يحتل لبنان المرتبة 143 من أصل 180 بلداً على مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2017. كما حصل على 28 نقطة من أصل 100، وذلك حسب مقياسٍ يتراوح بين 0 و100 نقطة، حيث تمثل النقطة الصفر البلدان الأكثر فساداً. فثقافة الفساد متغولةٌ في البلاد، وتنخر جميع مستويات المجتمع.
فقد وصفت بوابة مكافحة الفساد في قطاع الأعمال، الفساد في لبنان على النحو التالي: “يعدّ الفساد عقبةً رئيسية أمام الشركات التي تعمل أو تخطط للاستثمار في لبنان. غالباً ما تتم إعاقة الأعمال التجارية بسبب شبكات المحسوبية المتأصلة التي تحتكر الاقتصاد وتعرقل روح التنافس، ولكن أيضاً من خلال الفساد البسيط عند التقدم للحصول على الخدمات الرئيسية. فقانون العقوبات اللبناني يُجرّم غالبية أشكال الفساد، بما في ذلك الرشوة المباشرة وغير المباشرة ورشوة المسؤولين الأجانب، بيد أن تطبيق هذه القوانين ضعيف. بل إن تقديم الرشاوى والهدايا من الممارسات واسعة النطاق وطريقة راسخة لممارسة الأعمال التجارية في البلاد، بالرغم من أن الدفع لتيسيير الأمور غير قانوني في لبنان.
وهذا يعني أنه على الرغم من قوانين مكافحة الفساد، إلا أنه مستوطن. وبالنسبة للمحامي وخبير مكافحة الفساد ربيع الشاعر، تعتبر الثقافة اللبنانية عاملاً مساهماً، إذ قال لفَنَك: “إنه إرثٌ تاريخي ورثناه من العثمانيين، واحتفظنا به كسلوكٍ اجتماعي دون التفكير في تأثيره على الحياة والنظام.” وأضاف “إن مفهوم سيادة القانون ليس مألوفاً في بناء المجتمع في لبنان. بدلاً من ذلك، تسود الانتماءات الدينية والقبلية. يمنعنا هذا من تحقيق أي مساءلة. لذلك، لا يمكننا نشر الثقة في النظام وبالتالي لا يشعر الأشخاص بأنهم مواطنون حقاً.”
يعتمد النظام السياسي على الانتماءات الدينية، فقد شكّل اتفاق الطائف، الذي تم توقيعه في عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، نظاماً مذهبياً يخصص على نحوٍ نسبي السلطة السياسية بين مجتمعات الدولة وفقاً لنسبتها المئوية من السكان. وفي لبنان، يعني هذا أن رئيس الوزراء يجب أن يكون سُنيّاً، والرئيس مسيحي ماروني ورئيس البرلمان شيعي. ومن ناحية الانتماءات القبلية، تلعب أسماء العائلات دوراً ذو أهمية. فقد أقامت الأسر المعروفة سلالاتٍ اقتصادية وسياسية التي غالباً ما تنتقل من جيلٍ إلى آخر، بما في ذلك توارث المقاعد في البرلمان. فقد كان والد رئيس الوزراء الحالي، سعد الحريري، رفيق الحريري، رئيساً للوزراء أيضاً من العام 1992 إلى لعام 1998، ومن عام 2000 حتى عام 2004. وعلاوةً على ذلك، تتربع أسرة الحريري على رأس إمبراطورية مالية ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمملكة العربية السعودية.
يبدأ التكيف مع هذا النظام مبكراً، بحسب ما ذكره الشاعر، الذي أخبر فَنَك أنه في المدارس، يمكن للآباء التأثير على المعلمين لمصلحة أطفالهم والسماح لهم بالغش في الامتحانات العامة، إذ قال: “هذا هو ‘الفساد الصغير‘ كأن تدفع المال لأحدهم للحصول على رخصة القيادة.” وتابع القول “علاوةً على ذلك، لديك الإدارة العامة، حيث الرواتب منخفضة للغاية، وكثيراً ما يحصل الموظفون على وظائف لا تستند إلى الجدارة ولكن وفقاً للانتماءات.” هذا هو مبدأ الواسطة، أو “محاباة الأقارب” أو استخدام علاقات الشخص لإنجاز الأمور. وكمثالٍ على إحدى عواقب هذا المستوى من الفساد، تقدر لجنة التحقيق الخاصة أن “الفساد في الدوائر العقارية بوزارة المالية يكلف خزانة الدولة ما بين 30 و40 مليون دولار في السنة.”
