وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السعودية بعد عبد العزيز آل سعود

بعد الحرب العالمية الثانية، ازدادت أهمية دور عبد العزيز آل سعود ومملكته على الصعيد العالمي.

 السعودية ابن سعود
لقاء فرانكلين روزفلت، رئيس الولايات المتحدة، مع عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، على متن طراد يو إس إس كوينسي في قناة السويس في فبراير 1945. Archives Snark / Photo12 via AFP

مقدمة

وارتبط ذلك بثلاثة عوامل: إعلان دولة إسرائيل وما تبعه من نزوح كثير من الفلسطينيين (فيما عُرف باسم النكبة)، وفترة الحرب الباردة وتزايد أهمية السعودية للمعسكر الغربي في ظل تنامي الحركة القومية العربية وتقاربها مع الكتلة الشرقية، فضلاً عن نمو الثروة الناتجة عن النفط. وقد أثّرت هذه العوامل أيضاً على مكانة السعودية بين الدول العربية والإسلامية، إذ كان اتباع آل سعود لمذهب الوهابية وسيطرتهم على مكة والمدينة يتناقض مع القومية الاشتراكية.

تدخل الولايات المتحدة

تركت الولايات المتحدة قضية فلسطين للبريطانيين حتى الحرب العالمية الثانية. إلا أن الحرب جعلت من النفط سلعة حيوية. لذلك، لما دخلت الولايات المتحدة الحرب حليفة لبريطانيا، اضطُرت إلى تكوين علاقات دبلوماسية مع الدول العربية. وفي عام 1943، نصحت وزارة الخارجية الأمريكية الرئيس فرانكلين روزفلت بطمأنة الحكومات العربية بأن الولايات المتحدة صديقة لهم. وبعدها ذهب اثنان من أبناء آل سعود، فيصل وخالد، إلى الولايات المتحدة وتعرفا على تلك البلاد الجديدة والتقيا الرئيس الأمريكي.

وفي 14 فبراير 1945، التقى الرئيس الأمريكي روزفلت عبد العزيز آل سعود على متن طراد يو إس إس كوينسي في قناة السويس. وكانت تلك أول مرة يركب فيها عبد العزيز آل سعود البحر، وكان قليلاً ما يغادر شبه الجزيرة العربية. وأصبح ذلك اللقاء أساس أوثق وأطول علاقة بين الولايات المتحدة ودولة عربية. ولكن فلسطين كانت محور خلاف بين الطرفين.

إذ أيد روزفلت بقوة تأسيس دولة لليهود، فرد عليه عبد العزيز آل سعود برفض شديد أيضاً. وتعهد الرئيس الأمريكي بأنه لن يتخذ قراراً في مسألة فلسطين من دون استشارة العرب واليهود كليهما. كما وافق روزفلت على بناء مطار صغير في الظهران بشرق السعودية التي تقع بالقرب من المدينة التي أُقيمت فيها شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) لإدارة العمل في حقول النفط.

افتُتح مطار الظهران عام 1946 عقب الحرب العالمية الثانية. وفي ظل الحرب الباردة بين الشرق والغرب، أرادت الحكومة الأمريكية تدشين تحالفات في الشرق الأوسط، فأمدّت الأردن والسعودية بالسلاح. ولكن في عام 1948، دعمت الولايات المتحدة قيام دولة إسرائيل، فناصرت القيادة الدينية الفلسطينيين مناصرة كبيرة، واستعاد السعوديون ملكية قاعدة الظهران عام 1948 واتفقوا على تأجيرها للولايات المتحدة سنوياً فقط. ومع ذلك، لم تشارك السعودية في العمل العسكري العربي ضد إسرائيل.

تُوفي عبد العزيز آل سعود في 9 نوفمبر 1953 عن عمر يناهز 77 عاماً. واختار عبد العزيز قبل وفاته ابنه الأكبر سعود (المولود عام 1902) خليفة له ، وأخاه غير الشقيق فيصل (المولود عام 1906) ولياً للعهد أملاً في تجنب المنافسة الشديدة بينهما. ولما تُوج سعود ملكاً، تولى فيصل منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية. ورث الملك سعود دولة تفتقر إلى المؤسسات الحديثة والأجهزة البيروقراطية، فأُنفقت الثروة المتزايدة من النفط على القصور وتبددت، ولم تشهد البلاد إلا تحديثاً شكلياً.

