وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ثقافة لبنان

ثقافة لبنان: راقصون لبنانيون يؤدون الرقصة الإيقاعية التقليدية، الدبكة
راقصون لبنانيون يؤدون الرقصة الإيقاعية التقليدية، الدبكة، في دير القمر. Photo: RAMZI HAIDAR

المقدمة

على مر القرون، غادر العديد من المثقفين والفنانين لبنان. في كل فترة عنف، وفي كل موجة اضطهاد من قبل قوى المحتل آنذاك، وفي كل  حرب (أهلية) ، كان يتبعها موجة من الهجرة. وبالتالي، لم يتطور الفن اللبناني في لبنان فحسب – حيث يرجح أن تكون بيروت أهم مركز ثقافي – بل أيضاً في البلاد التي اتخذها المهاجرون وطناً ثانياً لهم. دمشق والقاهرة، بل وباريس ولندن ونيويورك وريو دي جانيرو، هي مراكز ثقافية لبنانية صغرى، ولاسيما للأدب والسينما اللبنانية.

في الأدب اللبناني المعاصر، كما في الموسيقى والأفلام والفنون الجميلة اللبنانية، ترى الحرب الأهلية (1975-1990) وآثارها مواضيع متكررة. يريد العديد من الفنانين حفظ وتوثيق هذه الأحداث وآثارها، أو مناهضة الانقسامات السياسية والدينية التي تسببت بإضرام نيران تلك الحرب. فضلاً عن ذلك، فقد تركت تلك السنين من العنف والدمار الشعب اللبناني في جوع حقيقي للجمال والإبداع وطرق التعبير الفنية. ومنذ التسعينات فصاعداً، لم يشهد لبنان سلسلة من الإبداعات الفردية فحسب، وإنما أيضاً تأسيس المهرجانات المختلفة – مثل معرض الكتاب (صالون دي ليفر Salon du Livre) ومهرجان بيروت السينمائي و مهرجان البستان  الموسيقي.

للمزيد حول ثقافة لبنان، يرجى الاطلاع على ما تناولته فنك حول هذا الملف.

الأدب

يزخر لبنان بالعديد من دور النشر التي تنشر باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية. عام2009 م لقّبت بيروت  بالعاصمة العالمية للكتاب  “خاصة بفضل جهودها في التنوع الثقافي والحوار والتسامح، فضلاً عن تنوع وديناميكية برنامجها”. وكل عام (مع بعض الاستثناءات) تستضيف بيروت معرض الكتاب الفرنكوفوني، المصنف  كأكبر صالون أدبي  خارج باريس ومونتريال. كما تستضيف المعرض الدولي والعربي ( 170 ناشراً و35,000 زائراً). وغني عن القول إن الأدب – سواء أكان باللغة العربية أم بغيرها – لا يزال مزدهراً في لبنان لقرون. ومما لا شك فيه، الشعب اللبناني “أهل كتاب”.

كما قام الأدباء اللبنانيون بتصدير آدابهم إلى دول وقارات أخرى، حيث هاجر الكثيرون منهم، وقد نشرت بعض أعمالهم باللغة العربية، والكثير منها بالفرنسية والإنجليزية وغيرها من اللغات.

يلعب الشعر دوراً هاماً في الحياة الأدبية اللبنانية. وقد قام الموسيقيون البارزون بتلحين قصائد الشعراء التقليديين، ويُعد الشعر مادة ذات أهمية في الصحافة المحلية.

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان هناك نهضة علمية وأدبية. ولعل أحد أسبابها، إنشاء العديد من الجامعات والمدارس، وعلى رأسها الجامعة الأمريكية في بيروت (1866م) و جامعة القديس يوسف اليسوعية (1875م). ولكن بدا وكأن الأحداث المأساوية التي ميزت القرن التاسع عشر قد ألهمت الكتّاب والشعراء. كما ينطبق الشيء ذاته على  الحرب الأهلية  في القرن العشرين (1975-1990)م، وكذلك اللاجئين الفلسطينيين  ومخيماتهم.

النهضة: حركة ثقافية جديدة

كانت الأعراض الأولى لحركة ثقافية جديدة ملموسة في الخمسينات مع تأسيس “شعر” (1957م)، مجلة الشعر التجريبي ابتدأها الشاعر السوري أدونيس وآخرين.

استقر في بيروت شعراء من جميع أنحاء العالم العربي، حيث اجتذبتهم الصحافة الحرة، والبيئة الفكرية المتسامحة نسبياً، والتي سادت في لبنان في ذلك الوقت. وخلال الفترة ذاتها، بدأ النثر السردي بالتبلور، فنشر كل من توفيق يوسف عواد، ومارون عبود، ويوسف حبشي الأشقر، رواياتهم الأولى، إلى جانب مجموعات من القصص القصيرة، بتأثير شديد من المذهب الطبيعي الأوروبي والروسي. ومال آخرون، مثل سهيل إدريس، إلى الحركة الوجودية لجان بول سارتر وجماعته.

في النصف الثاني من القرن العشرين، بدأت النساء بالظهور. وفي عام 1968م نشرت ليلى بعلبكي روايتها السيرة الذاتية الأنثوية “آنا أحيا”، والتي جعلتها مشهورة، ليس في لبنان فقط، بل في العالم العربي بأسره.

لمست الهزيمة العربية عام 1967م و الحرب الأهلية (1975-1990)م أعماق المجتمع اللبناني، بما في ذلك الساحة الثقافية والأدبية. فقد أضحت الحرب حاضرة في كل ما يُكتب، سواء كان ذلك في روايات سهيل إدريس السياسية، وروايات توفيق يوسف عواد النبوية، أو القصص السريالية للناشط السياسي والكاتب إلياس خوري.

