وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أبو بكر البغدادي، خليفة الدولة الإسلامية الغامض

Abu Bakr al-Baghdadi made his first public appearance from a mosque in Mosul, 5 July 2014
أبو بكر البغدادي

تسلم أبو بكر البغدادي دفة القيادة لتنظيم ما يعرف آنذاك بـ”دولة العراق الإسلامية” في عام 2010، خلفاً لأبو عمر البغدادي الذي تم قتله في نفس العام. فقد كان وريث تنظيم عنيف وضعيف، إن صح القول، إلا أنه عند استلام البغدادي دفة القيادة، استطاع وخلال فترة وجيزة من إعادة ترتيب أمور التنظيم وقيامه خلال سنوات قليلة من احتلال أجزاء واسعة من العراق وسوريا وانهاء “حدود الذل” بين الدولتين كما تم وصفها من قبل التنظيم. ومن ثم إقامة “الدولة الإسلامية” ونصّب نفسه خليفة عليها، بعد أن أعلن عن انفصال التنظيم عن التنظيم الأم “القاعدة.”

فمن السهل الافتراض أنّ العقل المدبر لسلسة الهجمات الإرهابية المميتة منذ عام 2011، جاء من خلفيةٍ عنيفة، إلا أن معاصريه يرسمون صورة مغايرة لذلك تماماً. فـ”خليفة المسلمين” الذي ولد في مدينة السامراء شمال العاصمة بغداد في العام 1971، اسمه الحقيقي هو إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي، ويعود لعشيرة البدري.

وأثناء طلبه للعلم، انتقل البغدادي إلى بغداد للحصول على الشهادة الجامعية ودرجة الماجستير ومن ثم درجة الدكتوراة في الشريعة؛ وبقي يعيش في غرفة ملاصقة لجامع في حي الطبجي، وهو حي فقير في ضواحي العاصمة، حتى عام 2004.

وفي تقرير صحفي نشرته صحيفة “التيلغراف” البريطانية، تم عرض مقابلات مع المحيطين بأبو بكر البغدادي خلال تلك الفترة للسؤال عنه، وأغلب الصفات التي تم الحديث عنها أنه (البغدادي) كان رجل دينٍ خجول ومتواضع، كما أنه كان لاعب كرة قدم مميز في الحي، حيث أطلق عليه شخص في التقرير على أنه كان “ميسي” بين لاعبي المنطقة.

فكيف أصبح لاعب كرة القدم الخجول على رأس قائمة المطلوبين في العالم؟ تُشير بعض المصادر أنّ أربع سنواتٍ في سجنٍ أمريكي شكلّت نقطة التحول المحورية في حياته. فقد ألقيّ القبض على البغدادي وزج في سجن بوكا الأمريكي في عام 2005، بعد أن زعمت تقارير استخباراتية أمريكية انضمامه للقتال ضد قوات الاحتلال الأمريكية. كان سجن بوكا يضم العديد من قادة تنظيم القاعدة، ويُعتقد أنّ البغدادي تحوّل إلى التطرف خلال تلك الفترة.

وحتى هناك، بقيّ البغدادي تحت المراقبة. فقد صرح أحد الأشخاص الذين تواجدوا معه في معسكر بوكا لـ”نون بوست” بأن البغدادي “كان يُعرف بكونه شخصاً هادئاً يتمتع بكاريزما… فقد كان يؤم المصلين أثناء أداء الصلاة ويلقي خطب يوم الجمعة ويعطي دروساً دينية للسجناء الآخرين.” ومع ذلك، فشلت الولايات المتحدة في اعتباره تهديداً، فقد صرح العقيد في الجيش الأمريكي كينيث كينغ والمسؤول عن معسكر بوكا في ذلك الوقت لصحيفة ذا ديلي بيست “أن (البغدادي) كان رفيقاً سيئأ، ولكنه لم يكن الأسوء.”
وبعد الإفراج عنه عام 2009، أكدّ البغدادي على مبايعته لتنظيم القاعدة في العراق إلا أنه بقيّ بعيداً عن الأضواء. بل في الواقع، حتى بعد تزعمه للتنظيم في عام 2010، كان حريصاً كل الحرص على عدم الكشف سوى عن القليل عن هويته أو مكان تواجده.

وبلا أدنى شك، أصبح البغدادي محاطاً بهالة من الغموض. فقد تم تداول الشائعات في وسائل الإعلام حول شخصيته، وخلفيته، وتعاطفه، ولكن، قبل ظهوره العلني في أحد أشرطة الفيديو المصورة أثناء إلقائه خطبة في أحد مساجد مدينة الموصل، شمال العراق، في يوليو 2014، لم تظهر سوى صورتين موثقتين له.

ومع ذلك، فسرعان ما بات جلياً أنّ البغدادي، المُقل في إطلالته أمام الكاميرا، يمتلك طموحاتٍ تتجاوز العراق بكثير. فبعد انطلاق الثورة السورية ودخول التنظيم على خط القتال في سوريا، أعلن تنظيم الدولة بقيادة البغدادي بضم فرع القاعدة في سوريا، جبهة النصرة، إلى التنظيم وأعاد تسمية التنظيم الى “الدولة الإسلامية في العراق والشام،” مما أدى الى دخول الظواهري مباشرة على الخط وإعلانه رفض هذا الاجراء من البغدادي، وأن تنظيم العراق ليس جزءاً من القاعدة، وأن القاعدة ليست مسؤولة عن أي تصرفات يقوم بها هذا التنظيم.

لم يؤثر اعلان الظواهري التخلي عن “تنظيم الدولة” إلى تراجع شعبيته أو عملياته، بل على العكس، استطاع التنظيم بقيادة البغدادي خلال أشهر قليلة، بعد الانفصال، من احتلال ما يقرب من ثلث العراق وثلث سوريا.

إذاً، بينما لا يزال هناك الكثير من الأسئلة التي تُطرح مقابل القليل من الأجوبة حول أكثر القادة الإرهابيين خطورةً في العالم، فلربما أنّ الشخصية الغامضة للبغدادي إلى جانب صيته لكونه خبيراً يمتاز بالتنظيم في التكتيكات الحربية و لا يعرف الرحمة على أرض المعركة، عزز من جاذبية تنظيمه، وبخاصة بين صفوف الجهاديين الشباب، الذين انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية بالآلاف.