وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المغرب: عهد محمد السادس

من اليسار: الأمير مولاي هشام، الأمير مولاي رشيد والملك الجديد محمد السادس يحملون نعش الملك الراحل الحسن الثاني، 25 يوليو 1999، الرباطPhoto HH
من اليسار: الأمير مولاي هشام، الأمير مولاي رشيد والملك الجديد محمد السادس يحملون نعش الملك الراحل الحسن الثاني، 25 يوليو 1999، الرباطPhoto HH

حضر جنازة الحسن الثاني  عام 1999 الملك الأردني الجديد، والأمير البحريني الجديد، والرئيس الجزائري الجديد، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد. وبعد فترة قصيرة، توفي الرئيس حافظ الأسد في سوريا وخلفه ابنه بشار الأسد؛ وكان محمد السادس من الجيل الجديد في الدول العربية، غير أن هذا الجيل واجه ثورات الربيع العربي بعد 12 سنة من الحكم.

كوالده، درس محمد السادس القانون في فرنسا، ولكنه لم يشغل أي منصب قيادي عسكري أو إداري. وكان يتحدث عن الاستمرارية، غير أنه صاغها من حيث إعطاء شكل واقعي للوعود النظرية للنظام الملكي الدستوري والتعددية السياسية والقانون وحقوق الإنسان. وفي حياته الشخصية، جسّد محمد السادس الحداثة. وبينما حافظ والده على السرية التامة لزوجاته، كان زواج محمد السادس بسلمى بنّاني علنياً. كانت زوجته جذابة وحاصلة على شهادة في تكنولوجيا المعلومات: وجه المرأة المغربية الحديثة.

انتقل الملك الجديد فوراً إلى معالجة حقوق الإنسان: أطلق سراح المعتقلين السياسيين؛ وسمح للمنفيين بالعودة؛ وأقال وزير الداخلية الشرير إدريس البصري؛ وأعاد فتح ملفات العديد من الفضائح السابقة المتعلقة بحقوق الإنسان، أشهرها مصير المهدي بن بركة والمعاملة السيئة التي لقيتها أسرة الجنرال أوفقير، حيث كتب بعض أفراد كتباً تروي اختباراتهم؛ وفضح سجناء سابقون آخرون ما كان يحدث في السجن السري في تازمامارت في جبال الأطلس، حيث سجن ضباط اتهموا بالمشاركة في انقلاب السبعينيات لسنوات عديدة. ومع حلول عام 2004، اشتدت الضغوطات السياسية حول انتهاكات حقوق الإنسان التي جرت في الماضي، مما دفع بمحمد السادس إلى تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة للتحقيق في الانتهاكات وإعادة تأهيل الضحايا ودفع التعويضات لهم. ولكن أعمال هذه الهيئة كانت خاضعة لقيود صارمة: عدم إمكانية ملاحقة أحد قضائياً؛ وعدم ذكر الانتهاكات التي حصلت بعد اعتلاء محمد السادس للعرش.

كما تم كبح عدد من التيارات التي تبدو ليبرالية في الظاهر: استمر الحظر والرقابة على الصحف والمجلات (انظر الإعلام)؛ وبقيت حرب الصحراء بشكل خاص بعيداً عن أية انتقادات. وكان هناك محاولات لكبح مستوى الفساد المرتفع في الإدارة، إلا أنها انحصرت بتدخلات النظام الملكي في القطاع الخاص وإصرار أعضاء النخبة على عدم الخضوع للمساءلة.

كانت الحرب على الإرهاب من الأسباب التي منعت متابعة أي تشريع متعلق بالحقوق المدنية: عام 2003، حدثت عدة تفجيرات في الدار البيضاء أسفرت عن مقتل 33 شخصاً، كما حدث 12 هجوماً انتحارياً آخرين. استهدفت تلك التفجيرات فنادق ومطاعم دولية، بالإضافة إلى مواقع يهودية.

حاول النظام أن يغير وضع المرأة من خلال إعادة صياغة مدونة الأسرة المغربية. عام 2004، أدخل الملك مدونة جديدة فيها تغييرات رئيسية على وضع المرأة، لكن في إطار إعطاء الملك الإشراف الرئيسي على وضع المرأة. قوبلت المدونة باعتراض شديد من قبل الخصوم الإسلاميين، فأثاروا مظاهرات ضخمة ضدها وربطوها بعلاقات الحكومة مع إسرائيل. وفي كانون الثاني/يناير عام 2010، قام الملك محمد السادس بتأسيس اللجنة الاستشارية للجهوية (انظر الحكومة المحلية) لرفع تقرير حول كيفية توجيه الإدارة المحلية والجهوية، وذلك بهدف تقديم إطار عمل لحل نزاع الصحراء الغربية من خلال منح تلك الجهة درجة معقولة من الاستقلالية. وباختصار، توقفت العملية الديمقراطية. ومن بين المخاوف الأساسية للدولة كان استغلال القوى المتخلفة للانفتاح السياسي وفرض قيود على صلاحيات الدولة في كبح الإرهابيين في حال كان النظام منفتحاً على المزيد من النقد. كما برزت مجموعات انتخابية قوية عارضت العملية الديمقراطية. وفي النهاية، يبدو أن الملك اعتبر أن التنمية الاجتماعية والاقتصادية أكثر أهمية من الإصلاحات السياسية، وأن فشل النظام أو نجاحه يعتمد على قدرته على التشجيع على النمو والحد من البطالة والفقر.

إلى حد ما، ساهم التركيز على التنمية الاقتصادية في خدمة النظام بشكل جيد، ولكن النمو الاقتصادي المحقق في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لم يكن كافياً لكبح الاحتجاجات أثناء ثورة الربيع العربي. وفي 20 شباط/فبراير عام 2011، ظهرت مجموعة من الشباب، “حركة 20 فبراير للتغيير” على فيسبوك وقامت بتنظيم مظاهرات في جميع أرجاء البلاد. جمعت هذه الحركة الناس من مختلف الشرائح، بمن فيهم الشباب الليبرالي واليساريين والإسلاميين من حركة العدل والإحسان المحظورة. وكانت هذه الاحتجاجات موجهة ضد الملك؛ وطالبوا بنظام ملكي دستوري فعلي وإقالة رئيس الوزراء عباس الفاسي وإجراء انتخابات.

رد الملك بتأسيس لجنة الإصلاح الدستوري، واختار أعضاءها بنفسه. ووعد بدستور جديد لتعزيز البرلمان وزيادة استقلالية النظام القضائي ومنح المزيد من الصلاحيات المحلية والجهوية. تم إعداد الدستور الجديد سريعاً والموافقة عليه في استفتاء شعبي في 1 تموز/يوليو عام 2011. وقد دمج هذا الدستور التوصيات التي تسمح باستقلال الجهات، مع أن هذه التوصيات لم توضع قيد التنفيذ حتى الآن. كما شدد على حقوق الإنسان وحقوق المواطنين وجعل اللغة البربرية لغة رسمية، ولكن السلطة لا تزال في يد الملك. ومع ذلك، فقد سمح للناشطين بممارسة الضغط للحصول على المزيد من الإصلاحات الحقيقية ونظام ملكي دستوري فعلي.

الأهم من ذلك، أدى ذلك إلى إجراء انتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2011، والتي ظهر فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل على أنه الحزب الأكبر، وأصبح زعيمه عبد الإله بنكيران رئيساً للوزراء، على رأس ائتلاف ضم حزب الاستقلال والحركة الشعبية و حزب التقدم والاشتراكية (انظر أيضاً الأحزاب السياسية).

user placeholder
written by
telesto
المزيد telesto articles