مواجهة المعارضة

نتج عن ذلك الوضع توترات سياسية اتخذت أشكالاً مختلفة. فقد شهدت الخمسينيات اندلاع إضرابات عمالية في المنطقة الشرقية المنتجة للنفط في الأحساء. ووقعت في الجيش عديد من الانقلابات فاشلة. وشملت المعارضة آنذاك أفراد داخل العائلة المالكة الممتدة نفسها. وتشجعت تلك المعارضة عقب الثورة المصرية عام 1952.

وكان الرئيس المصري جمال عبد الناصر من وجهة نظر الأمريكيين (والسعوديين) شخصية خطرة أيديولوجياً وسياسياً لأنه أجج مشاعر الشعوب العربية ضد الغرب والاستعمار. وكي تواجه هذا التهديد، نظمت الحكومة السعودية حركة أيديولوجية داخل البلاد، واتخذت خطوات دبلوماسية واستراتيجية خارجها.

وتمثل الرد الأيديولوجي في انتقاد فكرة العروبة بقيادة علماء الشريعة في المملكة. وفي عام 1961، كتب القاضي المقرب من النظام، عبد العزيز بن باز، كتاباً مقتضباً بعنوان “نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع”، فوزعته الحكومة على نطاق واسع في شتى البلاد العربية والإسلامية. وانتقد ابن باز القومية العربية لتقسيمها المجتمع المسلم على أسس عرقية وفصلها الدين عن الحكومة والقانون.

أدرك حكام السعودية أن مقاومة العلمانية المصرية والقومية العربية يجب أن يكون على مستوى دولي، فأسسوا الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1961. واستعانوا في العام التالي بالمؤسسة الدينية في تأسيس رابطة العالم الإسلامي لتعبئة الرأي العام الإسلامي العالمي ضد النفوذ المصري. وأُسس داخل المملكة نفسها 22 معهداً للدراسات الدينية في عهد الملك سعود.

وزاد الترابط بين الدين والحكومة والقانون من خلال انتشار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي وظّفت أفراداً كثيرين وزادت ميزانيتها زيادة كبيرة. وقد أعان ذلك العلماء على الاحتفاظ بمكانة مهمة في النظام السعودي.

وفي الخمسينيات، انضمت الحكومة السعودية إلى المعسكر الغربي رغم أن ذلك لم يوافق أفكار العلماء وسياساتهم الدينية. فشمل المعسكر العربي الموالي للغرب المغرب وليبيا والأردن والعراق فضلاً عن السعودية، وذلك رغم العداء التاريخي بينها وبين الملوك الهاشميين في الأردن والعراق.

رفض جمال عبد الناصر الانضمام إلى حلف بغداد الموالي للغرب وفضّل الانضمام إلى حركة عدم الانحياز، لكنه اشترى السلاح من الاتحاد السوفيتي واعترف بالصين الشيوعية. وفي عام 1956، قطع البنك الدولي عن مصر المساعدات الاقتصادية المستخدمة في بناء السد العالي، فأعلن عبد الناصر تأميم قناة السويس. فردّت فرنسا وبريطانيا بغزو مصر، ولكن عبد الناصر نجح في حشد دعم دولي أجبرهما على الانسحاب.

وبعدها قدم الرئيس المصري نفسه في ثوب المنتصر على الإمبريالية، والبطل العربي ذي الشعبية في مصر وخارجها، والاشتراكي الذي أمّم معظم الاقتصاد المحلي. وفي عام 1958، تحالفت مصر وسوريا وأعلنا قيام الجمهورية العربية المتحدة التي باتت تشكّل خطراً على أمن السعودية.

ثراء النفط

كان ذلك التنافس والعداء غير متكافئ من بعض الجوانب. فبحلول نهاية الخمسينيات، أصبحت المملكة ثرية للغاية. وفي بداية الخمسينيات، كان الطلب العالمي على النفط مستقراً، في حين كان اقتصاد بريطانيا والولايات المتحدة يمر بوقت عصيب. سيطرت سبع شركات نفطية كبرى (الشقيقات السبع) على إنتاج النفط واستهلاكه.

وكانت كلها أمريكية باستثناء بريتش بتروليوم البريطانية ورويال داتش شل الهولندية وشركة البترول الفرنسية. وفي عام 1950، كانت الأخوات السبع تسيطر على 85% من إنتاج النفط الخام خارج أمريكا الشمالية والاتحاد السوفيتي والصين. وسيطرت كذلك على نقل النفط وتكريره وتوزيعه. ولم يقتصر دور الشركات على استخراج النفط فحسب، بل أشرفت أيضاً على بيعه من خلال شبكة من محطات الوقود التابعة لها في الدول المتقدمة، وبذلك صار تحديد سعر النفط في يد تلك الشركات.