يبدو أن الحرب عملت كمحفز ومصدر إلهام للكاتبات. فظهرت أسماء جديدة (إميلي نصرالله، وحنان الشيخ وهدى بركات) اللواتي أصبحن بعدها بقليل معروفات باسم “اللامركزيات البيروتيات (Beirut Decentrists)”. حاولت اللامركزيات إزالة الغموض عن المجتمع اللبناني من خلال تحديد الخلافات الكامنة وراء الأزمة السياسية. وفق اللامركزيات، لم تكن السياسة القضية الوحيدة التي تتعرض للخطر، حيث قُمنَ بالدعوة إلى إعادة النظر في القيم الأبوية التقليدية التي كانت سائدة ما قبل الحرب.

بداية ثمانينيات القرن العشرين، ظهر نوع جديد من النثر الأدبي إلى حيز الوجود، حيث الحرب لا تزال حاضرة، غير أنه تم تجريده من الأيديولوجية الثقيلة التي كانت مسيطرة على المشهد الأدبي حتى ذلك الحين. فركز كُتاب مثل حسن داود، ورشيد الضعيف، وعلوية صبح، وإيمان حميدان، على الحياة اليومية للشعب اللبناني خلال الحرب.

شهد مطلع الألفية الثالثة ظهور جيل جديد من الكُتاب الذين كانوا أطفالاً عندما اندلعت الحرب. حاولوا في أعمالهم الأدبية استعادة الشباب الذي سرقته الحرب منهم، وربيع جابر هو واحد من أبرز ممثلي هذا الجيل.

في السنوات العشرين الماضية، نمت بيروت لتصبح مركزاً ثقافياً وأدبياً مزدهراً. كل عام -مع بعض الاستثناءات- تستضيف بيروت  معرض الكتاب الفرنكوفوني ، المصنف كأكبر صالون أدبي خارج باريس ومونتريال، ومعرض بيروت للكتاب العربي (بتمثيل 170 ناشراً).وفي عام 2009م، تم اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب، “لا سيما لجهودها في التنوع الثقافي والحوار والتسامح، فضلاً عن تنوع برنامجها وحيويته “.

مؤلفون لبنانيون حديثون وأعمال بارزة

يُعد جبران خليل جبران (1883- 1931)م،واحداً من أهم الأدباء من أصل لبناني. وقد ترعرع في بوسطن منذ الثانية عشرة من عمره، ثم أمضى عاميْن بدراسة الفن في باريس، وعاد إلى الولايات المتحدة ليعيش في نيويورك اعتباراً من عام 1912م وما بعد. وقد اخْتُصِرَ اسمُه عن طريق الخطأ إلى (خليل جبران) بعد وصوله إلى الولايات المتحدة، وما يزال يعرف بهذا الاسم خارج لبنان. كتب جبران أعماله الأولى باللغة العربية، ومنذ 1918م قام بنشر معظمها باللغة الإنجليزية. ومن بين أعماله الشهيرة “النبي”، وهو كتاب يشمل 26 مقالة شعرية، وقد تُرجم إلى أكثر من عشرين لغة.

صلاح ستيتية (1928م)، شاعر ودبلوماسي، كاتب غزير الإنتاج الأدبي، كتب بالفرنسية ونشر أكثر من 35 كتاباً، بما فيها الشعر وسير ذاتية لشعراء آخرين (مالارميه وريمبو) والمقالات مثل “الثقافة والعنف في منطقة البحر الأبيض المتوسط”( Culture et violence en Méditerranée)، والترجمات؛ فقد ترجم كتاب “النبي” الشهير لخليل جبران إلى الفرنسية.

وقد حاز على جائزة الفرنكفونية الكبرى عام 1995م. وتُرجمت بعض قصائده إلى الإنجليزية تحت عنوان Cold water shielded. كما ترجمت أعماله إلى الإسبانية والبرتغالية والإيطالية والتركية والصربية. وفي عام 2006 م حاز على جائزة سميديروفو الصربية، وهي أعرق جائزة للشعر في أوروبا. وبالعربية، نشرت مجلة الآداب الأدبية عدداً خاصاً عن صلاح ستيتية. كما تم إنتاج ثلاثة أفلام وثائقية عن حياته ومؤلفاته.

أدونيس (1930م)، وهو الاسم المستعار للشاعر والفيلسوف والناقد الأدبي علي أحمد سعيد إسبر. أسس جريدتيْن أدبيتيْن: “الشعر” و”مواقف”. وقد تم ترشيحه عدة مرات لنيل جائزة نوبل. ظهرت أول مجموعة شعرية لأدونيس باللغة الإنجليزية في عام 1971م تحت عنوان The Blood of Adonis أو “دم أدونيس” وقد أعيدت طباعتها عام 1982م تحت عنوان Transformations of the Lover أو “تحولات العاشق”.

فينوس خوري غاتا (1937م)، تكتب بالفرنسية وتعيش في فرنسا منذ عام 1973م. وهي شاعرة معروفة وروائية متميزة ومؤلفة للقصص القصيرة تحظى بتقدير كبير. وقد حازت على جائزة Prix Mallarmé عام 1987م عن عملها “مونولوج الموت” Monologue du mort، وجائزة Prix Apollinaire عام 1980م عن عملها Les Ombres et leurs cris، والجائزة الكبرى لجمعية الأدباء عن عملها Fables pour un people d’argile عام 1992م. وقد طبعت آخر مجموعة شعرية لها Quelle est la nuit parmi les nuits أو “أية ليلة من بين الليالي” عام 2004م. وقد ترجمت أعمالها إلى العربية والهولندية والألمانية والإيطالية والروسية، ولقبت بفارسة جوقة الشرف عام 2000م. وقد رشحت أحدث رواياتها Sept pierres pour la femme adultère أو “سبعة حجارة للمرأة الزانية” (2007م)، لجائزتيْن هامتيْن.

