وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الاقتصاد في الإمارات العربية المتحدة

سرعان ما تعافى الاقتصاد الإماراتي من آثار جائحة كورونا بفضل انفتاحه وتنافسيته في ظلّ البيئة الداعمة التي يوفّرها. لكنه ما زال يواجه بعض التحديات رغم ذلك، مثل تزايد الإيرادات الضريبية، وتقليل الاعتماد على إنتاج النفط، وتوطين القوى العاملة.

الاقتصاد في الإمارات
سيارات مصطفّة للتزود بالوقود في دبي، في 30 يونيو 2022. Giuseppe CACACE / AFP

علي نور الدين

تتبنّى الإمارات العربيّة المتحدة نموذج الاقتصاد المنفتح جدًا، القائم على خلق بيئة استثماريّة آمنة ومستقرّة، مع حوافز استثماريّة وضريبيّة جذّابة، وتشريعات وتنظيمات مُسهّلة جدًا لعمل الشركات والقطاع الخاص.

وعلى مدى العقود الماضية، سعت الإمارات إلى زيادةِ تنافسيّةِ اقتصادها المحلّي، من خلال تطوير البنية التحتيّة ووضع إستراتيجيّات حكوميّة متكاملة لزيادة مساهمة القطاعات غير النفطيّة، واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبيّة. وكانت آخر الخطوات المهمّة بهذا الاتجاه تعديل القانون الاتحادي بشأن الشركات الأجنبيّة عام 2020، بما سمح للمستثمرين الأجانب بتأسيس شركات وتملّكها بنسبة 100%، وعدم إلزام الشركات الأجنبيّة الراغبة بتأسيس فروع داخل الدولة بأن يكون لديها وكيل إماراتي.

تنويع الاقتصاد

بالفعل، تمكّنت الإمارات منذ تأسيسها من تحقيق تقدّم كبير على مستوى تنويع اقتصادها، وتقليص اعتمادها على الصادرات النفطيّة. فبحسب المركز الاتحادي للتنافسيّة والإحصاء، ارتفعت مساهمة القطاعات غير النفطيّة في الناتج المحلّي للدولة إلى حدود الـ 73.5% في الربع الأوّل من العام 2022، مقارنةً بنسبة لم تتخطّ الـ 10% عند تأسيس الدولة عام 1971. وخلال العام 2022 بالتحديد، حقّقت الإمارات أرقامًا قياسيّة غير مسبوقة في حجم تجارتها الخارجيّة غير النفطيّة، التي ارتفعت لتتخطّى حدود الـ 2.233 ترليون درهم إمارتي (أي نحو 608.44 مليار دولار)، بنموٍّ كبيرٍ نسبته 17% مقارنةً مع عام 2021.

وتُعتبر الإمارات ثالث أكبر منتج للنفط في مجموعة أوبيك، كما تُعدُّ أحد أعضاء المجموعة القلائل الذين يملكون طاقة إنتاجيّة كبيرة غير مُستخدمة بعد. وكان إنتاج الإمارات النفطي قد اتّبع مسارًا تصاعديًا حادًا بعد العام 2009. فقد ارتفع من حدود الـ 2.256 مليون برميل يوميًا في تلك السنة، إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميًا في العام 2018، وصولًا إلى 3.5 ملايين براميل يوميًا عام 2023، أي بزيادة نسبتها 55% خلال 14 سنة فقط. وهذا تحديدًا ما سمح للإمارات بالتوسّع في الإنفاق على مشاريع البنية التحتيّة وتطوير القطاع العام، التي سمحت بدورها بنموّ نشاط القطاعات الاقتصاديّة غير النفطيّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ إمارة أبو ظبي تُهيمن وحدها على نحو 96% من احتياط النفط الموجود في الدولة، فيما تتقاسم الإمارات الست الباقية احتياطات الخام الأخرى.

موقعٌ إستراتيجيٌّ

بالإضافة إلى إنتاج النفط ومرونة القوانين الاقتصاديّة وسهولة ممارسة الأعمال، تتمتّع الإمارات بمزايا أخرى سمحت بتطوير قطاعاتها الاقتصاديّة وجذب الاستثمارات الأجنبيّة.

فالإمارات تمتاز بموقعٍ إستراتيجيٍّ هام بين التكتّلات الاقتصاديّة والديموغرافيّة الكبرى، الواقعة في أوروبا والهند والصين وإفريقيا. كما تُجاور كبرى الدول المنتجة للنفط والغاز كالمملكة العربيّة السعوديّة وقطر والكويت. وهذا ما جعلها موقعًا جذّابًا للشركات الراغبة باتخاذها كمركز إقليمي لممارسة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط، أو كمحطّة لإعادة التصدير أو التصنيع، وخصوصًا في ظلّ تنافسيّة بيئتها الاستثماريّة مقارنةً بالدول المجاورة. واستفادت دبي على وجه الخصوص من هذه الميزة الجغرافيّة، بعدما تمكّنت، عبر الحوافز الضريبيّة ونموذج السوق المفتوح، من استقطاب المراكز الإقليميّة لِكبرى الشركات العاملة في الدول النفطيّة المجاورة.

كما تستفيد الإمارات من قطاع مالي قوي، فبحسب أرقام المصرف المركزي الإماراتي، يتجاوز حجم الودائع المصرفيّة في مطلع العام 2023 حدود الـ 2.24 ترليون درهم، أي ما يقارب الـ 610 مليار دولار، وما يوازي حدود الـ 1.37 مرّات الناتج المحلّي الإماراتي المتوقّع للعام 2022. وفي أواخر العام 2022، تجاوز حجم الموجودات الخارجيّة لمصرف الإمارات المركزي حدود الـ 134.57 مليار دولار، أي ما يقارب الـ 30% من حجم الناتج المحلّي الإماراتي. وهذه الملاءة الملحوظة، سمحت للقطاع المالي الإماراتي بلعب دور أساسي في دعم النموّ الاقتصادي، وتأمين الحاجات التمويليّة للقطاعات المنتجة.

