وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حكومة تونس الهشة مُكلفة بإنقاذ الإقتصاد

Hichem Mechichi
هشام المشيشي (أسفل اليمين) ، رئيس الوزراء التونسي المكلف خلال جلسة برلمانية في العاصمة تونس في 1 سبتمبر 2020. Photo: FETHI BELAID / AFP

 Mat Nashed

تجنب البرلمان التونسي خوض إنتخاباتٍ مبكرة لا تحظى بأي تأييد شعبي بعد إقرار موافقته على الحكومة الثانية في البلاد في غضون ستة أشهر في الثاني من سبتمبر 2020. وعليه، باتت حكومة التكنوقراط الجديدة اليوم مُكلفةً بإنقاذ إقتصاد البلاد المتعثر ووضع حدٍ للجمود السياسي الذي أعاق تقدم دولة شمال إفريقيا منذ الإطاحة بالدكتاتور السابق زين العابدين بن علي في عام 2011.

وقع اختيار الرئيس قيس سعيّد على رئيس وزراء الحكومة الجديدة هشام المشيشي الشهر الماضي، وهو شخصية على خلافٍ مع الأحزاب المتنافسة في البرلمان. وفي ضوء ذلك، كشف المشيشي، وهو مرشح مستقل، عن حكومته قبل أسبوعٍ من حصوله على الثقة، حيث تتكون حكومته المقترحة من خبراء قانونيين وأساتذة جامعيين، بالإضافة إلى شخصياتٍ من المقربين من قيس سعيّد.

من جهته، قرر حزب النهضة الإسلامي، أكبر الأحزاب التونسية وعلى الرغم من خلافه المستمر مع سعيّد، دعم حكومة المشيشي رغم التحفظات التي أعرب عنها، حيث أوضح النهضة فيما بعد ضرورة تعيين حكومةٍ في البلاد لمعالجة أكثر القضايا إلحاحاً.

بالنسبة لمعظم التونسيين، لا توجد قضية أكثر إلحاحاً من الإقتصاد المتعثر الذي شهد بالفعل معاناةً كبيرة حتى قبل تعطل الصناعات بأكملها في ظل جائحة فايروس كورونا، حيث سيتولى علي الكعلي، المدير العام لبنك المؤسسة العربية المصرفية في تونس، هذه المهمة. وعليه، سيقود الكعلي وزارةً أعيد إحياؤها والتي ولدت بعد دمج وزارات المالية والاستثمار وأملاك الدولة في حقيبةٍ واحدة.

ومع ذلك، يقف الكعلي أمام مهمةٍ شاقة، فقد انكمش الاقتصاد التونسي بنسبة مذهلة بلغت 23% في الربع الثاني من عام 2020، وهو ما يمثل أكبر انخفاضٍ منذ عقدين من الزمان، بينما تعرض القطاع السياحي، على وجه التحديد، لنكبةٍ كبيرة بسبب جائحة فايروس كورونا، فقد انخفضت الإيرادات السياحية الشهرية بين عامي 2019 ومارس 2020، من 93 مليون يورو إلى 65 مليوناً فقط. وتقدر منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أن السياحة ستنخفض بنسبة 30 إلى 40 في المائة أخرى هذا العام قبل أن تتعافى تدريجياً.

وفي خضم هذه الصعوبات، سيتعين على الحكومة الجديدة الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي على الرغم من الديون المستحقة هذا العام بحوالي 30 مليار دولار و2,73 مليار دولار. وبالتالي، قد تُسفر شروط القرض الجديد إلى اندلاع اضطرابات إذا طُلب من تونس أن تفرض إجراءاتٍ تقشفية حادة في وقت مبكرٍ جداً، إذ لطالما احتدمت المظالم في المناطق الداخلية في تونس، التي تعاني بالفعل من بطالةٍ منتشرة مقارنة بالمناطق الساحلية الأكثر تطوراً. وعلى الرغم من أن القوى العاملة في الساحل تعرضت لإنتكاسةٍ كبيرة بسبب فيروس كورونا، إلا أن الوباء أدى بشكلٍ متوقع إلى تفاقم التفاوتات الإقليمية. ومع ذلك، فإن الحصول على قرض جديد أمر حيوي لموازنة الميزانية السنوية لتونس وبالتالي الحفاظ على قيمة عملتها.

