وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حرب اليمن مستمرة دون أي نتائج

حرب اليمن
امرأة يمنية تتسلم حزمة من المساعدات الغذائية، والتي تم توزيعها من قبل منظمة “رباط” في صنعاء, اليمن. 22 فبراير, 2016. Photo Mohammed Hamoud / Anadolu Agency.

“إيجابي بشكلٍ عام،” هذا ما قاله المحلل السياسي اليمني، عبد الغني الإرياني، عندما سُئل في فبراير 2016 كيف يرى الوضع الحالي في بلاده. “يسير الجانبان ببطء نحو التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار.”

تفاؤلٌ استثنائي من بلدٍ يناقض واقع الحال على أرض الواقع حيث الغارات الجوية المتواصلة، والصواريخ المضادة للطائرات، واغتيالات الشخصيات رفيعة المستوى من كلا الجانبين، وسقوط ضحايا من المدنيين بشكلٍ يومي، فضلاً عن تفاقم الكارثة الإنسانية أكثر من أي وقتٍ مضى.

وعلى الرغم من تفاؤل الإرياني، إلا أنّ محادثات السلام قد فشلت مراراً وتكراراً، هذا فيما إذا عُقدت من الأصل.

ويرى المحلل فارع المسلمي أنّ أحد المشاكل تكمن في أن كافة الأطراف المعنية لا تعرف ما تريده من محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة.

وهذا ليس بالأمر المستغرب، نظراً لأنّ أياً منهم لا يعرف تماماً ما يريده من هذه الحرب، إذ يبدو أن الحوثيين لم يكن لديهم هدفا محددا عندما استولوا على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، كما يبدو أنّ السعوديين أيضاً لم يملكوا هدفاً واضحاً عندما قرروا التدخل وأعلنوا إنطلاق عاصفة الحزم في مارس 2015.

لذا، ربما مصطلح “ببطء” الأنسب في الوقت الراهن. ففي النهاية، سيكون هناك وقفًا لإطلاق النار، فلا الحوثيين ولا قوات التحالف الذي تقوده السعودية يتمتعان بالقوة الكافية لكسب الحرب. ولكن، السؤال الذي يطرح نفسه، إلى متى ستستمر محاولاتهم؟

أما السؤال التالي فيتعلق فيما إذا كان وقف إطلاق النار سيعني نهاية الإضطرابات، ولربما الإجابة الأسهل عن هذا السؤال هي لا. قد يجلب هذا انفراجاً إنسانياً إلى البلاد، ولكن ليس السلام. فبشكلٍ أو بآخر، التدخل السعودي ما هو إلا صرفٌ للنظر عن المشاكل الداخلية الموجودة بالفعل.

فقد كانت قائمة الإضطرابات ما قبل الحرب لا متناهيةً بالفعل؛ فهناك حركة الإنفاصليين، وإن كانت منقسمة، في الجنوب، وجماعات سُنيّة متطرفة مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الجنوب والشرق، والحوثيين من الشيعة الزيدية في الشمال، وتوترات قبلية، بالإضافة إلى الحكومة الغائبة والفقر المدقع وشح المياه وإنتشار الأسلحة، وعالمٌ خارجي لا يملك أدنى فكرة عن كيفية معالجة هذه القضايا.

لم تفاقم الحرب فقط جميع هذه المشاكل، بل خلقت أيضاً مشاكل أخرى جديدة. فمن ناحيةٍ تاريخية، وإن كان ذلك ذو أهميةٍ محدودة، تواجه البلاد في الوقت الراهن إنقساماً طائفياً لن يكون من السهل رأبه، ولن يكون هذا الإنقسام الوحيد الذي يدعو للقلق في البلاد.

“أشعر بالقلق إزاء العواقب، فكما هو حال غالبية الصراعات المسلحة والحروب الأهلية، يمكن أن تكون العواقب أكثر تدميراً،” أخبرنا أحد رجال الأعمال الذي يتخذ من صنعاء مقراً لعمله في مقابلةٍ شخصية. وأضاف “سيكون هناك أعمال انتقامية وتصفية لحساباتٍ قديمة.” وبالتأكيد، يمس هذا الواقع في بلدٍ فشلت فيه بالفعل، المصالحة في كثيرٍ من الأحيان.

ليس نقص الغذاء والماء والموارد الطبيعية ما سيُطيل أمد الأزمة في اليمن، فاليمنيون شعبٌ يسهل تكيفه مُعتادٌ على المشقة. كما لن يؤدي تدمير المباني إلى إطالة أمد الأزمة؛ فمن السهل إعادة إعمارها، بل إنّ إنعدام الثقة في كل ركنٍ من أركان المجتمع اليمني سيجعل اليمن بعد الحرب عصيّةً على إعادة التأهيل.

ومع الافتقار إلى وجود شخص يتمتع بالقيادة، ستكون البلاد أرضاً خصبة أمام أولئك الذين يعرفون جيداً كيفية توظيف إنعدام الثقة، أمثال الرئيس السابق، علي عبد الله صالح (العدو السابق والحليف الحالي للحوثيين)، الذي يُتقن مهارة “فرّق تسد،” بشكلٍ منقطع النظير.

وسيحصلون على القليل من المساعدة من جيرانهم، الذين قد لا يعرفون كيفية خوض معركة عسكرية، إلا أنهم يتقنون التلاعب بمختلف فصائل المجتمع اليمني. بادئ ذي بدء، ستحتاج البلاد إلى المال لإعادة الإعمار، وبالتالي ستتدخل المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول مجلس التعاون الخليجي. ومن غير المحتمل رفض أموال الخليج، حتى أولئك الذين يعارضون بشدة التدخل السعودي. فقد كتب أحدهم من صنعاء “أخبرنا السعوديين بالفعل أن عليهم دفع ثمن الخراب الذي سببوه، ولربما، عندها فقط، سنغفر لهم.”

لا يبدو هذا غير منطقي، بأن يدفع التحالف ثمن الخراب الذي سببه، ولكن، كما يعرف اليمنيون حق معرفة، يقترن النفوذ بسطوة المال، فالمملكة العربية السعودية لديها تاريخٌ طويل من التدخل في شؤون البلاد، ولطالما لعب المال دوراً مصيرياً في هذا الشأن.

وكما يُزعم عن وصية الملك السعودي عبد العزيز إبن سعود لأبنائه من على فراش الموت عام 1953 بأنّ عليهم “أن يحاذروا من يمن موحّد،” فقد تم إنشاء مكتبٍ خاصٍ باليمن، تُديره لجنة من أفراد العائلة المالكة، يسعى لزرع شبكة واسعة من جهات الإتصال في اليمن، تمت رشوتهم جميعاً بأموال النفط. ووفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن المركز النرويجي لموارد بناء السلام، بلغت ميزانية اللجنة السنوية، في أوجها، 3,5 مليار دولار.

حتى وإن تم توجيه أموال إعادة الإعمار من خلال صندوقٍ خاص للتمويل تابعٍ للأمم المتحدة، لن يمنع ذلك السعوديين من دعم حلفائهم على الأرض بموارد من خارج الصندوق. وانطلاقاً من فهمهم العميق للنسيج المعقد للمجتمع اليمني، سيُخضع السعوديون اليمن مرة أخرى لإرادتهم.