وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

باسم يوسف: الكوميدي المنبوذ

 

باسم يوسف
المؤلف المصري باسم يوسف يصل إلى السجادة الحمراء للاحتفال الثامن للسحر والنجاح العربي، 2022 جوائز Enigma Achievement Awards، في دبي في 03 مارس 2022. تصوير باتريك باز / مجلة Enigma

مع إندلاع الثورة في مصر في 25 يناير 2011، عمّت موجة الإبداع جميع أنحاء البلاد، مع تحول الفنانيين المستقلين إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلوا إلى شريحة أكبر من الجماهير بشكلٍ مباشر، متجاوزين سيطرة الناشرين والمنتجين. ولكن، لم يحظى أحدٌ منهم بإشادة أكبر من النقاد كالتي حظيّ بها باسم يوسف، الذي أصبح في غضون سنتين الفنان الأكثر شهرة في العالم العربي، وخلق ظاهرة حاول الكثيرون تقليدها، ولكن دون جدوى.

يوسف الشاب، الذي يتمتع بالكاريزما (مواليد 1974) كان جرّاح قلب عندما اندلعت الثورة، فعندما خرجت مسيراتٌ شعبية إلى ميدان التحرير ضد حكم الدكتاتور المستبد منذ فترة طويلة، حسني مبارك، انضم يوسف إلى الحركة التي أطاحت في نهاية المطاف بالرئيس في فبراير 2011، حيث كان يُساعد في رعاية الجرحى من المتظاهرين.

كانت هذه بداية المرحلة التالية في حياة يوسف، لتقديم عرض سياسي ساخر لم يسبق رؤيته إطلاقاً في العالم العربي. وباعتباره أحد المعجبين، منذ زمنٍ طويل، بجون ستيورات وبرنامج “ذا ديلي شو“، توجه إلى اليوتيوب لعرض برنامجه بعد فترة قصيرة من الثورة، عرضٌ يبعده عن قيود الرقابة والإشراف من قِبل منتجي البرامج.

حقق برنامجه على شبكة الانترنت، الذي أطلق عليه اسم “B+” نجاحاً مذهلاً بين عشيةٍ وضحاها. سخر البرنامج، الذي أنتجه بميزانية متواضعة جداً، من عالم السياسة، مستخدماً الحد الأدنى من المؤثرات البصرية وصوراً وفيديوهات تم جمعها وتصميمها من قِبل جمهوره. وسرعان ما جذب مئات الآلاف من المشاهدين، الذين انتظروا بفارغ الصبر نشر الحلقات الجديدة، مستمتعين بحريتهم المكتسبة حديثاً. وحالما كان يتم نشر حلقة جديدة، كانت تتم مشاركتها وإعادة مشاركتها فوراً من قِبل الآلاف عبر صفحات موقعيّ الفيسبوك وتويتر. وسرعان ما جذب أنظار وسائل الإعلام الشهيرة، الذين أدركوا القيمة التي قد يُضيفها لقائمة برامجهم.

يوسف، الذي أصبح يُعرف بجون ستيورات العرب، وقّع أول صفقاته مع قناة أون تي في مصر لعرض برنامجه “البرنامج“، ليصبح برنامجه أول برنامجٍ يقفز من اليوتيوب إلى قنوات التلفزيون السائدة في الشرق الأوسط. وبوجود ميزانيةٍ أكبر، وظهور العديد من ضيوف الشرف، والحرية المطلقة، حقق البرنامج نجاحاً ساحقاً للقناة. تهكم يوسف وسخر من مختلف الفئات، من مقدميّ البرامج إلى مرشحي الرئاسة أمثال محمد البرادعي، وأحمد شفيق، والمرشح آنذاك، الذي كسب سباق الانتخابات، محمد مرسي، حيث قاد عهداً جديداً من حرية التعبير لم يسبق له مثيل في الشرق الأوسط.

