وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

كيف أصبحت سياسات ترمب تجاه إيران أداةً في أيدي النظام

International Affairs- Donald Trump
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصفق خلال خطاب الاتحاد في العاصمة واشنطن في 30 يناير 2018. Photo AFP

منذ دخول دونالد ترمب البيت الأبيض في يناير 2017، كانت إيران، ولا تزال، واحدةً من أهم اهتمامات السياسة الخارجية لإدارته. فقد تم إخطار إيران رسمياً، بشكلٍ مباشرٍ تقريباً، رداً على اختبار صاروخٍ إيراني والهجوم الإيراني المزعوم على سفينةٍ حربية سعودية من قِبل جماعة المتمردين الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن. وبعد ذلك بوقتٍ قصير، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، موجةً جديدة من العقوبات ضد إيران. كما أدرج الرئيس ترمب في أمره التنفيذي المثير للجدل، إيران على قائمة الدول التي يُمنع على رعاياها دخول الولايات المتحدة. وفي أول زيارةٍ خارجية له إلى المملكة العربية السعودية، عدوة إيران الرئيسية، أدلى ترمب بأحد أكثر خطاباته اللاذعة ضد النظام الإيراني. ولكن ربما كانت أهم جهوده للضغط على إيران هو رفضه التصديق على الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عام 2015. ففي يناير 2018، وبعد أسابيع عديدة من التكهنات، وافق ترمب على بقاء الولايات المتحدة في الصفقة في الوقت الحاضر، إلا أنه حذّر كل من الكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين أنه سيكون آخر تنازلٍ من هذا القبيل يوقعه إذا ما رفضت إيران الموافقة على تغييراتٍ جذرية.

وفي أواخر عام 2017، واجهت إيران موجةً جديدة من الاحتجاجات الشعبية التي هزت أسس النظام. ومنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في عام 2009، التي اندلعت بسبب مزاعم تزوير الانتخابات، لم يحصل حشدٌ شعبي ضد الدولة، وعلى عكس باقي المنطقة، شهدت إيران فترةً من الهدوء النسبي. وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية الكبيرة الناجمة عن العقوبات المُعيقة وسوء الإدارة المالية، اعتبر البلد مستقراً سياسياً، حسب المعايير الإقليمية، على الأقل.

وعندما اندلعت الاحتجاجات في مدينة مشهد لتنتشر فيما بعد في جميع أنحاء البلاد، كانت الولايات المتحدة أول بلد يبدي رد فعل. ففي 31 ديسمبر 2017، كتب ترمب تغريدة على تويتر “احتجاجات ضخمة في إيران. أخيراً فطن الإيرانيون إلى أن أموالهم تسرق وتبدد على الإرهاب. يبدو أنهم لن يتحملوا هذا الوضع لمدة أطول. الولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب، لتسجيل انتهاكات حقوق الإنسان.”

وفي اليوم التالي، الموافق الأول من يناير 2018، غرّد مجدداً قائلاً “إيران تفشل على كل المستويات، على الرغم من الاتفاق البشع الذي أبرمته معها إدارة الرئيس باراك أوباما. الشعب الإيراني العظيم كان مقموعاً لعدة سنوات. فهم جوعى للطعام والحرية. وبجانب حقوق الإنسان، ثروة إيران تسرق. حان وقت التغيير.”

تبع ذلك بوقتٍ قصير تغريدة نشرها نائب الرئيس، مايك بينس، إذ قال: “طالما بقي دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة وأنا نائباً للرئيس، لن نكرر أخطاء الماضي المشينة، حين وقف الآخرون يتفرجون وصرفوا الأنظار عن المقاومة البطولية للعشب الإيراني الذي خاض كفاحاً ضد النظام القاسي… إن المقاومة الشجاعة والمتنامية للشعب الإيراني توحي اليوم بالأمل والإيمان لجميع من يكافح من أجل الحرية وضد الاستبداد. يجب علينا ألا نخذلهم ولن نفعل ذلك.”

وعلى الرغم من أن الاحتجاجات الأخيرة لم تكن دموية كما كانت في عام 2009، إلا أنه سرعان ما طالبت إدارة ترمب بالدعوة إلى اجتماعٍ طارىء لمجلس الأمن الدولي. في ذلك الاجتماع، صرحت نيكي هالي، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، بأنه “تم إخطار النظام الإيراني: سيراقب العالم ما تفعلونه.” ومع ذلك، لم تتردد روسيا في الاحتجاج على أن واشنطن تجر المجلس الذي يركز على الأمن الدولي إلى ما أسمته قضية محلية.

