أصغر فرهادي هو المخرج الحائز على جائزة الأوسكار لمرتين، والعقل المدبر وراء الأفلام المشهود لها بالنقد والمخادعة ببساطتها. ولد فرهادي بالقرب من مدينة أصفهان في عام 1972 وعاش بداياتٍ متواضعة. واليوم، يعتبر شخصيةً بارزة في الموجة الإيرانية الجديدة، وهي حركةٌ سينمائية أنتجت مجموعة من المخرجين المعترف بهم دولياً مثل محسن مخملباف، وعباس كيارستمي، وجعفر بناهي، وآنا ليلي أميربور.
تعرض أفلام فرهادي عالماً مصغراً عن إيران الحديثة والتعقيدات التي تنبع من الاختلافات الاجتماعية والجنسانية والطبقية. وفي بلدٍ يدعي التفوق الديني بحدود واضحة بين “الصح” و”الخطأ،” فإن شخصيات فرهادي غالباً ما تكون غير متأكدة من أخلاقيات أفعالها.
كما يتمتع بقدرةٍ كبيرة على تصوير العلاقات الإنسانية في بيئةٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ شديدة التعقيد تتشكل غالباً من قوى متناقضة ومتضاربة مثل التقليد والتحديث السريع. ويمتاز سرده بالبساطة والتواضع. في الواقع، فرهادي بارعٌ في تصوير قصص الأشخاص العاديين في بلدٍ يُنظر إليه في كثيرٍ من الأحيان عبر عدسة السياسة الضيقة، إذ ينقل انتباهنا بدقة بعيداً عن السياسة، التي تعتبر مسرحاً خطيراً في إيران، نحو العواطف والتجارب القوية والعالمية.
درس فرهادي الفنون الدرامية في جامعة طهران والإخراج المسرحي في جامعة تربية مدرس. كانت أولى مغامراته في عالم الأفلام في جمعية الشباب السينمائية في اصفهان، حيث صنع أفلاماً قصيرة بقياس 8 ملم و16 ملم قبل أن ينتقل إلى تأليف المسرحيات وإخراج المسلسلات للتلفزيون الوطني الإيراني.
بدأ بجذب الاهتمام الدولي عندما فاز فيلمه الثالث، الأربعاء الأخير، بجائزة هوجو الذهبية لمهرجان شيكاجو السينمائي الدولي عام 2006. أما فيلمه التالي الذي حمل عنوان بخصوص إيلي، وهو فيلم دراما عن مجموعة من الإيرانيين من الطبقة الوسطى الذين يقضون عطلة قصيرة في بحر قزوين، فقد حقق نجاحاً باهراً داخل وخارج إيران. وبتقديمه نصاً قوياً وعروضاً متميّزة، منح الفيلم أخيراً فرهادي فرصة التعبير عن عبقريته السينمائية. وبعد عامٍ من إطلاقه، تم التصويت للفيلم باعتباره رابع أروع فيلم إيراني على الإطلاق من قبل الجمعية الوطنية للنقاد الإيرانيين.
وأفاد موقع استعراض الأفلام Rotten Tomatoes عن نسبة استحسان تبلغ 99%، وبمتوسط تقييم يبلغ 8,2/ 10 وفقاً لـ68 استعراض. أما على موقع Metacritic، حصل الفيلم على علامة 87 من أصل 100 وفقاً لـ28 استعراض، مما يشير إلى اشادةٍ عالمية به.
وعلى الرغم من أن فيلمه بخصوص إيلي، كان، كما يُقال، أكثر أفلامه سحراً حتى تلك اللحظة، إلا أن اللحظة الذهبية لم تأتِ إلا مع إصداره فيلم انفصال نادر وياسمين عام 2012.
فقد حاز فيلم انفصال نادر وياسمين، الذي يعرض صورة مؤلمة لإنفصال زوجين، على عددٍ من الجوائز والترشيحات المرموقة بما فيها جائزة الغولدن غلوب عن أفضل فيلم بلغة أجنبية. كما أصبح أول فيلمٍ إيراني يفوز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية في العام نفسه، مما يجعل فرهادي أول إيراني يفوز بجائزة الأوسكار في أي من الفئات التنافسية.
وفي عام 2013، أصدر فيلم الماضي، وهو دراما فرنسية- ايطالية- إيرانية. وعلى الرغم من حصول الفيلم على عددٍ من الترشيحات والجوائز، إلا أنه لم يكن علامة فارقة إلى هذا الحد في مسيرته الفنية. بيد أنه بعد أربع سنوات، فاز فيلمه البائع، الذي يتحدث عن معلمٍ يسعى للانتقام من الرجل الذي اعتدى على زوجته، بثاني جائزة أوسكار لفرهادي. تزامن هذا مع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وفرضه قيود سفر جديدة ضد الإيرانيين ورعايا بعض الدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة. وعليه، قاطع فرهادي حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2017 احتجاجاً على قرار ترمب. مثّله في الحفل شخصيتين أمريكيتين بارزتين من أصولٍ إيرانية، هما أنوشه أنصاري وفيروز نادري. وقد استلمت أنصاري، وهي أول إيرانية تصل إلى الفضاء، الجائزة نيابةً عن فرهادي وقرأت كلمةً مقتضبة للمخرج.
“تغيبي هو بدافع احترامي لمواطنين من بلدي وست بلدان أخرى لم يحترمهم قانون غير إنساني يحظر دخول المهاجرين إلى الولايات المتحدة. بإمكان مخرجي الأفلام أن يستخدموا كاميراتهم ليلتقطوا الملامح الإنسانية المشتركة وكسر الأفكار النمطية حول جنسيات وديانات مختلفة… وهم يولدون التعاطف بيننا وبين الآخرين وهو ما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى”.
أما آخر أعماله، وهو فيلم يزخر بالنجوم، فقد حمل عنوان الجميع يعرفون (Everybody Knows )، وهو فيلم تشويق نفسي باللغة الإسبانية من بطولة خافيير باردم وبينيلوبي كروز. الفيلم، الذي يستعرض مرةً أخرى في قلب حبكته العائلة والخيارات الأخلاقية، سيفتتح مهرجان كان السينمائي في دورته الجديدة لعام 2018 في مايو القادم. وبهذا القرار، يكون الفيلم ثاني فيلم باللغة الإسبانية يفتتح هذا الحدث السينمائي المرموق بعد فيلم تعليم سيء (Bad Education) لبيدرو ألمودوبار.