الياس خوري (1948م)، روائي وكاتب مسرحي وناقد أدبي وعالم اجتماع، ويعد واحداً من رواد المفكرين والأدباء العرب المعاصرين. انضم في شبابه إلى صفوف حركة فتح ضمن منظمة التحرير الفلسطينية، ثم اشترك في  الحرب الأهلية. وقد تُرجمت رواياته إلى العديد من اللغات. وقد شغل لعدة سنوات منصب رئيس تحرير “الملحق” الأدبي الأسبوعي لصحيفة ” النهار ” اليومية. ومن أشهر أعماله “الجبل الصغير” و”رحلة غاندي الصغير” و”مملكة الغرباء” و”بوابة الشمس”. وهو يعيش متنقلاً بين بيروت ونيويورك.

يعيش أمين معلوف (1949م) في باريس ويكتب بالفرنسية. وهو الكاتب الأكثر براعة، فقد ألف العديد من الروايات والمقالات، وحتى النصوص الأوبرالية، فضلاً عن كونه قاصَّاً بارعاً. يبدو أن الهدف من الكثير من رواياته كان خلق المزيد من التفاهم بين المجموعات البشرية (المتعارضة).

وتقوم الكثير من رواياته على خلفية تاريخية، وبعض شخصياتِ مؤلَّفاته تمثل شخصيات تاريخية حقيقية. ومن أهم رواياته “ليو الأفريقي” و”صخرة طانيوس” (الحائزة على جائزة  Prix Goncourt  عام 1993م) و”رحلة بالداسار”. تتعقب روايته “الأصول”، المترجمة إلى لغات عديدة، تاريخ أجداده ضمن السياق الأوسع لتاريخ لبنان، بل والعالم.

جبور الدويهي (1949م) وهو روائي وصحفي أكاديمي. ومن أعماله “عين وردة” و”مطر حزيران” (التي رشحت عام 2008م لنيل  الجائزة الدولية للرواية العربية ، والمعروفة أيضاً باسم “جائزة صنّاع الكتاب العربي”) و”الاعتدال الخريفي”.

ألكسندر نجار (1967م)، الذي يعيش في فرنسا ويكتب بالفرنسية، هو واحد من أهم كتّاب جيله. وقد حصل على جائزة الفرنكفونية الكبرى في كانون الأول/ديسمبر 2009م. ومن بين كتبه السيرة الذاتية لجبران خليل جبران، و”مدرسة الحرب” و”برلين” و”فينيقيا” و”رواية بيروت” (والتي تتناول الأحداث المأساوية التي وقعت في عام 1860م وما بعدها).

المسرح والأفلام

المسرح شكل جديد من أشكال الفن في لبنان. المسرح التقليدي الوحيد – المستورد من إيران – هو الخاص بالشيعة الذين يؤدون شكلاً من الطقس المسرحي الذي يمثل آلام الحسين بن علي حفيد النبي، حيث يذرفون الدموع على المصير المحزن للحسين وأهل البيت. الحسين – الذي يعظّمه الشيعة في لبنان كشهيد، وبمعنى أوسع من الشيعة الاثني عشرية – قُتل في معركة كربلاء عام 680 للميلاد، وذلك في يوم عاشوراء (اليوم العاشر من شهر محرم، الشهر الأول من التقويم الإسلامي).

وهذا المسرح موجود أيضاً في دمشق. وقد تمت ترجمته إلى اللغة العربية حوالي عام 1910م. ومنذ عام 1930م يتم تمثيل موقعة كربلاء سنوياً في النبطية في يوم عاشوراء. وقد ازدادت أهمية هذا النوع من المسرح مع صعود نجم  حزب الله. في الوقت الراهن، وفي قرى أخرى في المنطقة، تقدم مسرحيات مشابهة، وقد انفتحت على المشاهدين من مناطق أخرى، بل والأديان الأخرى. ويحل الممثلون والمخرجون المحترفون محل الهواة السابقين، خاصة في النبطية.

ظهر المسرح في شكل أكثر غربية في لبنان في القرن التاسع عشر، عندما أمر تاجر من الأثرياء، مارون النقاش، بتمثيل مسرحية موليير الشهيرة “البخيل”، والتي كانت مسرحية غنائية بالكامل. ولفترة طويلة، كان هذا الشكل المهيمن على المسرح، ولا يزال العديد من الفنانين يمزجون التمثيل والموسيقى والغناء. فعلى سبيل المثال، زياد الرحباني، المعروف كفنان وكاتب أغاني، بدأ ككوميدي.

من أوائل كُتّاب المسرح والمخرجين اللبنانيين إيلي كرم. وقد ولد لأبويْن مسيحييْن في القسم المسلم من بيروت، وقد هرب من الحرب الأهلية إلى فيينا ومونتريال ليدرس الفنون الدرامية. وبعد الحرب عاد إلى بيروت وكتب وأخرج عدة مسرحيات ناقدة تكشف القضايا المثيرة للجدل في الشرق الأوسط. وقد حازت مسرحيته الجديدة “كلمني عن الحرب وأنا سأحبك” على جوائز مرموقة، وسوف تعرض في مهرجان أفينيون المسرحي الشهير عام 2010م

السينما

السينما فن شعبي جداً في لبنان. فقد أنجب لبنان – على صغر حجمه – الكثير من المخرجين السينمائيين، من أمثال زياد دويري وغسان سلهب ونيغول بيزجيان وسمير حبشي، وغيرهم. ويعد مارون بغدادي وبرهان علوي ورفيق وهاني سرور من رواد “الفن السينمائي” اللبناني المعاصر.

وقد غادر العديد من مخرجي السينما لبنان أثناء الحرب الأهلية، وقضوا سنوات طويلة في الخارج، حيث تعلم معظمهم مهنتهم هذه. وتظهر الحرب الأهلية والفترة التي أعقبتها كثيراً في أفلام هؤلاء، رغم أنهم لا يميلون إلى أي طرف على الأغلب، ولعل ذلك يرجع إلى أنهم قضوا فترة طويلة من حياتهم خارج البلاد. إلا أنهم يفضلون إظهار ما تفعله الحرب بالناس.