International Affairs- Omid Javan
رجل إيراني يقرأ نسخةً من صحيفةٍ يومية تحمل صورةً للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وعنواناً باللغة الفارسية: “ترمب المجنون وخطة العمل الشاملة المشتركة المنطقية،” أمام كشكٍ في العاصمة الإيرانية، طهران. Photo AFP

ومع عودة الهدوء إلى الشوارع الإيرانية، أعلنت إدارة ترمب أنها تبحث فرض عقوباتٍ على التلفزيون الرسمي الإيراني، كجزءٍ من تدابير معاقبة أولئك المتورطين في الحملة ضد المتظاهرين.

ساعدت هذه التحركات، إلى حدٍ كبير، في تعزيز موقف النظام بأن “عملاء أجانب” كانوا مسؤولين عن الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وبعبارة أخرى، ساعدت حماسة الولايات المتحدة على “التغيير” المتشددين على وضع المظالم السياسية والاقتصادية الحقيقية للمتظاهرين في إطار المؤامرة الخارجية.

وقال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، في خطابه الأول عقب الاضطرابات “إن العدو كان ينتظر الفرصة دائماً لاستهداف الشعب الايراني. وفي قضايا الأيام الأخيرة، تحالف اعداء ايران عبر أدواتهم المختلفة المتوفرة لديهم ومنها المال والسلاح والسياسة والاجهزة الامنية لافتعال المشاكل للجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية.”

كما اتهم الحرس الثوري الإيراني القوي الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل والمملكة العربية السعودية بتحريضهم على اندلاع الاحتجاجات، حيث اجتمع البرلمان والمسؤولون الأمنيون لمناقشة أهم التحديات التي تواجه المؤسسة الدينية منذ حوالي عقدٍ من الزمان.

وقال الرئيس حسن روحاني أن للمواطنين الحق في الاحتجاج لكن ترمب “ليس له الحق في التعاطف مع الايرانيين.” واضاف إن “هذا الرجل في أمريكا الذي يريد اليوم التعاطف مع شعبنا، حيث تناسى أنه وصف الشعب الإيراني قبل عدة أشهر بالإرهابي، هذا الشخص الذي يعادي الشعب الإيراني لا يحق له التباكي على شعبنا”.

في الواقع، ومقارنةً بالإنتفاضة السابقة، خرجت الحكومة الأمريكية عن أسلوبها المعتاد في إظهار الدعم للمتظاهرين الإيرانيين. وعلى الرغم من صعوبة قياس الرأي العام في إيران، إلا أنه يبدو أن هناك قلة من الإيرانيين تأثروا باللفتة الأمريكية. ففي عام 2009، دعا المتظاهرون أوباما تقديم الدعم لهم، فقد برز في ذلك الوقت شعارٌ شهير حمل عبارة، “أوباما، إما أن تقف معنا أو مع الولايات المتحدة الأمريكية.” ولكن في الاحتجاجات الأخيرة، لم يُسمع أي شعارٍ يعترف بدعم الولايات المتحدة للشعب الإيراني. ويبدو أنه في السنوات الأخيرة باتت العديد من شرائح المجتمع الإيراني تشعر بخيبة أملٍ تجاه الولايات المتحدة.

وإلى جانب الطبقة العاملة، التي تأثرت بشكلٍ خاص من العقوبات الأمريكية، أصبحت الطبقة الوسطى أيضاً غير راضيةٍ بشكلٍ متزايد عن الولايات المتحدة. فقد أدت سياسات ترمب الأخيرة، والتي تتضمن رفض إعادة التصديق على الاتفاق النووي، والتي تدعو الخليج الفارسي بـ”الخليج العربي،” فضلاً عن حظر السفر على المواطنين الإيرانيين، إلى تضييق الفجوة بين الدولة والمجتمع المدني الإيراني عندما يتعلق الأمر بالمشاعر المعادية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من احتمالية فرض عقوباتٍ أمريكية إضافية في الأسابيع المقبلة، حيث تسعى إدارة ترمب إلى استخدام قضايا حقوق الإنسان لتطبيق المزيد من الضغط على النظام، يبدو أن هذه المشاعر المعادية للولايات المتحدة آخذةٌ في النمو فحسب.