ومع استنزاف شهرته الحديثة للمزيد من وقته، حاول باسم يوسف التوفيق، لبعض الوقت، ما بين حياته ككوميدي وحياته كجراح قلب. فقبل اندلاع الثورة، كان يوسف قد حصل على شهادة الزمالة في أمراض القلب للأطفال من كليفلاند كلينك المرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اعتبرها آنذاك تذكرة “الخروج” من البلاد. وعلى الرغم من أنه استثمر أكثر من 20 عاماً في ممارسة الطب، إلا أنه تخلى عنه للتركيز على برنامجه.

بعد تقديمه 104 حلقات ناجحة منذ بداية شهر رمضان لعام 2011، انتقل الموسم الثاني من البرنامج إلى قناة جديدة وبدأت مرحلة جديدة من حياة يوسف كمقدم برامج. انتقل من أصغر استوديو في قناة أون تي في إلى مسرح راديو القاهرة بوسط البلد الذي تم تجديده حديثاً، حيث تضمن العرض وجود جماهير في المسرح يصل عددهم إلى 220 شخص كل أسبوع. بثت أولى الحلقات في شهر نوفمبر 2012 على القناة المصرية سي بي سي، وأصبح أول برنامج يستضيف جمهوراً على أرض الواقع في الشرق الأوسط.

بُث الموسم الثاني خلال رئاسة محمد مرسي التابع لجماعة الإخوان المسلمين، التي بدأت في يونيو 2012. وبناءً على حرية التعبير التي تمتع بها في السابق، سارع يوسف إلى انتقاد الحكومة الجديدة علناً، وكان كثيراً ما يسخر من خُطب الرئيس ومظهره. وبعد عرضين فقط من الموسم، وجهت إليه دعاوى قضائية متعددة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، وإهانة الإسلام، ونشر الشائعات لزعزعة السلم العام.

أصدر النائب العام أمراً بالقبض على يوسف في أوائل عام 2013، وبعد تحقيقات مطولة أطلق سراحه بكفالة. ومع تضاعف أعداد متابعيه، أصبح من أكثر البرامج مشاهدةً في تاريخ التلفزيون العربي، فقد تخطى برنامجه على موقع اليوتيوب وحده، أكثر من 100 مليون مشاهدة.

وبعد أن قام الجيش المصري بانقلاب عسكري مدعوم من الشعب للإطاحة بمرسي بعد عامٍ واحدٍ فقط من توليه الرئاسة في يوليو 2013، أوقف برنامج يوسف لعدة أشهر. وقد واجه انتقاداتٍ واتهاماتٍ بفرضه رقابةً ذاتية على نفسه وعدم سخريته من وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي (قائد الانقلاب) كما كان يفعل في عهد مرسي.

ولكن بعد عرض برنامجه مجدداً بعد انقطاعٍ دام نحو أربعة أشهر، تغير مناخ حرية التعبير في مصر بشكلٍ كبير. بدأ بالسخرية من كيفية عبادة الناس للسيسي، إلا أن الرياح لم تجري بما تشتهي السفن بالنسبة للكوميدي. أصدرت قناة سي بي سي بياناً تنأى بنفسها عن المواقف السياسية ليوسف، وسرعان ما أوقف البرنامج من العرض، لعدم التزامه بالعقد كما ورد عن القناة. تفجر غضب المشاهدين الذين كانوا من أشد المؤيدين للبرنامج في وجه يوسف، متهمينه بأنه أداة في يد جماعة الإخوان المسلمين، الذين كان غالباً ما ينتقدهم في السابق.

وفي فبراير 2014، خطى خطوة ثالثة لقناة جديدة. عُرض الموسم الثالث من البرنامج على قناة إم بي سي مصر، كعرضٍ أول، وأعيد بثه على القناة الألمانية دويتشه فيله. كان المشاهدون ينتظرون بث الحلقات بفارغ الصبر، كما حقق البرنامج أرقاماً قياسية جديدة بأعداد المشاهدين، إلا أن يوسف وجد نفسه غارقاً بالدعاوى القضائية بتهمة إهانة الجيش “رمز مصر،” والحكومة، وتهديد السلم العام.