وفي الوقت نفسه، تستفيد الإمارات من عوائد استثمار موجودات ضخمة في صناديق الاستثمار السياديّة التي تمتلكها، والمخصّصة لادّخار جزء من عوائد أنشطتها البتروليّة. ومن هذه الصناديق على سبيل المثال، جهاز أبو ظبي للاستثمار، الذي بلغت حجم أصوله في مطلع العام 2023 حدود الـ 683 مليار دولار، ما جعله ثالث أكبر صندوق استثمار سيادي على مستوى العالم. ومن هذه الصناديق كذلك مؤسّسة دبي للاستثمارات، التي بلغت قيمة أصولها الـ 229.8 مليار دولار في بداية 2023، ومؤسّسة مبادلة للاستثمار، التي امتلكت أصولاً بقيمة 226 مليار دولار خلال العام نفسه.

وبالرغم من جميع هذه المميّزات التنافسيّة، تواجه الإمارات العربيّة المتحدة منافسة مستجدة من جانب السعوديّة، بما يمكن أن يؤثّر على الدور الاقتصادي الإقليمي الذي تلعبه اليوم الإمارات. فالمملكة العربيّة السعوديّة تسعى منذ العام 2022 إلى تحويل الرياض إلى مركز اقتصادي إقليمي، تمامًا كحال دبي اليوم، عبر الإنفاق السخي على البنية التحتيّة وتقديم الحوافز الضريبيّة للمستثمرين. كما تحاول السعوديّة السير على خطى الإمارات في عمليّة تسهيل أعمال القطاع الخاص، وزيادة مرونة القوانين الاقتصاديّة. ولهذا السبب، من المرتقب أن يحكم التنافس الإماراتي السعودي، على دور المركز المالي الإقليمي، أداء حكومات الدولتين خلال السنوات المقبلة.

تأثير وباء كورونا والأداء الاقتصادي

خلال العام 2020، ومع تفشّي وباء كورونا، عانى الاقتصاد الإماراتي من مجموعة من الضغوط الاقتصاديّة القاسية، كان أبرزها تراجع أسعار برميل النفط العالميّة –خام برنت- إلى حدود الـ 41.96 دولار أميركي كمتوسّط سنوي في ذلك العام، بعدما بلغ 64.28 دولار أميركي كمتوسّط سنوي في العام 2019. بمعنى آخر، تراجع متوسّط أسعار النفط العالميّة بنسبة كبيرة بلغت 35% بين العامين، وهو ما أدّى إلى خسارة الميزانيّة العامّة والاقتصاد المحلّي هذه النسبة من عوائد إنتاج وتصدير النفط الخام.

وفي الوقت نفسه، ساهم تفشّي الوباء في وقف النشاط السياحي، حيث انخفضت مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلّي من 11.6% في عام 2019 إلى 5.4% في عام 2020، وفقًا لأرقام وزارة الاقتصاد الإماراتيّة. وحسب أرقام البنك الدولي، انخفض عدد الزائرين إلى الإمارات من 25.82 مليون زائر في عام 2019 إلى 8.08 مليون في عام 2020.

كما أدّى الوباء إلى خفض معدّلات الاستهلاك في الأسواق العالميّة، ما أثّر بدوره على جميع الأنشطة الإنتاجيّة غير النفطيّة في تلك السنة. وكنتيجة لكل هذه العوامل، شهد سوق العقارات انكماشًا حادًا في الأسعار ومعدّلات الطلب، ما أدّى إلى انكماش قيمة مساهمة استثمارات القطاع في الناتج المحلّي الإجمالي من 50.23 مليار درهم (3.68 مليار دولار) في عام 2019 إلى 47.15 مليار درهم (12.84 مليار دولار) في عام 2020 وهو انخفاض بنسبة 6.1%، بحسب أرقام وزارة الاقتصاد الإماراتيّة.

وفي الخلاصة، أدّت كل هذه العوامل إلى تسجيل انكماش في الناتج المحلّي الحقيقي بنسبة 5% خلال العام 2020، بحسب أرقام صندوق النقد الدولي. ورغم كل هذه الضغوط، تمكّنت الإمارات من تقليص العجز في ميزانيّتها العامّة خلال تلك السنة إلى حدود الـ 0.2% فقط من ناتجها المحلّي، ما حدّ من تداعيات الأزمة على مديونيّة الدولة العامّة.

الانتعاش

لاحقًا، ومنذ العام 2021، عادت الإمارات لتستفيد من ارتفاع متوسّط سعر برميل النفط عالميًا إلى حدود الـ 70.86 دولار عام 2021، بفعل انحسار تداعيات الوباء تدريجيًا، وعودة معدّلات الطلب العالميّة على مصادر الطاقة للارتفاع. ثم استفادت الإمارات من ارتفاع متوسّط سعر البرميل إلى مستوى 100.93 دولار خلال العام 2022، مدفوعًا بتداعيات حرب روسيا وأوكرانيا، واستمرار الارتفاع في الطلب على مصادر الطاقة في تلك السنة. كما ساهم امتناع مجموعة “أوبيك” عن رفع إنتاجها، ومن ثم اتخاذ مجموعة “أوبيك+” قرارات بتخفيض إنتاجها، بالمزيد من الارتفاعات في سعر برميل النفط في الأسواق العالميّة.

