وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خلافٌ كويتي حول عدم التوازن الديموغرافي

خادمات من الفلبين، الذين تستخدمهم وكالة التوظيف الكويتية، يستيقظون في مهجع لبدء يوم عملهن، مدينة الكويت، الكويت. Photo Jonas Bendiksen / Magnum Photo

علينا فرض ضرائب على تحويلاتهم المالية، كما ينبغي إجبارهم على دفع المزيد من المال مقابل الكهرباء، بل نحن بحاجة إلى مستشفيات للكويتيين فقط وعلينا ببساطة طرد بعض العمالة الوافدة من البلاد. في عام 2017، بات مثل هذا الخطاب يتردد بين مجموعة من أعضاء البرلمان في الكويت، في حين تُمثل العمالة الوافدة حوالي ثلثيّ السكان في البلاد.

وعلى ما يبدو، فإن استعادة التوازن الديموغرافي على رأس قائمة أولويات هذه المجموعة، التي تُصر على مناقشة “وضع المغتربين.” ومن المُقرر أن يُطرح هذا النقاش على طاولة الحوار بداية فبراير 2017.

ما المشكلة؟ فالأمور حتى الآن ليست واضحة تماماً. صحيحٌ أن العمالة الوافدة تمثّل غالبية سكان البلاد، ومن المفهوم، بطريقةٍ أو بأخرى، أنّ يشعر المرء بالقلق عندما يفوق عدد المغتربين سكان البلاد الأصليين، إلا أنّ هذه المشكلة تأخذ منحى عاطفي إلى حدٍ ما وتمتاز بـ”العنصرية،” أو كما يُسميها بعض صناع القرار في الكويت “بالتصرفات المشابهة لترامب،” عوضاً عن كونها مشكلةً مادية.

كما أنها ليست مشكلةً تاريخية أيضاً، بل وليدة اللحظة نوعاً ما. فقبل اكتشاف النفط في البلاد والإزدهار الذي وفره لاقتصاد لبلاد، كانت الكويت دولة صغيرة مجاورة للبحر، مع وجهة نظرٍ منفتحة على العالم والتي يقطنها خليطٌ سكاني. وإلى جانب نطاق هذا المقال لاستكشاف لمَ تغير هذا، تُجادل الكاتبة فرح النقيب، بشكلٍ مُقنع في كتابها: “تحول الكويت: لمحة تاريخية عن النفط والحياة الحضرية،” أن للأمر علاقة بالتخطيط الحضري ما بعد النفط، الذي عزل بفعالية المواطنين الكويتيين عن الأجانب بتوطينهم في أحياء منفصلة.

وإذا ما نحينا جانباً من أين أتت هذه المشاعر المعادية للمغتربين بالضبط، إلا أنه لا يمكن إنكار أن بعض البرلمانيين قد حولوها إلى قضية مالية. فالكويت تعاني من انخفاض في أسعار النفط ولا بد من إيجاد مخرج لاقتصادها أحادي الجانب. الفكرة الرئيسية هي أنّ الحدّ من العمالة الوافدة من شأنه أن يساعد- ولو جزئياً. ومرةً أخرى، ليس من الواضح تماماً الأساس الذي تقوم عليه هذه الحجة.

لم يتم عرض أي أرقامٍ ومن الصعب فهم كيف أن العمالة الوافدة تشكل عبئاً مالياً على البلاد. فصحيحٌ أن جميع العمالة الوافدة تمتلك تقريباً رعاية صحية مجانية، ولا يدفعون الضرائب، ولكن هذا كل شيء، فلا يُسمح لهم أيضاً باستملاك العقارات أو الاستثمار مباشرةً في الشركات الكويتية. بل على النقيض، فهم يُنفقون المال، ويخلقون نشاطاً اقتصادياً ويساهمون في استمرارية البلاد.

وعلاوة على ذلك، فإن أياً من العمالة الوافدة أتوا إلى الكويت بضربة حظ، فجميعهم تم جلبهم من قِبل أرباب عملٍ/ رعاة كويتيين، وهي نقطة يُثيرها في الكثير من الأحيان العديد من الكويتيين، بما في ذلك العديد من نواب البرلمان الذين يعارضون علناً المناخ الحالي المناهض للعمالة الوافدة.

