراق السريع أو الانفجار عند التعرّض لحرارة مرتفعة.

وفي الوقت نفسه، تتسابق منذ سنوات عديدة كل من الولايات المتحدة واليابان والصين على دعم الأبحاث الهادفة إلى زيادة فعاليّة هذه البطاريّات، ما ساهم تدريجيًّا بتقليص الوقت المطلوب لإعادة شحنها، وبزيادة كميّة الطاقة التي يمكن أن تُخزّن فيها. كما ساهمت أبحاث الشركات المصنّعة للسيارات الكهربائيّة بتقليص استهلاكها للطاقة عند التنقّل. وهذا ما رفع من كفاءة السيّارات الكهربائيّة الجديدة، وزاد من جاذبيّتها وقدرتها على تلبية حاجات المستهلكين، مقارنة بالنماذج القديمة منها.

ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وما رافقها من تهديد لسلاسل توريد الطاقة، ازداد اهتمام الدول الغربيّة بأمن الطاقة لديها. وهذا ما دفع حكومات هذه الدول لتوفير رزم الدعم المالي لصناعة السيارات الكهربائيّة واستخدامها، نظرًا لإمكانيّة شحنها باستخدام الطاقة المتجددة والنظيفة، بدل الاعتماد على أنواع الوقود الأحفوري المستورد. ومن رزم الدعم هذه على سبيل المثال، قانون خفض الضرائب الأميركي، الذي سمح للمواطنين الأميركيين بالحصول على إعفاء ضريبي تصل قيمته إلى حدود ال6500 دولار أميركي، مقابل شراء سيّارة كهربائيّة.

جهود الدول العربيّة للاستثمار في قطاع السيّارات الكهربائيّة

يسعى العديد من الدول العربيّة لدخول المنافسة في مجال تصنيع السيّارات الكهربائيّة، أو على الأقل خلق البنية التحتيّة الكفيلة بتأمين الخدمات المكمّلة لهذا القطاع. فالمملكة العربيّة السعوديّة، أطلقت مشروعًا مشتركًا ما بين صندوق الاستثمارات السعوديّة وشركة فوكسكون، لتصنيع أوّل سيّارة كهربائيّة على أراضي المملكة بحلول العام 2025، في مدينة الملك عبد الله الاقتصاديّة.

وتسعى المملكة من خلال هذا المشروع إلى إطلاق علامة تجاريّة خاصّة بهذه السيّارة، ومحاولة خلق سلاسل توريد قادرة على تأمين هذا المنتج بأسعار تنافسيّة مقارنة بالسيّارات المستوردة. وهذا الجهد، يتكامل بدوره مع رؤية السعوديّة 2030، التي تستهدف الانتقال إلى اقتصاد منتج، بدل الاعتماد على النفط لتحقيق النمو الاقتصادي.

أمّا بالنسبة إلى سوق السيّارات الكهربائيّة، فالمملكة تستهدف رفع نسبة السيّارات العاملة على الكهرباء إلى حدود ال30% من إجمالي السيّارات في العاصمة الرياض. وهذا ما يأتي كجزء من تعهدات المملكة بالقضاء على وجود الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري، داخل حدود السعوديّة بحلول العام 2060.

في الإمارات العربيّة المتحدة، افتتحت مجموعة “إم جلوري القابضة” عام 2022 أوّل مصنع لتصنيع السيّارات الكهربائيّة، في مدينة دبي الصناعيّة التابعة لمجموعة تيكوم. ومن المتوقّع أن يتمكّن المصنع من تجميع نحو 10 آلاف سيّارة سنويًّا، بالاعتماد على القطع المستوردة من الخارج، فيما تخطط دبي لزيادة القدرة الإنتاجيّة لهذا المصنع إلى حدود ال55 ألف سيّارة سنويًّا بحلول العام 2050. ويأتي هذا المشروع من ضمن رزمة قوامها 50 مشروعًا صناعيًّا مدعومًا من الدولة، بهدف زيادة إنتاجيّة الاقتصاد الإماراتي.

