وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سياسة التنويع الاقتصادي ترى في قطاع السياحة في الإمارات استثماراتٍ واعدة

UAE- Louvre Abu Dhabi Museum
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (وسط) وزوجته بريجيت ماكرون (يسار) والعاهل المغربي الملك محمد السادس (ثاني يمين) والرئيس التنفيذي الفرنسي لمجموعة فيمالاك وعضو مجلس إدارة أصدقاء اللوفر الأمريكيين، مارك لادريت دي لاشاريير (وسط- يمين) أثناء زيارتهم متحف اللوفر أبو ظبي خلال افتتاحه في 8 نوفمبر 2017 على جزيرة السعديات في العاصمة الإماراتية. Photo AFP

يعكس افتتاح متحف اللوفر أبو ظبي في نوفمبر 2017 سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة للتنويع الاقتصادي من خلال تطوير عروضها السياحية وتسهيل زيارات كلٍ من السياح المحليين والإقليميين والدوليين. ومن خلال الحوافز والمشاريع الجديدة، من المتوقع أن تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة هذه السياسة في السنوات القادمة.

فقد أصدر المجلس العالمي للسفر والسياحة، وهو منتدى عالمي يضم كبار اللاعبين في مجال السياحة، تقريراً في مارس 2017 يُشير إلى أن قطاع السياحة في دولة الإمارات العربية المتحدة يحتل المرتبة 21 من حيث التأثير المباشر على الناتج المحلي الإجمالي بما قيمته 18,7 مليار دولار، مقارنةً بالمتوسط العالمي البالغ 19,1 مليار دولار، والمتوسط الإقليمي البالغ 6,3 مليار دولار. ويعادل هذا ما نسبته 5,2% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقمٌ يتوقع أن يرتفع بنسبة 5,1% سنوياً إلى 31,6 مليار دولار في عام 2027، أي ما يعادل 5,4% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي.

وذكر التقرير نفسه أن القطاع يدعم، بشكلٍ مباشر، 317,500 وظيفة، أي ما نسبته 5,4% من إجمالي العمالة، وهو رقمٌ من المتوقع أن يرتفع أيضاً إلى 410 آلاف وظيفة (5,9%) بحلول عام 2027. كما يدعم القطاع 617,500 وظيفة أخرى بشكلٍ غير مباشر. وفي الوقت نفسه، بلغ الاستثمار في هذا القطاع 7,1 مليار دولار، أي نحو 7% من مجموع الاستثمارات التي تمت، ومن المتوقع أن يصل إلى 20,3 مليار دولار في السنوات الـ19 المقبلة (11,2%).

ومن الجدير بالذكر أيضاً أن الإنفاق على الترفيه أدى إلى توليد ما نسبته 77,4% من مساهمة السفر والسياحة في الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بما نسبته 22,6% من الإنفاق على الأعمال التجارية، كما بلغ الإنفاق الأجنبي 73,4%، مستحوذاً على الإنفاق المحلي بنسبة 26,1%.

ووفقاً لما ذكرته روتشيل تيرنر، مديرة الأبحاث في المجلس العالمي للسفر والسياحة، يأتي هذا الوضع “نتيجة لتيسير سياسة الحصول على التأشيرات إلى دولة الإمارات، وزيادة عدد الرحلات الجوية، وتطوير المشاريع السياحية الضخمة.” وأضافت إن “إدارة السياحة في دولة الإمارات العربية المتحدة تسير على الطريق الصحيح، ويُتوقع استمرار ارتفاع أعداد السياح الوافدين. تركزت معظم السياحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في دبي وبدرجة أقل في أبو ظبي. والآن، تعمل الإمارات الأخرى بنشاط على تطوير عروض منتجاتها السياحية، مما يوفر للزائرين فرصاً سياحية مختلفة في هذه العملية. وتظهر الدراسة المعيارية التي أجراها المجلس العالمي للسفر والسياحة إن مساهمة [السفر والسياحة] في التوظيف في المنطقة اليوم أكبر من الخدمات المالية والتصنيع والتعدين، كما ينمو القطاع بسرعةٍ أكبر من تجارة التجزئة والتعدين.”

فعلى سبيل المثال، وقعت الإمارات العربية المتحدة وثيقة إعفاءٍ من التأشيرة للإقامة القصيرة مع الاتحاد الأوروبي في مايو 2015، مما يسمح لمواطني الاتحاد الأوروبي بالسفر إلى الإمارات العربية المتحدة، ومواطني الإمارات العربية المتحدة بالسفر إلى الاتحاد الأوروبي، دون الحاجة للحصول على تأشيرة لمدة تصل إلى 90 يوماً خلال أي يومٍ من فترة الـ180 يوماً. وفي العام نفسه، قال وزير الاقتصاد، سلطان بن سعيد المنصوري، إن قطاع السياحة جزءٌ هام من الاقتصاد الوطني وركيزة أساسية لسياسة التنويع الاقتصادي في البلاد. وأضاف “عملياً، إن قطاع السياحة جانبٌ راسخٌ بالفعل من جوانب الاقتصاد الوطني، ومع وجود خططٍ لزيادة تطوير وتعزيز دوره في الفترة المقبلة، سنعمل بالتنسيق والتعاون مع مختلف السلطات ذات الصلة، على المستوى المحلي وعلى المستوى الاتحادي، لتقديم أفكارٍ جديدة ومبادراتٍ مبتكرة لتعزيز دور قطاع السياحة في نظام العمل الاقتصادي في الدولة.”