يميل جيل الشباب من المخرجين (من أمثال رندة الشهال صباغ ونادين لبكي ويوسف فارس وأسد فولادكار ودانييل عربيد وفيليب عرقتنجي وخليل جريج) إلى اختيار مواضيع مختلفة، وغالباً حول صعوبات الحياة اليومية.

الموسيقى

روّاد الثقافة الموسيقية

منذ إنشاء لبنان الحديث عام 1920م، أصبحت الموسيقى سمة من سمات جميع جوانب الحياة العامة والخاصة. وقد أسس  وديع صبرا ، ملحن النشيد الوطني اللبناني، مدرسة “دار الموسيقى” (1910- 1915م، ومن ثم مجدداً عام 1920م)، التي تحولت فيما بعد عام 1929م إلى  المعهد الوطني للموسيقى ، والذي يعدّ الأول من نوعه في الشرق الأوسط.

وبحلول منتصف القرن العشرين، أصبح المعهد الموسيقي معهداً مستقلاً بدعم من الدولة وتحت إشراف وزير التربية والتعليم. ومن عام 1953موحتى نشوب الحرب الأهلية عام 1975م، كان المعهد الموسيقي مركزاً ثقافياً إقليمياً، والذي كان بمثابة أرشيف وطني ومركزاً للبحوث الموسيقية، وتتضمن أوركسترا حجرة بقيادة رئيف أبي اللمع.

وخلال الحرب،  دُمر كل شيء من أدوات ، ووثائق، ومحفوظات، ومكتبات إما بالنهب أو الحرق. استأنف المعهد دوره كمدرسة وطنية للموسيقى والأرشفة والبحوث عام 1991م، وفي عام 1995م، تم رفع مرتبته إلى المعهد الوطني للتعليم العالي وأعيدت تسميته إلى المعهد الوطني العالي للموسيقى. ومنذ نشأته، يتضمن المعهد الموسيقي برنامجين: الموسيقى الكلاسيكية الغربية والموسيقى الكلاسيكية الشرقية. أضيفت في وقتٍ لاحق الموسيقى الشرقية الحديثة وموسيقى الجاز.

كما عملت الجامعات أيضاً على دمج الموسيقى في مناهجها الدراسية، ومن أولى الجامعات في الشرق الأوسط التي أنشأت قسم للموسيقى كانت  جامعة الرّوح القدس- الكسليك  (USEK) عام 1970م. وبعد ذلك، حذت الجامعات اللبنانية الأخرى حذوها، وخصوصاً بعد الحرب الأهلية.

جلبت الألفية الجديدة المزيد من مبادرات القطاع الخاص لإنشاء مدارس للموسيقى الحديثة، التي افتتحت في وقتٍ لاحق في المدن الرئيسية مثل بيروت، و جونية  ، و جبيل  ، وطرابلس ، وزحلة، وصور وصيدا. وتعتبر مدرسة موزارت شاهين الموسيقيّة الأكثر شهرة، حيث توجد في ثلاث مواقع في البلاد وتقدم دبلوم في الموسيقى.

الموسيقى التقليدية

الزجل

أثرت الإمبراطورية العثمانية، التي كان لبنان جزءاً منها لعدة قرون والتي انهارت في أوائل القرن العشرين، بشكلٍ كبير على الثقافة اللبنانية وانصهرت مع التراث الثقافي السابق المتراكم في المنطقة. أدى هذا إلى تقاليد موسيقية تتشابه إلى حدٍ ما مع تلك الموجودة في دول مجاورة مثل  سوريا  و فلسطين ، إلا أنها أيضاً تختلف عنها إلى حدٍ ما.

لا يزال حتى يومنا هذا أحد أقدم أشكال الموسيقى اللبنانية تقليداً حياً وبخاصة في المناطق الريفية،  الزجل ، وهو شعر مُغنى مرتجل، جزيئاً أو كلياً. وفي معظم الحالات، يأخذ شكل المناظرة بين شاعرين/ مغنيين أو فريقين، الذين يلقون أو يغنون أبيات من الشعر باللهجة العامية. تتولد الألحان الرئيسية من الشعراء أنفسهم مدعومة بالآلات الإيقاعية مثل الدف والرّق والطبلة. وفي بعض الأحيان، ترافقهم أيضاً بعض الآلات الموسيقية التقليدية مثل الناي أو العود أو القانون.

تعتبر حفلات الزجل من حفلات الترفيه الليلية المنفردة يجلس فيها الفريقين المتناظرين على طاولتين متقابلتين يغنون وهم يحتسون العرق (أحد أنواع المشروبات الكحولية) و/أو يأكلون المزة (المقبلات). وعادةً ما يكون هؤلاء الشعراء/ المغنين (المعروفين باسم الزجالين) من الشخصيات الاجتماعية المحترمة والمعروفة بموهبتهم في الزجل، وتتم دعوتهم للغناء في حفلات الزفاف والمناسبات الخاصة. يرتجل الزجالون أو يغنون الخطاب الشعري على شكل أبيات، حيث يتم غناء وتكرار الكلمات الأخيرة من البيت من قِبل جوقة موحدة تتكون من غالبية الحضور.

وعلى الرغم من  إحياء هذا اللون الغنائي  في لبنان بشكل كبير ، إلا أنّ الزجل لا يقتصر فقط على لبنان، بل لا يزال ممارساً، وإن كان نادراً، في أجزاء من فلسطين والساحل السوري. ومن بين الزجالين المعاصرين المعروفين في لبنان، شحرور الوادي ورشيد نخلة الذي كتب كلمات  النشيد الوطني ، وزين شعيب، وطليع حمدان، وزغلول الدامور، وحنا موسى، وأنيس فغالي، وموسى زغيب، وأسعد سعيد، والسيد محمد مصطفى، وخليل رزق، وفيكتور ميرزا، وشربل كاملة، وإدوارد حرب، وأسعد أسعد، ومنذر خير الله.

