في عام 2014، قطعت البحرين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع قطربسبب دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، والتغطية الانتقادية لوسائل إعلامها وعلاقاتها مع إيران. وبعد ثمانية أشهر، وبعد أن طردت الدول الخليجية عدداً من كبار أعضاء جماعة الاخوان المسلمين، عاد الدبلوماسيون إلى الدوحة.
تم استدعاءهم مرةً أخرى في يونيو 2017، فعلى ما يبدو، كانت قطر تواصل التصرف بما لا يتفق مع رغبات جيرانها، الذين وعدوا – مع إصرار قطر بعدم إدراكها الخطأ الذي اقترفته – بنشر “قائمة المظالم.”
ومع إدراكهم أنّ مجرد البادرة الدبلوماسية- الرمزية غالباً- ستكون غير مجدية، قرر أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي الآخرون (بالإضافة إلى البحرين ومصر وبعض الدول التابعة)، فرض حصارٍ بحري وبري وجوي على قطر. وقد أثار القرار أزمةً سياسيةً داخل مجلس التعاون الخليجي، والتي قد لا تحل في أي وقتٍ قريب. ولكن ما هي الآثار المترتبة على الاقتصاد القطري؟
توقفت واردات الأغذية وغيرها من الواردات التي كانت تأتي أساساً من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وإذا ما صدّق المرء عناوين الأخبار المثيرة للقلق حول “شحنات المعونة الغذائية” من إيران وتركيا إلى قطر “المعزولة،” سيعتقد بسهولة أن البلاد كانت على وشك المعاناة من المجاعة.
بل كاد أن يكون هذا واقع الحال إذا ما كانت معزولةً بالفعل، نظراً لكونها بالكاد تنتج أي مواد غذائية من تلقاء نفسها. بيد أنها ليست معزولة فضلاً عن وجود بدائل؛ إلى جانب المال. وسرعان ما وظفت قطر هذه البدائل، وحتى الآن بنجاح.
فالطائرات والسفن لا تزال تصل البلاد من الدول التي لم تنضم لحمى الحصار عبر الموانىء والمطارات. ومن بين هؤلاء عضوي دول مجلس التعاون الخليجي، سلطنة عُمان والكويت، اللتان حافظتا على حيادهما فيما يتعلق بالنزاع وسرعان ما تدخلوا لسد هذه الفجوة. كما شُرّعت الأبواب أمام روابط شحنٍ جديدة، أو تسهيل بعضها، مع الهند على سبيل المثال.
كما ينطبق الأمر ذاته على خطوط المؤن، فلا يحتاج المرء سوى لزيارة لأحد المتاجر الكبرى القطرية ليرى، ويتأكد، أن لا نقص يُذكر، فلا توجد رفوف فارغة ولا حالةً من الهلع للشراء. فقد تم استبدال الحليب السعودي بالحليب التركي، واللبن السعودي باللبن الإيراني، والدجاج السعودي بالدجاج الباكستاني، وهلم جراً.
وعند سؤال المتسوقين قالوا أنهم لم يلاحظوا أي إرتفاعٍ ملحوظٍ في الأسعار. فمن الصعب القول ما إذا كان ذلك لأن الموردين الجدد يقدمون صفقاتٍ مماثلة لتلك السابقة، أو لأنّ الحكومة القطرية تدعم فرق السعر.
في الواقع، من غير المرجح أنّ “المعونة الغذائية” التي قدمتها كلٌ من تركيا وإيران ما يمكن للمرء أن يظنه: طعام مجاني. ولمَ لا تدفع قطر، على سبيل المثال، ثمن هذا الغذاء؟ ففي النهاية، تعتبر قطر أغنى دولة في العالم من حيث نصيب الفرد الواحد. بل من المرجح جداً أن ما يُسمى بالمعونة الغذائية ما هو إلا، بكل بساطة، فرصة تجارية جديدة لموردين جدد، الذين يأملون بمواصلة هذه العلاقة حتى بعد إنتهاء الأزمة.
في الحقيقة، قد يكونوا محظوظين، فعندما تنجلي العاصفة الدبلوماسية، قد تتردد الشركات القطرية “الساخطة” في العودة إلى مورديها القدامى، الذين يعتبرهم القطريون قد خرقوا العقود المبرمة بينهم.
كما شجعت الأزمة أيضاً البلاد على زيادة قدرتها الإنتاجية المحلية. فلطالما كانت الكفاءة الذاتية بنداً غاية في الأهمية على جدول الأعمال، إلا أنه لم يؤخذ على محمل الجد قط. فقطر تستورد 90% من غذائها، إلا أن هذا قد يتغير الآن.
وعلاوةً على ذلك، تلفت ملصقات وزارة الاقتصاد والتجارة، التي تحمل عبارة “معاً لدعم المنتجات الوطنية القطرية،” في المتاجر انتباه المستهلكين إلى المنتجات المحلية. وليس من الواضح على الفور النسبة المئوية لاحتياجات قطر التي يمكن أن تلبيها بالفعل، نظراً لمناخها الجاف، ولكن بالمال، يمكن شراء التكنولوجيا.
غالباً، تتدفق هذه الأموال من الغاز. ومع محافظة قطر على تصديرها للغاز، فمن المرجح أن تبقى في مأمن. وحتى الآن، تتواصل صادرات الغاز دون انقطاع فضلاً عن عدم تأثر الأسعار إلى حدٍ كبير. وفي الوقت الراهن، يبدو أن التدفق المستمر للدخل، مضمون.
ويرى بعض المراقبين أن إمدادات الغاز قد تمنح قطر الحماية التي تحتاجها ضد تصعيد النزاع؛ فالبلدان التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الغاز القطري قد تدفع نحو إيجاد حلٍ سلمي.
ومن المثير للاهتمام، أن واحدةً من تلك البلدان هي دولة الإمارات العربية المتحدة. فدولة الإمارات العربية المتحدة لم ولن تحظر الغاز القطري الذي يحافظ على تشغيل محطات توليد الكهرباء؛ فليس بمقدور الإمارات ترك مواطنيها دون كهرباء لإضاءة المنازل وتكييفها. بل على العكس، إذ يمكن لقطر أن تهدد جيرانها بخفض الإمدادات، إلا أنه من غير المحتمل أن تفعل ذلك، حيث سيُنظر إلى مثل هذه الخطوة بمثابة إعلانٍ للحرب.
وعلى الرغم من التغطية الإعلامية المثيرة للقلق، قد لا يكون الاقتصاد القطري من يعاني أشد معاناة، فعلى الرغم من أن الخطوط الجوية القطرية المملوكة للدولة، التي تشغل عشرات الرحلات اليومية إلى دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من دول الشرق الأوسط، قد تكون الخاسر الأكبر. فجيران قطر الغاضبين، ممن لدى كثير منهم مصالح تجارية كبيرة في البلاد، يتحملون التكاليف أيضاً.
وختاماً، كان يمكن لأبو ظبي والمنامة والرياض، توقع كل ما ذكر سابقاً، وربما لا.