كما يُشيرون إلى أنّ الكويت لا يمكنها الاستغناء قط عن العمالة الوافدة. وقد لا يكون هذا صحيحاً تماماً، فإلى حدٍ ما يمكنها ذلك. فهناك أعداد غير معروفة من العمّال المهاجرين العاطلين عن العمل الذين أغرتهم وكالاتٌ مشكوك بصحتها للعمل في الكويت بحجة الحصول على وظيفة، وهو الأمر الذي لم يتحقق قط. تكسب الوكالات المال، إلا أنه في نهاية المطاف يبقى العمال عاطلين عن العمل ودون أي وسيلة للعودة إلى ديارهم.

ويقول أحد الكويتيين المثقفين “من الأفضل لهم أن تعيدهم الحكومة إلى ديارهم. على الأقل منحهم تذكرة طائرة للعودة إلى بلادهم، وبخاصة العمال الفقراء منهم.” يتفق الكثيرون على هذه النقطة، كما تسعى الحكومة لوضع حدٍ لممارسات هذه الوكالات، سيما تلك المختصة بعاملات المنازل. فقد تم إقرار قانونٍ في يناير 2017 حول استخدام العمال المنزليين، ولكن حتى اليوم، لم يطرأ أي تغييرٍ يُذكر.

وبأي حال، لن يُعيد هذا التوازن الديموغرافي. ففي النهاية، يتعلق هذا الأمر فقط بمجموعة صغيرة من الناس. ويمكن قول ذات الشيء عن العمّال ذوي الأجور المنخفضة ممن يملكون وظيفة، إلا أنهم يشاركونها مع الكثير من الأشخاص. فمن المألوف أن تشاهد على سبيل المثال ستة أشخاص يقومون بقطع شجرة، إذ يقف غالبيتهم حول الشجرة يتفرجون. كما يتم تنظيف الشوارع يدوياً من قبل مجموعة كبيرة من عمال نظافة في الشوارع، ويبدو أن بعض المطاعم تضم نوادل أكثر من الزبائن.

من وجهة نظرٍ اقتصادية بحتة، يمكن للبلاد الاستمرار دون هؤلاء العاطلين عن العمل أو عمّال العمالة المقنعة، لأنها لن تحتاج إلى استبدالهم. ومع ذلك، فهم لا يشكلون سوى جزءاً صغيراً من السكان المغتربين. ولكن ماذا عن مئات الآلاف من العمالة الوافدة الذين يعملون في مجال البناء، والمعلمين، والعاملين في المنازل، والأطباء، والموظفين الإداريين، والمحاسبين، وما إلى ذلك؟

يمكن الاستغناء عنهم أيضاً؛ ولكن بشرطٍ واحد: ينبغي على الكويتيين أن يحلوا محلهم عند مغادرتهم. الآن، من غير المرجح أن يحصل هذا في أي وقتٍ قريب. فإما أن الشعب الكويتي حالياً لا يرغب في أداء الوظائف التي تعرضهم للخطر، أو أنهم غير مؤهلين للقيام بها (حتى الآن). فقد فشل برنامج التكويت، الذي يهدف إلى جذب المزيد من الكويتيين للعمل في القطاع الخاص، في الغالب، على مدار عمره الممتد لعشر سنوات، كما أنّ العديد من المؤسسات التعليمية تُقدم برامج لا تتناسب مع السوق- والطلب.

وبالتالي، بصرف النظر عن قطاع الاتصالات والبنوك، أظهرت غالبية قطاعات العمل القليل، وإن لم يكن انعدام، التحسن عندما يتعلق الأمر بعدد الكويتيين العاملين. ووفقاً لمكتب الإحصاء المركزي في الكويت، فإن كثير من الكويتيين، ما تصل نسبته إلى 58%، يفضلون العمل لبضع ساعاتٍ في اليوم في أحد الوزارات بدلاً من العمل لساعاتٍ طويلة بنفس الراتب في شركة خاصة.

هذا الجمود، الذي خلقته الحكومة، بات من الصعب اليوم كسره. وفي الوقت الراهن، يبدو من غير المحتمل أن تقوم الحكومة بتخفيض أعداد العمالة الوافدة إلى حدٍ كبير. وعلى المدى القصير، على الأقل، يبدو الأمر غير محتملٍ أيضاً، ويرجع ذلك أساساً لأن البلاد ستصطدم بعقبة.

ومهما كانت نتائجة، سيكون النقاش في البرلمان الكويتي ساخناً. فقد سببت هذه القضية انقساماً بين أعضاء البرلمان، وبخاصة بعد أن وصف أحدهم المغتربين بـ”المستوطنيين،” وهو مصطلحٌ غالباً ما يستخدم في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل. وكما يقول أحد نواب المعارضة، فإن وصف العمالة الوافدة بالمستوطنيين الاسرائيليين، تجاوزٌ كبيرٌ للحدود.