الدلعونا والهوارة

على عكس الزجل، تعتبر  الدلعونا  شكل من أشكال الشعر المغنى بشكلٍ كامل والذي عادةً ما يتم حفظه على الرغم من إمكانية ارتجاله أيضاً. يمكن تكييف الدلعونا لأي مناسبة، سواء كانت مناسبة سعيدة (مثل الأعراس أو أعياد الميلاد)، أو حزينة (مثل المآتم)، أو المناسبات القومية (مثل النصر أو الاستقلال)، أو المناسبات الاجتماعية (انتهاء العمل في الحقل، أو الذكرى السنوية للقرية، أو العطل)، أو حتى المناسبات الدينية. كما أنّ الدلعونا حاضرة بقوة في فلسطين وسوريا أيضاً، وتشبه الدبكة الأردنية والعراقية.

وفي حين أن موسيقى البوب العربية اللبنانية المعاصرة، المعروفة باسم الموّال، تقتبس العناصر من الزجل إلا أنها تتبنى بشكل كامل الدلعونا ويقوم مغنون بوب عرب معاصرون بغناء الأشكال الحديثة من الدلعونا مثل عاصي الحلاني، وفارس كرم، ونجوى كرم.

وتماماً مثل الدلعونا، تعتبر الهوارة شكل من أشكال الموسيقى اللبنانية البحتة المقتبس من الزجل. وفي حين أن الدلعونا شائعة في معظم دول بلاد الشام، إلا أن الهوارة تقتصر على لبنان. تعتبر الدلعونا موسيقى تقليدية راقصة منتشرة في بلاد الشام، إلا أن الهوارة موسيقى فلكلورية لبنانية راقصة، وفي معظم الحالات، لا يوجد دلعونا أو هوارة دون الدبكة.

الدبكة

ثقافة لبنان
راقصون لبنانيون يؤدون رقصة الدبكة التقليدية في الساحة الرئيسية بقرية دير القمر الجبلية الخلابة، في منطقة الشوف جنوب شرق بيروت مجلة إيل، 22 يونيو 2006. AFP PHOTO/RAMZI HAIDAR

الدبكة، هو اسم الرقص الشعبي لمن هم من أصول فينيقية أو كنعانية. واليوم، تعتبر الدبكة نمطاً موسيقياً تماماً كما هو نمط للرقص. ولا يزال الأفراد يرقصون الدبكة في الأعراس وحتى في النوادي الليلية،

وتوجد فرق الدبكة المحترفة في جميع أنحاء البلاد؛ أكثرها شهرة هي  فرقة كركلا ، التي أسست عام 1970م، وأنشأت مدرسة للرقص المسرحي والمسرحيات الموسيقية الراقصة. وتعتبر ثمرة تزاوج التعبير الفني الشرقي والغربي مما أنتج نوع فريد بات يُعرف حالياً باسم أسلوب كركلا.

الطرب

لا يوجد ترجمة دقيقة لكلمة “طرب” في اللغة الانجليزية، ولكن يمكن القول أنها “نشوة الاستماع للموسيقى” أو “أن يأسر المرء من الموسيقى،”. كما أن الطرب هو اسم نوع الموسيقى العربية الكلاسيكية المعاصرة.

لا يعتبر الطرب بالأصل شكلاً من أشكال الفنون من بلاد الشام، بل له تاريخ طويل يمكن تتبعه إلى العصر الذهبي للموسيقى العربية في العصر العباسي. ومع ذلك، يحظى الطرب بشعبية كبيرة في لبنان، سواء كان بشكله الكلاسيكي، مثل الموشحات الأندلسية أو القدود الحلبية (نسبة إلى مدينة حلب)، أو التفسير الأكثر حداثة والذي أشتهر في الستينات من قِبل المغنين المصريين مثل أم كلثوم وعبد الوهاب. وعلى الرغم من أن غالبية مغني الطرب المعاصر من المصريين، إلا أن القليل من الفنانين اللبنانيين أمثال و ديع الصافي ، المُلقب بـ ”صوت لبنان الخالد،” غامر بنجاح بالالتزام بهذا النوع. ويعتبر جورج وسوف أيضاً من مغني الطرب المعاصر المشهورين في لبنان على الرغم من كونه من أصل سوري.

صعود الموسيقى اللبنانية

تتميز الموسيقى اللبنانية الحديثة بمزيجٍ من التأثيرات الغربية والعربية، مما يعكس الطبيعة المعقدة ومتعددة الثقافات  للمجتمع اللبناني.

فيروز

من غير الوارد، الكتابة عن الموسيقى اللبنانية الشعبية دون التطرق إلى فيروز، المطربة التي لُقبت بـ “روح لبنان”، و” سفيرة لبنان إلى النجوم “.

فقد  صعدت  هي وزملاؤها، الملحنين  عاصي  و منصور الرحباني ، إلى عالم الشهرة في الوقت الذي كان فيه لبنان يحاول العثور على  هويته الوطنية  بعد انتهاء  الانتداب الفرنسي  عام 1946م.

ولدت نهاد حداد ”  فيروز  ” عام 1935م، وبدأت مشوارها الغنائي في سن المراهقة، حيث كانت مغنية كورس في الإذاعة اللبنانية. وهناك التقت بـ الأخوين الرحباني ،وبدأت مشوار العمل معهم، لتتزوج فيما بعد من عاصي، الأخ الأكبر.

برز الثلاثي على الساحة الوطنية عام 1952م بأغنية “عتاب” التي أصبحت أول أغنية ذائعة الصيت لهم. فقد أخبرنا رمزي سلطي، وهو لبناني يُحاضر في جامعة ستانفورد ويُقدم برنامج   Arabology ، الذي يُبث أغانٍ من العالم العربي، أنّ أغاني الأخوين الرحباني التي أعدّت خصيصاً لفيروز كانت تحولاً عن القطع الموسيقية الطويلة التي تخللها ألحان إضافية للأوركسترا والتي كانت تؤديها رموز الأغنية العربية التقليدية في السابق، أمثال  أم كلثوم.