وفي الوقت نفسه، وبفضل محدوديّة عدد المقيمين في الإمارات العربيّة المتحدة، والقدرات الماليّة التي تملكها، كانت الإمارات الدولة الأولى التي تحقّق هدف التطعيم 100% ضدّ كورونا. وهذا تحديدًا ما ساعد في استعادة نشاط القطاع السياحي وسائر القطاعات الإنتاجيّة بسرعة قياسيّة، مقارنةً بسائر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وهذه الانتعاشة السريعة في القطاع السياحي، حافظت على زخمها خلال السنوات اللاحقة، إذ تُشير بيانات مجلس الإمارات للسياحة إلى أنّ عدد زوّار المنشآت الفندقيّة ارتفع في الربع الأوّل من 2022 بنسبة 10%، مقارنةً بالفترة المماثلة من العام 2019، قبل تفشّي وباء كورونا. كما ارتفع متوسّط مدّة إقامة هؤلاء في الفنادق بنسبة 25%، ونمت عائدات المنشآت الفندقيّة بنسبة 20%، مقارنةً بتلك الفترة أيضًا. وهذا ما يشير إلى استدامة النموّ الذي شهده القطاع السياحي بعد الخروج من أزمة تفشّي وباء كورونا.

ونتيجة كل هذه العوامل، تمكّنت الإمارات من تسجيل معدّلات نموّ لافتة، فاقت التوقّعات السابقة لصندوق النقد الدولي خلال العامين 2021 و2022. فبعد نموّ الناتج المحلّي بنسبة 3.9% خلال العام 2021، يقدّر صندوق النقد الدولي حاليًا أن تكون الإمارات قد سجّلت نسبة نموّ تناهز الـ 7.4% في ناتجها المحلّي، خلال عام 2022.

وفي أبريل 2023، توقّع صندوق النقد أن تستمر الإمارات بتسجيل نموّ لافت خلال العام 2023، بنسبة تقارب الـ 3.5%، نتيجة استمرار الضغط على أسعار النفط العالميّة، بالإضافة إلى استمرار النموّ المتوقّع في أنشطة القطاعات غير النفطيّة في الإمارات. ورغم الارتفاع المتوقّع في فاتورة الاستيراد، نتيجة معدّلات التضخّم المرتفعة التي تسجّلها الأسواق العالميّة خلال العام 2023، من غير المتوقّع أن يؤثّر هذا العامل على الوضع النقدي في الإمارات، بفضل الفوائض التي يحقّقها اليوم ارتفاع أسعار النفط.

التحديات

رغم كل التطوّرات الإيجابيّة التي يستفيد منها الاقتصاد الإماراتي اليوم، تواجه الإمارات بعض التحديات الجديّة، ومنها ضرورة زيادة نسبة العوائد الضريبيّة من إجمالي مداخيل الميزانيّة العامّة، لتقليص اعتماد الميزانيّة العامّة على إنتاج النفط. مع الإشارة إلى أنّ نسبة العوائد الضريبيّة من إجمالي مداخيل الموازنة بلغت حدود الـ 55% فقط، ما يعرّض الميزانيّة العامّة إلى ضغوط قاسية في حال حصول أيّ انخفاضات في أسعار برميل النفط، كما حصل عام 2020. ومن شأن هذه المخاطر أن تهدّد قدرة دولة الإمارات على الاستمرار بتمويل مشاريع البنية التحتيّة المخطّط لها، وهو ما سيترك أثره حكمًا على نسبة نموّ الناتج المحلّي خلال السنوات المقبلة.

ويشكّل توطين العمالة، أي توظيف المواطنين الإماراتيين في مؤسّسات القطاع الخاص، هاجساً أساسياً للحكومة الإماراتيّة. وتعتمد الإمارات حاليًا على خطّة حكوميّة تستهدف رفع نسبة التوطين في منشآت القطاع الخاص التي تضم 50 موظفًا فأكثر بمعدل 2% سنويًا للوظائف التي تتطلّب مهارات عالية، وصولًا إلى نسبة 10% عام 2026. ولدعم هذه الخطّة، تفرض الإمارات منذ بداية العام 2023 غرامات على المؤسّسات غير الملتزمة، بما يوازي 6000 درهم إماراتي عن كل وظيفة لم يتم توطينها وفقًا للمستهدف، على أن تزيد هذه الغرامة بواقع 1000 درهم إماراتي عن كل وظيفة على نحو سنوي.

وتُشير أرقام وزارة الموارد البشرية والتوطين إلى أنّ نسبة المواطنين الإماراتيين من إجمالي موظّفي القطاع الخاص والعمّال المستقلّين بلغت حدود الـ 3.72%، خلال العام 2021.

تنافسيّة الاقتصاد والموقع في السوق العالميّة

خلال العام 2022، تصدّرت دولة الإمارات –للعام السادس على التوالي- بلدان المنطقة العربيّة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تقرير الكتاب السنوي للتنافسيّة العالميّة، فيما حلّت الإمارات في المرتبة الـ 12 عالميًا. ويقيس الكتاب السنوي للتنافسيّة العالميّة مواطن القوّة والضعف في اقتصادات دول العالم المختلفة، بالاستناد إلى 334 مؤشّر، تتوزّع على أربعة محاور هي: الأداء الاقتصادي والكفاءة الحكوميّة وكفاءة قطاع الأعمال والبنية التحتيّة.

وحسب الكتاب السنوي للتنافسية، تمكّنت الإمارات من الحلول في المرتبة الأولى عالميًا من ناحية مؤشّرات: مرونة قوانين الإقامة، وقدرة السياسات الحكوميّة على التكيّف، وقلّة التهرّب الضريبي، وإدارة المدن، ونسبة مستخدمي الإنترنت، وتطوّر البنية التحتيّة للطاقة، بالإضافة إلى قلّة النزاعات العماليّة. ويبدو أن تَقَدُّم الإمارات في هذه المؤشّرات بالتحديد جاء نتيجة التركيز الحكومي الكبير، خلال العقود الماضية، على تطوير بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات، بما شمل تحديث التشريعات والتنظيمات التي تُعنى بنشاط الشركات التجاريّة، ومكنّنة الجزء الأكبر من المعاملات الحكوميّة.