وبعد 11 حلقة فقط، أوقفت القناة عرض البرنامج خلال فترة الانتخابات الرئاسية “لمنعه من التأثير على الناخبين.” وبعد أن حقق عبد الفتاح السيسي انتصاراً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية بنسبة 93% من الأصوات في مايو 2014، أعلن يوسف في مؤتمر صحفي إلغاء برنامجه المحبوب، بسبب الضغوطات الهائلة التي تعرض لها هو وعائلته والقناة.

وصرّح بأنه وفريق عمله اتخذوا قرار إلغاء البرنامج عوضاً عن التخفيف من لهجته وفقدانه بريقه. “لن يسمح للبرنامج في شكله الحالي العودة على أي قناة مصرية أو عربية. البيئة التي نعيش فيها غير مناسبة للبرنامج، وأنا متعب، كما لم نعد قادرين على تحمل المزيد،” هذا ما صرّح به للصحفيين. “لأولئك المسرورين من إلغاء البرنامج، أقول لهم أن إلغاء البرنامج انتصارٌ لنا.”

وفي مقابلةٍ له مع برنامج “Fresh Air” على الإذاعة الوطنية العامة في الولايات المتحدة، قال يوسف إن النيابة العامة تمتلك في النهاية حوالي 400 تهمة موجه ضده تحت التصرف، ليستخدمها النظام كلما شعر بضرورةٍ لذلك.

في نهاية المطاف، انتقل يوسف مع عائلته إلى دبي، بعد أن تم إيقاف برنامجه من العرض. كما رفض عرضه على قناة غير عربية، قائلاً أن ذلك سيلحق الضرر بمصداقيته. وفي عام 2015، انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي يناير 2015 بالتحديد، أصبح زميل مقيم في معهد السياسة في جامعة هارفارد.

وعلى الرغم من أنه لم يعد يظهر على شاشة التلفزيون، إلا أن يوسف لم يختفي عن أعين الجماهير، فلا زال له تأثير على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث له ملايين المتابعين من جميع أنحاء العالم. ويعود له الفضل في إيقاف أحد البرامج عن العرض بعد أن شنّ حملة شعبية على وسائل التواصل الاجتماعي ضد رهام سعيد، مقدمة احد البرامج. فضلاً عن ذلك، فقد ورد اسمه ضمن لائحة “أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم،” التي تصدرها مجلة تايم في عام 2013.

بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة، عمل يوسف في مشاريع عدة، أبرزها فيلم Tickling Giants، وهو فيلم وثائقي أصدر عام 2017 للمخرجة سارة تيسكلار يبرز فيه تجربته، وسلسلة Democracy Handbook عام 2016 مع Fusion.

لكن ما لفت أنظار العالم مرة أخرى إلى يوسف هو ظهوره الأخير في برنامج بيرس مورغان “Piers Morgan Uncensored” . في 18 أكتوبر 2023، تعقيبا على ما يحدث في غزة، ظهر يوسف كضيف في برنامج مورغان حيث قدم رسالة سياسية قوية من خلال عرض ساخر مدته 30 دقيقة تقريبًا. ومن خلال فكاهته، سلط الضوء على المعايير المزدوجة بما يتعلق في حياة الفلسطينيين مقابل حياة الإسرائيليين. كما قام بتصوير الأجندة الدعائية لوسائل الإعلام الغربية نظرا للجرائم التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في غزة. وبعد فترة وجيزة، انتشرت المقابلة على نطاق واسع.

ومن المهم الإشارة إلى أن حلقة يوسف كانت الأكثر مشاهدة حتى الآن في تاريخ البرنامج. ومن المتوقع أن يظهر يوسف مرة أخرى على برنامج بيرس مورغان في 31 أكتوبر.

بالنسبة لباسم يوسف، الكوميديا أداة لتثقيف الناس، وتشجيعهم على التفكير النقدي أثناء استمتاعهم بالعرض، ورفع مستوى الوعي حول القضايا الراهنة، وتحدي الحكام.

user placeholder
written by
Ahmad Kamal
المزيد Ahmad Kamal articles