ثقافة لبنان: فيروز.
فيروز، مطربة لبنان المشهورة.

فقد كانت أغاني فيروز قصيرة وتشبه أغاني البوب الغربية، لمدة ثلاث أو أربع دقائق، كما فضلت استخدام طبقة صوتية أكثر وضوحاً بدلاً من رنين الأنف التقليدي المستخدم في الموسيقى العربية. وحقيقة الأمر أن فيروز والأخوين الرحباني قد “أحدثوا ثورةً في الموسيقى اللبنانية كما أحدثوا ثورةً في الموسيقى العربية بشكلٍ عام”، كما يقول سلطي.

ويُضيف “في البداية، رفض الناس ذلك واعتبروها غربية الطابع بشكلٍ كبير، وبأنها لم تكن لبنانية على الإطلاق، وبأنها كانت تقّلد ببساطة الغرب، إلا أنها كانت مبتكرة”

لم يدم الرفض طويلاً؛ فسرعان ما أصبحت فيروز رمزاً وطنياً. فقد قدمت أغانيها في  مهرجان بعلبك الدولي  بانتظام، إلى جانب عدد من المطربين المشاهير في ذلك الوقت، من بينهم وديع الصافي و صباح. كما  ألف الأخوين الرحباني المسرحيات الموسيقية  للمناسبات، حيث لعبت فيروز دور البطولة.

لم تغادر فيروز البلاد بعد الحرب الأهلية عام 1975م، إلا أنها رفضت تقديم العروض داخل لبنان أثناء الحرب، وبدلاً من ذلك ذهبت في جولات غنائية في الخارج.

مغنيات البوب

ثقافة لبنان
الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي تغني في جونيه، 19 آب 2016. (Photo by ANWAR AMRO / AFP)

في فترة ما بعد الحرب، واصل لبنان تصدير الموسيقى المحبوبة إلى بقية العالم العربي.فقد شهد تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين صعود مغنيات البوب اللبنانيات أمثال نانسي عجرم وهيفاء وهبي وإليسا. فقد كانت هؤلاء المغنيات، بفيديوهاتهنّ المفعمة بالحيوية وكلمات الأغاني الإيحائية، عامل جذبٍ للجدل في دول الخليج العربي وأماكن أخرى في الشرق الأوسط.

فقد تم  منع نانسي عجرم من إحياء حفلاتٍ في الكويت  و البحرين. كما طالب البرلمان البحريني  بمنع هيفاء وهبي ، فيما  منعت  الحكومة المصرية عرض فيلمٍ مُثير من بطولة النجمة المغنية. إلا أنّ هذه الحوادث لم تؤثر قط على النجاح التجاري للمغنيات، بل على العكس تماماً، منحتهن المزيد من الشعبية.

فرقة Soapkills وازدهار الموسيقى المستقلة (الأندرجراوند)

وفي الوقت نفسه، وجد مجموعة من الجمهور الشاب الذي يبحث عن موسيقى عربية أكثر استقلالية وجرأة، ضالته في لبنان، مع وصول ثنائي Soapkills للموسيقى الالكترونية المستقلة.

الفرقة التي تأسست عام 1997م من قِبل  ياسمين حمدان  وزيد حمدان، مزجت التأثيرات الموسيقية العربية الكلاسيكية مع صوت موسيقى التريب- هوب (Trip-Hop)، أمثال Portishead و Massive Attack.

وقالت ياسمين حداد لصحيفة النيويورك تايمز أن الفرقة واجهت صعوبةً في البداية بعرض أغانيها على الإذاعات لأنها كانت تغني باللغة العربية. “لم يُعتبر ذلك أمراً رائعاً. إما أن تغني أغاني شعبية عربية تقليدية أو تغني الروك بالإنجليزية.”

وبالرغم من ذلك، أصبحت فرقة Soapkills واحدة من أكثر الفرق المحبوبة في الموسيقى اللبنانية المستقلة. وبعد 8 سنوات، انفصل الثنائي وذهب كلٌ في سبيله ليحقق نجاحاتٍ على صعيدٍ منفرد، ياسمين في باريس وزيد في لبنان.

الحركات الموسيقية الأخرى

ساهمت شعبية فرقة Soapkills في ازدهار المشهد الموسيقى لموسيقى الأندرجراوند والموسيقى المستقلة في لبنان، والذي يشمل مجموعة واسعة من الأنواع، من الجاز إلى البوسا نوفا التي تتقنها  تانيا صالح ، وصولاً إلى فرقة  الراحل الكبير ، التي اشتهرت بأغانيها الساخرة التي تتهكم على أيديولوجية  تنظيم الدولة الإسلامية ”  داعش.”

كما شهد لبنان أيضاً تنامي موسيقى الهيب- هوب، مع فنانين مثل الراس والريس بيك. وبالمثل، ظهرت فرق الهيب هوب حتى في المخيمات الفلسطينية في لبنان وبين  اللاجئين السوريين  الشباب الذين يعيشون في البلاد. كما شهد مشهد موسيقى الهيفي ميتال نشاطاً في لبنان منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث أن أقدم هذه الفرق هي   Blaakyum. عانى هذا النوع الموسيقي من مشاكل بشكلٍ دوري مع السلطات اللبنانية، حيث واجه عدة موجات من المداهمات والاعتقالات بحثاً عن أنشطة “شيطانية.”