ويستفيد الاقتصاد الإماراتي من التنوّع الكبير الموجود في تركيبته السكّانيّة، وخصوصًا لجهة توفّر العمالة الأجنبيّة الماهرة في مختلف القطاعات الاقتصاديّة. وهذا تحديدًا ما سمح للإمارات بالحلول ضمن الدول الـ 10 الأوائل في مؤشّرات: توفّر المديرين الكبار الأكفّاء، وتوفّر الخبرة الدوليّة، وتوفّر القوّة العاملة الماهرة. كما استفادت الإمارات من إنفاقها الكبير على تطوير قطاع الاتصالات خلال العقود الماضية، ما جعلها في المراتب الـ 10 الأولى في مؤشّرات: الأمن السيبراني، وتطوّر وتطبيق التكنولوجيا.

وعلى المستوى الإقليمي، حلّت الإمارات في المرتبة الأولى، فيما حلّت قطر في المرتبة الثانية. أمّا السعوديّة، فجاءت في المرتبة الثالثة والـ 24 عالميًا. وهذا تحديدًا ما يؤشّر إلى أنّ المملكة العربيّة السعوديّة مازالت بعيدة نسبيًا عن تخطّي الإمارات، في السباق القائم بينهما على مستوى تنافسيّة الاقتصاد وجاذبيّته للاستثمار الأجنبي.

البنية التحتيّة والنقل

تحتلّ الإمارات المرتبة الأولى إقليميًا، على مستوى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والـ 11 عالميًا، في مؤشّر البنية التحتيّة للجودة للتطوّر المستدام، الصادر عن منظّمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “يونيدو” (UNIDO). وبذلك، تقدّمت الإمارات على الكثير من دول العالم الأوّل، المعروفة بتقدّم بنيتها التحتيّة، كالبرتغال وسنغافورة وفنلندا والدانمارك وبلجيكا. مع الإشارة إلى أنّ هذا المؤشّر يعتمد على قياس خمسة عناصر أساسيّة، تسمح بتقييم قوّة البنية التحتيّة وكفاءتها، وهي: المواصفات القياسيّة والمقاييس والاعتماد وتقييم المطابقة والسياسة الوطنيّة للجودة.

وجاء تطوّر البنية التحتيّة الإماراتيّة مدفوعًا بإنفاق عام سخي على المواصلات وشبكات الطرق والاتصالات والكهرباء وغيرها، وكجزء من سياسة الدولة لتعزيز الخدمات العامّة المكمّلة لنشاط القطاعين الخاص والعام. وبحسب القوانين، تتولّى في الوقت الراهن سبعة جهات اتحاديّة مهمّة تطوير البنية التحتيّة للبلاد، هي: وزارة الطاقة والبنية التحتيّة، ووزارة التغيّر المناخي والبيئة، والهيئة العامّة لتنظيم قطاع الاتصالات والحكومة الرقميّة، والهيئة العامّة للطيران المدني، والمركز الاتحادي للتنافسيّة والإحصاء، وبرنامج الشيخ زايد للإسكان، بالإضافة إلى مجموعة بريد الإمارات. وتشرف البلديّات الـ 9 الموجودة في الإمارات على عمل هذه الهيئات الحكوميّة، وتنسّق أشغالها، ضمن المناطق الواقعة تحت صلاحيّاتها.

المطارات

في الوقت الراهن، تحتوي الإمارات العربيّة المتحدة على 22 مطارًا موزّعًا على ولاياتها السبع، منها 4 مطارات كبيرة، و7 مطارات متوسّطة الحجم، و11 مطارًا صغيرًا. ويُعتبر مطار دبي الدولي أحد أكثر المطارات ازدحامًا حول العالم، حيث يربط هذا المطار أكثر من 240 وجهة دوليّة، فيما يستقبل رحلات الطيران من أكثر من 100 شركة طيران. كما تحتوي إمارة دبي على مطار كبير آخر، هو مطار آل مكتوم الدولي، الذي بات يُعرف اليوم بمطار دبي وورلد سنترال، فيما تكمن أهميّة هذا المطار في كونه أكبر مركز لوجستي لنقل البضائع في العالم.

وتحتوي إمارة أبو ظبي على مطار أبو ظبي الدولي، الذي يخدم أكثر من 30 شركة طيران تتصل بأكثر من 100 وجهة حول العالم. ويتميّز هذا المطار بالتحديد بتقدّم التقنيّات المعتمدة في إدارة مرافقه، وتوفّر نظام السفر الذكي الآلي، الذي يُعد الأكثر تطوّرًا على المستوى الإقليمي. كما تحتوي إمارة الشارقة على مطار الشارقة الدولي، الذي يتميّز بسياسة السماء المفتوحة، التي تمنح جميع شركات الطيران من كافة أنحاء العالم بالوصول إلى المطار. وهذا تحديدًا ما سمح للمطار بتوسعة نشاطاته تدريجيًا، ليتخطّى اليوم عدد المسافرين عبره حدود الـ 5 ملايين مسافرًا سنويًا.