وفي الإمارات أيضًا، تبرز تجربة مدينة مصدر في إمارة أبو ظبي، التي تمثّل أوّل مدينة في العالم تعتمد على الطاقة النظيفة والمتجددة بشكل كامل. وتضمّ المدينة أوّل محطّة من نوعها في الشرق الأوسط، لشحن بطاريّات السيّارات الكهربائيّة السريع ، حيث تستطيع هذه المحطّة شحن البطاريّات بنسبة 80% في غضون 30 دقيقة فقط. كما تشتمل على نظامٍ متكامل للنقل المشترك باعتماد المركبات الكهربائيّة، بالإضافة إلى منظومة متطوّرة للنقل الشخصي السريع، باستخدام كابينات كهربائيّة صغيرة موجهة عبر الكومبيوتر.

ولتشجيع المواطنين على الانتقال إلى السيّارات الكهربائيّة، عملت الإمارات على توفير بنية تحتيّة متكاملة لمحطّات شحن هذه السيّارات. فخلال السنتين الماضيتين، تم بناء أكثر من 30 محطّة في إمارة أبو ظبي، و25 محطّة في إمارة دبي، بالإضافة إلى 10 محطات في إمارة الشارقة. كما عملت الحكومة الإماراتيّة على إطلاق بطاقة ائتمان خاصّة، تسمح بقيد فواتير شحن السيّارات بشكل تلقائي على حساب خاص بالمستخدم.

لم تكن سائر دول الخليج بعيدة عن التنافس على عوائد وأرباح هذا القطاع. فشركة الجودة القطريّة وقعت اتفاقيّات متعددة مع شركات يابانيّة وفرنسيّة، لإنشاء مصانع محليّة قادرة على تجميع السيّارات الكهربائيّة. كما دشّنت خلال العام الماضي شركة ميس العمانيّة –أحد استثمارات الصندوق العُماني للتكنولوجيا- النموذج الأوّل لسياراتها الكهربائيّة، حيث يفترض أن تطرح الشركة في السوق نحو 100 سيّارة من هذا الصنف، لتجربتها في المرحلة الأولى.

في الكويت، تسعى الحكومة إلى إنشاء مدينة صناعيّة متكاملة مخصصة لخدمة مصنّعي السيّارات الكهربائيّة، وهذا ما يفترض –بحسب مؤسسة المواني الكويتيّة المشرفة على المشروع- أن ينجح في استقطاب كبرى شركات تصنيع السيّارات إلى الكويت. وللتمهيد للانتقال إلى السيّارات الكهربائيّة، وضعت الكويت خططها لتأسيس منظومة قويّة لخدمات شحن السيّارات الكهربائيّة، بما يشمل تحديد أماكن انتشار المحطات ومعايير السلامة والأمان التي سيتم اعتمادها.

أمّا مصر، فلم تدخل هذا السباق إلا في وقت متأخّر، عندما أعلنت في شهر فبراير/شباط 2023 عن نموذج أوّل سيّارة كهربائيّة سيتم تصنيعها محليًّا، حيث من المفترض أن يتم التصنيع خلال ستّة أشهر. في المقابل، دخلت المغرب هذا السباق منذ شهر سبتمبر/أيلول 2022، حين أعلنت عن تصنيع أوّل سيّارة من إنتاج شركة رونو الفرنسيّة، بمصنع طنجة شمالي البلاد.

تحديات كبيرة

رغم كل هذه الاستثمارات، وبالرغم من الدعم الرسمي الذي تقدمه الحكومات العربيّة في هذا القطاع، من الواضح أن هناك تحديات تحول دون توسّع مبيعات السيّارات الكهربائيّة في الأسواق العربيّة بالنسب الكبيرة عينها التي شهدتها الاقتصادات الغربيّة.

المشكلة الأولى، تكمن اليوم في تردد معظم شركات التأمين في المنطقة العربيّة، وتخوفها من وضع برامج خاصّة تغطّي السيّارات الكهربائيّة. أمّا السبب الأساسي، فهو حداثة هذا النوع من السيّارات، وعدم إلمام شركات التأمين بمخاطر هذه السيّارات وكلفة قطعها، ونوعيّة الأعطال والتكاليف التي يمكن أن تنتج عن حوادثها.