الربيع العربي

على الرغم من أنّ لبنان لم يكن في مركز  احتجاجات الربيع العربي عام 2011 م، إلا أنه كان جزءاً من موجة  الأصوات الموسيقية الأكثر تمرداً  المنبثقة من الشرق الأوسط في تلك الفترة. ففي عام 2008م، سجل زيد حمدان أغنية  General Suleiman ، وهي من نوع موسيقى الريغي الموجهة للعماد ميشال سليمان، الذي كان رئيس الجمهورية آنذاك. وتضمنت كلمات الأغنية ما يشير إلى “رجال الميليشيات،” و”أمراء الحرب” و”السياسيين الفاسدين”، وانتهت بدعوةGene-gene-general, go home!، أي “أيها الجنرال عد إلى بيتك”.

بعد إصدار النسخة المصورة عن الأغنية، تم سجن حمدان لفترة وجيزة عام 2011م بتهمة إهانة الرئيس، حيث تسبب اعتقاله بغضب واسع بين جمهور حمدان. وذكر حمدان أنّ الأغنية كانت بمثابة دعوة للرئيس ليكون قوةً للسلام، بعد الاشتباكات التي اندلعت بين  حزب الله  والجماعات المنافسة عام 2008م.

مشروع ليلي

شهدت الساحة الموسيقية اللبنانية للموسيقى المستقلة مؤخراً نجاحاً آخر بظهور فرقة الروك اللبنانية،  مشروع ليلى. حصدت الفرقة، التي تشكلت عام 2008 من قِبل مجموعة من طلاب الجامعة الأمريكية في بيروت، نجاحاً تجارياً في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

الأسلوب المميز للفرقة مستقى من الصوت الانفعالي للمغني حامد سنو وعازف الكمان  هيج بابازيان. سنو  مثليّ الجنس  وأعلن ذلك صراحةً، وهو أمرٌ نادرٌ لشخصية من عالم البوب في العالم العربي، حيث تتطرق كلمات أغاني الفرقة لقضايا الجنس، وتعاطي المخدرات، والعنف السياسي، وهي من المواضيع التي تعتبر من المحرمات في المنطقة. ففي أبريل 2016م،  منعت الفرقة من تقديم عروضها في الأردن ، على الرغم من  رفع الحظر  في وقتٍ لاحق.

ثقافة لبنان: مشروع ليلى
مشروع ليلى

أصدرت الفرقة ألبومها الرابع،  ابن الليل ، في عام 2015م. احتل الألبوم المرتبة الأولى على قنوات أي تيونز المحلية، ووصل إلى المرتبة 11 على قائمة بيلبورد لمبيعات الألبومات، مما دفع  صحيفة الجارديان  إلى الكتابة: “في مثل هذا الأداء الرائع لا تبدو الأطوار ممكنة فحسب، بل وشيكة”.

فن العمارة

فن العمارة هو ما تبقى على الأكثر من ماضي لبنان. كانت مدينة جبيل أول مدينة تبنى بكاملها من الحجارة، ولا يزال هناك بعض الآثار الدالة على هذا النوع من العمارة، والتي تعود إلى آلاف السنين، ومعظمها يرقد الآن تحت الأنقاض الرومانية.

ثقافة لبنان
سائحون يمرون من جانب أعمدة معبد جوبيتر أثناء زيارتهم للمدينة الرومانية في مدينة بعلبك التاريخية في سهل البقاع في 23 تموز / يوليو 2008.AFP PHOTO/HASSAN AMMAR

وقد تضررت معظم الكنوز المعمارية أو حتى دمرت خلال واحدة من العديد من الحروب التي شهدتها هذه المنطقة على مر القرون. بالإضافة إلى التدمير الذي سببه الإنسان، وقع العديد من الهزات الأرضية. مع أنها آثار، تعتبر مدينة بعلبك الواقعة في وادي البقاع واحدة من المواقع الرومانية الأكثر إثارة للإعجاب في الشرق الأوسط. وقد استغرق بناء معبدي جوبيتر العظيم وباخوس العظيم أكثر من قرن، منذ عام 60 قبل الميلاد.

على مسافة غير بعيدة عن هذيْن المعبديْن، هناك أحد الآثار الأموية المتبقية، ألا وهو المسجد الكبير، المبني جزئياً من حجارة المعابد الرومانية في القرنيين السابع والثامن. والمبنى الأموي الآخر موجود في عنجر، أيضاً في وادي البقاع. ويعود ما تبقى هنا من المدينة الأموية إلى القرن الثامن الميلادي.

الفن المعماري الصليبي

كان الصليبيون وأولئك الذين قاتلوهم أيضاً بنائين. بنى الصليبيون الكنائس والقلاع. إحدى هذه الكنائس كنيسة القديس يوحنا المعمدان في مدينة جبيل (القرن الثاني عشر)، وهي كنيسة على الطراز الروماني، مع أن إحدى بواباتها من الطراز العربي النموذجي من القرن الثامن عشر. وعلى مسافة غير بعيدة تقع القلعة الصليبية التي بناها الفرنجة في القرن الثاني عشر.

تقع آثار قلعة ريمون (تولوز) دو سان جيل (القرن الثاني عشر) في مدينة طرابلس الواقعة في شمال لبنان. وبعد قرنين من الزمن، بني المسجد الكبير على أنقاض كاتدرائية القديسة مريم سيدة البرج التي بناها الصليبيون. ويعد هذا المسجد أقدم وأكبر مسجد مملوكي في لبنان. وتقع بجانبه أقدم مدرسة دينية في لبنان.

بنى الحكام اللبنانيون على مر القرون قلاعاً ومساجد وخانات (فنادق) وسرايا متنقلة. ويعد خان الفرنج (القرن السابع عشر) من أفضل الخانات التي حوفظ عليها، وقد بناه الأمير فخر الدين في مدينة صيدا. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بني قصر بيت الدين في جبال الشوف، وكان مقر إقامة الأمير بشير الكبير، من الأسرة الشهابية. وكان هذا المبنى في الأصل، والمشهور بفسيفسائه، صومعة للدروز.