الطُرُق

بالإضافة إلى مطاراتها، تتميّز الإمارات بشبكة متكاملة من الطرق السريعة، التي تربط ولاياتها السبع وأبرز مدنها، كما تتميّز بشبكات مواصلاتها السريعة. وبحسب تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، تقع دولة الإمارات ضمن أفضل 7 دول في مؤشّر جودة الطرق. وتشمل شبكة الطرق السريعة في الإمارات ثمانية طرق رئيسيّة تربط الإمارات الـ 7 على النحو التالي:

– طريق E11: ويُعتبر أطول طريق سريع في الإمارات، حيث يربط منطقة السلع في إمارة أبو ظبي بإمارة رأس الخيمة.
– طريق E311: والمعروف مُسبقًا بشارع الإمارات: يربط هذا الطريق إمارة دبي مع جميع الإمارات الأخرى في الدولة.
– طريق E611: ويمتد بطول 110 كيلومتر، حيث يربط إمارات رأس الخيمة، وأم القيوين، وعجمان، والشارقة، بإمارة أبو ظبي، من دون الحاجة للمرور بوسط مدينة دبي.
– شارع الشيخ خليفة: ويربط بين كل من إمارتي دبي والفُجيرة بشكل مباشر.
– شارع الشيخ خليفة بن زايد: ويربط قرى المنطقة الشرقية ببعضها.
– طريق دبي الفجيرة: الذي يربط ما بين إمارات دبي، والشارقة، ورأس الخيمة.
– طريق دبي – العين: ويربط إمارة دبي بمدينة العين.
– جسر الشيخ زايد: الذي يربط يابسة إمارة أبو ظبي بجزيرتها.

الطاقة

كما تسعى الإمارات العربيّة المتحدة من خلال مبادرة “سوق الكهرباء” إلى رفع كفاءة إنتاج الكهرباء عن طريق استخدام أفضل الموارد الموجودة لإنتاجها، بالإضافة إلى خلق بيئة تنافسيّة بين شركات الكهرباء الموجودة بهدف تأمين أفضل خدمة للمقيمين لديها. ومن خلال “الاستراتيجيّة الوطنيّة للطاقة 2050“، تسعى الإمارات إلى رفع نسبة الطاقة النظيفة إلى 50% من مزيج الطاقة المستقبلي، وصولًا إلى مرحلة “الحياد المناخي” التام بحلول العام 2050. ولتحقيق هذا الهدف، تعمل الإمارات في الوقت الراهن على مجموعة من مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر، التي تسمح بخلق بنية تحتيّة صديقة للبيئة في قطاع الكهرباء.

المترو

يُعد استخدام المترو شائعًا للغاية في ولاية دبي بالتحديد. فمترو دبي يُعد أكبر نظام مترو آلي في العالم يعمل من دون سائق، حيث يمتد بطول 74.6 كيلومتر ويمرّ بـ 49 محطّة في دبي، منها 9 تحت الأرض. وترتبط محطّات المترو في دبي بشبكة واسعة من وسائل النقل الأخرى، كالحافلات ومحطات الأجرة والباص المائي، وهو ما يتيح للمستخدمين تنويع وسائط التنقّل داخل المدينة.

أما في أبو ظبي، فيتم العمل على إنشاء وتوسعة شبكة مترو بطول 131 كيلومتر، ما سيسمح بربط أبرز نواحي الإمارة وتكتّلاتها السكنيّة ومراكزها السياحيّة عبر هذه الشبكة. كما سيتم من خلال هذه الشبكة ربط إمارتي دبي وأبو ظبي، ما سيساهم بتطوير التكامل الاقتصادي واللوجستي بين الإماراتين.

الموانئ

تتميّز موانئ الإمارات بكثافة الطلب على خدماتها، بفضل النشاط التجاري القوي الذي تتمتّع به دولة الإمارات، وتنامي حجم التجارة الخارجيّة خلال العقود الماضية. وتضم الإمارات حاليًا 12 ميناءً ومنفذًا بحريًا تجاريًا، بالإضافة إلى أكثر من 310 مراسٍ بحريّة. أمّا أبرز هذه الموانئ، فهي ميناء زايد الذي يقع في مدينة أبو ظبي، الذي يُستعمل اليوم كمحطّة أساسيّة للسفن السياحيّة. كما تشتهر الإمارات بميناء راشد وميناء جبل علي في دبي، اللذان تديرهما شركة موانئ دبي العالميّة، ويلعبان دورًا رئيسيًا في الحركة التجارية لدولة الإمارات. أمّا إمارة الشارقة، فتتميّز بميناء حاويات خورفكان، الذي يمثّل ميناء المياه العميقة الطبيعي الوحيد في المنطقة، بموقع جغرافي يتناسب مع البواخر الكبيرة ذات الأحمال الثقيلة.

قطاع الخدمات

تشير أرقام البنك الدولي إلى أنّ حصّة قطاع الخدمات من إجمالي الناتج المحلّي للإمارات ارتفعت خلال العقد الأخير، من 41.3% عام 2011، إلى 51.6% عام 2021. وفي الوقت نفسه، ارتفعت نسبة العاملين في هذا القطاع، من إجمالي القوّة العاملة، من نحو 60% عام 2009، إلى 64.44% اليوم. وتعكس جميع هذه التطوّرات تنامي أهميّة قطاع الخدمات في اقتصاد الإمارات العربيّة المتحدة، كجزء من مساعي الدولة لتنويع اقتصادها، وتخفيض نسبة مساهمة الأنشطة النفطيّة في الناتج المحلّي. ويحتل اليوم قطاع الخدمات المرتبة الثانية بعد قطاع النفط، في مساهمته بالناتج المحلّي، ويشمل أنشطة السياحة والمطاعم والفنادق والنقل والترانزيت والاتصالات والخدمات الماليّة وخدمات الأعمال والتأمين والخدمات الصحيّة وغيرها.

وفي العام 2020، سمحت الإمارات العربيّة المتحدة بتملّك الشركات بشكل كامل من قِبل المستثمرين الأجانب، وهو ما مثّل دفعة كبيرة لجميع أنشطة قطاع الخدمات، وخصوصًا في مجالات الخدمات الماليّة والوساطة والتأمين وإعادة التأمين والتجارة. فبعد هذا القرار، بات بإمكان المستثمرين ممارسة الأنشطة الاقتصاديّة على الأراضي الإماراتيّة، من دون الارتباط بشركاء محليين، وهو ما شجّع المستثمرين على ضخّ المزيد من الاستثمارات في هذه القطاعات، التي كانت تحظى أساسًا بمكانة مهمّة في الاقتصاد الإماراتي. وبالفعل، ونتيجةً لهذا القرار، سجّل الرصيد التراكمي للاستثمارات الأجنبيّة نموًا بنسبة 13.7% عام 2021، بحسب أرقام وزارة الاقتصاد الإماراتيّة.