من جهتها، تُشير مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير ربحية تركز على حل النزاعات في جميع أنحاء العالم ومقرها بلجيكا، إلى أن تونس يمكنها تحسين سبل العيش من خلال تفكيك شبكات المحسوبية التي تنخر عملية صنع القرار داخل مؤسساتها. وأضافت مجموعة الأزمات الدولية أنه ينبغي لتونس أيضاً دمج التجارة غير الرسمية وغير المشروعة في الاقتصاد الرسمي، حيثما أمكن ذلك. وبهذه الطريقة، يمكن للحكومة التونسية الاستفادة من أسواقٍ جديدة للحد من بيروقراطيتها المتضخمة، وتحسين سبل العيش ورفع الضرائب.

يعدّ هذا منطقاً سليماً بالنظر إلى أن التجارة غير الرسمية تُشكل ما نسبته 40% تقريباً من إجمالي الناتج المحلي للبلاد و32% من إجمالي العمالة، إذ يمكن لفرض الضرائب على هذه الأنشطة الإقتصادية أن يساعد تونس على سداد ديونها فضلاً عن تضييق الخناق على التجارة غير المشروعة.

من جهته قال يوسف شريف، المحلل السياسي التونسي ورئيس مركز كولومبيا العالمي في تونس، لفَنَك إن إضفاء الطابع الرسمي على التجارة غير المشروعة أمر صعب دون دعم النشطاء على مستوى القاعدة الشعبية ودعم النقابات العمالية الأبرز في تونس: الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والإتحاد العام التونسي للشغل، وأوضح: “إذا تم اقتراح الفكرة، فستحتاج إلى دعم اللاعبين الكبار مثل النقابات العمالية، وإلا ستؤدي إلى فرض ضرائب وقمعٍ واضطراباتٍ اجتماعية.”

كما نصح شريف الحكومة الجديدة بإيجاد توازنٍ بين إرضاء النقابات العمالية والحفاظ على علاقاتٍ جيدة مع الدائنين والمانحين الدوليين. ومع ذلك، من المتوقع أن يستمر الاقتتال السياسي لإعاقة الإصلاحات؛ المعضلة التي تجعل الكثيرين يشعرون بالحنين إلى الحكم الاستبدادي.

فقد بدأ الشباب المحرومون على وجه الخصوص في الاعتقاد بأن قائداً قوياً وحده من يمكنه إحداث تغيير إيجابي في تونس، فمن وجهة نظرهم، لم ينجح النظام السياسي الجديد سوى في حجب المحسوبية السياسية عن العيان والحفاظ على التفاوتات الإقليمية، وما لم تعالج الحكومة الجديدة المظالم الاقتصادية للداخل التونسي، فإن الحنين إلى الاستبداد سيستمر في النمو. وكثيراً ما يزعم المواطنون الأكثر ثراءً أن التونسيين ليسوا مستعدين للديمقراطية بعد، أو على الأقل ليسوا شعباً برلماني.

ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه حكومة المشيشي التكنوقراطية ينبع من الرجل نفسه الذي عينه، فقد اتهم الرئيس سعيّد، خلال مراسم تقديم الحكومة الجديدة، عدداً من السياسيين، دون ذكر أي أسماء، بالخيانة والتآمر على الدولة، لكن محمد يوسف، المحلل السياسي المستقل، أخبر بلومبرج أن المشيشي لن يكون أمامه خيار آخر سوى عقد اتفاقاتٍ مع بعض منافسي سعيّد.

وبدوره، يُتهم سعيّد بالضغط على المشيشي لتعيين أنصاره في مناصب رئيسية في الحكومة الجديدة. وفي حال ثبتت صحة هذه الإتهامات، فسيكون ذلك بمثابة انتهاكٍ خطير للسلطة الرئاسية بموجب الدستور، بينما يعدّ الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن تدخل سعيّد السياسي قد يثني المشيشي عن التعاون مع الأحزاب السياسية الكبرى، مما يؤدي إلى حل الحكومة.

وفي الوقت الراهن، لا يزال الدائنون والمانحون الدوليون يمنعون المركب التونسي من الغرق، حيث قدم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي للبلاد ما مجموعه 1,4 مليار دولار من المساعدات، إذ مكنت هذه الأموال الحكومة من توفير مبلغ 70 دولار لـ700 ألف شخص فقدوا مصادر رزقهم بسبب الوباء. ومع ذلك، فإن الاعتماد على الدائنين والمانحين الدوليين لا يعد حلاً طويل الأمد، إذ يتعين على الحكومة في نهاية المطاف معالجة المظالم الاقتصادية ذاتها التي أدت إلى الاضطرابات الشعبية في عام 2011 إذا كانت تأمل في استعادة الثقة في العملية الديمقراطية.

“لا يرى الجمهور الأوسع فرقاً بين الحكومة السياسية والتكنوقراطية،” على حد تعبير المحلل شريف، وأضاف “بالنسبة لهم، جميعهم رجالٌ يملكون سياراتٍ فارهة.”