من المحتمل وجود بعض المنازل التي تعود إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في أجزاء من طرابلس وبيروت. فن العمارة المعاصر عملي بشكل رئيسي، ولا يختلف كثيراً عن الموجود في مناطق أخرى من العالم.

الفنون الجميلة المعاصرة

ربيع مروة كما هو الأمر في جميع المجالات الأخرى تقريباً، الحرب الأهلية (1975-1990)م حاضرة بشكل كبير في أعمال العديد من الفنانين اللبنانيين.

وليد رعد – الذي عرضت أعماله في دوكيومنتا في كاسل وفي أماكن أخرى – أنشأ بالاشتراك مع بعض زملائه أرشيف أطلس جروب (1989-2004)م، حيث قام هؤلاء الفنانون بتوثيق وتمثيل الحرب الأهلية بعدة طرق مختلفة. ومن أشهر أعمال وليد رعد في هذا الصدد “رقبتي أرفع من شعرة”، والذي يضم مجموعة من 245 صورة فوتوغرافية لجميع الهجمات التي ارتكبت باستخدام السيارات المفخخة أثناء الحرب الأهلية.

وهناك عمل يسميه وليد رعد “مفكرة”، بعنوان Let’s be honest, the weather helped(لنكن صادقين، كان الطقس مساعداً)، الذي يضم صوراً ورسومات لشظايا قام بجمعها – وبالتالي، موثقاً، كما أدرك بعد سنين، جميع الدول الثلاث والعشرين التي سلحت أو باعت الذخائر لمختلف الفصائل المتحاربة.

خليل جريج وجوانا حاجي توما مصوران فوتوغرافيان، ويصنعان أفلام الفيديو والتجهيزات، مثلBeirut: urban fictions (بيروت: حكايا حضرية)، Wonder Beirut(بيروت العجيبة)، Distracted bullets(رصاصات طائشة). ويحاولان من خلال هذه الأعمال تقديم ما يسميانه فقدان الذاكرة الشعبية بشأن الحرب الأهلية.

ربيع مروة، في عمله Who’s afraid of representation? “من يخاف التمثيل؟” يريد طمس الخط الفاصل بين ما كان وما يمكن أن يكون. وابتكرت زينة الخليل فنون تصويرية تجمع بين الصور الجميلة الهابطة مع صورة طفل يحمل بندقية كلاشينكوف، على سبيل المثال.

وينحت نديم كرم تماثيل أثرية تمثل مخلوقات خيالية، لطيفة أو مخيفة – أو مزيج من الاثنين معاً. ويرسم ألفريد طرزي كوابيس: رؤوس خائفة ومشوهة، أو شخص وحيد تحدّق به أشكال آدمية تحيط به.

ومن الأعمال الأكثر مباشرة وصراحة هي أعمال مجموعة الرسامين الفلسطينيين في مخيم البدّاوي في شمال لبنان بالقرب من طرابلس. لوحات أو جداريات غالبية هؤلاء الفنانين – من أمثال نزار أبو عايد ويوسف شمس وبرهان حسين سليمان – سياسية على نحو واضح، وتصور مليشيات مسلحة أو أطفال يرشقون الحجارة أو الراية الفلسطينية أو ضحايا القصف الإسرائيلي. وقد تم إنجاز بعض هذه الأعمال بتكليف من حزب الله.

الحرف التقليدية

اختفت الحرف التقليدية، مثل بناء السفن – والمرتبطة بوجود غابات الأرز والصنوبر الهائلة – باختفاء الغابات. لكن صناعة الأثاث من الخشب المنحوت والمطعّم لا تزال قائمة، ولكن على نطاق صغير. وقد لاقت صناعة المنسوجات، التي يرجع الفضل فيها للطرق اللبنانية الفريدة في الصباغة، نفس مصير صناعة الأخشاب. وقد اشتهر اللون الأرجواني الملكي اللبناني بصفة خاصة.

وغالباً ما تكون المنسوجات في الوقت الراهن صناعية، جزئياً على الأقل، وقد تحول إنتاجها إلى الدول الأقل تكلفة. ولا تزال صناعة الحلي، التي دأب الفينيقيون على بيعها أثناء رحلاتهم خارج البلاد، مستمرة على أيدي الحرفيين المحليين.

ومن بين الحرف التقليدية تحضير المأكولات، والتي قد تكون أكثر الحرف المحافظ عليها. من الأنواع المختلفة من الخبز والمازاوات والمعجنات والمواد المحفوظة والمربيات والمخللات، إلى ماء الورد وماء الزهر البرتقالي، إلى جانب كل ما يمكن صناعته من زيت الزيتون (بما في ذلك الصابون)، وقائمة الأطعمة التقليدية طويلة.

الرياضة

لبنان هو أحد البلدان القليلة التي تزدهر فيها  الرياضات  الصيفية والشتوية. واستضاف لبنان ألعاب البحر الأبيض المتوسط لعام 1959م في بيروت، والألعاب العربية مرتين (1957م و1997م) وكذلك كأس آسيا 2000م.

كرة السلة تحظى بشعبية كبيرة في المنطقة والاتحاد اللبناني لكرة السلة عضو في الاتحاد الآسيوي لكرة السلة FIBA Asia. وسبق لمنتخب لبنان التأهل لبطولة فيبا العالمية ثلاث مرات بين عامي 2002م و2010م. ومن اللاعبين اللبنانيين الأكثر شعبية فادي الخطيب وإيلي مشنتف. حل المنتخب الوطني اللبناني في المرتبة 91 بحسب تصنيف الفيفا.

أحدث المقالات

فيما يلي أحدث المقالات التي كتبها صحفيون وأكاديميون مرموقون بشأن موضوع “الثقافة” و “لبنان”. تم نشر هذه المقالات في ملف البلد هذا أو في أي مكان آخر على موقعنا على الإنترنت:

Advertisement
Fanack Water Palestine