وفي مجال الخدمات، تشتهر الإمارات بكونها مقصدًا أساسيًا للسياحة العلاجيّة، التي تقدّمها المؤسسات الصحيّة الإماراتيّة. وقد تمكّنت الإمارات من تطوير هذا النوع من الخدمات خلال السنوات الماضية، بفضل توسّع الدولة في الإنفاق على القطاع الصحّي بالتحديد، حين ارتفعت مستويات الإنفاق على الخدمات الصحيّة لتوازي 4.766 مليار درهم إماراتي، أي نحو 1.3 مليار دولار، في الميزانيّة العامّة لسنة 2022، بحسب أرقام وزارة الماليّة الإماراتيّة.

الصناعة

خلال الأعوام الماضية، وبحسب أرقام البنك الدولي، ارتفعت مساهمة الأنشطة الصناعيّة من الناتج المحلّي الإماراتي من 41% عام 2016 إلى 47.5% عام 2021، بفضل الاهتمام الذي أعطته الدولة لتطوير البنية التحتيّة المكمّلة للنشاط الصناعي. وبلغت القيمة المضافة التي قدّمتها الأنشطة الصناعيّة للاقتصاد الإماراتي خلال العام 2021، حدود الـ 167.2 مليار دولار.

ويساهم القطاع في الوقت الراهن بتوظيف ما يقارب الـ 34% من القوّة العاملة المقيمة في الإمارات، في دلالةٍ على أهميّة هذه الأنشطة لخلق فرص عمل جديدة. مع الإشارة إلى أنّ نسبة الإماراتيين من إجمالي القوّة العاملة في القطاع الصناعي قي إمارة دبي بلغت نحو 2%، بحسب أرقام مركز دبي للإحصاء.

ويدير دور الدولة في دعم النشاط الصناعي وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدّمة، التي تعمل وفق إستراتيجيّة “مشروع 300 مليار”، والتي تستهدف رفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلّي الإجمالي إلى 300 مليار درهم بحلول العام 2031. ويُعدّ مصرف الإمارات للتنمية أحد الدعامات الأساسيّة لهذه الخطّة، حيث تحاول من خلاله الوزارة تأمين برامج تمويل خاصّة للمشاريع الناشئة، وتوفير خدمات استشاريّة ماليّة خاصّة للمؤسسات الصناعيّة، وتحفيز ريادة الأعمال والابتكار للشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسّطة. ولتحقيق هذه الغاية، رصد المصرف محفظة ماليّة قدرها 30 مليار درهم، لدعم مجموعة من القطاعات الصناعيّة الإماراتيّة.

ومن خلال هذه الإستراتيجيّة، تستهدف الإمارات التركيز على تطوير خمسة أنشطة صناعيّة أساسيّة وهي:
– الصناعات العلاجيّة، كالمستلزمات الطبيّة والأدوية والتكنولوجيا الحيويّة.
– الصناعات الغذائيّة ومشتقاتها.
– الصناعات التكنولوجيّة، بما فيها تكنولوجيا الطاقة المتجدّدة وتكنولوجيا التعليم وأجهزة تخزين المعلومات والإلكترونيّات.
– الصناعات المكمّلة للبنية التحتيّة، كالصناعات المرتبطة بقطاع الطاقة والاتصالات والنقل والبنية التحتيّة الرقميّة.
– الصناعات المرتبطة بقطاع البتروكيماويّات والبلاستيك.

وبذلك، يبدو أن الإستراتيجيّة الحكوميّة تحاول مواءمة الخطط المرتبطة بتطوير القطاع الصناعي، مع سائر الخطط القائمة أساسًا لتطوير البنية التحتيّة والقطاع الصحّي وتكنولوجيا المعلومات. كما يبدو أن الإستراتيجيّة تقوم على استثمار ثروة البلاد النفطيّة، وتحويلها إلى ميزة تنافسيّة تسمح بتطوير الصناعات البتروكيماويّة.

الزراعة والثروة الحيوانيّة

تشكّل البيئة الصحراويّة أكثر من ثلاث أرباع المساحة الإجماليّة لدولة الإمارات، حيث تتّسم هذه البيئة بقلّة الأمطار وجفاف الرمل وارتفاع درجات الحرارة معظم أيّام السنة. كل هذه العوامل، زادت من حساسيّة مسألة الأمن الغذائي بالنسبة للدولة الإماراتيّة، ما دفعها إلى إعطاء اهتمام خاص بالقطاع الزراعي والثروة الحيوانيّة. ولهذا السبب، وضعت الإمارات عام 2020 “النظام الوطني للزراعة المستدامة”، لزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي في الدولة من المحاصيل الزراعية، وتحسين المردود الاقتصادي للقطاع، وزيادة الاستثمارات فيه وتوظيف التكنولوجيا لرفع الإنتاجية الغذائية للقطاع الزراعي. كما استحدثت الإمارات وزارة للأمن الغذائي والمائي، لمتابعة تنفيذ مندرجات هذه الخطّة.

وفي الوقت الراهن، تتركّز مشاريع الإمارات في مجال الزراعة والثروة الحيوانيّة على استحداث مزارع قمح في منطقة مليحة في إمارة الشارقة، لتلبية الاحتياجات الغذائية، ورفع معدّلات الإنتاج التي تضمن الوفاء بالكميات اللازمة لتغطية حاجات مدن ومناطق إمارة الشارقة. ومن المفترض أن تسهم هذه المزارع في تقليص اعتماد الإمارات على استيراد القمح من الخارج، ما يعزّز الأمن الغذائي للدولة.