تم إنشاء هيئات الرقابة التي كانت تهدف إلى جعل بقية الإدارات تخضع للمساءلة في عام 1959، ولكن، وفقاً لما ذكره الشاعر، “لا توجد ميزانية جادة مخصصة لهذه الهيئات، التي تعمل بثلث طاقتها فقط في حين أن عدد الموظفين العموميين ازداد بشكلٍ ملحوظ.”
كما يجرم قانون العقوبات الرشوة المباشرة وغير المباشرة، إلا أن الحكومة لا تطبق القوانين ذات الصلة بفعالية. فعلى سبيل المثال، في حالة المشتريات الحكومية، غالباً ما يتم تقديم الرشاوى لضمان الحصول على العقد مع الدولة على الرغم من ضعف جودة الخدمة المقدمة، إذ كان أحدث مثالٍ على ذلك أزمة النفايات في عام 2015. فقد عرضت الحكومة مناقصةً لإيجاد بدائل منخفضة التكلفة لشركاتٍ مثل سوكلين، التي تجمع القمامة في بيروت وما حولها منذ سنوات وقيّدت تكلفةً تزيد ضعفين أو ثلاثة أضعافٍ عن معدلات حمولات النفايات في المدن الأخرى في المنطقة. لكن العديد من العروض الجديدة جاءت أعلى من عروض سوكلين، مما أدى إلى عدم جمع القمامة لأسابيع، وعليه، تم تمديد عقد سوكلين لمدة ثلاث سنوات أخرى على الرغم من الأداء الضعيف والتكاليف المرتفعة.
تحتل القوانين المستوى الثالث من الفساد، ولا يرجع ذلك إلى ضرورة إستكمالها أو تعزيزها فحسب، بل أيضاً تطبيقها لإرساء المساءلة والشفافية. وفي هذا الصدد، قال الشاعر “من المفترض أن يكون الناس متساوين أمام القانون، لكن الحقيقة هي أن بعض الأسر التي تمتلك شركاتٍ تحتكر جميع القطاعات تدعم أو تحصل على دعمٍ من قبل القادة السياسيين الذين يتقاسمون الأرباح معهم.” وتابع القول “حتى عندما يتم تمرير قوانين مكافحة الفساد، تبقى الثغرات قائمةً أو تفتقر إلى التطبيق.” ومن الجدير بالذكر أيضاً أن القضاة الذين تتم تسميتهم من قبل القادة السياسيين يلعبون دوراً أيضاً: لا يوجد استقلالٌ قضائي، وهي الخطوة الأولى لمعالجة الفساد في البلاد.
ومع ذلك، هناك أمل في قرار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لتعزيز الشفافية الضريبية العالمية، وإنهاء السرية المصرفية وحماية التمويل العام عن طريق الحد من التهرب الضريبي. ففي المنتدى العالمي المعني بالشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية لعام 2017، عززت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التدابير لتحسين الشفافية المصرفية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك لبنان. وخلال مؤتمر سيدر الذي تم تنظيمه في أبريل 2018 في باريس لمناقشة طرق مساعدة لبنان المثقل بالديون، تم وضع خريطة طريقٍ للإصلاحات.
تبرز الحاجة لإصلاح القطاع العام والقضاء لمعالجة الفساد الذي يكمن في قلب الأزمة الاقتصادية في لبنان. ومع ذلك، يمكن أن تذهب كل الجهود سدىً إذا ما استمرت النخبة السياسية في جني ثروة البلاد والتصرف بما يتعارض مع المصلحة العامة.