المشكلة الثانية، تكمن في ارتفاع أسعار السيّارات الكهربائيّة مقارنة بالسيارات التقليديّة، وخصوصًا بعد ارتفاع معدلات التضخّم خلال العامين 2022 و2023. وهذا العامل سيؤثّر على الإقبال الشعبي الساعي إلى استخدام هذه السيّارات الكهربائيّة في الدول التي تشهد أزمات اقتصاديّة خانقة كمصر، نظرًا لمحدوديّة القدرة الشرائيّة لدى المستهلكين. أمّا الحكومة المصريّة، فستعجز عن توفير الدعم المالي الوازن لهذا القطاع، في ظل السياسات التقشّفيّة الصارمة التي تعتمدها خلال الأزمة الراهنة.

أمّا المشكلة الأهم، الموجودة في جميع الدول العربيّة دون استثناء، فتكمن في محدوديّة انتشار محطات الشحن المتوفّرة حتّى اللحظة، رغم كل الجهود المبذولة لتوسيع شبكة البنية التحتيّة الخاصّة بهذه المحطات. وهذه الأزمة، ستترك أثرها على قرار المستهلكين في الدول التي تملك مساحات مفتوحة وواسعة، والتي يعتاد مواطنوها على عبور مسافات طويلة بسيّاراتهم، كحال المملكة العربيّة السعوديّة أو عمان. مع الإشارة إلى أنّ متوسّط المسافة التي يمكن عبورها بعد شحن بطاريّة السيّارة الكهربائيّة لمرّة واحدة يبلغ اليوم نحو 349 كيلومتر.

بالمقابل، يؤدّي انخفاض أسعار المحروقات في دول الخليج، وخصوصًا المنتجة النفط كالمملكة العربيّة السعوديّة والكويت، إلى تقليص تنافسيّة السيّارات الكهربائيّة مقارنة بالسيّارات العاملة على الوقود الأحفوري. أمّا في الدول التي تعتمد سياسة دعم أسعار البنزين عند مستويات معيّنة، كمصر مثلًا، فسيسهم هذا العامل في المحافظة على تنافسيّة السيّارات التقليديّة أيضًا.

بالمقابل، من الواضح أن العديد من الدول العربيّة، كلبنان وتونس وسوريا والسودان واليمن، مازالت بعيدة عن الدخول في مسار التوسّع باستعمال السيّارات الكهربائيّة. فحكومات هذه الدول مازالت عاجزة عن دعم هذا القطاع، أو توفير أساسيّات البنية التحتيّة لتطويره، نظرًا إلى المشاكل الاقتصاديّة أو الأمنيّة أو السياسيّة التي تشهدها. ومن المعلوم أن مشاكل التغذية الكهربائيّة في بعض هذه الدول، ستؤثّر حتمًا على إمكانيّة توفير الكهرباء بشكل مستدام لمحطات الشحن في حال تم تشييدها، ما سيؤثّر بالتالي على خدمة السيّارات الكهربائيّة.

في الوقت الراهن، أفضل ما يمكن أن تقوم به الحكومات العربيّة لدعم الانتقال إلى السيّارات ووسائل النقل الكهربائيّة، هو التركيز على اعتمادها في المجالات الأكثر استهلاكًا للوقود، كالنقل العام والشحن التجاري وحافلات المدارس مثلًا، وهذا ما من شأنه أن يوفّر فاتورة المحروقات على هذه الدول.

كما من شأن خطوة كهذه أن ترفع الطلب على خدمات السيّارات الكهربائيّة تدريجيًّا، ما يسهّل توسعة البنية التحتيّة الخاصّة بها. كما بإمكان هذه الحكومات أن تفرض تدريجيًّا رسومًا معيّنة على استهلاك الوقود الأحفوري، بالتوازي مع توسّع شبكات شحن السيّارات الكهربائيّة، ما سيسمح بزيادة تنافسيّة السيّارات الكهربائيّة مقابل السيّارات التقليديّة.