كما تعمل الإمارات على خططٍ لتطوير مزارع السمك، ومصانع الأعلاف الحيوانيّة، وتعزيز إنتاجيّة الدولة من المياه المحلّاة القادرة على تعزيز الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى تنظيم المخزون الإستراتيجي من السلع الغذائيّة ومراقبة معدّلات الاستهلاك والطلب. وفي الوقت نفسه، تقوم الدولة بمشاريع مختلفة لتطوير الأراضي الزراعيّة واستصلاحها، وتوزيعها على المستثمرين الراغبين بالقيام بالمشاريع الزراعيّة. كما توفّر الدولة رزمة من التسهيلات الماليّة والقروض، الكفيلة بتأمين الحلول التمويليّة للمشاريع الزراعيّة. وأولت الدولة الإماراتيّة أهميّة خاصّة لدعم تأسيس مراكز الأبحاث، المخصّصة لإجراء التجارب العلميّة الزراعيّة، بهدف زيادة كفاءة وإنتاجيّة القطاع الزراعي المحلّي.

وفي ما يخص الأمن الغذائي، تعمل الإمارات وفق مندرجات ” الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051″. وتسعى تلك الإستراتيجية إلى “تطوير منظومة وطنية شاملة تقوم على أسس تمكين إنتاج الغذاء المستدام، من خلال توظيف التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، وتعزيز الإنتاج المحلّي، وتنمية الشراكات الدولية لتنويع مصادر الغذاء، وتفعيل التشريعات والسياسات التي تسهم في تحسين التغذية والحدّ من الهدر، لضمان الأمن الغذائي في كافة الظروف.”

وتصدّرت الإمارات خلال العام 2022 دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في نتيجة المؤشّر العالمي للأمن الغذائي الصادر عن “إيكونوميست إيمباكت”. وعلى المستوى العالمي، حصلت الإمارات على المرتبة 23 في نتيجة هذا المؤشّر، متقدّمةً بـ 12 نقطة مقارنةً بالعام السابق.

ووفقًا لأرقام البنك الدولي، ارتفعت القيمة المضافة من الأنشطة الزراعيّة في الاقتصاد الإماراتي من 2.21 مليار دولار عام 2010 إلى 3.79 مليار دولار عام 2021. مع العلم أنّ نسبة العاملين في القطاع الزراعي، من إجمالي القوّة العاملة في الإمارات، انخفض في الوقت نفسه من 3% عام 2010، إلى 1% عام 2019، ما يؤشّر إلى أنّ توسّع الإنتاج الزراعي اعتمد على تطوير الأساليب المعتمدة لزيادة الإنتاجيّة.

التجارة

مثّلت التجارة تاريخيًا أحد أسباب نشوء وازدهار العديد من المدن الإماراتيّة، كحال الشارقة ودبي، التي لطالما اعتمدت على التجارة البحريّة مع بلاد فارس والهند وجزر المحيط الهندي والساحل الشرقي لقارّة إفريقيا. وقبل اكتشاف النفط والغاز، اعتمد سكّان المنطقة على تجارة اللؤلؤ بعد صيده من البحر، وهو ما مثّل مصدر الرزق الأساسي لهم.

وبعد تأسيس دولة الإمارات، تحوّلت الدولة تدريجيًا إلى مركز أساسي لتجارة الترانزيت، بالاستفادة من موقعها المميّز، وخصوصًا بعد توسعة موانئها واعتماد الاقتصاد المفتوح ووضع التنظيمات المسهّلة والجاذبة للاستثمار.

كما حرصت الإمارات على تطوير البنية التحتيّة المساندة للنشاط التجاري، وخصوصًا تلك المتصلة بقطاعات اللوجستيات والنقل وهو ما ساهم بتوسيع نطاق النشاط التجاري. وفي الوقت نفسه، أسّست الإمارات أكثر من 40 منطقة حرّة، منها على سبيل المثال جبل علي في دبي، ومدينة مصدر في أبو ظبي، المنطقة الحرّة في الحمرية في الشارقة، وغيرها. وجميع هذه المناطق الحرّة، حظيت بامتيازات هامّة، كالإعفاءات والحوافز الضريبيّة والإجراءات الرسميّة المبسّطة وسهولة إجراء العمليّات التجاريّة.

وبحسب وزارة الاقتصاد الإماراتيّة، ارتفع حجم التجارة الخارجيّة غير النفطيّة لدولة الإمارات عام 2022 لتتجاوز حدود الـ 2.23 تريليون درهم، أي ما يوازي الـ 599 مليار دولار، وهو ما مثّل زيادة بنسبة 17% مقارنةً بالعام السابق. أمّا الصادرات غير النفطيّة بالتحديد، فسجّلت ارتفاعًا خلال العام 2022 بنسبة 6%، مقارنةً بالعام السابق، وبنسبة 52% مقارنةً بالعام 2019، وهو ما يؤشّر إلى تنامي إنتاجيّة القطاعات غير النفطيّة الإماراتيّة بشكل لافت.

وتحرص الإمارات حاليًا إلى تطوير تبادلاتها التجاريّة مع دول محدّدة كالهند، التي أبرمت مع الإمارات اتفاقيّة تجارة حرّة واسعة النطاق خلال العام 2022. وتراهن الإمارات على زيادة تبادلاتها التجاريّة مع الهند إلى حدود الـ 100 مليار دولار، خلال الأعوام الممتدّة بين 2023 و2027، نتيجة اتفاقيّة التجارة الحرّة.

