وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عدم الاستقرار يحفّز هوس الرموز غير القابلة للاستبدال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هوس الرموز
تُظهر صورة تم التقاطها في 6 فبراير 2018 شخصًا يحمل تمثيلًا مرئيًا لعملة البيتكوين الرقمية المشفرة. جاك جويز / وكالة الصحافة الفرنسية

جاستن صالحاني

انضم الشرق الأوسط إلى هوس البيتكوين. على الرغم  من اختلاف آليات اعتماد البيتكوين في دول الخليج عن تلك التي في الدول التي تعاني من مشكلات في القطاع الاقتصادي والمصرفي، فالاتجاه العام بدا واضحًا: إذ بدأ سكان الشرق الأوسط في اعتياد العملات المشفرة واعتمادها.

دفعت هذه الظاهرة كثير من الناس إلى طرح سؤال بسيط: ما هي العملات المشفرة؟ والإجابة أنها عملات رقمية غير مركزية تُحدث طيفًا واسعًا من ردود الفعل. وهي في رأي العديد من النقاد ملوثةٌ للبيئة، ويمكن استغلالها لتحقيق الثراء السريع. فالعملة المشفرة الشهيرة بيتكوين تستهلك الطاقة نفسها التي تستهلكها دولة تايلاند بأسرها، وتقترب معدلات انبعاثاتها الكربونية من معدلات التشيك.

لكن أنصار العملات المشفرة مقتنعون بأنها جزء من إعادة صياغة النظام المالي العالمي، وأنها، إلى جانب الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) والجيل الثالث من شبكة الويب (web 3.0)، ستعيد بناء كيفية تفاعل المجتمع مع الإنترنت. هذه الآراء يُعبّر عنها كذلك في الشرق الأوسط لكن مع اختلافات واضحة بين بلدان المنطقة الغنية والفقيرة.

وشهدت دول الخليج المتجهة نحو الاستثمار ازدهار العملات المشفرة في السنوات الأخيرة بعد أن كانت محل نقاش العلماء المسلمين حول حرمتها في بداية ظهورها. ورغم توقّع العديد أن تكون دبي مركز العملات المشفرة في المنطقة، فإن افتقارها للتشريعات المصرفية أدى إلى أن تكون جارتها البحرين هي الرائدة بتفوقها على جيرانها في سن قوانين العملة المشفرة عام 2019. وأصبحت منصة رين البحرينية رائدة في تداول العملات المشفرة في المنطقة التي تجازوت مليار دولار في النصف الأول من عام 2021 وفقا لسي إن إن بيزنس. وانضمت السعودية إلى السوق بإصدار عملتها الرقميةعابر. وفي حالة السعودية، فإن انخفاض تكاليف الطاقة عندها يعني قدرتها على إنشاء حقول تعدين تحصد من خلالها عملات مشفرة.

لكن في الوقت الذي تتطلع فيه دول الخليج إلى طرق جديدة لإبراز بريق أنظمتها النفطية المستبدة، ينظر سكان دول المنطقة الفقيرة –ومهاجريها- إلى العملات المشفرة باعتبارها وسيلة للحفاظ على أموالهم بعيدًا عن المؤسسات المالية الفاسدة.

ففي لبنان، أدى فساد الطبقة الحاكمة وسوء إدارتها المالية إلى فقدان العملة أكثر من 85% من قيمتها خلال عامين. وقال البنك الدولي إن الأزمة الاقتصادية في لبنان هي إحدى أسوأ الأزمات في العالم منذ نحو 200 عام وإن هذا النوع من الأزمات كان مقترنًا دائمًا بالحروب. وقد وضعت البنوك قيودًا على عمليات سحب الدولار، وهو ما يعني الحيلولة فجأةً دون المواطنين ومدخراتهم. ولذلك يرى كثيرون في العملات المشفرة وسيلةً لإبقاء أموالهم بعيدًا عن أيدي البنوك التي سرقتهم.

