وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اليمن من العصر البرونزي الى القرن السابع

محويت الجبلية غرب العاصمة صنعاء

في شباط/فبراير عام 2008، اكتشف علماء الآثار الفرنسيون دليلاً على وجود أقدم إنسان في اليمن، في محافظة محويت الجبلية غرب العاصمة صنعاء.

المقدمة

في شباط/فبراير عام 2008، اكتشف علماء الآثار الفرنسيون دليلاً على وجود أقدم إنسان في اليمن، في محافظة محويت الجبلية غرب العاصمة صنعاء.

تشير هذه الاكتشافات إلى استيطان الإنسان الأول في العصر الحجري القديم، وهو عصر البشر البدائيين. وبعد ذلك تم اكتشاف آثار الصيادين وجامعي الطعام في جميع أنحاء اليمن، ومعظمهم في المحافظات الصحراوية وعلى مقربة من واحات حضرموت.

كما اكتشفوا كتلاً صخرية تشبه ستونهنج بالقرب من مدينة زبيد يعود تاريخها إلى العصر البرونزي في الألفية الثالثة والثانية قبل الميلاد.

ممالك جنوب الجزيرة العربية

حكمت السلالات المعنية والسبأية من جنوب شبه الجزيرة العربية، كما هو معلوم، من القرن العاشر قبل الميلاد حتى القرن الثاني الميلادي. وقد استمدوا قوتهم من السيطرة على الطرق التجارية الهامة بين جنوب العربية والشرق الأوسط. فكان يتم جني اللبان والمر – صموغ عطرية كانت تستخدم في العديد من الطقوس التي كان يؤديها الأغريق والرومان حول البحر المتوسط – في الزاوية الشرقية من جنوب الجزيرة العربية، اليوم اليمن الجنوبي وسلطنة عمان. كانت البضائع تنقل مع غيرها من السلع والتوابل من مناطق بعيدة مثل الهند وإفريقيا في القرن الأول قبل الميلاد من قبل التجار النبطيين في قوافل طويلة من ساحل بحر العرب إلى المراكز الحضارية في بلاد الشام والإسكندرية.

ملكة سبأ

كانت الطرق التجارية عبر شبه الجزيرة العربية تذهب من مكان فيه ماء إلى مكان آخر فيه ماء وتتجنب المناطق الوعرة وغير الآمنة. وهذا ما كان يقود القوافل عبر حضرموت ومأرب القديمة، وعلى طول ساحل البحر الأحمر، باتجاه غزة. أدى الموقع الاستراتيجي لمأرب على طريق البخور إلى المتاجرة، ولاحقاً إلى تأسيس العديد من ممالك جنوب العربية التي تركزت على مملكة سبأ. يشار إلى أن ملكة سبأ، والمعروفة في اليمن باسم الملكة بلقيس، في الكتاب المقدس والتوراة، والتي تنص على أنها زارت بلاط الملك سليمان بدعوة منه. إلا أن بعض علماء الآثار يشككون إذا كانت هي نفس الملكة بلقيس، ومصرّين على أن ملكة سبأ كانت ملكة حبشية. كما يذكر القرآن سد مأرب والأراضي المروية وراءه على أنهما “الجنتان”.

الري

طريق البخور / المصدر Fanack

ترتكز شهرة سبأ الدائمة على نظام الري المنظم الذي وضعه السبأيون في المنطقة الواسعة حول مأرب، حيث لا يزال من الممكن رؤية آثاره. يعتقد علماء الآثار – وعلماء اللغة الذين درسوا النصوص التاريخية والحفريات التي تعود لما قبل الإسلام – أن الري بدأ في الألفية الثالثة قبل الميلاد، أي قبل أيام السبأيين. ويعود ازدهار سبأ الاقتصادي إلى السد الكبير الذي شيد حوالي القرن السادس قبل الميلاد، مع احتمال وجود سدود صغيرة قبل ذلك.