وفي عام 1950، أجبرت الحكومة السعودية شركة أرامكو على إعادة التفاوض على اتفاقية الإنتاج كي تحصل على نصف الأرباح وتحمي إيراداتها. وسوف يؤدي التدخل الحكومي المتزايد إلى استحواذ كامل على الشركة.

وفي ذلك الوقت، تغير تركيز احتياطيات النفط المعروفة في العالم. ففي عام 1945، شكّلت احتياطيات النفط المعروفة في الشرق الأوسط نحو 10% من الإنتاج العالمي. ولكن بحلول عام 1960، صارت نسبة احتياطيات النفط في الخليج وشبه الجزيرة العربية نحو 25% من الاحتياطيات العالمية.

وهكذا، زاد نفوذ الدول المنتجة النفط حتى أتى شهر سبتمبر من عام 1960 عندما أعلنت إيران والكويت والسعودية وفنزويلا والعراق تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). وسعت تلك الدول إلى الحفاظ على استقرار الأسعار وتنظيمها. وأرادت المنظمة وضع سعر موحد للنفط حماية لمصالح الدول مجتمعة. وتحمست الحكومة السعودية لمستقبل أوبك ودعمت المنظمة. ومع ارتفاع الأسعار وزيادة الصادرات بحلول الستينيات، بدأت المملكة تجني ثروة من إنتاج النفط.

نمو صادرات النفط السعودية 1948-1964.

تفككت قيادة عبد الناصر للحركة القومية العربية عام 1961 حين انفصلت سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة. وفي العام التالي، شهد اليمن انقلاباً أطاح بالنظام الملكي وأسس الجمهورية العربية اليمنية. وتدخل عبد الناصر لدعم الجمهورية الوليدة، لكن السعودية وجهت دعمها لبقايا النظام الملكي، لذلك أرسل عبد الناصر قواته لدعم الجمهورية اليمنية.

وانقسمت الدول العربية على تلك الحرب، إذ وقفت معظم الدول في صف مصر، وانحازت الأردن فقط إلى السعوديين. أما في الولايات المتحدة، فقد رأى الرئيس كينيدي أن السعودية تدور في فلك تجاوزته المنطقة آنذاك، وخشي من صعود نظام أكثر ميلاً إلى اليسار في مصر إن هُزم عبد الناصر، فقرر الاعتراف بالجمهورية اليمنية. بينما قررت بريطانيا وحدها من بين الدول الغربية أن تدعم السعودية، إذ كانت تحاول عبثاً أن تعزز نفوذها في جنوب الجزيرة العربية.

تمخض ذلك الوضع عن انقسام بين آل سعود أنفسهم. وكان الملك سعود بن عبد العزيز في أول عهده يسند السلطة إلى دائرة كبيرة من العائلة، ثم بدأ يقلصها، فاستبعد إخوته وأبناء عمومته وقرّب أبناءه وأهل الثقة. وصار النفوذ في العائلة مقسم بين الملك سعود وأخيه ولي العهد فيصل. وضمّت جبهة فيصل كثير من علماء الشريعة الذين فضّلوا فيصل لما عُرف عنه من تقوى، خلاف سعود الذي كان أقل حمية على الدين. كما استاء العلماء من تفضيل سعود للتكنوقراط، إذ تأثر بعضهم بالعروبة والأفكار اليسارية.

وكان الأخ الأصغر للملك، طلال بن عبد العزيز (المولود عام 1931)، أحد أولئك التكنوقراط. وقد أسند إليه الملك سعود وزارة المالية عام 1961. واقترح طلال خطة إصلاح اقتصادي جذري تتضمن إعلان دستور وإغلاق قاعدة الولايات المتحدة في الظهران. ولكن في العام التالي، عارض فيصل خطة طلال مستغلاً تدهور صحة الملك وحاز دعم العلماء الكبار.

وبعد ذلك، أعلن العلماء أن سعود لا يصلح للحكم وأعلنوا فيصل وصياً على العرش، فغادر طلال البلاد وأصبح زعيماً لحركة الأمراء الأحرار وكان مقرها في القاهرة. وفي نوفمبر عام 1964، أُجبر الملك سعود على التنازل عن العرش بعد ضغط من ولي العهد الأمير فيصل الذي حشد دعم كثير من العلماء والأمراء، ونجحت خطتهم وأعلنوا فيصل ملكاً. وتُوفي سعود في اليونان في يناير عام 1969 عن عمر يناهز 67 عاماً.

Advertisement
Fanack Water Palestine