وتأتي الصين والولايات المتحدة والسعوديّة في طليعة الشركاء الرئيسيين للإمارات، فيما تشهد تجارة الإمارات مع تركيا تطوّرًا لافتًا بعدما زادت التبادلات التجاريّة بين الدولتين بنسبة 40% خلال العام 2022. في مارس 2023، وقّع البلدان اتفاقية تجارة حرة تهدف إلى زيادة التجارة بينهما إلى 40 مليار دولار خلال السنوات الخمسة المقبلة.

أقامت الإمارات وإسرائيل علاقات دبلوماسية بعد توقيع اتفاقيات إبراهيم في سبتمبر 2020، ما أتاح التطبيع العلني للعلاقات التجارية بين البلدين. وفي أبريل 2023، دخلت حيّز التنفيذ اتفاقيّة الشراكة الاقتصاديّة الشاملة بين الطرفين، والتي تنصّ على خلق بيئة تجاريّة مفتوحة وغير تمييزيّة بينهما، وإعطاء مقدّمي الخدمات في كل دولة فرصة الاستفادة من الخدمات المحليّة في الدولة الأخرى.

وتتوقّع وزارة الاقتصاد الإماراتيّة أن ترفع هذه المعاهدة حجم التبادلات التجاريّة بين الطرفين إلى أكثر من 10 مليار دولار أميركي خلال خمسة سنوات، كما تتوقّع أن تزيد حجم الناتج المحلّي بنحو 1.9 مليار دولار في عام 2030.

وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى ارتفاع حجم الصادرات الإماراتيّة إلى إسرائيل إلى نحو 942.96 مليون دولار عام 2022، مقارنةً بـ 115 مليون دولار فقط عام 2020. وفي المقابل، ارتفع حجم الصادرات الإسرائيليّة إلى الإمارات إلى نحو 635.53 مليون دولار عام 2022، مقارنةً بـ 74 مليون دولار فقط عام 2020.

السياحة

بين عامي 2021 و2022، استعاد القطاع السياحي في الإمارات عافيته بسرعة فائقة، بعد النكسة التي أصابته جرّاء تفشّي وباء كورونا عام 2019. وحسب أرقام لدائرة الاقتصاد والسياحة بدبي، كان عدد الزوّار الدوليين لمدينة دبي قد ارتفع بنسبة 97% خلال العام 2022، مقارنةً بالعام السابق، ليتجاوز حدود 14.36 مليون زائر، وهو ما تجاوز معدلات ما قبل تفشّي وباء كورونا. وفي النتيجة، ارتفعت نسبة الإشغال الفندقي خلال العام لتلامس نسبة الـ 73%، وهو ما تجاوز مستويات تعافي القطاع السياحي في الدول المجاورة. ومن المعلوم أن دبي تمثّل وجهة سياحيّة مميّزة في الإمارات العربيّة المتحدة، فيما تستهدف “أجندة دبي الاقتصاديّة” تحويل المدينة إلى إحدى أفضل ثلاث مدن اقتصاديّة في العالم.

وخلال العام 2022، شكّلت كلّ من أوروبا الغربيّة ودول مجلس التعاون الخليجي ما نسبته 21% -لكلّ منهما- من عدد الزوّار الدوليين لدبي، بينما تشكّل منطقة جنوب آسيا ما نسبته 17% من إجمالي الزوّار. وبلغت حصة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما نسبته 12% من إجمالي الزوّار، فيما اقتصرت حصّة الأميركيّتين على نحو 7% من الزوّار. وتشير هذه الأرقام بوضوح إلى تنوّع زوّار دبي الدوليين، من ناحية الجنسيّة والثقافة.

ومن ناحيتها تحاول الإمارات الأخرى كأبو ظبي والشارقة تعزيز وضعيّة القطاع السياحي لديها، بالاستفادة من تجربة دبي الناجحة في هذا المجال. ولهذا السبب، أنشأت أبو ظبي هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، بهدف المواءمة بين نموّ ثلاثة قطاعات رئيسيّة، هي قطاع السياحة، قطاع الثقافة وقطاع دار الكتب. وتسعى الهيئة من خلال تطوير القطاعات الثلاثة إلى تطوير “مكانة أبو ظبي العالمية والترويج لها كوجهة سياحية مستدامة رائدة، عبر تقديم تجربة سياحية وثقافية مميّزة للزوار والمجتمع تنسجم مع رؤية أبو ظبي الاقتصادية 2030، من خلال مجموعة واسعة من الأنشطة والفعاليات الرئيسية، مع المحافظة على تراث وثقافة الإمارة.”

المساعدات الإنمائيّة

تمتلك الإمارات العربيّة المتحدة تاريخًا عريقًا في مجال المساعدات الإنمائيّة المقدّمة إلى سائر الدول والمجتمعات في جميع أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، ومنذ بدء جائحة كورونا في مارس 2020 وحتى يوليو 2021، بلغ إجمالي حجم المساعدات الطبية والأجهزة التنفسية وأجهزة الفحص ومعدات الحماية الشخصية والإمدادات، التي قدّمتها الإمارات إلى 135 دولة حول العالم، حدود الـ 2154 طن حسب إحصائيات حكومية. كما بلغ إجمالي رحلات المساعدات الطبية المرسلة 196 رحلة، فيما تم إنشاء 6 مستشفيات ميدانية في السودان، وغينيا-كوناكري، ومورتانيا، وسيراليون، ولبنان، والأردن، بالإضافة إلى عيادة متنقّلة في تركمانستان.

وبشكل عام، يُقدّم حجم المساعدات التنمويّة والخيريّة التي قدّمتها الإمارات منذ تأسيسها عام 1971، ولغاية العام 2021، بنحو 320 مليار درهم، أي ما يقارب حدود 88 مليار دولار أميركي. واستفادت من هذه المساعدات أكثر من 150 دولة في مختلف أنحاء العالم، فيما أدرجت الحكومة الإماراتيّة مؤخّرًا استمرار هذه المساعدات كجزء من دعمها لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030.

Advertisement
Fanack Water Palestine