كان السد يسيطر على الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة والمتقطعة على الجبال خلف مأرب. وبعد ذلك كان يتم توزيع المياه المخزونة عن طريق أقنية تروي مجمعاً زراعياً كان يدعم الحضارة التي كان عدد سكانها يبلغ أكثر من 300,000 نسمة في الذروة، مقارنة مع مجرد 20,000 نسمة في مأرب في الوقت الحاضر. كان لحضارة سبأ مؤسسات قوية، واستمر حكمها لقرون. وفي تلك الأيام، كانت ممالك حضرموت (في الشرق) ومعين (إلى الشمال) وحمير (إلى الغرب) المجاورة تنافس سبأ، بل أيضاً تتحداها، ولكن المملكة سادت حتى القرن الثاني الميلادي.

بدأت هيمنة سبأ بالانحدار بعد أن عرف البحارة الهنود كيف يسيطرون على الرياح الموسمية، مما وضع نهاية لطريق البخور الطويلة والشاقة. وقد أصبح انهيار السد التدريجي نهائياً في حوالي القرن السادس الميلادي، من المرجح بسبب تراكم الرواسب وإهمال الصيانة، مع أن بعض العلماء يزعمون بأن زلزالاً أدى إلى انهيار السد: وضع الانهيار نهاية لحكم سبأ الطويل. يتحدث القرآن عن انهيار السد كعقاب إلهي للسبأيين – لعبادتهم آلهة متعددة – ونقطة تحول في التاريخ. ولأن السبأيين بنوا السد بمواد قابلة للتلف، قام الفيضان بإزالة الكثير من المعالم المادية لسبأ. وتضيف الحفريات معلومات عن عصر سبأ. ويستمر الجدل حول دين سبأ، وتحديداً إذا كان “المقه” الذي كانوا يعبدوه هو إله الشمس أم إله القمر.

المملكة الحميرية

قبل الانهيار النهائي لسد مأرب، انتقل سكان اليمن باتجاه الغرب، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى معرفة البحارة الهنود بالرياح الموسمية وسيطرتهم عليها. ففتح ذلك طريقاً بحرياً بديلاً إلى بلاد الشام، وبالتالي إمكانية تجنب طريق البخور الطويلة والشاقة. والسبب الآخر كان انخفاض استخدام اللبان، نتيجة تراجع الطقوس الرومانية “الوثنية” عند ظهور المسيحية الأقل ليبرالية بكثير في استخدام اللبان. فتراجعت أهمية مأرب نتيجة لذلك، وهيمن الحميريون على جنوب العربية. حكم الحميريون من ظفر، التي تقع في الوقت الحاضر قرب مدينة بريم. نجح الحميريون في توحيد شعوب الصحراء والجبال في اليمن. واليوم، يفتخر المؤرخون اليمنيون بهذه الحقبة على أنها بداية اليمن الحديث.

تزايدت التأثيرات الخارجية خلال هذه الحقبة، وخاصة المسيحية واليهودية. تحوّل الملك الحميري الأخير، ذو نواس، إلى اليهودية، ولكن أطيح به بعد أن قام بذبح المسيحيين في نجران، الآن في المملكة العربية السعودية ولكنها في ذلك الوقت كانت في اليمن. غزا الحبشيون المسيحيون تحت قيادة أبراها – حسبما ما ورد، كان جيشاً قوياً من الرجال والفيلة – البلاد من إثيوبيا وقضوا على مملكة حمير، وأسسوا إمبراطورية مسيحية. يذكر القرآن بأن أبراها وجيشه هاجموا في وقت لاحق الكعبة المشرفة في مكة المكرمة في عام الفيل (571 م)، وهزم الله أبراها وجيشه بأسراب كبيرة من الطيور.

طلب الحميريون المهزومون مساعدة الإمبراطور الفارسي كسرى الأول، وعندها أخرجت جحافل جيوش الفرس الحبشيين واستولوا على البلاد. وفي القرن السابع، اعتنق الساسانيون الإسلام، وأصبح اليمن بلداً إسلامياً عاصمته صنعاء. وبالتالي حكم اليمن حكام كان يعينهم ويسيطر عليهم الخلفاء المسلمون في سوريا (الأمويون) والعراق (العباسيون) ومصر (الفاطميون). ولم ينجح أي من الحكام في توسيع حكمهم على كامل اليمن.