وقال أحد المتحمسين للعملات المشفرة يُدعى أحمد لرويترز: “من المضحك أن يقول الناس إن العملات المشفرة ليست حقيقية لأننا اكتشفنا في لبنان أنها حقيقة أكثر 100 مرة من اللولار الذي في المصارف”. واللولار هو “الدولار اللبناني” أو الدولار الأمريكي المحتجز في النظام المصرفي اللبناني.

وتقف أيديولوجية المعارضة إلى حد ما وراء اعتماد العملات المشفرة في لبنان. لكن معظم الشركات ما تزال ترفضها، كما تدل قيمتها المتقلبة على أنها ما تزال غير اعتمادية. لكن أي بديل سيلقى ترحابًا من المواطنين المنهكين في ظل الغياب التام للثقة في المؤسسات المصرفية.

وقال باتريك مارديني، الخبير المالي ومدير المعهد اللبناني لدراسات السوق، لموقع ميدل إيست آي: “قد يخسر البيتكوين 30% من قيمته، لكن الليرة  بالمقابل قد خسرت 100% من قيمتها”،

ومنذ عام 2013، يُعتبر شراء العملات المشفرة باستخدام بطاقات الدفع المحلية أو منصات التداول الرقمية مخالفًا للقانون في لبنان. ومن ثمّ تتم المعاملات في مجموعات على الواتساب أو التيليغرام دون رقابة رسمية، وهو ما يزيد من فرص التعرض للخداع أو فرض عمولات عالية.

ويرى اللبنانيون وغيرهم من المهاجرين في العملات المشفرة وسيلةً لإرسال التحويلات المالية إلى أسرهم. ولبنان هي ثالث أعلى دولة في العالم في التحويلات الخارجية حيث تمثّل نسبة 32.9 من الناتج المحلي الإجمالي، وقد بلغت 6 مليار دولار عام 2020. وعادةً ما تتطلب التحويلات بين الدول رسومًا عالية. لكن أحد مزايا لامركزية العملات المشفرة هي الرسوم المنخفضة، فهي تقدر ما بين 1% إلى 3% من قيمة التحويل. ومن ثمّ فإن الحصول على عملة مشفرة “يزيد من احتمالية استخدامها في التحويلات بين البلدان. وكما هو متوقع، فإن هذا الاتجاه يقوده حاملي العملات المشفرة المتزايدون” كما ذكر تقرير لبايمنتس PYMNTS ومؤسسة ذا ستيلر للتنمية عن التحويلات الخارجية العابرة للحدود.

أما الشيء الوحيد الذي يمكن استخدام العملة المشفرة في شرائه فهي الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، وهي أعمال فنية رقمية معرفة برموز تعريف محددة تحفظ الملكية. وإن كان بعض النقاد يرون سهولة نسخها أو سرقتها بضغطة زر لكن الرموز غير القابلة للاستبدال منطلقة في عالم الفن، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليست استثناءً في ذلك.

وفي 2021، باع فنان أمريكي يدعى بيبل Beeple قطعة فنية رقمية مقابل 69 مليون دولار. هذا الهوس هو ما دفع الفنانين والمنصات الفنية في الشرق الأوسط إلى اعتماد الرموز غير القابلة للاستبدال. فقد عرض آرت دبي، أكبر معرض سنوي في الشرق الأوسط للفن المعاصر، لأول مرة هذا العام في نسخته الخامسة عشر رموزًا غير قابلة للاستبدال. وقد خصص المعرض الذي استمر ثلاثة أيام جناحًا يضم 17 صالة عرض ومنصة لعرض الرموز غير القابلة للاستبدال لفنانين أجانب ومحليين.

وبينما ما تزال العملات الرقمية والرموز غير القابلة للاستبدال تشق طريقها في المجتمع، فمن الواضح أن كثيرين يرون أنها ستصبح جزءًا لا يتجزأ من مستقبل الشرق الأوسط. وقد لا يكون ذلك مفاجئًا، فقد كانت آخر مرة زادت فيها ثروات أشخاص كُثُر بهذه السرعة عند اكتشاف النفط في المنطقة نفسها. ومن ثمّ فإن اعتماد هذه التقنيات تحفزها ثروات المنطقة التي نمت مؤخرًا والتي قد تُفقد إلى الأبد.