ففي 23 نوفمبر 2016، استضافت وزارة الاقتصاد أول منتدى للابتكار والتحول السياحي في دبي، وهو حدثٌ لمدة يومٍ واحد يهدف إلى عرض الفوائد المحتملة للابتكار في قطاع السياحة لأصحاب المصلحة الإقليميين.

ووفقاً لشركة بيزنس مونيتور انترناشيونال، وهي شركة بحثية، فإن التنوع هو مفتاح هذا التطور، مع توفير حوافز لبناء فنادق متوسطة، وتحسين سمعة الإمارات في مجال السلامة، والإقامة ذات المستويات المرتفعة، والتراث الثقافي الجذّاب، والتكيف مع الطبقة المتوسطة من السياح من آسيا وأفريقيا وزوّار الإقامات القصيرة. فعلى سبيل المثال، تقع مناطق الجذب الأعلى تصنيفاً على قائمةٍ تضم 12 موقعاً في الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لموقع السياحة والسفر، بلانيت وير، في قلب هذا التنوع المكتشف حديثاً. فقد أدرج الكاتب ضمن قائمته مبنى برج خليفة في دبي، ومسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، وجبال الحجر، ومتحف الشارقة للفنون، وقمة جبل حفيت، وحي البستكية القديم في دبي، وبالطبع الشواطىء والصحراء وغيرها. ويمكن لهذا أن يناسب احتياجات المغامرين، والسياح الثقافيين والباحثين عن الرفاهية، دون الحاجة إلى قطع مسافاتٍ كبيرة.

ويعتبر متحف اللوفر أبو ظبي، من بين أكثر وجهات الجذب الحديثة في البلاد، الذي افتتحه المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل، والذي جاء نتيجة اتفاقٍ عام 2007 بين حكومتي الإمارات العربية المتحدة وفرنسا. وقالت تيرنر لفَنَكFanack : “من المحتمل أن يستقطب وجود متحف اللوفر في قائمة المعالم السياحية للمدينة السياح، وأن يكون واجهةً ثقافية.” وأضافت “من المحتمل على وجه الخصوص أن يجذب المتحف محبي الفن والسياح الإقليميين الذين قد لا يستطيعون الذهاب إلى فرنسا.” إلا أن المتحف، الذي يعتبره البعض “مذهلاً،” تعرض أيضاً لانتقاداتٍ لافتقاره إلى الإبتكار إلى جانب كونه ذو طابع سياسي للغاية.

ومع ذلك، فقد تأخر افتتاح متاحف أخرى في أبو ظبي، ومن غير المؤكد إن كان سيتم افتتاحها أم لا. ومن بينها متحف غوغنهايم، الذي كان من المقرر افتتاحه بدايةً عام 2013، ولكن بسبب الصعوبات التقنية المتعلقة بالمشروع وقيادته، لا يزال المتحف مغلقاً. وفي الوقت نفسه، ألغى المتحف البريطاني صفقةً مع متحف زايد الوطني في أكتوبر 2017، أي قبل عامين من انتهاء عقد العشر سنوات، ذلك أن العمل على المبنى لم يبدأ بعد. وتبيّن هذه الأمثلة عدم وجود مؤسساتٍ خاصة أكثر من كون المشكلة تتعلق بعدم مشاركة الحكومة الإماراتية.

كما أثارت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية قضيةً أخرى غاية في الأهمية، حيث طالبت الحكومتين الفرنسية والإماراتية بحماية العمال الوافدين العاملين في الموقع منذ عام 2007. وقالت بنديكت جانيرود، رئيسة المنظمة في فرنسا، في مقالٍ نُشر قبل أيامٍ من افتتاح اللوفر “تم الانتهاء من بناء متحف اللوفر، ويعتبر الكثيرون المبنى مبتكراً من الناحية الفنية والجمالية.” وأضافت “إلا أنه اكتمل على حساب المعاناة الإنسانية في بلدٍ لا يزال حكامه يستخفونٍ بشكلٍ كبير بحقوق الإنسان ويقمعون أي صوتٍ انتقادي.”

وتبقى قدرة الإمارات العربية المتحدة على مواصلة تطوير قطاعها السياحي إلى جانب احترام حقوق الإنسان، سؤالٌ ينتظر الإجابة قبل تنامي النداءات الدولية في هذا الشأن.